الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    عيساوي: حركة الأفعى    أبل الزيادية ام انسان الجزيرة    الفاشر ..المقبرة الجديدة لمليشيات التمرد السريع    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    نائب وزيرالخارجية الروسي نتعامل مع مجلس السيادة كممثل للشعب السوداني    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عقيدة التصدير من مخلفات القرن التاسع عشر -3-3


عقيدة التصدير من مخلفات القرن التاسع عشر
التصدير يجب أن يكون ورقة خيار ومساومة وليس عقيدة عبيطة
رؤية نطرحها للشعب السوداني وللإقتصاديين الموهوبين غير التقليديين
3-3
وليس صدفة أن ينبه الدكتور صابر على البنوك التجارية أن تهتم بأسعار الصرف للعملات الأخرى خاصة الآسيوية مقابل الدينار لكي نتفادى استخدام الدولار أو اليورو كوسيلة للدفع لكل من الصادر والوارد، ولقد برر ذلك لتفادي الخسائر التي قد تنشأ من عمليات التحويل عبر هاتين العملتين. ومعنى ذلك على المصدرين والموردين أن يتعاملوا مباشرة مع عملات دولة المنشأ شراء وبيعا بالدينار أو بعملة دولة المنشأ. وهذه سياسة حكيمة في خط واحد مع تصورنا السلبي لهاتين العملتين اليورو والدولار.

واعتمادا على ما قلناه في هذه المقالة أن الدولار ليس سوى عملة هوائية fiat currency وكذلك سيصبح اليورو مستقبلا، إذن ما هي الحكمة أن تعطي سلعك الحقيقية مقابل أوراق يطبعونها؟ حتى لو أنك استخدمت هذه الأوراق كوسيلة دفع لسلعة أخرى ولدولة أخرى، لن يتغير الأمر، أن الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي قد تحصلا على سلعة حقيقية مقابل ورقة، ربما من دولة أخرى، فالاستمرار في دعم الدولار أو اليورو واستخدامهما مسألة غير أخلاقية. كذلك لا ضمان هنالك البتة إذا وضع السودان احتياطاته النقدية على شكل دولار أو يورو أو أية صورة أخرى من أشباه النقود M2, M3 في الدول الغربية أو بنوكها، فيمكن أن يصادروها متى شاءوا وكما يحلوا لهم. إذن من باب أولى أن نستبدل في عملية الصادر سلعنا بسلع حقيقية أخرى حقيقية بشكل مباشر أو عبر نظم حسابية متقاربة بالعملات الوطنية مع الجيران دون المرور عبر الدولار أو اليورو. وبما أن السودان دولة بترولية واعدة، تصبح عملتنا مغطاة بالبترول وذات قيمة، من يتحصلها يمكنه أن يكون مطمئنا وفي إمكانه الحصول على البترول وهي سلعة الطلب عليها ثابت 100%. وبما أن السودان له حدود مع تسعة دول وبإضافة الصومال وجيبوتي يصبح المجموع 11 دولة، يمكن للسودان أن يلعب دورا مركزيا بعملته، كأن تدور عملته وسط هذه الدول بالطلب عليها. ولكن لتحقيق هذا الهدف يجب أن تكون لدينا سوقا وطنية قوية.
نعني بسوق وطنية قوية إضافة لما سبق قوله بصدد تقوية الطلب الداخلي، أن تكون أيضا لهذه السوق القدرة على تقسيم العمل، لذا التعليم الفني والمهني هما ضرورة قصوى. فالمجال الواحد في صناعة معينة قد يولد العديد من المهن المطلوبة بشرط مواكبة التعليم الفني والمهني، وعبر تقسيم العمل تزيد سرعة دوران النقود، وهي سرعة انتقالها من يد لأخرى وعدم تركزها في جانب. ولنتأمل معادلة كينيز التي تتعلق بمجمل الدخل القومي الاجتماعي:
GDP=(# units produced) * (price/unit) = (amount of money)* (velocity)
الناتج القومي التقريبي = (عدد الوحدات المنتجة) * (السعر/الوحدة) = (حجم النقد المتداول الكلي) * (سرعة دوران النقود).

