القمة العربية تصدر بيانها الختامي.. والأمم المتحدة ترد سريعا "السودان"    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    كواسي أبياه يراهن على الشباب ويكسب الجولة..الجهاز الفني يجهز الدوليين لمباراة الأحد    ناقشا تأهيل الملاعب وبرامج التطوير والمساعدات الإنسانية ودعم المنتخبات…وفد السودان ببانكوك برئاسة جعفر يلتقي رئيس المؤسسة الدولية    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    إدارة مرور ولاية نهر النيل تنظم حركة سير المركبات بمحلية عطبرة    اللاعبين الأعلى دخلًا بالعالم.. من جاء في القائمة؟    جبريل : مرحباً بأموال الإستثمار الاجنبي في قطاع الصناعة بالسودان    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    شاهد بالفيديو.. الرجل السودني الذي ظهر في مقطع مع الراقصة آية أفرو وهو يتغزل فيها يشكو من سخرية الجمهور : (ما تعرضت له من هجوم لم يتعرض له أهل بغداد في زمن التتار)    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان أحمد محمد عوض يتغزل في الحسناء المصرية العاشقة للفن السوداني (زولتنا وحبيبتنا وبنحبها جداً) وساخرون: (انبراش قدام النور والجمهور)    الخارجية تنفي تصريحا بعدم منحها تأشيرة للمبعوث    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    مناوي: وصلتنا اخبار أكيدة ان قيادة مليشات الدعم السريع قامت بإطلاق استنفار جديد لاجتياح الفاشر ونهبها    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: لابد من تفعيل آليات وقف القتال في السودان    الكشف عن شرط مورينيو للتدريب في السعودية    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    رسميا.. كأس العرب في قطر    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبكر محمد أبو البشر:اسقاط نظام المؤتمر الوطني واجب وطني


الثلاثاء‏، 13‏ سبتمبر/أيلول‏ 2011م.
كنت قد بدأت في كتابة مقالة عن عدم جدوى الحوار مع أهل المؤتمر الوطني. وضعت في الإعتبار التجربة التاريخية الحديثة لهؤلاء منذ الانقلاب المشئوم في العام 1989م إلى يومنا هذا، وهجوم المليشيات الحكومية قبل أسبوع لمدينة الدمازين حاضرة النيل الأزرق. يحدث هذا ونيران الحرب التي أشعلها النظام في جنوب كردفان قبل شهرين ومن قبلها في دارفور قبل ثمانية سنوات لم تخمد بعد، بل إزدادت اشتعالاً. الشاهد في الأمر أن هذا التاريخ حافل بتصعيد الحروبات في كل ربوع السودان. سماها النظام نفسه في بعض المناطق بالجهادية. في الواقع هم يفعلون هذا لإشغال الناس بالخلل الأمني، وهذا يجعلهم يعتقدون أنهم سيستمرون في حكم البلاد للأبد. بالطبع تناسوا المثل القائل "لو دامت لغيره لما آلت إليه". هذه الحروبات خلفت إبادات جماعية في كثير من مناطق السودان. في موضع آخر يشهد لنا هذا التاريخ ممارسة أهل الإنقاذ لنقض العهود والمواثيق، مما قاد البلاد إلى التجزئة. إذن لا يفيد التعامل الحضاري – الحوار - مع هذا النظام. بدلاً عنها، يمكن الاستجابة لنداء قيادته العليا (البشير – نافع) بحمل السلاح لاسقاطه، إن أردنا الإصلاح للوطن الجريح. في هذا الاتجاه قرأت مقال الأخ الحاج وراق بعنوان "أفكار واقتراحات حول قضايا اسقاط النظام" المنشور في موقع سودانايل بتاريخ 8/9/2011م. ومن ثمّ عدلت موقفي وقررت أن أساهم مع الآخرين في مخاطبة أهل السودان، ونداءهم لتوحيد الجهود المعارضة للنظام، من أجل الهدف الوطني النبيل، وهو اسقاط هذا النظام وإقامة دولة المواطنة الحقة.
