(1) مساء الأربعاء الماضي وأنا عائد من لقاء مع احد الأصدقاء أدرت مفتاح الراديو داخل السيارة فانطلق صوت احد مقدمي البرامج الإذاعية في إحدى إذاعات ال ف أم .. في العادة لا استمع لإذاعات ألfm لرأي شخصي فامتدت يدي بصورة تلقائية لتغير المحطة إلى محطة أخرى ولكن الصوت الذي انبعث عبر الأثير مشبعاً بنبرة السخرية مليئا بالكثير من الاستهزاء والاستخفاف جعل يدي تتوقف في مكانها .. البرنامج الذي كان يذاع كان احد البرامج الحوارية الخفيفة التي من المفترض أنها للترفيه عن المستمع ولإدخال البهجة والسرور على قلبه .. البرنامج كان عبارة عن لقاء مع إحدى الممثلات وعندما فتحت جهاز الراديو كان الذي يبث هو احد الحوارات السابقة التي أجريت معها عبر الهاتف ، في ذلك الحوار كان المذيع يحاول أن يخرج الممثلة عن طورها ففكرة تلك الفقرة كانت أشبه بفكرة الكاميرا الخفية حيث يتصل المذيع على إحدى الشخصيات منتحلا أي شخصية أخرى لاستفزاز الضيف الذي يختاره حتى يستفزه ويثير أعصابه ، مع تلك الممثلة كان الضيف ينتحل شخصية منتج يبحث عن ممثلات لتصوير عمل درامي جديد فإلى مضابط الجزء الذي استمعت في تلك الليلة : المذيع ( بالمناسبة صوته جميل جدا ) : اللوكيشن لازم يكون في اريتريا الفنانة التي تعتقد ان الذي يكلمها احد المنتجين : وليش اريتريا يعني .. المذيع : علشان الكل أتفوقوا انو اللوكيشن يكون في ارتريا الفنانة : يعني ما في مجال انو يكون في أي مكان ثاني ( طبعا كان نفسي تسمعوا كلمة ثاني من فم تلك الممثلة ) المذيع الذي يدعي انه منتج : علشان القصة وكذا يعني لازم يكون اللوكيش في اريتريا الفنانة: ليش لازم لازم لازم اريتريا حنا بنروح نييب ( نجيب ) خدم يعني .. ها ها ها ها المذيع ضاحكا : لا مش كذا بس القصة انو احد أبطال العمل اللي حنِا رايحين نصوروا كان هاجر قبل 200 سنة إلى ارتريا .. الفنانة بكثير من السخرية : يعني ها البطل الهمام ما لقى مكان في كل ها الدنيا يهاجر له إلا أفريقيا واريتريا بعد .. ها ها ها ها ها المذيع والذي كان يضحك بصورة متواصلة : أبشرك بعد ارتريا بنروح نصور في شمال السودان شمال أفريقيا يعني ، تعرفي اللغة الإفريقية ؟؟ الممثلة كما تسمى في البرنامج ضاحكة : الله الله الله ....... ثم عبارة لم اسمعها بسبب إحدى السيارات التي كادت ان تصطدم بسيارتي وبسبب النظرات العدائية الشذراء التي وجهها لي سائق تلك السيارة بالرغم من انه كان مخطئا بنسبة خمسمائة في المائة . المذيع مرة ثانية : بتعرفي اللغة الإفريقية ؟؟ ثم مواصلا : قولي دِزعة ( يقصد تسعة ) ها ها ها ها ها ... وانطلقت الضحكات .. عندما انتهى ذلك الجزء من الحوار والذي كان مسجلا في السابق كاشفت الفنانة المذيع وأخبرته أنها كانت تعرف عندما اتصل عليها ذلك المذيع أن في الموضوع ( خدعة ) أي أنها كانت تعرف أن هذا العمل ستتم إذاعته على الهواء وطلبت منه حتى يستطيع الطرف الآخر أن يصدق ( وينخدع ) أن يتم اختيار أماكن أكثر منطقية للتصوير (( تعني انه من غير المعقول أن يذهب احد للتصوير في ارتريا أو السودان )) ، وأصبت بالدهشة لان تلك المرأة استمعت لحوارها السابق للمرة الثانية وهي تتبادل الضحكات والتعليقات في سرور دون حتى أن تنتبه إلى أنها أساءت لشعب بأكمله وانه لا يضيرها أن يذاع ذلك على الهوا ، أصابتني الدهشة لان البعض من هؤلاء قد وصل إلى مرحلة عدم التميز وان الرؤية اختلطت عليهم حتى أصبحوا يعتقدون أن الإساءة لبعض الشعوب ( أقول لبعض الشعوب لان هناك شعوبا لا يجرؤن على قول كلمة واحدة بحقها ويقفون أمام شعوبها مرتعدي الفرائص ) هي حق مكفول لهم وأنها أمر طبيعي لا يقفون عنده ، أي أنهم اصحبوا عندما يسيئوا للآخرين لا يعرفون أنهم أساءوا و لا ينتبهون لإساءاتهم ولا يدركونها فلا فارق لديهم عند حديثهم عن البعض أو مع البعض بين كلمة شكرا و كلمة ابن الكلب . بالأمس كنت أيضاً في السيارة، كان البرنامج الذي يذاع كالآتي: يتصل احد المستمعين تطلب منه المذيعة أن يعطيها حرفين من اسمه حتى تحزر الاسم فان عجزت أهدته أغنية وطبعا عجزت المذيعة فسالت المستمع عن الأغنية التي يريد الاستماع إليها .. ذكر المتصل اسم أغنية معينة فكررت الاسم بعده متسائلة : تريد أغنية كذا . فكانت الإجابة كالآتي : آآآآآآآآآآآآآآآآآآي ها ها ها ها مساء الأربعاء تحولت حالتي من السرور إلى الأسى .. الأسى على تلك التي يقولون