السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



= نعم .. نحن مع تطبيق الشريعة .. و لكن = بقلم

= تطبيق الشريعة لا يجب أن يكون تطبيقا لفهم واحد لها . فعلى الأقل نستطيع أن نتكلم عن التطبيق الشيعي و الأنصار سني و الإخواني . ففي شريعة التطبيق الشيعي زواج المتعة و ولاية الفقيه مباح, و لكنه حرام في التطبيقين الآخرين . و في شريعة التطبيق الأنصار سني مصافحة المرأة و إسبال الثوب للرجل و والتمسح بالقباب و القبور حرام , و لكنه مباح في التطبيقين الآخرين . و في شريعة الإخوان سفور المرأة و توليها الولاية الكبرى مباح , و لكنه في التطبيقين الآخرين حرام . و أصحاب التطبيقات الثلاثة هم أكثر المنادين بتطبيق الشريعة إلحاحا و من غير شروط أو تأخير . و لا يخفون أنهم متى ما تمكنوا من الإمساك بالأمر بايديهم , فلن يتوانوا أن يطبقوا الشريعة التي يفهموها دون أن يرمش لهم جفن واحد . و ينسون على الأقل أن للشريعة وجهين آخرين لدى الشيعة و لدى أنصار السنة على الأقل .
= الفهم الأزهري العصري للشريعة :
= أما الوجه الرابع الذي قد يخفى علي الفرق الثلاثة كافة و غيرهم ممن له فهمه للشريعة فهو الذي يمكن أن نسميه الفهم العصري للشريعة لأنه يتأثر بظروف العصر و مستجداته و يرى أن هذا التأثر ليس فقط واجبا و لكنه أيضا لا مناص منه . و أهل الفهم العصري بادئ ذي بدء لا يعترضون على تطبيق الشريعة من حيث المبدأ . لكن لهم رؤيتهم في على الأقل أربعة من قضايا الشريعة و التي عند النظر الفاحص نكتشف أنها هي منبع ممانعة البعض لتطبيق الشريعة .. أولئك البعض من أهل العلمانية و الدولة المدنية و المعتقدات الأخرى و مسلمي الإسلام الوسطي الذين أخيرا يمكن أن نسميهم مسلمي الإسلام الأزهري نسبة الى مساندة الأزهر لغالبية إن لم نقل كل أفكارهم , بل و مساندة الأزهر للمنطق الذي تقوم عليه و الأساس الذي تنطلق منه . فعقب ثورة 25 يناير المجيدة 2011 في مصر خرج الأزهر على الدنيا بوثيقة أخذت إسم (وثيقة الأزهر) يتحدث فيها الأزهر عن الإسلام الوسطي الذي يريد تطبيق المبادئ الأساسية للشريعة (و ليس الشريعة) , تلك المبادئ التي تقوم على النصوص القطعية الثبوت و الدلالة من القرآن و الحديث . ثم إن الوثيقة تخلص الى أن الدولة المدنية التي تلتزم بكافة مبادئ الديمقراطية و حقوق الإنسان هي عينها الدولة التي تطبق المبادئ العامة للشريعة الإسلامية بالففهم الموضح أعلاه . و بذلك يكون أهل الإسلام الوسطي أو أهل الفهم العصري للشريعة قد تحصنوا بجدار شديد الممانعة صلب العود عزيز المكانة هو جدار مساندة الأزهر الشريف . و يصبح الحديث معهم يتم في مقام الحذر و الإحترام الشديدين حتي أن محاورهم لا يكاد يغادر مجلسهم حتى تعتوره التساؤلات و تغطيه الشبهات التي طالما أخفي وجهه منها بغرسه في رمال فكره العالى الكثافة القليل الدسم .
= القضايا الأربعة :
= أهل الإسلام العصري جديد فكرهم هو رؤيتهم للقضايا الأربعة التالية و التي جميعها يحكمها المبدأ الأساسي لديهم الذي يركز على أن الحكم المراد تطبيقه من أحكام الشريعة يلزمه ما أسموه الضوابط الواجب إيجادها لتحقيق تطبيق ذلك الحكم . فعندهم أن كل حكم لا تعرف له ضوابط تضبط التطبيق هو رمي رامي في الظلام و هو خبط عشواء أو هو أمر يدبر بليل .
1- أولا , قضايا الأحوال الشخصية و التي أهمها قضايا التعدد و النشوز و الطلاق و الزواج بغير المسلم .