في البدية نثمن على جهد الأخ وراق واقتراحه الجيد بأن يكون مقاله هذا بمثابة فتح باب للحوار الوطني، لنصل جميعاً إلى صيغة توفيقية للخلاص من هذا النظام، هنا أود أن أذكر الجميع، بأن هناك عدد كبير من السودانيين قد سبقوه بالكتابة، في طرح مثل هذه الأفكار الوطنية والدعوة لاسقاط النظام بأية وسيلة ممكنة، لأنهم توصلوا إلى قناعة مفادها أن استمرارية النظام الحالي يعني هلاك البلاد بأكملها. يمكن أن أذكر هنا بعض من أسماء الكتاب الذين ساهموا بآرائهم، في هذا المشروع الوطني. "مسودة وثيقة تضامن التغيير الديمقراطي" 26/11/2007م، مبارك عبد الرحمن أحمد "ورقة عن مشكلة الهوية في شمال السودان" 8/12/2009م، د. حيدر إبراهيم علي "السودان والبحث عن بديل" 7/9/2010م، "الجبهة الشعبية للتغيير" 19/9/2010م، سالم أحمد سالم "المرتكزات الأساسية للدستور" 31/12/2010م، عثمان إدريس أبو راس "البحث في الهوية - جسر للوحدة أم منزلق للتفتيت" 23/2/2011م، د. صدقي كبلو "أفكار حول السمات الأساسية للدستور الديمقراطي" 3/3/2011م، أبكر محمد أبو البشر "السودان إلى أين؟" 10/5/2011م، عبد الجبار محمود دوسة "أمّة السودان التي وُلِدت" 7/7/2011م، الصادق عبيد "إعادة صياغة للوجدان الوطني" 12/8/2011م، د. الشفيع خضر سعيد "جبهة واسعة لإنقاذ الوطن" 30/8/2011م. هذه بعض الكتابات التي حاولت بروح صادقة علاج بعض النقاط الخلافية، التي تعتري استدامة السلام في السودان، بعدما يأتي سقوط نظام المؤتمر الوطني.
بما أن مشكلة السودان قد أصبحت واضحة والحلول أكثر وضوحاً. وشعوراً منهم بعمق الأزمة السياسية في السودان، تمت مناقشات واسعة بين عدد من السودانيين في الخارج وداخل البلاد، خلال العامين الماضيين تمخض عنها قيام جبهة وطنية معارضة، هدفها الاستراتيجي إعادة تشكيل الدولة السودانية برمتها عن طريق اسقاط النظام الحالي، بكل الطرق والوسائل الممكنة والمتاحة، هذه الجبهة هي "الجبهة السودانية للتغيير".
يجدر بنا أن نذكر هنا، أن قيام هذه الجبهة كان في أكتوبر من العام الماضي، في لندن ببريطانيا بإسم "الجبهة الوطنية العريضة". وعندما اختلف عدد من المؤسسين فاق عددهم نصف أعضاء هيئة القيادة مع رئيس الجبهة آنذاك الأستاذ/علي محمود حسنين حول مقررات المؤتمر، من ضمنها فقرات وضعت أسس متينة لحلول الأزمة السودانية مثل فصل الدين والعرق عن السياسة. على ضوء هذا الخلاف الجوهري قرر المؤمنون بمقرارت المؤتمر إقامة مؤتمر استثنائي في القاهرة في شهر إبريل الماضي. بموجبه تم إعادة تشكيل الجبهة بمنهج حضاري ووطني. ليس فقط في تشكيل قيادتها القومية بل في أهدافها الاستراتيجية، التي تشمل حل القضية السودانية مرة واحدة وإلى الأبد.
