بلا انحناء جيد جداً أن نسمع من رئيس الجمهورية عمر البشير كلمات قوية تؤكد رغبته في بقاء بقية السودان ضمن منظومة السودان الكبير الذي بدأت مساحته تتراجع عملياً بعد التاسع من يوليو المقبل فور إعلان الجنوب لدولته الجديدة، قطعاً الوحدة التي كنا نأمل فيها هي القائمة على الوحدة الكاملة الأركان، الوحدة التي كانت تجمع بين أبناء أرض المليون ميل في شرقه وغربه وشماله وجنوبه، الوحدة التي فقد السودان بسببها أرواح عزيزة من أبناء الشمال والجنوب. قناعتي وقناعة آخرين كثر بأن الانفصال الذي جاء وقعه على نفوسنا مؤلماً، لم يكن في ذات يومٍ في مخيلة الأغلبية من الشعب السوداني الذي ظل يردد " لا شمال بلا جنوب ولا جنوب بلا شمال ،وما عاش من يفصلنا" ولكن الواقع يذهب بهم إلى الحقيقة المرة التي مازال العقل الباطن ينكرها ويرفض تقبلها بشدة ، وتتنزل كلمات الواقع كالصاعقة على كل الوحدويين من الشمال والجنوب لأنهم وللأسف أفسحوا المجال لمن جاء وسعى لفصلنا وقد كان له ما أراد، والآن يسعى ليفصل(ناس عبيد وخدوم ) الجدد وفقاً لمنظوره ، وهم أصحاب السحنات الزنجية والنوبية من أجل تأكيد الهوية "العربية" المفقودة التي أرهقت المتعصبين لها في إقناع العالم العربي بل العالم أجمع بنسبهم إليها، إلى درجة جعلتهم يسعون بلا حدود مع تجاهل تام لقيم الإسلام التي تنبذ التمييز الديني والعنصري من قبل أن يتنزل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، يسعون وهماً لإثبات عروبة السودان الذي يريدونه أن يتحول من السودان إلى (البيضان) زوراً، ويُبذل لإثبات تلك العروبة من جهد كان بإمكانه أن يؤسس وحدة سودانية غير قابلة للتمزيق والشتات، مع أننا لا نرى جهداً من مصر الفرعونية ، ولا سوريا، ولا الأردن ولا العراق لإثبات العروبة، الكل من حولنا محتفظ بتاريخه وحضارته ما قبل الإسلام والعروبة إلا نحن نريد أن نتناكر أصولنا الزنجية والنوبية التي خالطها قليل من الدماء العربية التي يردونه أن تكون الهوية مقابل القضاء على الأصل(الزنجي_النوبي) . حقيقة حينما نقرأ رغبة رئيس الجمهورية في الحفاظ على بقية السودان بعد انفصال الجنوب، تعود بنا الذاكرة مرة أخرى إلى الأسباب التي جعلت الجنوب يتحمل ألم البتر ويفاضل بينه والبقاء في السودان، هل مازالت قائمة أم هناك خطوات عملية ستتبعها دولة الشمال الجديدة من أجل بقاء (عِبيد وخدوم)؟ ، هل ستقف الصحيفة العنصرية القميئة، أم ستواصل مسيرتها حتى يكتفى السودان الشمالي "بمثلث حمدي"؟ !!. الوحدة التي يأمل رئيس الجمهورية فيها وحدة غالية الثمن تتطلب إصلاحات جوهرية في كيفية إدارة الشأن السوداني .. إصلاحات تُزيل ما علق في النفوس من مرارات، تعيد سودان ما قبل 30يونيو تماسكه الاجتماعي ،اصلاحات تمحو آثار العنصرية والجهوية التي أطلت برأسها في نهايات القرن العشرين وبدايات الواحد والعشرين، إصلاحات تجعل الولاء الوطني والسياسي أقوى من الجهوي والعنصري،إصلاحات تعيد سودان الكيانات السياسية التي تجمع لا تفرق الكيانات التي عمقت الوحدة الاجتماعية ، إصلاحات توقف طوفان الرغبة في فك الارتباط حتى لا يرى الشعب السوداني للمرة الثانية أخوة أعزاء جدد من الغرب أو جبال النوبة أو الشرق أو النيل الأزرق أو الشمال النوبي وهم يتسلمون خطابات إنهاء الخدمة المدنية في يوم ذي حزن أليم، توطئة للرحيل كما يحدث هذه الأيام للأخوة الجنوبيين. الجريدة