أ ش أ 7-7 بات من المحتمل أن يتحول انفصال جنوب السودان رسميا السبت، إلى زلزال جيو سياسي واسع النطاق، لأن عشرات الحركات الانفصالية الناشطة في شتى بقاع العالم أصبحت تنظر إلى هذا الانفصال باعتباره نموذجا يجب الاحتذاء به، بهدف تحقيق طموحات عشرات من الأقليات السكانية ذات التطلعات القومية للانفصال عن دولها وبناء الدولة الخاصة بها. تعد دولة السودان الجنوبىالجديدة هي الأحدث التي انفصلت من السودان الكبير مساحة وحدودا وبترولا وموارد، بموجب استفتاء شعبي أجري في التاسع من يناير الماضي. وكانت نتيجته تأييدا من أهل الجنوب بالانفصال عن الشمال بنسبة 98.83%، وهو استفتاء نص عليه اتفاق السلام الشامل الذي وقع بين الجانبين عام 2005 وأنهى حربا أهلية دامية استمرت 21 عاما وقتلت اكثر من مليوني شخص وملايين عدة من اللاجئين. يدخل السودان بذلك ، مرحلة مفصلية في تاريخه تحتاج لمزيد من التماسك لتجاوز التحديات وصولا إلى الاستقرار بعد مرحلة متوقعة من الارتباك لاسيما على الصعيد الاقتصادي. وأكد الرئيس السوداني عمر البشير حرص الحكومة على أن تكون العلاقات مع دولة الجنوب من أميز العلاقات بين دولتين. من جهة أخرى. أكد سلفا كير رئيس حكومة الجنوب ورئيس الحركة الشعبية أن دولة الجنوب ستكون شقيقة للسودان الشمالي، وستحتفظ بعلاقات سياسية ودبلوماسية واجتماعية معها. تشارك مصر فى احتفالات إعلان دولة جنوب السودان، حيث ستعترف بها فى اليوم الأول لقيامها وتأمل مصر فى أن يسهم إعلان الدولة الجديدة على طي صفحة الحرب الأهلية، وبدء مرحلة جديدة من التعاون بين شمال السودان وجنوبه وتحقيق الاستقرار والتنمية فى البلدين وفي المنطقة. تعد مشاركة مصر فى الاحتفال ترجمة حقيقية لمدى العلاقات الطيبة التي تجمع مصر بجنوب السودان والتطلع لمزيد من التعاون في الفترة المقبلة إلى جانب التعاون القائم مع شمال السودان ودعمها الكامل لجوبا والخرطوم في المرحلة المقبلة، سواء من حيث تسوية بقية القضايا العالقة بينهما أوتقديم الدعم اللازم لمواجهة تحديات المرحلةالمقبلة. وتوصل فريق الوساطة الإفريقي برئاسة الرئيس جنوب إفريقي السابق ثابو مبيكى بأديس أبابا فى 20 يونيو الماضى إلى اتفاق إطارى بين حزب المؤتمر الوطني الحاكم والحركة الشعبية لتحرير السودان ينص على تطبيق نزع السلاح دون اللجوء إلى العنف، فضلا عن التشكيل الفورى للجنة سياسية ستكلف ببحث ومعالجة قضية إدارة جنوب كردفان فى شكل سلمي خلال ثلاثين يوما. وسيتم دمج الجيش الشعبي لتحريرالسودان فى الجيش الشمالى ، وتستطيع الحركة الشعبية لتحريرالسودان ان تستمر فى شمال السودان كحزب سياسى ، إلا أن الاتفاق أدى إلى انقسام داخل صفوف المؤتمر الوطنى الحاكم وصعود تيارات تدعو لهزيمة المتمردين عسكريا. بالرغم من توصل الرئيس عمر البشير وسيلفا كير إلى اتفاق فى أديس أبابا فى 20 يونيو الماضى بشأن أبيى، وذلك بعد دخول قوات الجيش السودانى فيها، ينص على انسحاب قوات الشمال والجنوب من أبيى ونشر قوات اثيوبية لمراقبة السلام ونزع سلاح المنطقة، غير أن الخرطوم عادت وأعلنت أن الاتفاق لن ينفذ إلا إذا خلت أبيى من كل المظاهر المسلحة وهو ماقد يصعب على الحركة الشعبية أن تضمنه. ويرى المراقبون أنه حتى لو تم