زفرات حرى قبل أن يمضي أسبوع على وفاة السجين الثامن من محبوسي مادة «يبقى إلى حين السداد» بعد أكثر من ثلاث سنوات قضاها في غياهب السجن لعجزه عن دفع ثلاثين ألف جنيه ها هي الأخبار تحمل إلينا خبراً آخر يفطرُ القلبَ ويفْري الكبدَ ويفقعُ المرارة فقد توفي السجين التاسع بسجن الهدى يوم الثلاثاء الماضي جرّاء عجزه عن سداد ستة آلاف جنيه أي ستة ملايين جنيه بالقديم أمضى بسببها خمس سنوات في ذلك المحبس الكئيب وأمضى معه أطفالُه وذووه أضعاف ذلك إذلالاً وبؤساً وعذاباً ومعاناة فماذا نقول لربِّنا يوم يقومُ الناسُ لربِّ العالمين؟! يزيد من حجم المأساة أن صاحب المال عندما علم بمرض المدين تنازل عن حقه لكن المحكمة رفضت إطلاق سراحه مطالبةً برسوم التنفيذ البالغ قدرها 003 جنيه!! سيدي رئيس الجمهورية... أما آن الأوان لمنع تكرار هذه المآسي بل هذه الفضائح التي تقدح في مروءة دولتنا ومجتمعنا الذي ظل يتباهى بالكرم والنخوة والنجدة وكل قِيم الخير التي أشهد بأنها لا تزال مركوزة في نفوس الكثيرين من أبنائه؟! كم بربِّكم دفعت الدولة لقاء استضافة وإقامة المرحوم الأخير طوال فترة الخمس سنوات؟! ألم يكن مبلغ الوجبات والصرف الإداري أكبر بكثير من الملايين الستة التي أبقته داخل السجن حتى أردته قتيلاً؟! ثم رسوم التنفيذ وما أدراك ما رسوم التنفيذ التي جعلت إقامة العدل مُعضلة كبرى أكثر فتكاً بالعدالة مما يحدث بين المتخاصمين فقد أُطلق العنان لكل جهة حكومية لتُنشب أظفارَها وتغرس أسنانَها في «حلاقيم» الجمهور سواء في الشارع العام أو في ردهات المحاكم أو المكاتب الحكومية دون رقيب أو حسيب وهل أخطر من إهدار قيمة العدل التي قامت عليها السماوات والأرض؟! أودُّ أن أقترح على بروف عبد القادر الفادني أمين عام ديوان الزكاة أن تُرصد كل حالات الإعسار ويُطلق سراح أصحاب المديونيات الصغيرة من خلال بند الغارمين الذي أرجو أن يُزاد ذلك أن السجن يتعدّى أثرُه النزيل إلى غيره من المحبوسين خارج أسوار السجن بسبب القهر والفقر جرّاء حبس كاسبهم الذي لا يملك أن يخرج إلى العراء ويعمل من أجل سداد مديونيته وإعالة أسرته الحزينة. علاوة على ديوان الزكاة أدعو إلى نفير قومي لمعالجة كثير من الأزمات والمآسي التي تجتاح الأفراد في مجتمعنا الذي أثرت الظروف الاقتصادية المحلية بل والعالمية على تماسكه وتكافله بل وعلى قِيَمهِ وأخلاقِهِ. كتبتُ قبل نحو ثلاثة أسابيع عن ذلك الأب المخمور الذي اغتصب طفلته وحوكم بالسجن خمسة عشر عاماً وعن أطفال المايقوما المجهولي الأبوين وعن المشردين الذين تمتلئ بهم الشوارع وهاكم هذا الخبر الطازج فقد كشف مدير وحدة حماية الأسرة والطفل العقيد شرطة أكثم السيد السماني عن تدوين «4321» بلاغ اغتصاب أطفال خلال الأعوام الثلاثة المنصرمة في ولاية الخرطوم مبيناً أن «08% من جرائم الاغتصاب تقع من الأقارب والقريبين من الأطفال سواء سائقي الترحيلات وأساتذة مرحلة الأساس وأصحاب الأعمال التجارية»!! لم يعد مجتمعنا ذات المجتمع القديم الذي كان يتغنى ب «أنا المأمون على بنوت فريقو» فقد اجتاحتنا قِيمٌ وثقافات أخرى لأسباب يضيق المجال عن ذكرها الآن وبات الخطر قريباً من أطفالك وهل أخطر من قصة ذلك الأب السكير؟! أوقن أن عدد الأطفال الذين ذكرهم العقيد أكثم لا يبلغ معشار العدد الحقيقي الذي يحدُّ الخوفُ من الفضيحة من معرفته وحصره. بين عائلة كوراك وعائلة أولاد عيسى في جنوب السودان!! ٭ وتأبى الحركة الشعبية إلا أن تمضي في مسيرة تأكيد ما ظللنا نطرق عليه ونؤكِّده منذ أن صدعنا برؤيتنا حول مشكلة جنوب السودان وبدلاً من إنهاء العلاقة المأزومة بين الشمال والجنوب ببعض الذكريات الجميلة قبل أن ينفضّ سامر تلك العلاقة يُنكَّل بأبناء الشمال ويُطردون بعد أن تمارَس عليهم مختلف صنوف القهر والإذلال والإرهاب فها هو موفد رئاسة الجمهورية عبد الباقي الجيلاني يتفقد مخيمات الشماليين العائدين من الجنوب بمناطق الجرارحة أبو رماد شمال وجنوب وأولاد عيسى بمحلية الجبلين وعددهم يبلغ حوالى ثلاثة آلاف من «055» أسرة صودرت ممتلكاتُهم وأغراضُهم ومواشيهم.. ويقول الخبر المنشور في صحف أخرى غير «الإنتباهة» يا من لا تصدِّقون «الإنتباهة» إن المطرودين طالبوا الحكومة في الشمال بالتدخل السريع لإنقاذ من لا يزالون عالقين في الجنوب قبل إعلان الاستقلال في التاسع من الشهر القادم. ما كنتُ سأكتب عن هذا الأمر لولا الخبرُ الكاذب الذي نُشر خلال اليومين الماضيين بأن حكومة الجنوب قررت منح الجنسية المزدوجة للأجانب الذين أقاموا في تلك الأرض فترة من الزمان وقُصد بالخبر توجيه رسالة للشمال وقواه السياسية حتى تتم المعاملة بالمثل ويُمنح الجنوبيون المقيمون في الشمال الجنسية المزدوجة!! سؤال أوجهه لحكومة الجنوب عما إذا كانوا قد سمعوا بعائلة كوراك التي هاجرت إلى جنوب السودان منذ عام 4091 واختلطت بالجنوب وتصاهرت وبما حدث لأمين عام اتحاد التجار الشماليين في جنوب السودان صديق كوراك والمئات غيره ممَّن صودرت ممتلكاتُهم ومزارعُهم ودُورهم التي يقيم ضباط الجيش الشعبي ومسؤولو حكومة الجنوب فيها حتى اليوم ويؤجِّرون بعضها ويقبضون ريعها ولم تُجدِ جميعُ محاولات هؤلاء واستنجادهم بالأستاذ علي عثمان محمد طه الذي طرح الأمر على نائب رئيس حكومة الجنوب بلا جدوى!! أما آن للذين يتباكَون حتى اليوم على وحدة الدماء والدُّموع الانضمام إلى مواكب المحتفلين بتحرير الشمال من عبء الجنوب؟!