= أولا : التعدد :
نعم , أعطى الإسلام للرجل حق التزوج بأكثر من زوجة . و المطلوب أن نمهد الطريق للتطبيق السليم لهذا الحق حتى لا يقوض التطبيق حقوق الآخرين أو يعرض بعض الناس للضرر . و الزواج بمثابة إنشاء مؤسسة يضبطها عقد قانوني و أخلاقي موثق أطرافه دائرة تنداح لتشمل الزوج و الزوجة و الأطفال على الأقل . و رغم أن للفرد في هذه المؤسسة حق التصرف وفق مشيئته الخاصة لكنه مربوط بعدم التعدي على حقوق الآخرين ممن هم معه في نفس المؤسسة . و لضمان عدم حدوث مثل هذا الخلل يكون الضابط المطلوب إيجاده هو أن لا يتم التعدد إلا بواسطة المحكمة التي تحفظ الحقوق للأطراف كافة . و المحكمة هنا هي المحكمة الأهلية ( حكم من أهله و حكم من أهلها ) أو المحكمة الرسمية . فمثلا , للزوجة الأولى حقها في إيقاع الطلاق على زوجها و الحفاظ على مكتسباتها الزوجية إن أراد التعدد . للأطفال الحق في توضيح وضعهم الإقتصادي مع الظرف الجديد الذي تظهر فيه زوجة أخرى و أطفال آخرين .
= ثانيا : النشوز :
و نعم للرجل أن يؤدب زوجته الناشز بالوعظ و الهجر و الضرب . فأما الضرب فيجب إحاطته بضابط يضمن عدم تعدي حدود مواصفات الضرب الصحيح و يضمن عدم إساءة إستخدام الحق نفسه تعسفيا . و لضمان هذه المطلوبات لا يتم الضرب إلا بواسطة المحكمة ( الأهلية أو الرسمية ) . لأن الضرب ليس كالوعظ المحاط بالفائدة في كل أحواله و ليس كالهجر الذي يكون فيه الطرفين في مركب واحدة و هم في وسط مياه البحر المتلاطمة حيث لا يكون ثقبها إلا وبالا على الجميع . و يتوافق ضابط المحكمة مع المعروف من أن الرجل مع زوجته الناشز مطالب بدعوة أهله و أهلها ليشاورهم في الأمر .. و هذا جزء مما نسميه المحكمة .
= ثالثا : الطلاق :
و نعم , للرجل حق الطلاق و إنهاء حالة الزواج عندما يشعر بأن هناك أسبابا معينة تمنع الإستمرار . و لكن الطلاق يجب أن يتم أيضا عبر المحكمة لتثبيت الحقوق التي تنشأ من إنحلال عقدة الزواج . و نعم للرجل حق الطلاق .. و لكن .. للمرأة نفس الحق بنفس الضوابط . كثيرا ما يحدث أن يطلق الرجل زوجته بعد لحظة غضب رغم سنين العلاقة و رغم الأطفال . و دائما لا تستطيع الزوجة طلاق زوجها لأسباب يرى القاصي و الداني وجاهتها إلا بعد أن تدفع عبر آلية الخلع أو بعد الوقوف أمام القاضي لعدة مرات قبل أن يوافق على طلب الطلاق و أحيانا قد يفاجئها القاضي في النهاية برفض الطلاق و يطالبها بالتنفيذ الذي يعني ليس فقط العودة الى منزل الزوجية و لكن الى أحضان إمبراطور ذلك المنزل .
= رابعا : الزواج بغير المسلم :
و نعم الزواج بغير المسلم ليس هو الخيار الأفضل في أغلب الحالات . و نعم قد يجر مثل هذا الزواج بعض الضرر للأسلام أو للجماعة المسلمة . إنه في الواقع نفس الضرر الذي قد يجره الزوج المسلم على زوجته غير المسلمة وعلى دينها و جماعة ذلك الدين . و كأننا نقف وجها لوجه أمام الحكمة القائلة ( لا تنه عن خلق و تأتي مثله ) . بل لكأننا نقرر مبدأ التسامح الديني عبر (لكم دينكم و لي دين) بوجه , ثم نقرر عكسه بالوجه الآخر . و نعم .. إن (الدين عند الله الإسلام) هو حكم الله على صحة و علو الإسلام و لكنها صحة و علو مرتبطين بالقانون الألهي القائل (فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر) . فكون الإسلام هو الدين الأسمى و الأصح ليس مدعاة لفرضه إجبارا على الآخرين و لا سببا لظلم الآخرين و أنفسنا و نساءنا عندما نستثنيهن من رحمة الله حين قرر كما قال الرسول (إحفظ الله يحفظك .. إحفظ الله تجده تجاهك) . ثم إننا في نهاية اليوم لا نعتد إلا بقول القرآن الكريم و حديث الرسول الأمين الموثق بالتواتر . و كل ما شابه الظن نتجنبه لأننا لا نريد أن نقيم ديننا على الظن و التخمين و الأوهام . و لا أدري لماذا نتمسك بحكم لا وجود له في النصوص .. و لا أدري كيف تصبح كلمة الفقهاء هي العليا و كلمة الله للأسف هي السفلى .
