رمضان كريم. و لأنّه شهر تراحم و توادد و خيرات و بركات ، فقد درج السودانيون فيه - منذ أقدم العصور و الأزمنة - على تعظيم هذا الشهر االفضيل بالإكثار من المآثر الطيّبة و قضاء الأوقات " من كلّ حسب طاقته " فى الطاعات و العبادات والتواصل الإنسانى النبيل و التزوّد بالمعارف و التفكّر و التدبّر ، و كذلك الترويح عن النفس بالترفيه . و للفقراء و المحتاجين فى رمضان - بالذات - حظّ أوفر و أكبر ، وحظوة خاصة فى العطاء ، ممّن هم فى وضع أحسن و سعة فى الرزق و المال . و شعبنا لم يعرف ( كيس الصائم ) ، و لم يتعلّم ( الإفطار الجماعى ) و ( برش الفطور) و ( تفضّل) و ( عوج الدرب ) بمجىء ( الإنقاذ ) !. فقد كان - و ظلّ - الناس فى الريف و الحضر، يتشاركون السرّاء و الضرّاء . و يزيدون فى حضرة رمضان فى ( التوسعة ) و فى فضيلة " من كان عنده فضل زاد ". و كان العطاء سخيّاً و صادقاً ، بلا منّ و لا اذى . و بلا " ميزانيات " تقتطع من الخزينة العامّة . و بلا ( مكرفونات تلعلع ) و دون ( إعلانات تلفزيونية تحدّد مواقع " المنح و العطاء " ). فقد كان العطاء و التصدّق شعبيّاً و أهليّاً صرفاً " من كل حسب قدرته " . و كان المحسنون يمنحون " باليد ، ما لا تعرفه اليد االأخرى " . و كان كل ذلك يتم بصدق فى المشاعر و إخلاص فى النيّة . و بعيداً عن أىّ شبهة إستغلال سياسى أو ( آليّة ) لإستقطاب فئة لخدمة أهداف و غايات للحزب الحاكم ، أو الآخر المعارض . فقد كان كل هذا و ذاك يتم " بعيداً عن السياسة " . و من عجائب الإنقاذ فى رمضان هذا العام،المعركة التى بدأت مستترة وخفيّة فى أروقة المؤتمر الوطنى ، ثمّ تفجّرت فى العلن ، بين السلطة التنفيذيّة و السلطة التشريعية ، بسبب ( كيس الصائم ) ، نعم ( كيس الصائم ) !. و هو ( كيس ) ينفق عليه كثيراً - و كثيراً جدّاً - فى الدعاية و الإعلام و التكلفة الإدارية ، أكثر ممّا يصل فعليّاً للمحتاجين و الفقراء و المساكين و أبناء السبيل، ناهيك عن محتويات الكيس!. و القصّة المحزنة تتلخّص فى أنً نوّاب الحزب فى البرلمان، أرادوا أن يجعلوا من مأثرة ( توزيع الكيس ) مكسباً لحملتهم الإنتخابية القادمة ، فخرجوا بأصوات الإحتجاج على الوزارة التى رأت أنّ ( الكيس ) و (توزيعه) من إختصاصاتها المباشرة و ( حقّها الإلاهى ) " حصريّاّ " . و لا مجال لجهة أخرى منازعتها فيه . و هناك (الديوان ) الذى ( يعطى من يشاء و يمنع من يشاء ) . و هناك ( الإتحادات ) و ( الصناديق ) الطلابية و "غير الطلابية " التى تدخل الخط فى رمضان لتحقيق مآربها، لتاخذ من ( بيت مال الجمهورية الثانية ) " شليتها " . و قصص صندوق دعم الطلاب ، ليست ببعيدة عن الأذهان . عجباً ، إنهم يستثمرون و ( يسمسرون ) فى كل شىء ، بما فى ذلك عسر الناس و ضيق ذات اليد ، وفى هذا الشهر الكريم . هاهم يختصمون و يشتجرون فى حضرة الشهر المبارك ، فى توزيع كيس الصائم ، لتحقيق المكسب الدنيوى الرخيص . و يطلقون فتاوى منع الغناء ، فيمنعون ( أغانى و أغانى ).و ( البقيّة تأتى ) . و مازالت جيوش ( الهتّيفة ) تتحرّى الكذب بأهازيج الجمهورية الأولى " هى لله .. هى لله .. لا للسلطة .. و لا للجاه " !. و كل هذا و ذاك مجرّد ملمح بسيط لمفاجئات الجمهورية الثانية !.ورمضان كريم .