لهذا نحن الآن في "الجبهة السودانية للتغيير"، في المرحلة العملية لاسقاط النظام، بالرغم من ذلك نثمن على جهد الذين ذكرتهم آنفاً. ليس فقط لأن ذلك يساعدنا في الاسراع لاسقاط النظام، بل لأنه يساهم في المزيد من التوضيحات في أمر ومعضلات السودانيين. لذا تجد في أدبياتنا أن " إسقاط هذا النظام الفاسد ليس هو غاية في حد ذاتها بل وسيلة لتحقيق الغاية الأسمى، ألا وهي بناء المجتمع الديمقراطي الحر الكريم وتأمينه بميثاق تمهره الجماهير (الدستور)، وليس ميثاقا فوقياً يسهل الإنقضاض عليه من المغامرين وطلاب السلطة". هذه الوثيقة – أي الدستور القومي – تخاطب وتعالج في الأساس قضايا الهوية، والدين، والسياسة، والديمقراطية، ونظام الحكم، والعدالة الاجتماعية، والإعتراف بواقع السودان التعددي، والحريات الأساسية للإنسان، وطريقة إدارة الاقتصاد الوطني.
أضف إلى ذلك، تجد أن من ضمن أدبيات الجبهة ما يلي: "هذه مسؤولية تاريخية جسيمة ومعقدة. تقع علي عاتق القوى الخيرة والديمقراطية بمختلف أعراقها، وسحناتها، ودياناتها، وتعدد ألسنتها، وثقافاتها، وروافدها الفكرية، والتي عليها أن تستعيد وتستلهم تاريخ شعبنا النضالي وإرثه الديمقراطي، وتستنهض طاقات شبابنا التي تعج بالحياة، وتتفجر بين جوانحها ينابيع العطاء اللامحدود". وبما أن الأخ وراق وحسب رؤيته قد ذكر من ضمن أسباب اسقاط النظام " سيؤدي استمرار نظام الإنقاذ الى مزيد من تمزيق البلاد". إلا أننا نضيف مزيداً من الأسباب – وهي كثر - أن استمرار النظام في السلطة سيؤدي إلى إبادة الشعب السوداني بأكمله، خاصة عندما نعلم أن من ضمن وسائل الإبادة الجماعية هي القصف بالطائرات (دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق) وصناعة المجاعات وتهيئة المناخ للأوبئة الفتاكة في بقية أنحاء السودان. إضافة إلى ذلك، أن من حق السودانيين أن يشكلوا دولتهم بالطريقة التي يرونها مناسبة للعيش الكريم فيها وفي أمن وسلام.
ذكرت سابقاً أن الهدف الاستراتيجي "للجبهة السودانية للتغيير" هو إعادة تشكيل الدولة السودانية بإجماع أهلها. وهنا نعني بأن على السودانيين أن يقرروا حول مسألة أساسية تتمحور في سؤالين، أولهما: هل يريدون أن يعيشوا في البقعة الجغرافية الحالية بسلام دائم؟ فإذا كانت الإجابة بنعم! يكون السؤال الذي يليه، كيف يتم ذلك؟ نحن في الجبهة نؤمن قاطعاً بأنه لا بد من حل كل المسائل الدستورية الخلافية باجماع أهل السودان. وهي المسائل المضمنة في السؤال "كيف يتم ذلك؟". ردنا أنه يتم عن طريق إبعاد كل ما يفرق بيننا في منهجية إدارة شئون الدولة مثل الدين. – كسودانيين لنا أديان مختلفة لذا يجب عدم إقحام الدين في العمل السياسي. لنا أصول عرقية مختلفة وبالتالي تجب إبعاد العرقية والقبلية من العمل السياسي. بما إننا رجال ونساء، هذا يتطلب بالضرورة إبعاد عامل الجنس من العمل السياسي، وعدم التفرقة بسبب "الجندر" الجنس.