= الربا :
2- ثانيا , من أهم قضايا المسألة الإقتصادية ما يعرف بقضية (الربا) . أولئك الفقهاء و هؤلاء على مر العصور إختلفوا حول مدلول كلمة الربا فجعلوا لها أكثر من مدلول . ثم قدروا لكل مدلول أثره القانوني و الإجتماعي المحتمل . بيد أن العصر الذي نحن فيه عرف أمرا لم يكن شيئا مذكورا في العصور الخوالي : إنه (الفائدة البنكية) و نسبتها أو سعرها . فإذا كان الربا يحفه إستغلال الغني للمقترض المحتاج في معيشته , فليست الفائدة نوعا من الربا لا من قريب و لا من بعيد . لأنها لا تقوم على حاجة معيشية ملحة مثل ما هي قائمة على المتاجرة و الإستثمار . و لا تتم بين إثنين غني و فقير مثلما تقوم بين غني و غني و إن تفاوتت درجة الغني بينهما . ثم إنها لا تتم في الخفاء أو برغبة مخفية في الإستحواذ على بعض أو كل أملاك المحتاج مثلما هي قائمة في العلن عبر آليات السوق و البورصة و البنوك و الغرف التجارية و سلطة الدولة و ليس في الخفاء إلا ما هو معلن من تحقيق الربح القانوني للجميع . و هب أن الفائدة نوع من الربا فلقد توفرت لها في العصر الحالي شروطا و مقومات جعلتها خالية من ضرر الربا .. ذلك الضرر الذي هو أصل التحريم . و كما يقولون فإن الحكم يدور مع علته .. فأنظر كيف أدار العصر العلل و أدار معها الأحكام . و ما قصة سهم المؤلفة قلوبهم مع الصحابي الجليل عمر بن الخطاب ببعيدة عن الأذهان .
= الحدود :
3- ثالثا , أن كان للفقهاء خير واضح جلي فلا شك أنه مجموعة الضوابط التي وضعوها لتطبيق الحدود . لقد أسهبوا و فصلوا حتى غدا تطبيق الحد مع شروطهم و ضوابطهم تلك شيئا أندر من لبن الطير . نعم نحن مع تطبيق الحدود المضبوطة بكافة الضوابط التي وضعها الفقهاء أولئك . و النتيجة التي نصل اليها مع هذا النوع من التطبيق أنه ليس كل سارق تقطع يده , و ليس كل زاني يجلد و ليس كل محارب يصلب أو يقتل . و نتيجة أخرى نصل اليها عند مراعاة ضوابط التطبيق أن الجلد و القطع و الصلب و القتل هي الحدود القصوى للعقوبات بحيث تنفذ في المعتاد المكرر و الجرئ العاصي من المجرمين . حينئذ تصبح للعقوبات معنى و سبب و قوة منطقية .. تلك العقوبات المصنفة دوليا بأنها عقوبات غير إنسانية لكونها تحط من كرامة الإنسان . كما يصبح لإيرادها في القانون دور رادع مفقود في بعض القوانين الوضعية , و يصبح لها دور تربوي في تنشئة المجتمع على ليس فقط طاعة القانون و لكن محبته أيضا .
= التعزير بالجلد:
العقوبة بالجلد و القطع و الصلب لا جدال في أنها حاطة بالكرامة و قاسية . و لكنها لا تفعل إلا جزاءا للذي حط من كرامته و كان قاسيا علي نفسه و على المجتمع عندما تجرأ و كرر أفعاله المسيئة و الضارة بالآخرين و لم تردعه العقوبات العادية التي تراعي إنسانية الإنسان و كرامته . و النتيجة التي نصل اليها من حرص الإسلام على كرامة الإنسان أنه في غير الحدود (و إسمها يدل على تجاوز الحدود الطبيعية للفعل الإجرامي في مستواه العادي) لا عقاب بالجلد أو القطع أو الصلب . و أما ما شاع من إجتهادات الفقهاء و أقضية القضاة في التعزير بالجلد و القطع و الصلب فلا يوجد له سند في المبادئ الكلية للإسلام .. و نعني بها المبادئ المستقادة من النصوص القطعية كما جاء في الشرح أعلاه . و إخواننا الفقهاء أرادوا حمل المجتمع حملا على السير في جادة الطريق بكل حسن نية .. و قد نالوا الدرجة و لا شك .. و لكنهم قصروا بكل تأكيد في إصابة كبد الحق و الحقيقة مما أفقدهم الدرجة الأخرى .
