نعم مثلى ومثلك أنا سوداني وجذوري ضاربة بعمقها البعيد حتى النخاع في تراب ارض هذا الوطن العريض.ولدت من أبوين سودانيين شاء لهم القدر أن يلتقيا في وسط هذا البلد الكبير فتم لهم النصيب وتزوجا وأنجبا البنات والبنين .. فكبرنا نحن بفضل الله ثم فضلهم وزدنا بسطة في الطول والجسم وتفجرت فينا ينابيع الحب والعشق لهذا البلد الكريم .وبعد عشرات السنين جلسنا وتفاكرنا وتسألنا من أين نحن أتينا ومن أين أتيتم انتم ؟ سؤال وجبت الإجابة عليه فمن حقي وحقك وحق كل إنسان أن يعرف من يكون ولمن ينتمي .. ولست أول من يفعل هذا فقد بذل الشاعر الافريقى الكبير الكس هيلى ما لم تبذله الدول بحثا عن أصله وفصله فقد ظل الرجل وعلى مدار 12 عاما يركض خلف دهاليز المكتبات وصفحات الأوراق باحثا عن جذوره الأفريقية حتى وصل إلى التعرف على هوية جده وتعرف على بطل رائعته الشهيرة الجذور Roots الشهيرة الجد والمعروف بكونتا كنتا. ومنذ أن ملئت العزة والكرامة ونفخت روح الذات في عمنا الاستاذ اليكس هيلى وأصبح من المعترف بهم دوليا فقد سرت هذه الروح الأبية في جسم الجميع وشمل هذا الاعتراف بحقيقة الإنسان والإنسانية كل السحنة السوداء في العالم وكل من يعيشون بين أزقة هضاب قصب السكر في سهول الكاريبي ومن يعيشون تحت ظلال جبال الاسمنت في بريطانيا العظمى نزولا إلى أصحاب القضية وضحايا جرم الانسانيه والذين أتمنى أن تغشى رياح ألعزه والكرامة أرواحهم أو ما تبقى منها فقد بلى الجسم وغاصت الأعين وجفت الشرايين ولم يتبقى من صورة الأصل سوى شبح مخلوق أسموه بالإنسان, أتحدث هنا عنهم وعن كل من أجبرتهم رياح الفرقة وويلات الفتن والحروب إلى النزوح بعيدا وهجر كل عزيز وغال .أتحدث عن هؤلاء وعمن اتخذوا من كل الصحارى والوديان بيت ومحراب, أتحدث عن النازحين وعن كل باحث في قاموس الحياة عن معنى لغز اسمه العزة والكرامة , أتحدث عنها وعن كل أم فقدت عزيز لها غيبته عنها مساحات البعد وصالات الانتظار تاركا وراءه أجيال بات هواها أن تطرق في كل يوم على ناقوس الذكرى ليسمع صداه كل بعيد عله يعود . إن رواية الجذور والتي أتت مبسطه في سلاسة أسلوبها الرائع جسدت وبكل صدق ووضوح هيمنة العوامل الدخيلة وقدرة تسلطها على النفس البشرية وتحولها إلى وحش ينهش في جسد البشرية ويمحوها من الوجود فتضيع بين السنين ملامح هويتها وتنتزع منها عنوة قناديل الكرامة والعزة.ليس بالجبروت والتسلط فقط وإنما بشتى أنواع الظلم البغيض لتبقى القضية ثابتة وصريحة وهى أن الجرم كبير والإثم اكبر لكل من يتسبب في ظلم هذا الإنسان البسيط والمس بكرامته وإنسانيته التي وهبها له خالق هذا الكون وجعله حرا يعيش بعزة وامتثال على هذه البسيطة . إن مجتمعنا السوداني والذي تحدث عنه الكثيرين ومجدته كل شواهد العصر والتاريخ لكونه المجتمع الوحيد الذي ظل يحمل في وجدانياته كل أواصر الرحمة والطبع الانسانى القويم ,هذا الشعب الأبي المؤقر لم يسلم من نكبات الدهر وطواحين المبادئ فقد أتت عليه كغيره من الشعوب عوامل التعرية الأخلاقية والنظرة السلبية تجاه كل المبادئ المتأصلة في جوهر الإنسان وكينونيته, وذلك بعد أن صرعته ضغوط الحياة التي تكالبت عليه من كل صوب وحدب فهددت وجوده وأمنه وتفجرت في دواخله كل جراثيم الرحيل ونوازع دواعي البحث عن البديل, ولن يضيره شئى في ذلك وان فعل ,حتى وان كانت أسبابه مغايرة تماما للأستاذ الكبير اليكس هيلى . هذا الإنسان البسيط الذي دارة عليه الدوائر وهتف في محرابه آذان الرحيل نحو المجهول و درب الهجرة الطويل ولكنها حقيقة اسمها فرضية الأحوال وعلم المحال . فسارت الركبان واكتملت أركان الظعينه نحو المجهول فمن كان منا يتنسم دعاش القرية الصافي وانسها الجميل حزم جرابه وشد حزامه وعزم أمره نحو الرحيل .