أنها ممثلة وعلى أمثالها أنا شخصياً لم اسمع بها في حياتي و اعتقد جازما أن معظمكم لم يسمع بها فكلنا يعرف حال الدراما الخليجية التي تعوقها اللهجة وتعوزها التلقائية والتي تفتقر للكثير من عناصر الجذب والتشويق حتى لمواطني الخليج أنفسهم ، بالمناسبة كان اسم تلك الضيفة يتضمن احد أيام الأسبوع لا ادري هل هو جمعة أم خميس أم سبت ، شعرت بالأسى عليها لعنجهيتها التي تجعلها لا ترى في شعب بأكمله إلا خدما ولعدم إلمامها حتى بمعلومات المهنة التي تدعي انتمائها إليها فهي لا تعرف أن العديد من الأعمال السينمائية الخالدة والعظيمة صورت في أكثر مناطق العالم فقرا لان التصوير يعتمد على المناظر الموجودة وليس على فقر الشعوب وغناها ، شعرت بالأسى عليها لعدم إدراكها أن المواطن في صحراء الخليج العربي قبل 200 عام كان على استعداد للهجرة إلى أي مكان في العالم لان هذه المنطقة في ذلك الوقت كانت منطقة طاردة لا تحتوى على ابسط مقومات الحياة وبالتأكيد قد هاجر الكثير من سكانها ليس إلى ارتريا فحسب وإنما إلى أي مكان وجدوا فيه كلا ومرعى وماء . إن من سنن الكون ونواميسه أن تدور عجلة الزمان بناء على حكمة لا يعلمها إلا هو فكم من إمبراطوريات بادت وكم من دول أفقرها الله بعد غنى وكم من بلدان أغناها بعد فقر والخليج هو اقرب الأمثلة وأوضحها. شعرت بالأسى عليها لسطحيتها فهي لا تعرف أن الشعب الارتري يضم مجموعة كاملة من القبائل العربية الخالصة والتي من أشهرها قبائل الرشايدة والزبيدفهم حتى غير مختلطون عرقياً وعليه فان دمائهم عربية بنسبة 100%... وطبعا أولئك الأبطال لم ينزلوا من السماء ولم يخرجوا من باطن الأرض وبما انه لا يوجد عرب إلا في جزيرة العرب فمن السهل جدا أن نعرف من أين أتوا وما الذي أتى بهم . شعرت بالحزن على تلك الممثلة لأنها لا تعرف أن قبائل التيقري الارترية ترجع أصولهم إلى اليمن الذي خرج منه كل العرب الموجودون على وجه الأرض وأنهم جاءوا بعد الإسلام على موجات عبر القرونونشروا الإسلام واستوطنوا في غرب وشمال ارتريا واختلطوا بالسكان المحليين إلا أنالملامح العربية طغت على وجوههم أكثر من الملامح الكوشية كما أن عاداتهم وطبائعهمعربية..ويتكلمون لغة التيقري وهي من لهجات جنوب الجزيرة العربية المندثرة والتي يقال أنهاإحدى لهجات بعض السبئيين! و مما لا شك فيه أن جذور هذه اللغة هي عربيةومفرداتها كذلك عربية و بعضها محرف قليلاً وقواعد النحو والصرف فيها مشابهة للعربيةبشكل كبير جداً لما يقارب 90% شعرت بالأسى عليها لأنها لا تعرف أن هناك عرقيات أخرى سامية مثل التيجرينية وهمالأحباش والغالبية منهم يدينون بالمسيحية ومنهم أقلية مسلمة تعرفبالجبرتة ويمتدون إلى أثيوبيا وهم قوم النجاشي رضوان اللهعليه! شعرت بالأسى عليها لأنها لا تعرف أن الأحباش أصولهم كذلك من اليمن فالمؤرخونوعلماء الأعراق يقولون أنهم من شعوب جنوب الجزيرة العربية القديمة جدا وقد اضطروا لعواملكثيرة جدا منها الحرب للنزوح إلى جنوب ارتريا وشمال الحبشة من آلاف السنين أي أن أولئك العرب فعلوا المستحيل حتى يتغلغلوا في ارتريا وشمال الحبشة وقداختلطوا طبعا بالشعوب الحامية والكوشية . شعرت بالحزن عليها لانها غارقة في جهلها سادرة في غيها لا تدري أن التيجرينية يكرهون الانتساب إلى العرب ويتنكرون لذلك أيما تنكر كما أنهم يبغضون أي شيء عربي بسبب دينهم المسيحي .. أما السودان ولهجة أهل السودان ،، فتلك سماوات عُلى هي في غنى عن الكتابة عنها أو توضيحها أو شرحها أو حتى الإشارة إليها فمخطئ جدا من أراد أن يصف للناس الشمس في عز النهار وهي ساطعة .. وللمستهزئين الضاحكين نقولها لهم بكل فخر وشجاعة وثقة آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآي آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآي آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآي ونقل لهم أننا نعرف الكثير من كلمات لهجاتكم وأسمائكم التي لا تضحك فقط ولكنها تضحك وتبكي في ان واحد ولكن ولان لا وقت لدينا لتوافه الأمور ولأننا نربو بأنفسنا أن ننزلق إلى ذلك المنزلق ، نواصل التجاهل ونحن نبتسم ساخرين من جهل كل من يحاول السخرية منا أو من لهجتنا لأنه بكل بساطة لا يبرهن إلا على جهله وسطحيته وفراغه وتفاهة تفكيره ... وبرضو آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآي و دززززززززعة في عين التسعة .