= الردة و الحريات :
4- و نعم , نحن مع تطبيق حد الردة على الخارج عن دينه المفارق للجماعة . فالردة هنا أمر ينطوي على مقاصد شريرة و مخططات تهدف للإساءة بالدين الذي تم الخروج منه و تهدف لأذي الجماعة التي تمت مفارقتها . و كل الحالات التي سجلها التاريخ الإسلامي ( خاصة تلك المرتبطة بكتب الفقه ) تحكي عن ردة من كانوا في الأصل ضمن جماعة المنافقين . فمنذ أن كان المرتد من هؤلاء الناس ضمن جماعة المسلمين كان يكيد لهم المكايد و يعمل لينال منهم و من الإسلام في مقتل . و النتيجة التي نصل اليها مع هذا التوضيح أن المرتد ليس هو الذي يغير قناعته الدينية و يغير معتقده لأسباب دينية فكرية بحتة ظهرت له . و ليس هو الذي بعد أن يترك الإسلام ينكب على ممارسة شعائر دينه الجديد في الخفاء و العلن .. و يدعو له مثل كل صاحب دين آناء الليل و أطراف النهار . و على الأصح , فإن الدولة الإسلامية تحيط مثل هذا المرتد المسالم بالحماية و تحفه بالأمن و تحترم خياره و توقد في نفسها الأمل في عودته مجددا الى جماعة المسلمين مستفيدا من نفس حريته التي أخرجته من الإسلام للعودة اليه أكثر صدقا و أكبر إيمانا .. و يظل الإحتمال في أنه قد يعود و قد لا يعود . النص على عقوبة المرتد جاء في الحديث (من بدل دينه فأقتلوه) .. و لا شك أن القتل المقصود يدخل ضمن العقوبات التي أشرنا اليها أعلاه من أنها عقوبات قصوى تحفها ضوابط عديدة عند التطبيق . نقول ذلك و نتجاوز عن كون الحديث حديث آحاد . و ليس في ذلك تجاوز لمبدأ إبعاد النصوص الظنية الذي إخترناه منهجا و لكنه إستئناس بحديث يدل على قضية منطقية تجد سندها في المبادئ الكلية للإسلام و القرآن إذ يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) .. الآية تتحدث عن الصادقين في تغيير دينهم .. و هو حق التغيير الذي منحه الإسلام للمسلم . و الحديث يتحدث عن المنافقين و قد أعلنوا خروجهم بالردة و هي العداوة الصريحة للجماعة و دينها . و كل الشرائع ضد العداوة و التآمر و التخريب .
= الحريات :
إن الإسلام العصري يؤمن على حق المسلم في تغيير دينه و ينطلق في ذلك من تأمينه على عدم المساس بالحريات التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان . في مقدمة تلك الحقوق يأتي حق الإعتقاد في الدين و الراي و الفكر المعين . و ليس حق الإعتقاد بأعلى رتبة من حق التعبير عن ذلك المعتقد أو الرأي أو الفكرة بالكلمة و الصورة و الصوت عبر آليات الفنون و الآداب أو غيرها . و هذا و ذاك لا يعلوان على الحق في الحصول على المعلومات و المعارف و الأفكار بأشكالها المختلفة و من مصادرها المختلفة . المبادئ العامة للشريعة لا تعرف الحجر على الحريات . لأن الإسلام لا يخشى من شئ البتة و لا يأبى الحوار مع الآخر أو التعايش مع الآخر .. فلطالما تعايش الإسلام مع المشركين و المنافقين و اليهود و النصارى و كانوا الأقوى شوكة و ساعدا في مدينة واحدة .