من هذا المنطلق نصل إلى قاعدة دستورية لوصف المواطنة التي تستند إلى عدم تفرقة الناس على أساس الدين أو العرق أو اللون أو الجنس أو الانتماء الثقافي أو السياسي أو الجهوي. وبالتالي عندما يجتمع السودانيون على أسس التمثيل الإقليمي، وليس الحزبي فإنهم بالتأكيد سوف يصلون إلى تفاهم عام في إبعاد كل المسائل الدستورية الخلافية – وهذا ما نعنيه بالمؤتمر الدستوري القومي. إذ أن الأحزاب السياسية والنظم العسكرية التي تعاقبت على حكم البلاد منذ العام 1956م، قد فشلت تماماً في وضع دستور دائم للبلاد برضاء أهله. لهذا نحن مع طرح آراء الأخوين سالم أحمد سالم ود.صدقي كبلو، فيما ذهبا إليه وهو نقاش حول مرتكزات الدستور الدائم للبلاد قبل أن نتحدث عن الديمقراطية. لأن في ذاكرتنا تجربة طرد نواب الحزب الشيوعي من البرلمان في فترة الديمقراطية الثانية في ستينات القرن الماضي. لتبقى الأسئلة الموضوعية، مثل هل هذه هي الديمقراطية التي نطالب بها بعد إسقاط النظام؟ وهل هذه هي الحريات الأساسية التي ننادي بها؟ بل الأهم من ذلك، ما فائدة الديمقراطية أو الحرية التي لا تستند إلى دستور دائم يرضاه كل أهل البلد؟
نحن في "الجبهة السودانية للتغيير" نتحدث وننادي بقيام مؤتمر دستوري قومي. بعد إسقاط هذا النظام نقرر جميعاً كسودانيين في أمر السؤال "كيف نعيش بسلام في هذه البقعة الجغرافية المسماة بالسودان؟" هنا أذكر الناس ما قاله الأخ سالم أحمد سالم " لا يحق لأي حكومة في الدنيا أن تضع بمفردها دستوراً أو تعدّله بمفردها، حتى لو كانت حكومة منتخبة ديموقراطياً بواسطة الشعب وبرضاه ناهيك عن حكومتكم هذه". بالرغم من أن حلول الأزمة السودانية قد أصبحت واضحة إلا أن الضرورة تقتضي مواصلة النقاش، في بعض القضايا أثناء فترة النضال الذي يؤدي إلى اسقاط النظام. يكون ذلك في حوار هادئ، ومن ضمن هذه القضايا يجب أن تشمل نوعية الدستور القومي الدائم، وآلية تنفيذ الدستور، والتوفيق في تفسير بعض المصطلحات السياسية، كالعلمانية والسيادة والدولة وحقوق المواطنة. لنصل جميعاً إلى صيغ توفيقية نتفق حولها.
في عهد النظام العالمي الجديد، أصبحت السيادة ملك للدولة كلها – أي للشعب + الحكومة + المعارضة + الأقاليم – ففي سابقة تاريخية، نجد اليوم أن رئيس الحكومة السودانية – وهو ما زال في كرسي الحكم - مطلوب لدى القضاء الدولي، لإرتكابه جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وإبادة جماعية، وتطهير عرقي في شعب يشكل أصلاً الركيزة الأساسية للدولة التي يحكمها. هذا يعني، ان النظام العالمي الجديد لن يعفي من المحاسبة والمحاكمة أي إنسان مهما كان موقعه الدستوري إذا إرتكب مثل هذه الجرائم. لذلك يجب أن نضع في الإعتبار عندما يحين وقت وضع الدستور رأي الأخ د. صدقي كبلو، والذي مفاده " ينبغي إن ينص الدستور الديمقراطي على مبدأ السيادة للشعب، فمثلا يكون النص الدستوري في هذه الحالة - السودان جمهورية ديمقراطية السيادة فيها للشعب".
فشلت كل الأنظمة التي تعاقبت على حكم البلاد منذ الاستقلال، في وضع دستور قومي دائم. أضف إلى القناعة الراسخة بأن وضع الدساتير الدائمة ليست من حق الحكومات لوحدها. إذاّ تبقى في قناعتنا الآلية المثلى لوضع الدستور، هي إقامة مؤتمر مائدة مستديرة، يجمع كل أهل السودان. يمثلون أقاليمهم المختلفة، يقررون فيه المبادئ الأساسية لنوعية الدولة التي يريدونها، دون أن تفرضها عليهم أية جهة خارجية ثم، يأتي بعد ذلك الخبراء الدستوريون، ليصيغوا تلك الإتفاقية في قالب دستوري. وهذا هو بالفعل ممارسة حق تقرير المصير. ففي اللغة " تقرير المصير يعني الإختيار الحر لأفعال المرء دون إكراه خارجي. أما في السياسة فيفسره البعض على أنه حرية شعب إقليم ما أو تجمع مجموعة وطنية ما في تحديد وضعها السياسي والكيفية التي ستحكم بها من دون اي تأثير من أي بلد آخر."
