[email protected] منذ السابع عشر من أغسطس 1955 لم تنطفئ شرارة التمرد التي اندلعت بكل بشاعة في توريت.. الشراره التي إشتعلت مثل نيران فارس وأكلت في طريقها الأخضر واليابس وقد حدثني مرةً العم سيد محمد موسي وهو من قدامي البوليس إلتحق بخدمته في العام 1948 وتقاعد عنه في العام1987 حكي قائلاً عن بشاعة التمرد الأول في توريت الذي تصدي له البوليس وقتها وكبف أنهم وجدوا المتمردين وقد ذبحوا الشماليين كذبح الماعز وأقسي ما يحكيه قصة الطفل الرضيع الذي وجدوه يقتات علي الديدان التي تنبعث من جسد أمه الميته والطفل لا يدري من كنه الحياه إلا فطرة الغذاء...أياً كان الغذاء .. لبناً أو ديداناً الشاهد أنّ غبناً إعتري النفوس وحاق بها عبر السنوات والفارق بين مؤتمر المائدة المستديره وتاريخ التمرد الأول ليس كبيراً لكن أجندة ذلك فعلت أفاعيلها كما ينبغي تلك الأفاعيل التي سعي لها المستعمر ووجدت هويً لدي الجنوبي منذ أيام قانون المناطق المقفوله. ولئن إجتهدنا للبحث عن تبريرات التمازج بين الشمال والجنوب فسوف نمارس مزيداً من الضحك علي أنفسنا .. هذا الضحك الذي مارسناه بغباء طوال عشرات السنين ما ورثنا منها غير الحروب والدماء والكراهيه ومساحات من الشك لا تلبث تتزايد كل صباح جديد دعونا (نجرد الحساب) ... لنري مقادير الربح والخساره .. تُري ماذا جنينا من هذه الوحده القسريه وهذا الزواج الكاثوليكي بين الشمال والجنوب دعونا نكون واقعيين ولو لمره واحده ودعونا نتحدث بصراحه عن وشيجة الشمال والجنوب .. اللون والعرق واللغه والدين .. وأجد نفسي في حل من الخوض في هذا الرباعي المذكور الذي يظل رغم أنوفنا شاهداً علي مآل الحال أما هذه الإتفاقيات التي صارت مثل المخدرات التي ندمن تعاطيها كل حين فما أورثتنا غير المهالك والإنفجارات والتربص المزمن .. ومع كل إتفاقيه نبقي في إنتظار إتفاقيه للإتفاقيه التي تربض فوق براميل البارود... ولعلكم تذكرون أحداث مارس 1954 وأحداث توريت 1955 وكليمنت أمبورو وجوزيف أودوهو والأنانيا 1 والأنانيا 2 وجوزيف لاقو وأديس أبابا 1972 والحكم الإقليمي وجون قرنق وتمرد 1983 وفشوده وكاربينو كوانين وريك مشار ولام أكول ومشاكوس ونيفاشا وياسر عرمان وباقان وسلفاكير والإستفتاء ..وآمال وآلام ودماء ودموع. أما الجدليه المشهوره بين الشمال والجنوب شمال الكره الأرضيه وجنوبها وشمال السودان وجنوبه والفقر والغني وصراع الموارد فذلك من نافلة القول والذي أرجو أن أعود له بمقال منفصل إذا سنحت لنا في ذلك السوانح وهنا فإنّ الجنوب ظل أسيراً لربقة الفقر والتخلف بما فعله أبناؤه فيه وفي بقية أنحاء البلاد ، فقد ظلم الجنوب نفسه وظلم معه الشمال والشرق والغرب بهذه الحرب الطويله التي أنهكت مقدراتنا الماديه والبشريه وفي كل يوم جديد ظل الجنوب يُفرز قواداً يعتقدون أنهم أصحاب الحق الفريد في أرض الجنوب تمضي السنوات وتتنامي الآمال الكذوبه وتبقي الحقيقه التي لامناص منها .. واقع إنفصال الجنوب .. نعم فقد وقع الإنفصال المعنوي بين الشمال والجنوب قبل إعلان إستقلال السودان ولم تكن هذه الوثيقه المسماه الجنسيه السودانيه غير وريقه يحشرها الجنوبيون بين ركام الذكريات الأليمه.. نعم وقع الإنفصال ولم يبقَ غير تحرير ورقة الطلاق صبيحة التاسع من يوليو القادم