يملأ المؤتمر الوطني ورجاله في الحكومة والبرلمان الدنيا بالتصريحات عن قانون جديد للصحافة، ابتدره وطالب به وبدأ مشارواته المؤتمر الوطني، وحده وبلا شريك. وآخر التصريحات في صحف الأمس لرئيس لجنة الإعلام والثقافة في البرلمان السيد فتح الرحمن شيلا، الذي قال أنهم بدأوا المشاورات مع جهات عديدة، من بينها جهاز الأمن والمخابرات الوطني، ورؤساء التحرير، بينما قاعدة الصحفيين مغيبة عن هذه العملية. لم يحدثنا السيد شيلا عن نقاط السوء في القانون القديم، ولم هو قانون معيب وهو لايحبه ، كما قال. أما حكاية أنه قانون معيب لأنه تم في وجود الحركة الشعبية وبمشاركتها، وهي قد ذهبت الآن، فهذه حجة كفيلة بذهاب الحكومة كلها وبكل أجهزتها وبرلمانها ودستورها. هذا الدستور، يا سيد شيلا، وضعه المؤتمر الوطني بمشاركة الحركة الشعبية، بل أن الدستور نفسه يقول بأن مرجعيته هي اتفاق السلام الشامل، ولو تعارضت أي مادة في الدستور مع مادة في اتفاق السلام فإن مادة اتفاق السلام هي التي تسري. وبناء على الاتفاق والدستور تم إعادة صياغة أو تعديل معظم القوانين، ومن بينها قانون الأمن الوطني، وقانون الأحزاب، قانون الانتخابات...الخ. فإذا اردت استخدام هذا المبرر لالغاء قانون الصحافة وصياغة قانون بديل فمن الاولى الغاء الدستور والبرلمان والحكومة وقانون الأمن الوطني....الخ. قانون الصحافة لعام 2009 ليس قانونا جيدا، وعندما تم طرح مسودته الأولى من قبل اللجنة المشتركة للمؤتمر الوطني والحركة الشعبية أثار غضب الصحفيين والمهتمين بحرية التعبير والإعلام. وخاض الصحفيون معركة طويلة أثمرت عن تعديل بعض مواده، وحذف البعض الآخر، وصدر القانون ملبيا لبعض طموحات الصحفيين، وعاجزا عن بعضها الآخر. في نفس الوقت تغاضى الشريكان عن طرح قوانين الإعلام الأخرى أو تعديل القديم منها، مثل قانون الهيئة القومية للإذاعة والتليفزيون، وقانون البث الإذاعي والتليفزيوني، واستحداث قانون حرية الاطلاع على المعلومات. هذه القوانين ما تزال في نسختها الشمولية القديمة ، ولم يتم تعديلها لتناسب عهد الديمقراطية التعددية الذي ينص عليه الدستور. وليس من سبب الآن لتصور ان لجنة السيد شيلا تقوم بتعديل قانون الصحافة لمزيد من الحريات، بل على العكس، الواضح حتى الآن أنها تريد مزيدا من القيود والتكميم وسلب القانون من بعض المواد المضيئة به، ليعم الظلام. ولو كانت هذه اللجنة جادة لبدأت بالقوانين الأكثر سوءا في مجال الإعلام، ولعملت على تعديل الأوضاع في هيئتي الإذاعة والتليفزيون ووكالة سونا، لتحريرها من قبضة وسيطرة المؤتمر الوطني والحكومة وتحويلها لأجهزة خدمة عامة قومية المنشأ والتوجه. لا تتجه لجنة شيلا لهذه الأجهزة لأنها لا تواجه أي مشاكل فيها، كحزب وكحكومة، فهي تديرها كما تشاء وتوجهها أينما شاءت، مشكلتها الحقيقية مع الصحافة التي وجدتها، رغم كلما ما فعلت، عصية على الخضوع والانقياد. ارفعوا أيديكم عن الصحافة، ولو كانت هناك حاجة لقانون جديد فإن الظروف السياسية الحالية لا تصلح لهذا التوجه، ركزوا على الأولويات الاخرى ودعوا الصحافة تقوم بدورها.