الدعم السريع يعلن السيطرة على النهود    وزير التربية والتعليم بالشمالية يقدم التهنئة للطالبة اسراء اول الشهادة السودانية بمنطقة تنقاسي    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    عقار: بعض العاملين مع الوزراء في بورتسودان اشتروا شقق في القاهرة وتركيا    عقوبة في نواكشوط… وصفعات في الداخل!    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    سلسلة تقارير .. جامعة ابن سينا .. حينما يتحول التعليم إلى سلعة للسمسرة    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قضية جبال النوبة ليست ساحة لتصفية الخصومات أيها الأشاوس.. بقلم: صلاح الدين سعيد
نشر في سودانيل يوم 06 - 05 - 2011


صلاح الدين سعيد جمين
الدوحة – قطر
قصص صمود وكفاح القوميات النوبية في جبال النوبة ضد المعتدين الغاصبين قديمة قدم وجودها على تلك الأرض. فالذاكرة الجمعية لهذه المجتمعات, ممثلة في آدابها وفنونها المتناقلة جيل عن جيل, تختزن قصصاً بطولية وروايات مأساوية عن معاناة أجدادهم وأسلافهم في سبيل البقاء والاستمرار السلالي على وجه الأرض. ويمكن رصد تلك القصص في التاريخ الحديث ابتداءً بالعهد التركي– المصري, مروراً بفترة حكم المهدية بكل ويلاتها وعذاباتها, والتي اقترنت بحملات صيد الرقيق كما كان الحال في العهد الذي سبقه, ثم فترة الحكم الثنائي (الإنجليزي– المصري) وانتهاءً بحكومات ما بعد الاحتلال الإنجليزي. إن جوهر قضية جبال النوبة اليوم يتمثل في التهميش السياسي والإقتصادي والاضطهاد الاجتماعي والقهر الثقافي الذي ترزح تحت وطأته القوميات النوبية التي تقطن المنطقة منذ خروج المحتل البريطاني وقيام أنظمة حكم ظالمة في حيز جغرافي معلوم سمي, زوراً وبهتاناً, بالدولة بالوطنية في السودان.
ويجدر هنا ونحن في حضرة القضية أن نذكر من باب الوفاء والعرفان بالجميل كل الذين حملوا أرواحهم على أكفهم طوال سنوات النضال وقدموها قرابين للقضية وفداءً لأهلهم في جبال النوبة وفي مقدمة هؤلاء الشهداء منا الذين بذلوا دمائهم رخيصة ليحفظوا لنا الكرامة والجدارة الإنسانية بالعيش الكريم. وأسمحوا لي في هذا المقام أن أحيي الذكرى العاشرة لسلطان الشهداء وزعيم الثوار المناضل يوسف كوة مكي الذي أنار الدرب للسالكين إلى الحرية من بعده. كما أخص بالذكر أيضاً كل الأحياء من أبطالنا الأشاوس الذين قاتلوا ببسالة وشرف في ساحات النضال ومعارك التحرير- العسكرية منها والمدنية - ولازال الكثير منهم ممسك بزناده أو قلمه في انتظار الحل العادل للقضية. إن منطقة جبال النوبة قد وضعت بفضل تضحيات أبناءها العظيمة وجهودهم المخلصة في المسار الصحيح, وأنها قد قطعت أشواطاً مقدرة نحو التحرر والإنعتاق من جبروت المركز وعسفه.
ليس من أدنى شك في أن الانتخابات التكميلية في ولاية جنوب كردفان/ جبال النوبة سواء كانت على مستوى المجلس التشريعي أو لاختيار الوالي تعتبر تاريخية وعلى درجة عالية من الأهمية بالنسبة للمنطقة والسودان لأنها تشكل علامة فارقة من حيث المنظور الدستوري والسياسي والإداري والاقتصادي ذي الصلة بعلاقات السلطة الجديدة التي ستنشأ بين الولاية - وربما ولايات أخرى لاحقاً – والمركز, وذلك فيما يخص هيكل ونوع ومستوى الحكم اللامركزي والمؤسسات والصلاحيات التنفيذية والتشريعية وقسمة الولاية من الثروة والسلطة القومية الموصوفة في اتفاقية السلام الشامل.