وعموما، الفقر يمكن تعريفه طبقا لمعدل تدني سرعة دوران النقود وتباطؤ انتقالها من يد لأخرى، ومعدل سرعة دوران النقود هو مؤشر لعدة تفسيرات، منها الفقر. فزيادة عرض النقود نظريا تؤدي للرخاء، ولكن إذا ركنت هذه النقود نفسها في جزء من المجتمع وتباطأت سرعتها إلى درجة السكون النسبي هنالك تفسيران لهذا المنحى، إما تم دفن هذه النقود في حفرة من قبل أصحابها، أو أن أصحابها لا يجدون ما يبرر دفعهم هذه النقود ليد أخرى. وهذا الاحتمال الأخير هو مقصدنا، فالتعليم الفني والمهني يزيد من المهارات المختلفة، وبل إذا أسست البنية المهنية الفنية الأولية، فمن خلال عملية التطوير والتعمير والابتكار ستتولد مهارات أكثر وأكثر من خلال التطبيقات الصناعية وغيرها، والمهارة ليست سوى المهنة المتقنة وهذا ما يسمى انقسام العمل أو انشطاره خلال عملية التطوير وستنشأ الحاجة إلى تخصصات مختلفة للبعض في نفس الحقل الواحد. وهكذا تولد الحاجة أن تنتقل النقود من يد لأخرى لاحتياجنا لبعضنا البعض بسرعة متوازنة بحيث كل فرد يحصل منها ما تتطلبه الحياة الكريمة. بدون هذا الفهم لن تستطيع قتل الفقر..لأن النقود ليست هدية. فبنظرة متفحصة لواقع السودان يلاحظ أن خريجي الجامعات النظرية عاطلون عن العمل، والبقية يمتهنون مهنة السمسرة، وإذا رغبت أن تصلح سيارتك ستتعذب سيخربونها لك، ولو رغبت بناء منزلك مشكلة، وإذا عينت موظفا أو عاملا صغيرا مشكلة، وإذا أتيت بكهربائي مشكلة، وإذا رغبت تركيب تلفون مشكلة..!
أما قضية أن 70% من مجموع الصادر تلحق بخامة البترول بينما تدنت نسبة صادر المواد غير البترولية، نقول هذه ليست مشكلة في حد ذاتها إذا فهمنا أن البترول مادة تصديرية وأن تركيز الثروة في البلاد يتطلب عدم تصدير السلع غير البترولية. فإذا دخل مدخول البترول في استيراد السلع الرأسمالية فهو هذا إذن المطلوب، وحتى لو استعملنا دخل البترول في استيراد بعض السلع الرخيصة والمفيدة في آن واحد فلا غبار على ذلك. وليس لمدخولات البترول أية علاقة بالزراعة والنهضة الزراعية كما طلب أحد الدكاترة، يجب علينا أن نحرك كافة القطاعات الإنتاجية بالعملة المحلية، إلا إذا تطلب قطاع ما سلعا رأسمالية ولا نحصلها إلا بالعملة الصعبة. وفي رأي تحريك القطاعات الإنتاجية وغيرها أو الخدمية فالعملة الوطنية كفيلة بها إذا أحسنا جيدا التخطيط، وأسلوب الإدارة ورفع كفاءة وسعة الوعاء الضريبي، وإذا رفعنا من قاعدة التعليم المهني والفني، وشجعنا على الابتكار وتقليد بعض الصناعات التقليدية..الخ. يجب أن ننسى العملة الصعبة ولا نفكر فيها إلا عند الشديد القوى، ويعنى ذلك، بعد استنزاف كل الكفاءات والموارد والإمكانيات المحلية.