في الفقه الدستوري يُفسر تقرير المصير، بأنه الحق الأساسي لجميع الناس في أن تقرر بحرية تامة وضعها الخاص، وأن تسعى بحرية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذاتية. الجدير بالذكر أن مفهوم تقرير المصير قد تجسد أولاً في إعلان الاستقلال الأمريكي في العام 1776م ثم في الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان في العام 1789م. إذاً لا شك أن تقرير المصير هو إرادة الشعوب العليا، في وضع أبجديات وأسس مسيرة حياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. بالطبع لا خلاف في أن الطريقة التي تمت بها تشكيل الدولة السودانية الحالية، كانت من دون إرادة الشعوب القاطنة داخل حدود هذا البلد. لهذا يصبح من الضروري أن تحدد هذه الشعوب بنفسها كيفية صناعة مستقبلها، بمحض إرادتها دون إكراه خارجي. لهذا ترى "الجبهة السودانية للتغيير" أن ممارسة حق تقرير المصير تعني إقامة مؤتمر مائدة مستديرة بالمنهجية المذكورة آنفاً ليضمن لنا وحدة الجزء الباقي من البلاد، بل تشجيع الجزء الجنوبي لإعادة توحيد القطر بأكمله.
من القضايا المهمة والتي تحتاج إلى نقاش هادئ ومستفيض، هي مسألة معنى إصطلاح العلمانية. وهذا شيئ أساسي في حل الأزمة السودانية. إبتداءً، الجميع متفقون على أن السودان بلد متعدد الأعراق، والديانات، والثقافات، واللغات. هذا واقع لا يمكن إلغاءه أو تجاهله. لذا نجد أن كل التنظيمات السياسية والاجتماعية – بالأخص في الآونة الأخيرة – تنادي بعدم تفرقة الناس على أساس الدين أو العرق أو الجنس أو اللون أو الإقليم أو القبيلة أو الخلفية الثقافية. وهذا في حقيقة الأمر، يعني فصل هذه الأمور من ممارسة العمل السياسي. إذاً ما الذي يمنع استخدام كلمة العلمانية ليعني فصل السياسة عن الدين والعرق واللون والإقليم والقبيلة والثقافة؟ العَلمانية أي Secularism‏ تعني، اصطلاحاً " فصل الدين والمعتقدات الدينية عن السياسة. وقد تعني عدم قيام الحكومة أو الدولة بإجبار أي أحد على اعتناق وتبني معتقد أو دين أو تقليد معين لأسباب ذاتية غير موضوعية." لذا من الناحية السياسية، العلمانية هي التحرك في اتجاه الفصل بين الدين والحكومة. وهو ما يسمى في كثير من الأحيان في الدول الغربية بالفصل بين الكنيسة والدولة.
هذا المفهوم لمعنى العلمانية، قاد الكثيرين في أمريكا بأن يقولوا أن الدولة العلمانية قد ساعدت إلى حد كبير في حماية الدين من التدخل الحكومي. إذا كان هذا هو الحال في أمريكا، فالأمر مطلوب في السودان لوقف مزيد من الناس الذين بدأوا في التخلي عن ممارسة شعائرهم الدينية، كرد فعل لممارسات الحكومة الحالية. في الواقع العملي مع إضافة الطبيعة البشرية التي تؤمن بإلهٍ وبروح وبعالم أخروي أو مغير خفي – أنظر إلى عدد معتنقي الديانات في العالم كاليهودية والمسيحية والإسلامية والبوذية والسيخ والكجور، وأخر كثر لا نعلمها. نجد أن الدول التي تنص صراحة بالعلمانية في دساتيرها لا تلتزم بفصل الدين عن الدولة. ففي فرنسا جدول العطل الرسمية مقتبس في أغلبه من الأعياد الكاثوليكية. أما في الهند، وهي أيضاً دولة علمانية، تقدم الدولة سنوياً إعانات للحجاج المسلمين وصلت في عام 2007م إلى 47454 روبية هندية عن كل حاج هندي. إذاً يبقي الدين في حاله حتى إذا تغيرت الحكومات. بمعنى آخر فإن العلمانية تشير إلى الرأي والذي مفاده أن الأنشطة البشرية والقرارات ولا سيما السياسية منها، ينبغي أن تتجرد من التأثير الديني.