من ناحية ثانية, فإن مشكلة القائد تلفون كوكو مع إخوته رفقاء الدرب والسلاح من قيادات الحركة الشعبية في جبال النوبة تمثل تحدياً يواجه القضية إن لم تحل في المستقبل المنظور, نظراً إلى الاستقطابات والتصدعات التي قد تنشأ عنها وسط أبناء النوبة. هذا بالاضافة إلى إمكانية استغلالها وتوظيفها بخبث من قبل الأعداء والخصوم السياسيين في المركز والمنطقة. وقد تبدى ذلك بالفعل جلياً في السلوك التخريبي للمؤتمر الوطني لضرب وحدة أبناء جبال النوبة في هذا المنعطف الحرج من تاريخ المنطقة, وذلك من خلال دعم ترشيح القائد تلفون كوكو وتوفير بعض المعينات اللازمة لذلك أخطرها تلك الحملة التي أطلقها عبر أقلامه الضالة المسعوره لدس السم في العسل. فهاهما المدعوان "بالطيب" مصطفى, و"الصادق" الرزيقي, يكتبان بخبث والحاح للي عنق الحقيقة وتعميق الخلاف بين أبناء النوبة في الحركة الشعبية وخارجها وفك لحمتهم. وللزيف الذي يعتور اسميهما بالنظر إلى واقع حاليهما أهديهما بيتين من الشعر علهما يهمدا ويكفا عن بث الفتن وقول الزور ويتماهيا شيئاً قليلاً مع جوهر اسميهما:
مما يزهدني في أرض أندلس أسماء معتمد فيها ومعتضد
ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد
إذن فكتابات الرجلين ليست بريئة ومناصرتهما لتلفون كوكو ليست خالصة لوجه الله وإنصاف الحقيقة أو حباً فيه, وإنما هي كتابات تصور كرهاً دفيناً في دواخلهما للحركة الشعبية ولرؤيتها الداعية للعدالة والمساواة والتحرر والانعتاق من جبروت المركز وظلمه الذي استمر لأكثر من خمسين عاماً, والذي يمثل مصطفى أحد وجوهه الكالحة القميئة التي خبرناها وخبرها أهل الهامش جميعاً. ولن يقنعنا بأن قلبه على جبال النوبة وأهلها, فهو وأمثاله في دست الحكم هم الذين أعادوا السودان القهقرى إلى حيث العنصريات المنتنة والعصبيات المقيتة, وهم الذين دفعوا بتلفون كوكو وأهله إلى أتون حرب ضروس لاتبقي ولاتذر. وكل مانطلبه منه الآن هو أن يكف أذاه عنا ويتركنا في حالنا, فنحن في جبال النوبة أقدر على تدبير أمورنا وتصريف شؤوننا.
وبالعودة إلى موضوع ترشيح الأخ تلفون كوكو لمنصب الوالي في الانتخابات الجارية في الولاية, فإنه وكما يعلم الجميع رهن الاعتقال أو بالأحرى يقضي حكماً بالسجن في سجون الجيش الشعبي لتحرير السودان بالجنوب. وبصرف النظر عن رأينا في هذا الأمر فإن تطورات- ربما نختلف في تقدير درجاتها- قد حدثت جراءه. أخطر هذه التطورات الانقسام الذي وقع, وإن بدى صغيراً الآن, داخل أبناء النوبة. ولقد تجلى ذلك في تبني فئة قليلة من أبناء النوبة المفصولين من الحركة الشعبية موضوع ترشيح الأخ تلفون كوكو بمساندة واضحة من حزب المؤتمر الوطني المنافس الأول للحركة الشعبية في انتخابات الولاية, فضلاً عن مساندة فئة قليلة من أبناء النوبة في الداخل والمملكة العربية السعودية.