فمن المؤلم أن تضطر الدولة السودانية أن تسد عجز ميزانيتها بطرح العملات الأجنبية للبيع في السوق الحرة ومن ثم يقوم البعض باستخراجها خارج البلاد أو بهدرها بشكل غير مقنن وغير مفيد لا يصب في اتجاه المساهمة لزيادة الثروة القومية. عموما، لا أرى حلا جذريا سوى التفكير بجدية في كيفية تقوية السوق الوطنية ورفع معدلات الطلب الداخلي والتخفيف من عقيدة التصدير وإلغاء العقيدة القديمة التي تؤمن بالدولار وباليورو، وإخراج مدخول البترول من الموازنة العامة للحكومة. لقد أدمن السودانيون بكل أطيافهم زمنا طويلا التحديق نحو الخارج وإدمان لعبة الصادر والوارد، وهما أقصر الطرق للثراء السريع. لقد حان الآن التفكير بشكل مغاير، التفكير نحو السوق الداخلي لإثرائه وتجويده ورفع كفاءته الإنتاجية والاستهلاكية، ليس للتصدير بل لإشباع حاجة المستهلك السوداني. ولتوضيح هذه النقطة، نضرب مثلا بالتالي: ذكر لي بعض الحادبين على التنمية في مدينة شندي أن الشاحنات واللواري التي تأتي محملة بالغلال من القضارف لسوق شندي ثم ترجع للقضارف وهي فارغة!! وكان نقدهم وتساؤلهم لماذا ترجع هذه الشاحنات فارغة، لماذا لا توجد سلعة تحتاجها القضارف يمكن إنتاجها في شندي؟ تركز نقدهم أن شندي لم تفجر طاقاتها الإنتاجية. بل سخروا أن شندي تستورد البيض من الخرطوم، وقالوا، في الوقت الذي تتحصل كل عواصم الدنيا على موادها الغذائية الاستهلاكية من الريف، انعكست الآية في السودان، صار الريف يستورد من العاصمة!؟ وعلى ضوء ذلك، لا بد أن تتبادل الولايات المعلومات التي تتعلق بإنتاجها الفعلي واحتياجاتها الفعلية لتقوية السوق الوطنية بالتبادل ما بين الولايات!!
وفي ختام هذه المقالة نعلق على مقالين قرأتهما في صحيفة الفاينانشيال تايمز الأمريكية، الأولى تحت مسمى: أمريكا تحتاج إلى إعادة التفكير في سياستها. وكتبها ريتشارد هاس Richard Hass وهو يهودي ألماني الأصل، وهو رئيس مجلس العلاقات الخارجية CFR (كاونسل أون فورين ريليشنس)، الذي تأسس في 29 يوليو 1921م من قبل اليهوديين جي. بي. مورجان، وجون ديفيد روكفلر، ومعهما كمشة من رجال الأعمال اليهود الدوليين، وصنو هذا المجلس وشقيقه: المعهد الملكي للشؤون الدولية، البريطاني (رويال انستتيوت فور انترناشيونال أفيرس) الذي تأسس في سنة 1932م. وهنالك دلائل ومؤشرات جدية وكثيرة تنبئ أن الطبخات الإستراتيجية يتم صنعها في هاتين المؤسستين. وتأتي أهمية المقالة لأنها تعكس عصارة التفكير الأمريكي تجاه حكومة بوش وبشكل عام لما ينبغي فعله مستقبلا. أولا برر ريتشارد هاس رغبة بوش في زيادة جنوده في العراق على أنها ليست خطأ. أستهل مقالته بالعام الجديد بأنه فرصة جيدة لإعادة النظر في الدفتر الأمريكي. والهدف من ذلك كما يقول هو للتأكد أن حجم الإلتزامات المالية يعكس حجم الأخطار المناسبة ودرجة التنوع، طبقا للمتغيرات التي فرضتها الظروف السابقة وما يمكن أن يكون محتملا في المستقبل. ويؤكد هاس أنه لا