من الملاحظ أن ظاهرة فش الغبائن تسود في كل المجتمعات البشرية وهذه الظاهرة النفسية المعقدة تتجلى في أوضح صورها في تعرض شخص لإساءة غير مبررة من قبل شخص أعلى منه مقاماً أو مركزاً أو وظيفةً أو سناً ثم قيامه لاحقاً بفش غبينته في شخص أدنى منه مقاماً أو مركزاً أو وظيفةً أو سناً، ومن الملاحظ أيضاً أن البشر يفشون غبائنهم في بعضهم البعض بوسائل مختلفة فهناك من يفش غبينته بأسلوب الضرب أو السب ، وهناك من يفش غبينته بتحطيم الأشياء وهناك من يفش غبينته بالضغط على دواسة البنزين فيشكل خطراً داهماً على نفسه وعلى سلامة الجميع! ولعل أبرز أمثلة هذه الظاهرة هي قيام صاحب شركة ما بتعنيف مديرها دون أي سبب فيقوم مديرها بتعنيف أحد الموظفين دون أي مبرر، فيقوم الموظف بفش غبينته في زوجته حينما يعود إلى المنزل دون أي وجه حق، فتقوم الزوجة بفش غبينتها في أطفالها بلا داعي ثم يقوم الصغار بفش غبائنهم في بعضهم البعض دون أي حجة ، وقد يقوم لاعب ما بإهدار ضربة جزاء في الثانية الأخيرة من مباراه كرة قدم نهائية على أغلى الكؤوس ، فيفش اللاعب غبينته بضرب الأرض ، ويفش الجمهور غبينته بسب المدرب ويفش المدرب غبينته بشتم الحكم ثم يبحث رئيس النادي عن كبش فداء لهزيمة الفريق فيفش غبينته بطرد المدرب! وقد تفرض الأممالمتحدة عقوبات دولية على رئيس دولة مارقة عن القانون الدولي فيقوم رئيس الدولة المعنية بفش غبينته السياسية بإطلاق النار على شعبه وهكذا تنداح دائرة فش الغبائن الخبيثة في كل الاتجاهات وتطال آثارها السيئة الجميع دون أي مبرر على الإطلاق! قد يقول قائل إن ظاهرة فش الغبائن هي ظاهرة طبيعية مبررة لأن الإنسان الذي يُقهر دون سبب من قبل شخص أعلى منه مقاماً أو مركزاً أو وظيفةً أو سناً لا بد له من التنفيس عبر الفعل أو الكلام في شخص آخر أقل منه مقاماً أو مركزاً أو وظيفةً أو سناً لأن كبت الاساءات غير المبررة قد يؤدي إلى انفجار نفسي لا تُحمد عقباه ، لكن هذا القول مردود عليه بأن هذه الظاهرة هي ظاهرة مرضية ويجب مكافحتها بكل الوسائل والسبل لأن ابتلاع الاساءات الصادرة من الأشخاص المتنفذين ثم الاستئساد على أشخاص مستضعفين لا علاقة لهم بالمصدر الأصلي للإساءة يشكل قمة الجبن الأخلاقي ويؤدي في ذات الوقت إلى تفشي الاعتداءات غير المبررة بين الناس. ولعل أفضل وسيلة للخروج من الحلقة المفرغة لظاهرة فش الغبائن هي التحلي بالانضباط الأخلاقي ، فيجب على كل إنسان صاحب سلطة أو نفوذ أن يمنع نفسه من توجيه الاساءات العدوانية وأن يربأ بنفسه من أن يكون مصدراً أصلياً للتعاسة البشرية المتسلسلة وأن يدرك جيداً أن توجيه الاساءات غير المبررة للأشخاص الخاضعين لسلطته أو رعايته سوف يولد الكراهية المستترة والحقد الدفين في نفوسهم وقد يؤدي إلى الانتقام منه بوسائل خفية مدمرة ، كما يجب على الشخص الذي يتعرض للإساءة بدون وجه حق أن يتحلى بالشجاعة الأخلاقية وأن يتصدى للمسيء الأصلي مهما علا شأنه في لحظة صدور الاساءة ، وأن يدرك تماماً أن التصدي الحاسم والشجاع للإساءات غير المبررة هو السبيل الوحيد لكسب احترام النفس وتجنيب الأشخاص الآخرين دفع ثمن سلوك سيء ارتكبه شخص آخر لا علاقة لهم به على الاطلاق. فيصل علي سليمان الدابي/المحامي