أخيراً وبعد مماطلات إجرائية مطولة نجمت عن حرب التقارير الطبية المتضاربة حول صحة الرئيس المخلوع مبارك وعن تدخلات اقليمية هدفت إلى عدم تقديمه للمحاكمة ، وتحت ضغط المظاهرات الشعبية الأخيرة ، أذعن المجلس العسكري واستجابت الحكومة المصرية إلى أهم مطلب للشعب المصري وهو تقديم المتهم مبارك وأعوانه إلى محاكمة علنية، أخيراً وبعد انتظار طويل مسكون بالشكوك، تنفس معظم الشعب المصري الصعداء حينما ظهر مبارك وبعض أعوانه في قفص الاتهام أمام محكمة جنائية ليواجهوا تهماً خطيرة تتعلق بقتل متظاهرين سلميين وإهدار المال العام وهي تهم معاقب عليها بالإعدام والسجن علماً بأن هذه المحاكمة المسماة بمحاكمة القرن تعتبر الأولى من نوعها في التاريخ المصري والعربي. من المؤكد أن محاكمة المتهم مبارك وأعوانه سوف تكون أصعب محاكمة في تاريخ القضاء المصري، فعلى الرغم من استيفاء هذه المحاكمة للمعايير الدولية للمحاكمات العادلة مثل تطبيق قوانين موجودة كقانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية وليس قوانين استثنائية، الظهور أمام محكمة جنائية موجودة وليس محكمة استثنائية ، علنية المحاكمة ونقلها على الهواء مباشرةً، توفير حق الدفاع للمتهمين وتوفير فرص الاستئناف والنقض للمتهمين إلا أن عقيدة القضاة قد تتأثر بالظروف المحيطة وقد تقع بين مطرقة المجلس العسكري المتعاطف بالضرورة مع مبارك بصفته قائد عسكري ومن أبطال العبور وبين سندان الشعب الغاضب الذي قُتل الكثير من شبابه إبان اندلاع ثورة 25 يناير ويرغب في القصاص وتحقيق العدالة الثورية الناجزة ويهدد بقوة بالعودة إلى ميدان التحرير إذا لم تصدر أحكام رادعة بحق جميع المتهمين، وغني عن القول إن القضاة المصريون مطالبون بأن يثبتوا للعالم الذي يتابعهم عن كثب بأن عقيدتهم أثناء المحاكمة سوف يتم تكوينها بصورة حرة بعيداً عن أي ضغوط سياسية حسبما يتطلبه قانون الاجراءات الجنائية المصري. من المؤكد أيضاً أن محاكمة مبارك والأحكام النهائية التي سوف تصدر بموجبها سوف ترسي سابقة قانونية جديدة في العالم العربي مفادها أن عهد ارتكاب الجرائم في حق الشعوب المسالمة والافلات من العقاب قد ولى، وسوف تشكل انذاراً قانونياً نهائياً لأي حاكم عربي مستبد يستخدم السلاح ضد شعبه من أجل البقاء الأبدي في السلطة، وفي الختام لا نملك إلا أن نقول للحكام الاستبداديين الذين يرفضون إجراء الاصلاحات الحقيقية التي تطالب بها شعوبهم ويمعنون في قتل مواطنيهم حتى في الشهر الحرام تأملوا جيداً تفاصيل محاكمة مبارك وتدبروا في أسبابها وتداعياتها القانونية والسياسية لأن دوركم في المحاكمة سوف يحين ولو بعد حين. فيصل علي سليمان الدابي/المحامي