= الحريات و الزي الإسلامي :
و أحد القضايا المهمة التي تلامس مبدأ صيانة الحريات العامة و الشخصية قضية اللبس أو الزي . إن حرص الإسلام على العفة و الحشمة لم يبلغ به في المبادئ العامة للشريعة أن يحدد زيا بعينه للرجال و آخر للنساء . و نعم , نحن مع عدم كشف العورات و عدم نشر الإباحية المستفزة للفطرة و المؤذية للمشاعر و المؤدية للزلل . و لكننا لا نعتقد أن أيا من الشعر و الوجه و العنق و الكفين و القدمين و الساقين عند المرأة عورة يجب تغطيتها . و الرسول عندما أشار الي أن المرأة لا يصح أن يرى منها الا هذه و هذه , فقد أشار الى هذه الأجزاء المذكورة آنفا بحكم المنطق و العقل الذي يفهم أن المذكورات السابقة أن كانت مثيرة فهي آخر ما يثير الرجل العادي في الأحوال العادية و هو ما يشرع له الشارع و ينظمه القانون . أن من الحالات الأستثنائية ما يجعل مجرد ذكر كلمة المراة مثيرا للشهوة عند بعض الرجال . و لا أحسب أن المجتمع ينظم حياته على إفتراض أن جميع أفراده غير طبيعيين و شواذ و لم يولدوا على الفطرة السليمة فيجعل شرطيا فوق كتف كل فرد من أفراده و يعتبر المتهم مجرما الى أن تثبت براءته .
= الحريات و الحسبة :
و جعل شرطي عند رأس كل فرد ربما كان أهون من جعل المواطن العادي شرطيا على أخيه المواطن . و هناك فرق كبير بين رقابة المواطن و تبليغه عن الأخطاء و الأخطار و بين الفرد العادي الذي نصب نفسه قاضيا يحدد المخالفة و شرطيا يقوم بالتوقيف باليد و القوة اللازمة . و هناك فرق كبير أيضا بين الشرطي المحترف الذي ينتمي الى مؤسسة معروفة لها ضوابط و قوانين و أسس و تلقي تدريبا إحترافيا لممارسة عمله و بين كل من هب و دب يجعل من نفسه قاضيا و جلادا و لا تدريب أو خبرة له الا الوازع الديني و إلا النوايا الحسنة . أصحاب النوايا الحسنة هؤلاء هم أصحاب نظام الحسبة الذي ربما كان مرضيا عنه في زمان نشأته الأولى . و كل شئ إذا ما وضع في موضعه فهم . فالهيدروجين ليس شيئا نقربه و هو منفردا في الطبيعة و لكنه هو عينه الذي نشربه ماءا واهبا للحياة لحظة إتحاده مع الأوكسجين . في الزمان الماضي إحتاجت المجتمعات لنظام للرقابة على الأعمال و الأفعال لضمان الجودة و الصلاحية . فأبدع الفقهاء نظام الحسبة . و لكن فيما بعد أبتدعت الإنسانية نظما أكثر قوة و تأثيرا من الحسبة في تفعيل آلية المراقبة من غير مساس بالحريات . فإنتهي نظام الحسبة ليبدأ نظام الخدمة المدنية و الشرطة و القضاء المسنود بالمتفق عليه من القوانين و الإجراءات و الضوابط . فصار الشخص يؤدي العمل الصالح المفيد بغض النظر عن وازعه الديني و نواياه الحسنة . و ليس من الدين أن نقلد أجدادنا القدماء فقط لأنهم أكثر قربا من المنبع . ليس المطلوب أن نغير المنكر كما يغيره الشرطي أو الموظف المختص .. إن المنكر المطلوب منا تغييره هو المنكر الذي لا يزج بنا في إختصاصات الشرطة و موظفي الدولة أو يزج بنا في التدخل في الحياة الشخصية للآخرين أو أن يزج بنا في المساس بحريات الآخرين . و حين يراودك الفهم أن مخالفة ما ترتكب و لا تستطيع السكوت عليها فالسلوك الصحيح هو تبليغ الجهات المختصة بالأمر .. لأنك إن أخذت القانون بيدك فهناك دائما إحتمال أنك قد أسأت الفهم أو تنكبت الطريق .
= و يبقى القرآن :
لكل شئ إذا ما أتم دورته نقصان . و كذلك كثير من النظم و الأحكام التي إبتدعها الفقهاء قد تجاوزها الزمان منذ وقت بعيد .. فالأرض ليست هي الأرض .. و البشر ليسو هم البشر . و لا يبقي مع مرور الزمن إلا الأفكار في عمومياتها و إلا النظم في مدلولاتها و مراميها . و لا يبقى من تفاصيل الشرائع الا المبادئ العامة لها و إلا المقاصد الكلية التي ضمها القرآن الكريم و هو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه .
= نعم .. نحن مع تطبيق الشريعة .. و لكن
= بقلم/ نوري حمدون – الأبيض – السودان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.