بد أن يحدث تخفيض في بعض المواقع، وأخرى تستحق الزيادة، وما زال هنالك ما يستحق أخذ المبادرة فيه. هذه المراجعة في نظره هي صحيحه في عالم الاستثمار؛ ولكنه يؤكد هي صحيحه أيضا في عالم الاستراتيجيات والسياسة الخارجية. تركزت مجادلته حصرا على لفظة الاستثمار بالمعنى الحقيقي في مجال الأعمال وبالمعنى المجرد كاستعارة لغوية. فكانت مجادلته: إذا خسرت شركة ما خسارة كبيرة في مجالها فماذا تفعل؟! إذا باعت موقعها ستخسر أكثر – أي الانسحاب من العراق. لقد صنعت إدارة بوش سياسة خارجية استثمارية ضخمة في العراق. وبعد أربعة سنوات، لم تنطبق مجريات الأحداث مع الرؤية. بالعكس، أثبت قرار الدخول في العراق ثمنا باهظا أكثر كلفة في الأرواح، وفي المواد والثروة مما توقع الرئيس وحلقة مستشاريه الداخلية. وفي الوقت الحاضر العائد الموجب هو ضعيف وشاحب مقارنة بالتكلفة. وهنا يناقش، ماذا نفعل لإعادة التوازن؟ هنالك من ينادي أن تبيع الولايات المتحدة موقعها (تذكر الشركة) – أي الانسحاب من العراق. في عالم الاستثمار، مثل هذا السلوك ليس محببا ولا يشجع عليه، فعندما تبيع موقعا سيئا تصبح الخسارة كبيرة. بالمثل ينطبق هذا المثال في عالم الاستراتيجيات. وأهم جملة في مقالته هي: أن التركيز على العراق أضعف قدرة الولايات المتحدة من التركيز على موضوعات أخرى مثل التهديدات والفرص!! ومعنى كلامه هذا، أن الولايات سقطت في حفرة ليس فقط استنزفت ثرواتها، بل أيضا الوقت وعدم التنوع!! أي أصبحت مشلولة!! وركز كاتب المقالة على التنوع diversity بشكل خاص، فكأنه ود أن يقول أن الولايات المتحدة أخطأت عندما وضعت كل بيضها في سلة واحدة، ويقترح: أولا الانسحاب تدريجيا من العراق بعد تقوية الجيش العراقي، حتى لا يقال أن الولايات المتحدة هربت فتفقد مصداقيتها كدولة عظمى، وثانيا تخفيض الاستثمار في العراق (يقصد تخفيض البلطجة) والاستثمار في أماكن أخرى – أي تنويع الاستثمار. أي على واشنطون أن تفعل أكثر بصدد التحدي النووي الكوري والإيراني، وأن تروج لحوار بين إسرائيل وسوريا وإسرائيل والفلسطينيين، وأن تهتم بقضية تغير المناخ، ودفع عجلة قطار التجارة العالمية الراكدة، ووقف التطهير العرقي في دارفور!! ويختم مقاله في تلغرافات على طريقة اللبيب بالإشارة يفهم: الفرص عديدة، ولكن الموارد قليلة!! ويقول، فقط بعد عمل التوازن في سياسة الولايات المتحدة الخارجية، بتخفيض قبضة العراق على سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية، يمكننا أن نأمل أن يسلم الرئيس بوش لخلفه عالما في هيئة أفضل مما ننجده الآن!!
وتعليقا على مقالة ريتشارد هاس، يجب على السودان أن يعجل بإنهاء قضية دارفور قبل أن يخرج الأمريكيون من حفرة العراق!! بل على السودان أن يعجل بأن يستثمر نقطة الضعف الأمريكية بالحد الأقصى ويظهر المزيد من ملامح سياساته وتحالفاته الخارجية بشكل معلن وبشكل أكثر قوة!! حتى على المستوى الاقتصادي – مثلا بنك سوداني إقليمي!!
