جماهيرية السراديب العظمى من هم الجرذان يا مَعَمّرْ؟ الذي استمع لنداءات وكلمات القذافي التي أطلقها بعد فراره وإختبائه داخل سراديب سرية في العاصمة الليبية طرابلس . يستوقفه أمران . الأمر الأول أنه هارب ويختبيء ويزحف هو وأبنائه على بطونهم أو على أربعة ؛ بلا حول ولا قوة داخل السراديب في مكان ما في باطن الأرض .... وأن الثوار هم الذين يتجولون وبتحركون بحرية وثبات في كل مكان على ظهر الأرض. الأمر الثاني أن القذافي وعلى الرغم من واقعه المزري المشار إليه أعلاه ؛ نسمعه في نداءاته من تحت الأرض يصف الثوار بالجرذان .. هكذا ودون حياء .... كأنه يصف في حقيقة الأمر نفسه وواقعه ... أو كأنه لا يصدق أن هناك من يعقل الأمور على وجه هذه الأرض. وأنه هو الهارب وأنه هو المختبيء كالجرذان. وعلى ذات النسق والمنطق المفلس والغرور الأجوف يتشدق ولده وشبيهه في الحماقة والطيش وتخلف النهج "سيف الإسلام" الذي أصدر من سردابه أسطوانته المشروخة الأولى ؛ يدعي فيها أنه يطهر طرابلس الآن من الأعداء والعملاء والخونة والجرذان. ويطالب الشعب الليبي بمطاردتهم في كل مكان...... يقول كل هذا في الوقت الذي يعرف فيه القاصي والداني أن سيف الإسلام قد سبق وتم القبض عليه ثم انفك من أسره وهرب بقدرة قادر وهو لا يكاد يصدق بالنجاة ... وتكرر نفس المشهد مع أخيه الساعدي لأسباب يقال أنها ترتبط بقلة خبرة الثوار في الجانب الأمني المتعلق بقدرات وأساليب خفر الأسرى والإحتفاظ بهم. والمضحك أن العقيد الهارب يطالب الشعب الليبي والقبائل الليبية المتواجدة على ظاهر الأرض أن تتحرك لقتال وقتل الثوار. وتحرير ليبيا من العملاء والجرذان وقبضة الإستعمار. شاطر والله يا معمر ... ولماذا لا تخرج أنت وأولادك للقيادة ومشاركة هذه القبائل والشعب الكفاح المسلح بشجاعة الرجال لتحرير ليبيا من العملاء والجرذان وقبضة الإستعمار؟ أم أنك مخلوق ليبي إستثنائي وعلى رأسك ريشة ؟ هذه النوعية من الخطب والكلمات الممجوجة نراها ديدن كافة الدكتاتوريات التي عصف حكمها بحاضر ومستقبل هذه الأمة العربية ردحا من الزمان ، على الرغم مما تمتلكه الأمة من مقومات بشرية وموارد ذاتية للنمو والنهوض والترقي. لاشك أن هذا المجنون يعيش حالة من التحنيط يحسده عليها فرعون موسى وتوت عنخ آمون معاً .... بل يبدو عليه كأنه لا يزال يعيش عهد المذيع أحمد سعيد المصري ؛ ومجدد عهده العراقي الصحاف. نراه لا يزال يراهن على التناقضات القبلية في ليبيا ، وواقع الحال يؤكد أن مرجل الثورة قد صهر بداخله من كل قبيلة ليبية أشد فتيانها شجاعة وعنفوانا ؛ وأصدقهم قلوبا وأكثرهم إيمانا بوحدة تراب وطنهم وبقناعات تأصيل مبدأ المواطنة نهجا لبناء الدولة الليبية الحديثة. لقد ودّع "جيل البرمودا" الليبي الشاب قناعات عبادة الفرد والسكوت عن الحق. وقضى على معضلة تمجيد القبلية منذ شهور أو يكاد. ذهب عصر القذافي إلى الأبد وتفرق ملكه بين القبائل. ولن تعود عقارب الساعة إلى الوراء. وهو إن إفلح في الهرب واللجوء لاحقا إلى مالي أو شمال تشاد ؛ فإن هذه الدول من السهل الضغط عليها لتسليمه . ومن ثم فهو عاجلا أو آجلاً إما محكوم عليه في ليبيا بالإعدام رميا بالرصاص ؛ أو قابع في زنزانة محكمة الجنايات الدولية يقاسي الخزي والعار الأبدي. لن يفلت القذافي من العقاب فأياديه ملطخة بدماء شعبه. وملطخة بدماء الكثير من الضحايا في أفريقيا جراء الحروب الأهلية وحركات التمرد التي ساعدها وأمدها بالمال والسلاح. ويبقى تدخله في شِئون السودان منذ عام 1976م وإنتهاء بمحاولة غزو أمدرمان مايو 2008م وإرتباطه المباشر بتحريض وإيواء حركات التمرد في دارفور أبلغ مثال. إن حراك الثورة الليبية الشعبية قد قلب بأقدامه الطاولة في وجه القذافي وعناكبه . وأذاب بدفء دموعه وعرق جبينه ودمائه الحارة كل الذي كان لا يزال عالقا بنسيج ليبيا الإجتماعي من التناقضات والتوجهات السلبية التي كان يستثمرها القذافي لمصلحته ويظن أنها لا تزال قائمة وفق ما يصوره له دماغه اليابس وعقله المتطاير ...... هذا العقل المتخلف الذي يبدو أنه توقف عن التحصيل والتطور والنمو منذ الفاتح من سبتمبر 1969م. فلا يزال يظن أن المجتمع الليبي مكانك سر لا يتقدم ولا يتطور ولا ينمو فكريا...... بل وليس من المستبعد أنه كان على قناعة بأن الشعب الليبي لا يقرأ ولا يحفظ سوى آيات كتاب هجائصه الأخضر ..... إنها ليست أزمة القذافي وحده بقدر ما هي أزمة الحاكم العربي الحقيقية ؛ ومشكلته الكأداء بوجه عام لسبب تقوقعه على يد حاشيته في البرج العاجي. وما يعني ذاك من إنقطاع صلته وتواصله مع شعبه ، وبما يموج به مجتمعه من فعاليات وتكتنفه من تغيرات تطرأ عليه لسبب وعدة أسباب في زماننا الراهن ؛ وأهمها ارتفاع مستوى التعليم لدى الجنسين وتعدد مصادره. وسريان واقع ثورة المعلوماتية بكافة اذرعها وأبواقها ووسائل إتصالها. وحميمية منتدياتها وحجراتها ، وجاذبية مواقعها ومدوناتها التحريضية التي باتت مؤثرة على نحو جذري لا يعلى عليه وسط شباب مجتمعات العالم قاطبة. ومن بينها مجتمعاتنا العربية الشابة ؛ والذي هو في حقيقة الأمر وقود كافة الثورات الشعبية ومعول التغيير المؤثر في كل زمان ومكان .... كل هذا تمحور وتجذر في وقت كفر فيه الغالبية العظمى من هؤلاء الشباب العرب بمصداقية الإعلام الحكومي والخاص الذبابي ، بعد كفرهم بمناهج التربية والتعليم التي لا تطرح لهم سوى ثمار النفاق ، وتصلح بالكاد لتخريج أفواج من أفندية القرن التاسع عشر.