"كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر ***فليس لعين لم يفض ماؤها عذر " هو بيت شعر من قصبدةٍ رائية خالدة قالها الشاعر أبوتمَام عليه رحمة الله فى رثاء محمد بن حميد الطوسى قائد جيوش الخليفة العباسى المعتصم بعد رحيله المفجع ونرددها نحن الآن بعد كل هذه القرون التى مضت على حادثتها وحديث شاعرها المهيب ولم لا ونحن نفقد جزءاً عزيزاً من وطننا السودان الكبيرفإذا كان فقد بعض بنى الإنسان يعتبر خطباً جللاً وأمراً فادحاً لا يدانيه خطب ولا يقبل معه عذرٌ للعيون الحاضرة ألَا تفيض وتسيل دمعاً سخيناً فماذا عن فقدنا الفادح لجنوبنا الحبيب بإنفصال سقرى لا يبقى ولا يذر إجتماعياً وإقتصادياً وسياسياً وأمنياً !!؟ . لقد أزفت آزفة فصل جنوب السودان عن أصله المؤصل وبدأ ليل الفراق يرخى سدوله وها هو شبح التاسع من يوليو الفظيع يحوم بكل سوءاته وعوراته وقتامته أمام المؤمنين و المحبين والمشفقين على وطن إسمه السودان كانت مساحته مليون ميل مربع قبل ذا يتعايش فيه الإنس والجن معاً وكان موقعه فى قلب أفريقيا الأم قبل أن يتجرأ السيؤؤن ويدحرجون صخرته العاتية آلاف الأميال شمالاً ولا زال موقعه راسخاً فى ضمبر وقلب كل سودانى يؤمن بوحدة التراب ويرفض تجزئة هذه الأرض المقدسة مهما كانت المبررات والحجج. لقد بات الإنفصال وشيكاً وأصبحت رواحلنا على مرمى حجر من هذه الهوة العميقة المنعوتة بإسم النهاية المحزنة لمصير الجنوب بل قاب قوسين أو أدنى من البداية الحقيقية لثقطيع أوصال السودان إرباً إرباً وإرجاعه إلى عهود الدويلات الصغيرة والممالك المنغلقة والسلطنات الضعيفة المتآمرة والبيوتات المحتواة و التى يسهل إبتلاعها جميعاً دون مضغ من ماضغ أو يذل جهدٍ من بالع. إننا فى جهاز الشرطة العظيم على وجه العموم وفى إتحاد ضباط الشرطة المتقاعدين على وجه الخصوص سنظل أكثر ألماً وأمضى حزناً وأقل إحتمالاً لتداعيات وتبعات هذه الجراحة الإستئصالية ذات التأثيرات الجانبية السلبية العالية الفعالية والتى أصابتنا بفقدنا وفراقنا لرجال عظام من أهل الشرطة المنتمين للسودان الكبير والمنحدرين إلى الدولة الوليدة فى الجنوب فقد كانوا أهل رفقة لسلاح وزمالة لخندق وأخوة لأمن ونظام وفوق ذلك لعلاقات إجتماعية وإنسانية منقطعة النظير لا زالت وستظل راسخة رسوخ الراسيات العواتى . لقد كنا نلحظ تميزاً واضحاً لإخوتنا الجنوبيين العاملين فى جهاز الشرطة فى مناحى الضبط والربط والإنقياد والطاعة للأوامر والقوانين واللوائح والتعليمات فى غير تردد وكانوا شديدى الحرص والغيرة على مهنية وأخلاقيات الشرطة بحفاظهم على هيبة هندامها وسطوة خطواتها المميزة مع أنفةٍ وإعتزاز بهذه المهنة وكأنها قد خلقت لهم . إن التاريخ يحفظ لهؤلاء الزملاء بذلهم وعطاءهم المجرد غير المحدود عندما كانوا جزءاً من نسيج الوطن الكبير ونحسب أن أصلابهم حبلى برجال ونساء سيخلقهم الله خلقاً موجهاً ليرتقوا مع رصفائهم فى الشمال هذا الفتق الكبير .لقد غادر إخوتنا العاملون والمتقاعدون الشمال إلى الجنوب وغادرت الأسر الكريمة التى من بينها الأرامل واليتامى وأصحاب الحاجات من طلاب ومرضى وبقدر أسفنا على الرحيل المر فإننا لم نقم بوداعهم على الإطلاق بسبب عدم قدرتنا نحن وهم على إستيعاب المسألة و بسبب تفاؤل عظيم بأن نعود جميعاً إلى الجادة ليضمنا وطن واسع كبير حدادى مدادى . لقد إحتوت منظومة إتحاد ضباط الشرطة المتقاعدين حوالى (810) من الضباط المتقاعدين منهم حوالى ال(500) ضابط على قيد الحياة وحوالى ال(310) من أسر المتوفين كنا نرعى شؤؤنهم ونخفف من وطأة عاديات الزمان على رؤؤس بعضهم ونرفع عن كواهل الآخرين مشقات المعائش ونخفف من غلوائها بمشاركة عظمى من إخوتنا الكرام فى رئاسة الشرطة وبالذات الإدارة العامة للخدمات الإجتماعية ونؤكد لهم بأننا لا زلنا على العهد معهم وبهم متى زالت مطبات الطريق من أمامهم عودةً إلى حضن السودان الكبير أو أتى بهم الطريق عبوراً طارئاً فنحن وهم تربينا على الوفاء والإخاء والزمالة الراسخة القيم . وأخيراً فقد إتخذ الأخوة فى قيادة الإتحاد عهداً وقراراً بزيارة الدولة الوليدة فى جنوب السودان وفاءاً وعرفاناً ولتفقد أحوال زملائهم هناك وللمساهمة بكل ما هو إيجابى نحو رفعة شؤؤنهم وتعلية كعوبهم ولكنهم يخشون فقط من الترحيب بهم وهم يحملون جوازات سفر بتأشيرتى دخول وخروج !!! وعلى كل حال نرسل التحايا مغلظةً لكل أهلنا هناك ونوصى الأخوين (أبناء دفعتى) الفريق شرطة أشويل تيتو مادوت مدير عام الشرطة بالجنوب والفريق شرطة قوردون مايكا كور نائب المدير بالرعاية والعناية بإخوتنا المتقاعدين وأسرهم وأختم مقالى بأنه وبالرغم من أن لا حزن بعد رحيل الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم إلا أن رحيل الأوطان يوجب الرثاء الدامع فماذا علينا إذا رددنا مع أبى تمام مرة أخرى ونحن نفقد جنوبنا عنوةً وإقتداراً(كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر***فليس لعين لم يفض ماؤها عذر) .