وهنا تنهض جملة من الأسئلة التي تتطلب إجابات وافية وشافية. أولاً: ما الهدف ومن المستفيد من ترشيح الأخ تلفون كوكو؟؛ ثانياً: ما هو الموقف الحقيقي للأخ تلفون كوكو من أمر ترشيحه بالوكالة من قبل فئة من أبناء النوبة في هذه المرحلة الخطيرة من عمر المنطقة والقضية؟؛ ثالثاً: ما هي التداعيات المستقبلية للخلافات وبوادر الانقسام في أوساط قادة وكوادر الحركة الشعبية في جبال النوبة؟؛ رابعاً: هل للأخ تلفون كوكو "كمرشرح مستقل" أي فرصة حقيقية للفوز بمنصب الوالي؟
وسوف أجتهد هنا في الإجابة عن الأسئلة عاليها بنفس تراتبية ورودها. بالنسبة للسؤال الأول فالإجابة عنه من شقين, الشق الأول متعلق بالمؤتمر الوطني الذي يهدف إلى ضرب وحدة أبناء النوبة في مقتل عند منعطف حرج في مسيرتهم القاصدة إلى تحقيق ذاتيتهم واستقلاليتهم. ولا يقولن لنا قائل بأن النوبة أصحاب مصلحة في موضوع ترشيح تلفون كوكو, بل هم الخاسر الأكبر والأوحد في هذه المعركة والمؤتمر الوطني هو من سيفوز بالرهان في آخر المطاف إذا استوفت المؤامرة, التي يقوم فيها بعض أبناء النوبة بدور المغفل النافع, أركانها وبلغت غايتها. وهنا يبرز تسأؤل: هل فات على بعض إخوتنا من أبناء النوبة الذين يوالون المؤتمر الوطني ويعينونه على تنفيذ مآربه في المنطقة الوقوف على حقيقة دوافعه ونواياه والتي هي أوضح من أن تخفى, أم أن النفس الأمارة بالسوء والعزة بالإثم قد أخذتهم كل مأخذ؟.
أما الشق الثاني من الإجابة فيتعلق بأبناء النوبة المفصولين من الحركة الشعبية والذين تبنوا أمر ترشيح الأخ تلفون كوكو, كما يتعلق بأبناء النوبة الذين ساندوا ودعموا أمر الترشيح معنوياً ومادياً وإعلامياً. فلهؤلاء دوافع وأهداف تختلف عن تلك التي للمؤتمر الوطني. فالمجموعة المفصولة من الحركة الشعبية هدفها تصفية حسابات وخصومات لديها مع الحركة الشعبية ورئيسها في جبال النوبة الأخ عبد العزيز آدم الحلو. وهذا الأمر واضح وجلي في كتاباتهم التي تتميز باسلوب ولغة تنضح بمرارات وغبائن لم يفلحوا في تجاوزها أبداً حتى الآن. وأنا هنا لا أتحدث عن صحة مواقفهم أو عدم صحتها في المفاصلة التي وقعت بينهم والحركة الشعبية في الجبال, وذلك لأنني لا أعلم الكثير عن هذا الأمر وبالتالي لست مؤهلاً للخوض أو الحكم فيه, غير أني أملك الحد الأدنى من المعرفة والقدرة التي تمكنني من استقراء المعطيات المتاحة في هذا الشأن وربطها وتحليلها ومن ثم الخلوص إلى نتائج يمكن أن تقارب الواقع إن لم تطابقه. وفي ما يخص أبناء النوبة الذين دعموا أمر الترشيح معنوياً ومادياً وإعلامياً فلا أستطيع أن أجزم بشيء بعينه كسبب أو دافع حملهم على هذه المناصرة. فربما كان إحساس بعضهم بأن الأخ تلفون كوكو قد ظلم من قبل الحركة الشعبية هو الشيء الذي حركهم للتعاطف معه, وربما العصبية القبلية كانت هي الدافع لدى البعض الآخر. كما أن التضليل الإعلامي الذي وقع فريسته الكثير من أبناء النوبة ربما كان له أثره على فئة ثالثة منهم. وفي اعتقادي أن بعض ذلك قد تم بفعل آلة الكذب الضخمة التي يديرها المؤتمر الوطني, والتي حرصت على رسم صورة سلبية منفرة للحركة الشعبية تأسست في أحد أوجهها على أنها – الحركة - قد استغلت أبناء النوبة في الحرب وتنكرت لهم في السلم. وهذا موضوع مهم وسنفرد له مقالاً لوحده نتطرق فيه بالتحليل والنقد الموضوعي إلى ظروف نضال أبناء النوبة المشترك مع أهل الجنوب والنيل الأزرق من أجل قضيتهم حرباً وتفاوضاً وسلماً. قناعتي أنه ومهما كانت دوافع هذه الفئة من أبناء النوبة فإن موقفها بتبني ومساندة ترشيح الأخ تلفون كوكو قد جانبه الصواب لعدة إعتبارات سنوردها في الآتي:
1. إبتداءً, نقول بأن الانتخابات التكميلية في الولاية ليست انتخابات عادية بل هي مصيرية تحدد مستقبل المنطقة والأجيال القادمة ولاتحتمل التشاكس أو التطاحن الداخلي, لذلك فإن مصلحة أهل المنطقة والقضية ودقة المرحلة كانت تقتضي من الجميع قدراً من الحكمة في التعامل مع الخلافات والسمو فوق الصغائر والجراح؛
2. هذا الموقف سيفاقم الخلاف ويوسع دوائره ويولد مشاعر سلبية إن لم نقل ضغائن في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى إفشاء روح الإخاء والمحبة وقيم التكاتف والتضامن وأن نجعل من الوحدة بيننا جميعاً عرباً ونوبة وفلاتة وبرقو وإثنيات أخرى جسراً لبلوغ الغاية التي ناضلنا من أجلها سنين عددا؛
3. وهذا الموقف سمح لأعدائنا بالتدخل في شؤوننا ودس أنوفهم في ما لايعنيهم لتعميق شقة الخلافات بيننا, فهم كالسوس يعملون نخراً في عظم قضيتنا.