فساقته قدماه نحو ملتقى النيلين في محاولة جادة لأخذ نصيبه من كعكة الخرطوم . ولما لا فقد قيل له من هنا تطلق صافرات المستقبل للجميع للصغير وللكبير وللأسود وللأبيض هذا غير أنه المكان الذي ينام فيه الرئيس غرير العين ومسرور الجبين. اجتمع الناس كلهم ممثلين لجميع الألوان والأجناس وكتبوا بقلم الحيرة واليأس اكبر عنوان نريد أن نعيش ولو على فتات أصحاب القصور فصبر منهم من صبر وضاق الحياة بالكثيرين منهم فضاق بهم الزمان والمكان وعلى في كل المكان مرة أخرى صوت الهجرة والارتحال .وكان لابد من وجود منفذا آخر يعبرون منه إلى خرطوم آخرا جديد إيمانا منهم بمبدأ فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه دون التمعن في بقية الآية. فهاجر من هاجر بما فيهم أبى وأمي نعم هاجر الجميع وأكاد أن اجزم بان العم الكس هيلى نفسه لو كان موجودا لكان أول المهاجرين ليس بحثا عن عرقه أو أصله هذه المرة وإنما بحثا عن لقمة عيش كريمة في المدن البعيدة ومن ثم ارتشاف كاس الحياة على طاولة الإنسانية السمحاء . ما أشبه اليوم بالبارحة فلو كان يعلم الانجليز بان مثل هذا اليوم سيأتي ولن يحتاجوا فيه إلى سفن أو جنود أو سلاسل لأخذنا عنوة وعلانية إلى بلاد الصقيع لما بذلوا ذاك الجهد الكبير ولما داست أقدامهم الوحل والطين في غابات غامبيا عدوا خلف الجد كونتا كنتا ولما احتاج العم الكس هيلى إلى كل هذا الجهد في البحث عن جده الكبير . فاليوم و بالمجان وعلى علم الجميع فقد ظل معدل الهجرة عند الشباب السودانيين والذين تتراوح أعمارهم مابين 25 والى 30 عام في ارتفاع تصاعدى بصورة كبيرة ومخيفة . فالكل يبحث عن ليلاه في طرق الوصول إلى بلاد المهجر يعبرون الفيافي ويتسلقون الجبال ويدفعون بكل غال ورخيص من اجل الوصول إلى منتهى النهايات . ليبقى السؤال أسيرا مكبلا بحبال الحيرة والأسى ممن يهرب هؤلاء والى متى ؟ وعند من يحطون الرحال ؟ فلو كانت العبرة تأخذ من الدروس السابقة للهجرة لما هاجرنا ولما أقدمنا على هكذا فعل ولكنها مشيئة الزمن وقبضة الإجبار والجبروت القوية في دول العالم الثالث , فإمامها لأعزاء للطمأنينة أو الاستراحة على ظل الوعود المبشرة بفجر الاستقرار فالجميع أمام خيار واحد إما الغرق وركوب أمواج الحياة العالية أو ركوب سفين نوح النجاة والرحيل. نعم فقد فاز فريق المؤتمر الوطني بدوري السيادة لأربع سنوات جارية في دوري الانتخابات الماضية بشهادة الجميع داخل وخارج السودان وكيف لا يتحقق لهم ذلك فهم اصحاب الميدان وهم الفريق المنافس وهم الحكم ورجال الخطوط بل وهم الدفاع وهم الهجوم وهم الجمهور, مضى زمن وتلته ازمان وحتى اللحظة لم يستفق احد من غيبوبة انتخابات (كان راجل نافسني)(والدايرنا اليلحس كوعه) لان الجميع قد تناول حبيبات الأمل وترياق الوعود في انتظار ما يقرره أطباء المؤتمر الوطني لكل المرضى في عنبر السودان او ما هو ممكن لبلد قوامه مرضى بلا حدود. من اجل أن تعود فينا روح اللحمة الاجتماعية وتعود كل الطيور المهاجرة إلى أوكارها حتى تغرد بلحن العزة والكرامة لتسمع صوتها للجميع بما فيهم العم اليكس هيلى فيعود ادرجه الى بلد اسمه السودان ليجد في كل السودانيين جده الذى فقده وفى ساحات العزة داره وأهله. والى أن يتم الدنو من ذلك ويتحقق شكر الشكر ونيل المراد سأظل حبيسا في كهف هجرتي متأملا في بزوغ شمس الجلاء ولكن صدقوني فانا لست وحيدا فالجميع معي وفى داخل صدري وفى غور وجد قلبي وفي وجداني ... ولكم الراى