أما المقالة الثانية لصحيفة الفاينانشيال تايمز الأمريكية التي استحقت التعليق من جانبنا هي في الاقتصاد والنظريات الاقتصادية!! تميزت المقالة الثانية باعترافات نادرة كثيرا ما ذكرناها في مقالاتنا، وكانت بعنوان: (مفهوم) النشؤ والارتقاءevolution قد يوفر الحلقة المفقودة في الاقتصاد المعاصر. وتدخل المقالة برمتها تحت عنوان التزييف والتضليل الاقتصادي بلغة فلسفية راقية وبلغة علمية (!؟)، ضع تحت علمية مائة شخطة كما يقول السيد حسن نصر الله. بدأ كاتب المقالة مقالته هكذا: هل بنيت مبادئ الاقتصاد على الرمال؟؟ ويقول، معظم الاقتصاديين سيجيبون بلا كبيرة. ويضيف، ولكن معظمهم أيضا يعرفون أن النظم الاقتصادية لا تمتاز بالبصيرة الجيدة والتوازن، بل تعتمد منهج الخطأ والصواب والنشؤ والارتقاء. ويؤكد أن هنالك فجوة ما بين تفكير الاقتصاديين ولسان حال النظم الاقتصادية الوضعية وهي –أي الفجوة- مشهودة لكل عين فاحصة بشكل جيد. تتمحور المقالة حول مصطلح جديد في النظرية الاقتصادية، أو بالأحرى حول نظرية اقتصادية جديدة تسمى الاقتصاد المركب المعقد complexity economics. وتقوم فرضية هذه النظرية على التالي: أن كمية السلع المختلفة التي يمكن جردها في عالمنا المعاصر قد تبلغ عشرة بليون سلعة. ويتساءل في براءة عن طبيعة عقل هذا النظام المعاصر المركب والمعقد والمتشابك الذي صنع هذا الكم الهائل من السلع. السؤال في نظره لا يقف عند حد صنع هذه السلع بل يتعداها ليسأل عن طبيعة النظام المعقد الذي أخترعها، وصممها، وأنتجها وسوقها في المائتين وخمسين سنة الأخيرة من عمر البشرية الضارب في القدم. يقول صاحب النظرية: الاقتصاد أعجوبة من المعقد، ويضيف: ولكن لا أحد صممه –أي الاقتصاد- ولا أحد شغله. ويتساءل: كيف يمكن لنظام مماثل أن ينشأ؟ لماذا يزيد التعقيد مع الزمن؟ لماذا كانت الزيادة في الثروة والتعقيد فجائية؟ يجيب صاحب النظرية: لأن الاقتصاد نظام تواءمي معقد a complex adaptive system – ويعمل بنفس منطق النشؤ والارتقاء في عالم البيولوجيا؛ التخصص، والاختيار والبقاء! ويؤكد، أن نظرية الاقتصاد التقليدية لا تستطيع تفسير نظرية الارتقاء لأنها استمدت أفكارها من الفيزياء وليس من البيولوجيا. مفاهيم الاقتصادي التقليدي تفترض أن الإنسان عقلاني، متماسك، عميق البصيرة وأناني! ولكن البشر ليسوا ماكينات حاسبة دقيقة. إنهم يقررون بسرعة ويصنعون أخطاء يمكن التنبؤ بها. كذلك تاريخ نشأتهم الارتقائي أمدهم بالخبرة والقدرة على البقاء في بيئة معقدة، دائمة التغير وكثيرة الخطر. على القارئ الكريم أن يتأمل الجملة القادمة مليا لمؤلف النظرية!! بالنسبة لكل كائن حي تشمل لعبة البقاء الحصول على الموارد من أجل الديمومة مطولا لكي يستنسخ نفسه عبر الإنجاب، ثم لرعاية الأطفال. الاقتصاد هو الجهد البشري الناجح في الحصول على هذه الموارد!!
وكيف نشأ وارتقى الاقتصاد (في المعنى الظاهري العالمي ولكن في حقيقة الأمر الاقتصادي الغربي!) إلى جهاز معقد؟ في نظر مؤلف النظرية الجديدة، عبر ثلاثة أشياء: عبر نشؤ وارتقاء التكنولوجيا المادية التي انفجرت عقب الثورة العلمية في القرن السابع عشر، والثانية، عبر ارتقاء ونشؤ الثورة الاجتماعية التكنولوجية مثل صنع النقود، والأسواق، وحكم القانون، والمؤسسات والديموقراطية، والثالثة، عبر نشؤ وارتقاء البزنز والحقوق التجارية التي تولد ثم تعيش وتموت ثم تولد مجددا – مثل الكائن الحي البيولوجي!! أي بالمفهوم البيولوجي.
