بسم الله الرحمن الرحيم http://www.tewfikmansour.net صُدم سكان امتداد شمبات بمشهد بعض الأشجار التي لا أقول تم تقليمها، لا بل جزرها بالفأس جزراً .. فقد دُمرت تدميراً تاماً، حيث تُرك منها فقط حوالي المتر الذي لا أمل في نموه مرة أخرى !! .. سألنا من تأثر بذلك من أهل البيوت مستغربين .. لمَ فعلتم ذلك بأشجاركم الوارفة الظلال ؟ فأجابونا .. نحن لم نفعل ذلك !! إنهم أهل الكهرباء .. هم فعلوها .. لم يستأذنوننا ! ولم يشاورننا في الأمر! ولم يتركوا لنا وقتاً للتفاكر والتفكير !! .. يا الله .. يا الله إن المنظر مؤلم حقاً ولا يخلو من استفزازٍ لأهل حي يسكن فيه مدير عام غابات السودان الدكتور عبد العظيم !! .. قبل شهر رأيت صدفة أمام منزلي من أرادوا أن يركبوا عمود كهرباء جديد فاستبشرنا خيراً .. وقلنا إن أهل الكهرباء أدركوا بعد سنواتٍ طوال بأن المسافات القديمة ما بين الأعمدة كانت غير صحيحة، وعليه فإنهم كذلك سيدركون حتماً في المستقبل بأن (الكابلات الأرضية) هي الأفضل خاصة في ظروف بلادنا !! .. هذا وأثناء هدم مسطبة منزلي لتركيب العمود الجديد! الذي بدا متعباً حتى قبل التركيب، سألت القائمين بالعملية إن كانوا سيصلحون ما تم تخريبه من بلاط المسطبة ؟ فأجابوني بأنهم سيصلحون كل شيء .. و أثناء تركيب العمود قطعوا عدة أفرع من أشجار بيتي بطريقة (النزع الجائر) أو (الشلخ)، وحمدت الله في وقتها وقلت في نفسي كله يهون طالما أن الأمر من أجل سلامة الجميع ولأجل (إمداد) لا ينقطع مع (هب النسيم) في الخريف .. أما بلاطاتي فهي ما زالت قابعة في مكانها، وإصلاح أمرها كان فقط (كذبة وقتية) لإسكاتي .. وأحمد الله أنهم لم (يجزروا) أشجاري التي كم (يزغرد) قلبي كلما زاد اخضرارها .. لكل ما تقدم أسأل هنا .. هل فقدنا في زمننا هذا حتى (أدب الاستئذان) ؟ وهل أشجارنا ليس لها قوانين غابوية تحميها، خاصة ذات الحجم الكبير، مثل تلك التي يبيدها أهل الكهرباء ؟ وأين أنتم يا أهل الغابات، ويا أنصار التشجير ؟؟ وأين أنتم يا لجاننا الشعبية وجمعيات الزهور ومعارضها ؟ وأين أنتم يا أهل الفنون الجميلة ؟ فالجمال يباد في بلادنا دون استئذان ودون تعويض لإعادة الاستزراع !!.. تحضرني في هذا المقام المؤسف قصتان حقيقيتان امدرمانيتان استعماريتان اختصرهما اختصارا على الرغم من أن التعمق الفلسفي لهما يتطلب كتباً .. الأولى .. في أوائل الخمسينات برزت للوجود (حي العرضة)، وقتها زرع والدنا عدة نيمات أمام منزلنا، فأتاه مفتش البلدية (ود البلد) وأعطاه درساً في الأخلاق، وأشار إليه بأنه بهذا الأسلوب سيحطم (مواسير الدولة)، وسيؤذي مستقبلاً أسلاك الكهرباء !! وطلب منه المثول أمام المفتش (الأكبر) الانجليزي بمجلس بلدي امدرمان .. وذهب الوالد رحمة الله عليه لمقابلة المفتش الاستعماري بعد أن أوصى أهل البيت بأن (يشدوا حيلهم)، لأن الأمر ربما تكون عقوبته السجن!! وفوجئ والدنا بمشهد عجيب في مكتب الخواجة، حيث وجد (ود البلد) منتفخاً من الغيظ والاستعماري يصيح موجهاً له الكلام (إحنا مفروض نشكر حاج عبد الرحيم على ما فعل، ونشجعه عل التشجير .. أما ناس الكهربا عليهم تدبير أمرهم، إما بدفنها مستقبلاً، أو تحويل مسارها، وكذلك إدارة المياه عليها أن تجد حلاً للمواسير، ويجب أن لا تقطع شجرة أو تعاقب صاحبها طالما أن الأمر يتعلق بتشجير البلد .. سامع هذا الكلام ...)، ثم شكر الاستعماري الوالد وصرفه !!!!!. الثانية .. كان المرحوم (عبد الحليم عبد الرضي زقالي) وهو لم يبلغ الثانية عشر من عمره (يِطوطِح) نفسه على فرع شجرة ب(ودارو) في أمدرمان فكسره، فرآه مِن على البعد المفتش الانجليزي الاستعماري وهو على فرسه في نزهته التفقدية الصباحية الاستعمارية، فأتى للطفل عبد الحليم و(شحطه بسوطه) الاستعماري قائلاً له (أنت بقطع شجره بتاع مستقبل .. بتاع جمال .. بتاع طيور .. بتاع طقس طيب وأمطار .. بتاع ضل في بلد حار .. أنت عقاب بتاع أنت تجي لمدة أسبوع يومياً في الرابعة في الفجر لبيت الخليفة حيث أنا أعمل رياضه هناك .. تأتي هناك يومياً وتقول بأنك سوف لا تقطع فرع شجرة طول حياتك .. ثم تنصرف .. وإذا عصيت أوامري هذه سأسجنك في إصلاحية لسنة كاملة تتعلم فيها كيف تشتل وتزرع ولا تقطع .. سامع ....!!) .. ثم نهره نهرة استعمارية ارتجت لها أرجاء (ودارو) .. أقول كل ما تقدم وفي مخيلتي كذلك أشجار (المهوقني) العملاقة التي زرعها المستعمر في ضواحي مدينة الدلنج الجميلة عند بوابة الخروج لمدينة كادقلي، فعندما كنت أعمل في جبال النوبة، وأسكن الدلنج كنت استغرب كيف اهتم المستعمر بزراعة أشجار كان يعلم بأن نموها سيستغرق أجيالاً وأجيالا و (حيفوت يخليها)!! .. كذلك داخل مدينة الدلنج غرس المستعمر العديد من الأشجار العملاقة ذات الزهور الحمراء الجميلة والتي آمل أن تكون موجودة وأن يكون قد تم إكثارها وتعميمها .. كذلك لا ننسى (نيم) بحري و (لبخ) الخرطوم وما إلى ذلك يا أهل الكهرباء !! .. توفيق عبد الرحيم منصور (أبو مي) http://www.tewfikmansour.net