4. كما أن هذا الموقف لن يفضي بنا وبهؤلاء الإخوة إلى أي شيء إيجابي يخدم القضية, بل على العكس سيضر بها لأنه سيفتح الباب واسعاً لصراعات مريرة في المستقبل, أو على أقل تقدير سيعمل على بعثرة الأصوات وتشتيتها في الانتخابات التي تجري الآن في الولاية. وهذا وضع سيفيد منه المتربصين بالمنطقة بقصد الهيمنة والسيطرة عليها. من ناحية أخرى, فإن هذا الموقف سيكون خصماً على هؤلاء الإخوة في مسيرتهم السياسية إن كان خيارهم هو الإستمرار في العمل السياسي.
ويتمحور السؤال الثاني حول حقيقة موقف الأخ تلفون كوكو من مسألة ترشيحه بالوكالة من قبل بعض أبناء النوبة في هذه المرحلة الحرجة من عمر المنطقة وما تنطوي عليه هذه الخطوة من مخاطر على القضية. وفي هذا الشأن فإننا لا ندري إن كان الترشيح قد جرى برغبة خالصة من الأخ تلفون نفسه, ومن ثم أوكل لبعض الإخوة مهمة استكمال إجراءات الترشيح والقيام بالحملة الدعائية وبقية مطلوبات العملية الانتخابية, أم أن الترشيح قد تم بمبادرة من بعض الإخوة ووافق عليها الأخ تلفون ومن ثم باركها وساندها المؤتمر الوطني. أياً كان الأمر, ومع تسليمنا التام بأن الترشيح أو الترشح للمواقع العامة حق ديمغراطي أصيل ومستحق كفله القانون والدستور لكل مواطن, فإن موضوع ترشح الأخ تلفون كوكو أو ترشيحه من قبل آخرين وموافقته على ذلك أمر يخدش سيرته وتاريخه النضالي ويقدح في صدقية مواقفه ومساعيه لنصرة قضية النوبة وخدمة المنطقة وأهلها. خاصة وأن ذلك يأتي في ظرف دقيق يواجه فيه النوبة والشرفاء من أبناء المنطقة من الإثنيات الأخرى تحدي أن يكونوا أو لايكونوا. وهنا يؤسفني جداً أن أقول لك أخي الثائر العنيد والمناضل الجسور تلفون كوكو أن سهمك قد أخطأ هدفه دون قصد منك وهو يوشك أن يصيب القضية في مقاتلها. فأنت بخطوتك هذه تحاول تصفية خصومات ومواقف قديمة مع إخوتك رفقاء الدرب والكفاح, ولا غضاضة في ذلك, غير أنك اخترت القضية ساحةً لتلك المعركة وهو اختيار في رأي لم يحالفك فيه التوفيق أبداً.
