زفرات حرى يسرني أن أشرك قرائي الكرام في قراءة الخطاب الذي قدَّمتُه في إحدى جلسات مجلس شورى منبر السلام العادل الذي انعقد يومي السبت والأحد الماضيين وقد أجريتُ بعض التعديلات بما يجعل المقال متّسقاً مع مطلوباته وحذفت وأضفت القليل. أخي العميد م. عبد الرحمن فرح رئيس مجلس الشورى.. إخواني وأخواتي أعضاء مجلس الشورى السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يلتئم مجلسُكم الموقَّر بين يدي فترة حرجة ومِفصل تاريخي يمرُّ به السودان ولعله من قدر المنبر منذ أن نشأ أن يتقلَّب بين محن السودان ومشكلاته وقضاياه الكبرى مشاركًا فيها بفاعلية وقائدًا خط المواجهة ومتفرِّدًا بطرح قوي صادعًا بطرحه لا يهادن ولا يداهن الأمر الذي جعله في رأيي الأبرز حضورًا في الساحة والأكثر تأثيرًا وهل أدلُّ على ذلك من التفاف الناس حول «الإنتباهة» لسانه المُبين وصوته الجهوري وانفضاضهم عن الصحف الأخرى وهل أبلغ من أن تتخطّى «الإنتباهة» حاجز المائة ألف نسخة ربما لأول مرة فى تاريخ الصحافة السودانية متجاوزة الصحف الأخرى بل الصحيفة التالية بعشرات الآلاف من النسخ؟! وهل أفصح من أن يسري على «الإنتباهة» قول الثعالبي في المتنبي إنه «ملأ الدنيا وشغل الناس»؟! وهل أعظم من أن يشكو باقان أموم المنبر وصحيفته إلى المجتمع الدولي طالباً منه أن يراقبها وأن يتذمر منها الرويبضة ويلطم دينق ألور الخدود ويشقُّ الجيوب ضِيقاً من تأثيرها وأن تصدُر الأوامرُ بحجبها في جوبا ومدن الجنوب الأخرى؟! وُلد المنبر وخرج إلى الوجود من بين فرث ودم لبنًا خالصًا سائغًًا للشاربين.. ابناً بكراً لعجوز عقيم استيأست من المحيض وجفّ ضرعها وأنهكها مرض عضال أوشك أن يقضي عليها.. تلك كانت حال السودان إذ كان يقلِّب وجهه فى السماء باحثًا عن الخلاص بعد أن عجز ساستُه عن وصْف الدواء الذي كان ماثلاً أمام ناظريه سائلاً بين يديه لكنه في غفلة مُهلكة كان يُصرُّ بفعل قياداته السياسية على تنكُّب الطريق راغبًا عن البلسم الشافي منكبًا على تناول السم الزعاف الذي أوشك أن يورده موارد الهلاك. ها نحن نشهد بعد نحو شهر بداية النهاية لتلك الحقبة المأساوية في تاريخ السودان حيث يُذهب الله الكريم عنا معظم الأذى ويعافينا بالانفصال وبتصحيح ذلك الخطأ التاريخي القاتل الذي ورَّطنا فيه مستعمِرٌ لئيم جمع بين المتنافرَين في وطن واحد أذاق بعضهما فيه بأس بعض وملآ ساحته بالدماء والدموع والتخلُّف وانحدرا به إلى القاع حتى أوشك أن يغدو أثراً بعد عين. لن أستفيض في شرح نظرية منبر السلام العادل التي يُحمد لشعب السودان الشمالي أنه تلقَّفها وأكرمها وأنزلها المنزل اللائق بها فقد تحقَّق الانفصال والحمدُ لله ربِّ العالمين وقطف المنبر ثمار ذلك اعترافًا بفضله وتقديرًا لما قدَّمه نكاد نلمسُه في كل بيت من بيوت السودان في حَضَره وريفه ومُدنه وقراه فله الحمدُ أولاً وآخراً سبحانه لا نُحصي ثناءً عليه. ذلك التقدير وذلك العرفان من قبل شعب السودان الشمالي هو ما نعوِّل عليه في حصد ثمار ما غرسناه وفي مخاطبة الشعب الذي أهداه المنبر بعيون زرقاء اليمامة الحلّ الناجع لمشكلته الكبرى والاستقلال الحقيقي الذي يؤهِّله للانطلاق ويدفعه نحو المجد الموعود بإذن الله تعالى. الآن وقد أسرفنا في التباهي بما قدَّمناه ينبغي لنا أن نفصِّل قليلاً ونلوم أنفسنا ونقرِّعها على التقصير فلئن كنا قد شغلنا الساحة السياسية بطرح المنبر ورؤيته المتفرِّدة وخطابه السياسي القوي فقد كان عطاؤنا مليئًا بالثقوب والضعف حيث انشغلنا بقضيتنا المركزية عن قضايا السودان الأخرى إلا لماماً ومن يتأمَّل الأهداف والمبادئ التي وردت في النظام الأساسي يجد تركيزاً على قضايا محدودة وتجاهلاً لأخرى. لن