هاهو راتكو ملاديتش( 69 عاماً) القائد العسكرى الصربى، يمثل أمام العدالة الدولية. وفى القبض على ملاديتش رسالة قوية (للآخرين). و قد وصل ( الجنرال ) "مخفوراً " إلى (لاهاى ) بهولندا فى خواتيم مايو المنصرم ، بعد أن ظلّ هارباً من العدالة الدولية لأكثر من 15 عاماً ، ليواجه مصيره المحتوم ، أمام محكمة جرائم الحرب الخاصة بيوغسلافيا السابقة ، لمسئوليته عن جرائم الحرب و الإبادة الجماعية التى شهدتها البوسنة خلال تسعينيات القرن الماضى . و هاهو يواجه ذات التهم الخطيرة لمسئوليته المباشرة عن فظائع كثيرة من بينها مذبحة سربرنيتشيا التى وقعت عام 1995 و راح ضحيتها ثمانية آلاف (مسلم ) . و هاهى الفضائيات العالمية تتحفنا بعرض صورة و مشاهد محاكمة ذات ( الجنرال ) السابق المشهود له بالغطرسة و التكبّر و الجبروت ، وهو يلجأ لمخاطبة المحكمة بأن ( تتلطّف به و تصبر عليه)، ولا ينسى أن يحاول إستدرار قلوب قضاة المحكمة بأنه (مريض جداً ). و هذا درس عظيم و بليغ ينبغى أن يتعلّم منه كل جبّار و ظالم !. القبض على ملادتش و ( غيره ) من مجرمى الحروب ، ليس سوى سانحة ، يتوجّب أن تقودنا لأهمية فتح أكبرو أوسع حوار مجتمعى شامل - تشارك فيه الصحافة و الميديا - حول مفاهيم و قيم و دور( العدالة الدولية ) و ( العدالة الإنتقالية ) فى مواجهة أفظع الجرائم التى شهدتها الإنسانية . و التى تتمثّل فى جرائم الحرب والإبادة الجماعية و الجرائم ضد الإنسانية و التعذيب و الإعدام خارج نطاق القضاء و الإخفاء القسرى . و أهمية تحقيق العدالة و ضمان كشف الحقيقة و معاقبة المسئولين عن تلك الفظائع و مساءلتهم قضائياً و ضمان عدم إستمرار ظاهرة الإفلات من العقاب . و ضمان التعويض و رد الإعتبار و الإنصاف الكامل لضحايا هذه الجرائم و الإنتهكات الفظيعة . و حرى بنا أن نؤكد أن العدالة الدولية هى مجرّد ذراع و آلية هامة فى تحقيق العدالة ، و بخاصة فى البلدان التى لا تمتلك أنظمتها القضائية القدرة أو الرغبة فى تحقيق العدالة . و يبقى من المهم لكافة الدول التى ترغب فى إحترام و تعزيز حقوق الإنسان ، إجراء الإصلاحات المطلوبة فى الأنظمة القانونية و القضائية على المستوى الوطنى ، ليتمكن القضاء المحلّى ( المستقل ) من القدرة على التحقيق فى هذه الجرائم .و من المهم التأكيد على حقيقة موضوعية هامة ، مفادها أنه و بقدرما تتقاعس أو تفشل الأنظمة القانونية والقضائة المحلية فى تحقيق العدالة ، يتعاظم دور العدالة الدولية . عليه ، و بمثلما وصل الجنرال ملادتش و من سبقه لمحطتهم الاخيرة ، لاشك سيصل كل جنرالات الحروب و إنتهاكات حقوق الإنسان فى العالم أجمع لمتاهتم الأخيرة ! . و هذا هو الدرس الذى ينبغى التعلّم منه ، و التأكيد عليه، من تجارب الشعوب و الأمم التى تسعى للعبور من ضيق دولة الظلم و الإنتهاكات ، إلى رحاب دولة القانون و العدالة و إحترام و تعزيز حقوق الإنسان . و لتحقيق هذه القيم الفاضلة ، لا بد من وجود الإرادة السياسية الصادقة لإنجاز التحوّل و الهدف المنشود ، و إلّا فإنّ أى مجهودات لا تستوعب و لا تستصحب هذه الحقائق ، تكون مجرد حرث فى البحر و ذر رماد فى العيون !.