قناعتي أن أدب الخلاف وشرف الخصومة قيم عليا يجب أن نتحلى بها جميعاً وصفة ينبغي أن يتوشح بها كل الشرفاء شركاء القضية والنضال في جبال النوبة وبدونها ستذهب ريحنا ونتبدد في الآفاق غير مأسوف علينا. فمن الطبيعي أن نختلف ونتدافع فهذا مقبول ومطلوب لأن الحياة نفسها تطوي مسيرتها عبر هذا التدافع والصراع الكفاحي الخصيب المفضي إلى خير البشرية جمعاء. ولكن أن نجعل من قضية جبال النوبة بكل ما أنضمت عليها ضلوعنا وحنايانا من تطلعات وأشواق نبيلة ساحة لتصفية خصوماتنا فهذا ما لا نقبله ولا نرضاه لأنفسنا ولقضيتنا العادلة, بل نزيد ونقول بعبارة واضحة وجلية... القضية خط أحمر لايسمح بتجاوزه ومحراب أقدس يحرم ويمنع تدنيسه مهما كانت مكانة المتجاوز والمدنس فينا.
جوهر السؤال الثالث هو التداعيات المستقبلية للخلافات وبوادر الانقسام التي ظهرت بين قيادات وكوادر الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان في جبال النوبة. في تقديري أن التداعيات في الوقت الراهن ليست خطيرة كما أنها ليست بسيطة, إلا أنها تنذر بصراعات يمكن أن تكون كارثية في المستقبل المنظور حال لم يبادر إلى محاصرتها ولجمها بتدابير وإجراءات عاجلة من قبيل طرح مبادرات مصالحة تقوم على المكاشفة والحوار بقلوب وعقول مفتوحة. ولا أعتقد أن أحداً منا يرغب في إعادة إنتاج تجارب الإخوة في الجنوب ودارفور في الانشقاقات والاقتتال والتطاحن الداخلي.
أما السؤال الرابع والأخير فيتعلق بوجود فرص حقيقية للأخ تلفون كوكو "كمرشح مستقل" للفوز بمنصب الوالي. وفي هذا الجانب نقول أن لا حظوظ للفوز تذكر للأخ تلفون كوكو في هذه الانتخابات التكميلية في الولاية. أقول ذلك واضعاً في الاعتبار عدة عوامل أولها أنه غير مسنود بتنظيم سياسي أو مؤسسة حزبية لها ثقل جماهيري ورؤية سياسية واضحة لكافة مشاكل وقضايا المنطقة ومستويات ونوع الحكم والإدارة فيها وعلاقة كل ذلك بالمركز. هذا بالاضافة إلى عدم توفر الإمكانات المادية والتسهيلات اللوجستية له والتي تعمل على تيسير صعوبات العمل السياسي اليومي في ولاية تفتقر إلى الكثير في كل شيء. وما انسحاب مرشح حزب العدالة الأخ مكي على بلايل من مضمار سباق انتخابات منصب الوالي على خلفية ضعف الموارد المالية لحزبه إلا دليل على صحة ما نقول في هذا الخصوص. ثانياً إن الأخ تلفون ليس له وجود فعلي في الولاية يتيح له سبل التواصل المباشر مع الجماهير نسبةً لظروفه المعروفة للجميع. والمفارقة هنا تكمن في أن هذا العامل الذي يعتبر نقطة ضعف الأخ تلفون في معركته الانتخابية غير المتكافئة هو نفسه عنصر القوة الذي أكسبه تعاطف بعض الناس تأسيساً على فرضية أنه مظلوم ومحجوب قسراً عن الساحة السياسية الولائية. إلا أن هذا التعاطف ليس كافياً لتشكيل رأي عام وتكوين قناعات كبيرة لدى قطاعات جماهيرية واسعة بأنه الأصلح للمنصب وبالتالي الأوفر حظاً.
في الختام أود أن أنتهز هذه السانحة لأوجه دعوة صادقة وخالصة للأخ تلفون كوكو وبقية الأخوة الذين يناصرونه أن يقفوا برهة للتملي في عواقب الخطوة التي اتخذوها على وحدة النوبة والقضية في المستقبل. كما اناشدهم واناشد كل الإخوة الفرقاء في الحركة الشعبية وفي المقدمة منهم الأخ عبد العزيز الحلو أن يتجاوزوا خلافاتهم ويسموا فوق جراحاتهم من أجل أن يرسموا البسمة على شفاه المعذبين من أهلهم ويحققوا الأمن والاستقرار والرفاه لشعبهم الذي ناضلوا من أجله وقاتلوا باسمه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.