تنفيذ الاتفاق فإنه قد يتوقف لأن مشكلة أبيي مازالت صعبة الحل وأن الحاجة أصبحت ماسة لبذل جهد وضبط نفس وابداء حسن نية متبادل حتى يتجاوز السودان بشطريه هذه المشاكل الطارئة، وحل ماتبقى من مشكلات عالقة منها ترسيم الحدود ، والبترول ، وأبيى ، والديون وغيرها بالنسبة لأبيى وهى المنطقة الحدودية المتنازع عليها وكان مقررا أن تجري استفتاء منفصلا في نفس موعد استفتاء الجنوب، ليقرر سكانها ما إذا كانت ستصبح جزءا من الشمال أو الجنوب. لكن إجراءات هذا التصويت لاتزال في طريق مسدود لأن قبيلة الدينكا نقوك التي تحظى بدعم واسع من قبل الجنوبيين ترفض هذا الطلب، بينما يقول الجنوبيون إنه لاينبغى السماح لاحد سوى السكان الدائمين بالتصويت. ومن المتوقع تقرير مستقبل المنطقة خلال المفاوضات المقبلة ولكن الجنوب يطالب بالتنازل عنها مباشرة للانضمام إلى الدولة الجديدة. وبالنسبة للنفط يجب أن يتم الاتفاق على إعادة التفاوض بشأن التقسيم المتساوي الحالي للنفط الذى يضخ فى الجنوب، حيث يعتمد اقتصاد الجانبين بشكل كبير على النفط الذي يشكل 98 % من ميزانية حكومة الجنوب. على الرغم من أن احتياطيات النفط موجودة أساسا في الجنوب ، إلا أن كل خطوط الأنابيب تمر في الشمال ويأمل المراقبون أن يصبح النفط عاملا مساعدا على تحقيق السلام لأن مصلحة الطرفين ستجعلهما مضطرين للتعاون في مرحلة مابعد الانفصال. ولاتزال ديون السودان الكبيرة ، التي تقدر بنحو 38 مليار دولار ، مصدر قلق كبير، حيث يقول الجنوبيون إن "الخرطوم أنفقت تلك النقود على الأسلحة خلال الحرب الأهلية التي استمرت من عام 1983الى 2005" ، بينما يريد الشمال الحصول على إعفاء من الديون الدولية من أجل الحصول على قروض جديدة ، الأمر الذى سيستغرق سنوات عدة. وسيكون من الصعوبة بمكان إقناع الجنوب بتحمل جزء من هذه الديون ، ولكن الشمال يأمل أن يتمكن الجنوب من شطبها بسهولة أكبر. أما الحدود لاتزال حدود السودان الطويلة التي تفصل بين الشمال والجنوب غير مرسمة ، كما ان التقدم في ترسيم الحدود يسير ببطء وترتكز المفاوضات فى هذا الشان على خرائط الحقبة الاستعمارية والحدود إبان استقلال السودان عام 1956. ولكن هذه المسألة أصبحت مثيرة للجدل بسبب مرور الحدود عبر المناطق الغنية بالنفط والثروة المعدنية والدولتان لهما حدود مشتركة تقدر ب 2800 كيلو متر مربع. وقد اتفق قادة شمال السودان والجنوب أخيرا على مواصلة التفاوض بشأن القضايا العالقة عقب إعلان دولة الجنوب المستقلة ويرى المراقبون أن الدولة الجنوبية الوليدة لن تكون بمنأى عن أزمات سياسية وصراعات قبلية أشد وطأة من أزمات وصراعات الشمال اذ أن الحركة الشعبية وحكومتها وقبيلتها ليست القوة السياسية الوحيدة في الجنوب وليست القبيلة الأكثر عددا وإن كانت الأكبر والأكثر نفوذا وهيمنة، بوصفها تمثل النخبة الجنوبية الأفضل تعليما والمدعومة خارجيا ، ومن ثم فإن الصراعات الجنوبية قد تسفر عن حرب أهلية جنوبية /جنوبية، وذلك هو أخطر التحديات التى تواجه جنوب السودان بعد الانفصال. ويبقى التحدي الأكبر هو ضرورة ضبط وتيرة العلاقات الثنائية بين الشمال والجنوب وتجنب تصعيد الخلافات والنزاعات والتربص المتبادل من أجل استقرار وسلام السودان شمالا وجنوبا.