نذكر كلَّ ما قدمناه لكننا نستطيع أن نقول إن حضورنا السياسي في الساحة كان كبيرًا خلال الأشهر الستة الماضية منذ انعقاد الشورى في دورتها السابقة فقد أقمنا عدداً من الندوات والمحاضرات في مختلف القضايا التي شغلت الساحة على المستوى المحلي أو الخارجي وأصدرنا العديد من البيانات مثل انتخابات جنوب كردفان وتحرير أبيي من قِبل القوات المسلحة السودانية والثورات العربية في مصر وليبيا وغيرها واغتيال الشهيد أسامة بن لادن وقُدنا عملاً لإعداد دستور إسلامي أشركنا فيه عدداً من القوى السياسية. شعر المكتبُ السياسي بأهمية تكثيف العمل في العاصمة والولايات بغرض بناء الحزب واستكمال هياكله وأجاز خطة لمحليات ولاية الخرطوم وشرع في تنفيذها وتم استئجار دُور لكلٍّ من محليات ولاية الخرطوم كذلك قام المكتب السياسي بتقسيم الولايات إلى ولايات جاهزة أُقيمت فيها مؤتمرات وأُنشئت فيها مكاتب وأخرى تحتاج إلى بناء تنظيمي وعُقد اجتماع للولايات الجاهزة في الخرطوم نوقشت فيه وأُجيزت خطة مشتركة وتم افتتاح دُور للمنبر في تلك الولايات كما تقرر افتتاح دُور في المدن الكبرى. من المعوِّقات التي أثَّرت على عمل المنبر ضعف الإمكانات المادية ولعل مشكلة عدم توفر المال تعتبر العقبة الكؤود لكل الأحزاب السياسية ولا بد من إيجاد مصادر للتمويل ونطمع في أن يشاركنا أعضاء مجلس الشورى في تذليل هذه المشكلة من خلال الدخول في استثمارات توفِّر مصادر دخل ثابتة ومستقرة. يحدونا أملٌ كبير في أن تُسهم التعديلات التي أُجريت على النظام الأساسي في تفعيل الحزب في كلٍّ من الخرطوموالولايات وسنُولي هذا الأمر اهتماماً كبيراً من خلال مساعدَي الرئيس اللذين أُضيفا خلال هذه الدورة. كذلك فإن اهتماماً سيولَى لأمر تدريب كوادر المنبر على الخطاب السياسي للحزب حتى يمكِّنهم ذلك من إقناع الجماهير برؤية المنبر قديماً وحديثاً وقد بُذلت محاولات في هذا الصدد لم تحقِّق الأهداف المرسومة. الآن ونحن نستقبل مرحلة الجمهورية الثانية أو ميلاد السودان الشمالي المستقل الموحَّد الهُويَّة لم يبقَ لنا من عملية استكمال الاستقلال إلا إزالة بعض النتوءات السرطانية الناشئة عن تداعيات نيفاشا بما في ذلك إخراج الحركة الشعبية من جنوب كردفان والنيل الأزرق وتحرير أبيي حتى يصبح السودان الشمالي دولة كاملة السيادة على أرضه ويستدعي ذلك مواصلة الحرب على الحركة الشعبية ومن يساندونها من دول البغي والعدوان التى تستهدف هُويّتنا الحضارية. علاوةً على ذلك ينبغي، وقد تحرر السودان الشمالي، أن ننطلق لا نلوي على شيء نحو تدشين المنبر كحزب سياسي كامل الدسم يتعاطى مع السياسة السودانية وتحدياتها وينشئ رؤى مستقلة حول مختلف القضايا التي تكتنف واقعنا السياسي وبالتالي فإننا نريد حزباً قوياً ناهضاً متفاعلاً يرنو ببصره نحو مستفبل مشرق للسودان تحت قيادته وحكمه الرشيد إن شاء الله بهدف إعادة صياغة الحياة السياسية في السودان وإعادة الثقة في المشروع الإسلامي الذي ألحقت به بعض التشوُّهات الكبيرة. من منكم إخواني وأخواتي يستطيع أن يذكر ثمانية أحزاب من الثمانين حزباً الذين تمتلئ بهم أضابير مسجل الأحزاب السياسية؟! لقد شاخت أحزابُنا التاريخية وهرمت وولدت الأخرى الجديدة ميتة وهناك فراغ سياسي كبير يؤهِّل منبر السلام العادل لأن يصبح الحزب الأكبر في السودان فالحزب المنقذ ومفجِّر الاستقلال الحقيقي هو الجدير بقطف ثمار عطائه والمؤهَّل لنيل المكافأة من شعب تفاعل مع طرحه وقلَّده وسام العرفان. إن المنبر موعود إن شاء الله بقيادة الحياة السياسية في السودان إن استطعنا أن نتفاعل مع مطلوبات الواقع السياسي بصدق وجدّ وبتغيير واقع السودان ليحتل مكانه اللائق به تحت الشمس .