زفرات حرى لم ترتفع شعبية البشير منذ صدور قرارات محكمة الجنايات الدولية التي جعلت شعب السودان الشمالي يلتفُّ حول رئيسه كما لم يحدث من قبل.. أقول لم ترتفع شعبية البشير منذ قرارات محكمة الجنايات الدولية كما ارتفعت عقب اقتحام القوات المسلحة السودانية لمنطقة أبيي وقيامها بدكّ حصون الجيش الشعبي الذي فرّ كالجرذان المذعورة تاركاً وراءه الدبابات الأوكرانية والأسلحة الثقيلة ثم جاءت تصريحات البشير التي توعدت الحركة بهزائم أخرى إن لم تُقلع عن استفزازاتها وقبلها جاء إنذار القوات المسلحة للجيش الشعبي بالخروج من النيل الأزرق وجنوب كردفان حتى لا تُخرجهم بالقوة. لكن دوام الحال من المحال فقد أبى المنبطحون داخل المؤتمر الوطني إلا أن يُحبطونا ويعودوا إلى سيرتهم القديمة فها هي وزارة الخارجية تتحدث عن إدارة مشتركة ورئاسة لإدارية أبيي بالتناوب كما لو كانت تبعية أبيي للشمال أمراً مشكوكاً فيه ولم يُحسم بالتاريخ وبإعلان مبادئ الإيقاد وبروتوكول مشاكوس الإطاري الذي حدَّد حدود عام 6591م التي تقع أبيي شمالها كفيصل بين الشمال والجنوب. الغريب في الأمر أنه حتى هذه «اللولوة» التي لا أعلم ما إذا كانت من بنات أفكار وزارة الخارجية أم أنه أمرٌ متفق عليه.. حتى هذه «اللولوة» وذلك التراجع المخزي لم تقبل به الحركة الشعبية فقد قال لوكا بيونق الذي تحوَّل إلى صقر كاسر مثل باقان إن مقترح المؤتمر الوطني «مثير للسخرية ويعكس العقلية الاستعمارية» مطالباً بإعادة رئيس إدارية أبيي السابق إلى منصبه!! بربِّكم أليس هذا الأمر هو المثير للسخرية حقاً؟! أن يتحول الانتصار الكبير الذي أسعد شعب السودان الشمالي وأعاد ثقة المسيرية في المؤتمر الوطني وحكومته مرة أخرى.. أن يتحول مجدداً إلى مساومات رخيصة قبل أن ينقشع دخان المعارك ورائحة البارود عن سماء أبيي؟! من تُراه يريد أن يُعيدنا إلى مُناخ الهزيمة بعد أن انتصرنا وإلى الاستسلام بعد أن شمخْنا بأنوفنا إلى المعالي وإلى الانبطاح بعد أن رمينا قدام؟! من تُراه يريد أن يعيدنا إلى تلك الأيام النحِسات التي كنا نُتيح للحركة خلالها أن تحكم أبيي ونرضى بدنية أن نكون داخل أرضنا في الدرجة الأدنى؟ تلك الحال التي جعلتنا نسلم إدارية أبيي لنيرون الحركة الشعبية الحاقد إدوارد لينو الذي أحرق أبيي عام 8091 ولم يحرِّك ذلك فينا ساكناً ولم يستنهض فينا نخوة الثأر؟! من تُراه يريد أن يعيدنا إلى أجواء نيفاشا بعد أن أدرنا إليها ظهرنا وتحررنا من عبئها وانزاح الجنوب وحركتُه الشعبية من حياتنا؟! لقد رأيت والله المسيرية يحتفلون في أرض المعارض وسمعتُ أبناءهم في جامعة السودان يتغنَّون ويُنشدُون: «الطاغية الأمريكان ليكم تدرَّبنا» تلك اللغة والمعاني التي أوشكت أن تطمر في مجاهل التاريخ إلى الأبد فهل يُعقل أن تُقتل تلك الفرحة وذلك الاستبشار وتلك الاحتفالات التي أعادت إلى الحياة أنفاس الدبَّابين.. هل يُعقل أن يتحول كل ذلك إلى فرحة قصيرة سرعان ما وأدها المذعورون المرتجفون انتظاراً لوعود أمريكا وسرابها الخادع؟! ويتحدث لوكا بيونق عن العقلية الاستعمارية!! هذا الحاقد يُصرُّ على أن يقل أدبه ويصفنا بالمستعمِرين حتى بعد أن خرجنا وتركنا لهم جنوبهم بعد أن مكَّنّاهم من أرضنا التي يحكمون جزءاً منها في النيل الأزرق ويطمعون في جنوب كردفان فيا حسرتاه!! إننا نعوِّل على البشير أن يُخرس الألسنة المذعورة ويُسكتها فهؤلاء والله لن يزيدونا إلا خبالاً فبدلاً من أن تتحرك القوات المسلحة لتحرير النيل الأزرق وجنوب كردفان من دنس الجيش الشعبي الذي يحكم دولة أخرى.. بدلاً من أن يحدث ذلك قبل التاسع من يوليو ها نحن نعود القهقرى في أبيي ونقدِّم التنازلات بالرغم من أن الحركة الشعبية تعيش أضعف حالاتها جرَّاء التمردات التي تُمسك بخناق الجنوب وتوشك أن تجعل منه دولة فاشلة حتى قبل أن تولد. من ينتظر هؤلاء المذعورون؟! أينتظرون وعود المبعوث الأمريكي اليهودي ليمان صاحب التاريخ الأسود المعادي للإسلام والسودان تحديداً؟! أينتظرون وعود ليمان الذي ما عُيِّن إلا لتضييق الخناق على الشمال وإنفاذ الإستراتيية الإسرائيلية في السودان ومصر لمصلحة دولة الكيان الصهيوني؟! ليت الناس قرأوا مداولات اجتماع مندوبة أمريكا في مجلس الأمن سوزان رايس مع قيادات الحركة الشعبية في جوبا خلال زيارتها الأخيرة وتحديداًً بتاريخ 22/5/1102م... ذلك اللقاء المنشور في «آخر لحظة» بتلخيص وترجمة جيدة من الأستاذ مصطفى أبو العزائم فقد أخرجت رايس أضغانها وكشفت عن المخطط الأمريكي ضد نظام الحكم في السودان الشمالي وأبانت أن عداءها لحكومة المؤتمر الوطني إستراتيجي وأنها تسعى لاقتلاع هذه الحكومة وأن استخدامها لسياسة الجزرة والعصا لا يعدو أن يكون مجرد تكتيكات.. فمتى يفهم المنبطحون أنه لا فائدة تُرجى من التنازلات التي جرَّبنا زقّومها المُر في نيفاشا وخلال الفترة الانتقالية.. وسأعود إن شاء الله للقاء رايس بأولاد قرنق باقان ودينق ألور ومجوك رجل استخبارات الحركة الشعبية. إني لأرجو أن يُمسك البشير ملف أبيي وتحرير النيل الأزرق وجنوب كردفان من رجس الجيش الشعبي بيده بعيداً عن المنبطحين الذين بدأنا نسمع انكساراتهم من جديد!!