لو أيدنا صاحب النظرية وجاريناه في تفسيره لٌلاقتصاد بالإطلاق من منظور البيولوجيا فلن يكون هذا التأييد إلا من الناحية المورفولوجية فقط، مع وضع الاعتبار والعبرة أن الجينات الكروموسومية لهذا الكائن الحي العملاق صاغتها ووضعت قوانينها الثقافة المجتمعية المسيحية-اليهودية بعقلية الإمبراطورية. الاقتصاد المسيحي-اليهودي الإمبراطوري لديه ثقوب سوداء هائلة في معدته تشفط كل خيرات الدنيا بدأ من معدن الصفيح لتعليب الكوكاكولا، والسردين، فالبن، وحتى المطاط والكاوتشوك وانتهاء بالنحاس والحديد واليورانيوم..الخ ويتبرز الكثير من المخلفات السمية عبر إسته الكبير ولا يجد لها مكانا لدفنها إلا في أراضي الدول الفقيرة مثل ساحل العاج وغانا..الخ ويضرط الكثير من غاز ثاني أكسيد الكربون، والميثان، وهيدروجين الكبريتيد ما يكفي لتسخين الأرض وتذويب القطبين معا. ولا حاجة لنا للتذكير أن هذه النظرية ليست سوى تهافت يسقط بعدي الجغرافيا والتاريخ لصالح عولمة رأس المال الوهمي، وتسدل الستار على حقيقة أن النظام النقدي الدولي أكذوبة ضخمة وكأن الدول الغربية لم تنهب ثروات الشعوب الحقيقية قرونا عديدة عبر الاستعمار الكلاسيكي، وكأن ليس هنالك أساطيل حربية وأسلحة دمار شامل هي بالمرصاد لمن يتمرد على نقودهم الورقية التي تسمى دولية لا ينافسها في حجم كميتها سوى ورق التوليتات في المراحيض الغربية.
في الختام نحذر السودان بشدة من الدخول في منظمة التجارة العالمية، وندعو الأستاذ بدر الدين سليمان أن يكف عن الغزل في هذا الموضوع الذي لا يفقه أبعاده الحقيقية في العمق، السودان لا حاجة له لهذه المنظمة! السودان نجح في التنمية الاقتصادية بمعدلات فائقة مع حصار كامل دولي غربي وحروب أشعلوها حوله وفي داخله ونجح في أحلك الظروف، فماذا يمكن أن تضيف له منظمة هي في الواقع فخ منصوب للدول النامية؟! فإذن لن يخسر السودان كثيرا بعدم دخوله هذه المنظمة، بل العكس هو الصحيح سيكسب المزيد بالسيطرة على موجهاته التنموية طبقا لمصالحه، بينما الدخول يعني فقدان القرار السيادي الوطني المستقل، ولن يبقى له شئ سوى أن يقول نعم عندما يرغب أن يقول لا في وجه العولمة المالية. ويجب أن يعلم السودانيون أن التصدير هو رذيلة إذا لم يدرك السودانيون ماذا ولماذا ومتى ولمن يصدر السودانيون ثرواتهم الحقيقية!! التصدير يجب أن يكون ورقة خيار ومساومة وليس عقيدة عبيطة!! وبالطبع، على السودانيين ألا يساوقوا ما بين البنكنوت الدولي الورقي والثروات الحقيقية!! فهم ليسوا شيئا واحدا.
ملحوظة 2011م الأخيرة: بالرغم من التعبير عن إحباطنا من بنك السودان مؤخرا – على سنة راحت السكرة وجات الفكرة، وبشكل خاص الإحباط من د. صابر محمد حسن وسياسته، الذي ربما يكون هو المسئول مباشرة أو غير مباشرة عن وضعية الإقتصاد السوداني الحالي، ورغم أنه إكتشاف سلبية الرجل أتى متأخرا جدا، نقول لا يمنع أن هذه المقالة التي كتبت في عام 2005م فيها العديد من النقط المفيدة، ولا تدعي أنها ألمت بالرؤية الشاملة أو لما حدث في الفترة 1990المنصرمة-1993م. كيف صار د. صابر محمد حسن مستشار صندوق النقد الدولي محافظا لبنك السودان لستة عشرة عاما. هذه نقطة مثيرة للتأمل والبحث والجدل في هذا الوقت، فهل صنع له أبناء غير بيولوجيين يعملون داخل البنك كإمتداد له ولسياساته التي تنطبق وسياسة صندوق النقد الدولي؟ بلا شك نعم، لأن ستة عشرة سنة ليست بسيطة.
شوقي إبراهيم عثمان
كاتب ومحلل سياسي
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.