في موقع آخر كتب الفيلسوف الانكليزي جون لوك في موضوع العلمانية إذ قال "من أجل الوصول إلى دين صحيح، ينبغي على الدولة أن تتسامح مع جميع أشكال الاعتقاد دينيًا أو فكريًا أو اجتماعيًا، ويجب أن تنشغل في الإدارة العملية وحكم المجتمع فقط، لا أن تنهك نفسها في فرض هذا الاعتقاد ومنع ذلك التصرف. يجب أن تكون الدولة منفصلة عن الكنيسة، وألا تتدخل أي منهما في شؤون الآخر. هكذا يكون العصر هو عصر العقل، ولأول مرة في التاريخ البشري سيكون الناس أحرارًا، وبالتالي قادرين على إدراك الحقيقة". لكن أول من ابتدع مصطلح العلمانية هو الكاتب البريطاني جورج هوليوك عام 1851م، وتخيله بنظام اجتماعي منفصل عن الدين غير أنه لا يقف ضده "لا يمكن أن تفهم العلمانية بأنها ضد المسيحية هي فقط مستقلة عنها؛ ولا تقوم بفرض مبادئها وقيودها على من لا يود أن يلتزم بها. المعرفة العلمانية تهتم بهذه الحياة، وتسعى للتطور والرفاه في هذه الحياة، وتختبر نتائجها في هذه الحياة".
بناءً عليه، يمكن القول أن العلمانية ليست أيديولوجيا، أو عقيدة بقدر ما هي طريقة للحكم، ترفض وضع الدين أو سواه كمرجع رئيسي للحياة السياسية والقانونية. لذلك تتجه إلى الإهتمام بالأمور الحياتية للبشر بدلاً من الأمور الأخروية، أي الأمور المادية الملموسة بدلاً من الأمور الغيبية. وبناءً على التوضيحات أعلاه تنادي "الجبهة السودانية للتغيير" " بعدم استغلال الدين، والعرق في السياسة. وذلك باحترام كافة الأديان والمحافظة علي قدسيتها، والنأي بها عن الصراع السياسي، الذي يفرق بين أصحاب الديانة الواحدة، كما ينأ بالسياسة من أن تصبح صراعاً دينياً بإعتبار أن السياسة نشاط إنساني يقبل الخطاء والصواب. ويتسم بالصراع والمحاسبة. كما تنادي أيضاً بفصل الطائفية عن الحزب."
منذ الاستقلال تم وصف السودان بواسطة النخب الحاكمة بأنه بلد عربي/مسلم. هذا وصف كاذب لهوية السودانيين. إذ أنه ضرب بعرض الحائط بكل التنوع الديني والعرقي والثقافي الغزير داخل الوطن الواحد. وبالتالي فشلت النخب الحاكمة من أن تؤطر لمناخ ملائم يفضي إلى خلق أمة واحدة من تنوع هذه الشعوب. لهذا يصبح نقاش هذه المسألة بأسلوب عقلاني وموضوعي أمر في غاية الأهمية، للوصول إلى تعريف الهوية السودانية. التي يجب أن تستند على أسس المواطنة، أي السودانوية دون سواها من أي معايير أخرى إثنية كانت أم دينية أو جهوية أو ثقافية.
مفهوم السودانوية التي تستند إلى الجغرافيا – بلد السودان - سوف يروج للقيم المدنية. حيث أن المواطنة هي العامل الوحيد الذي يقرر الحقوق والواجبات لكل الشعوب التي تعيش ضمن حدود السودان الجغرافية. هذه هي الثوابت التي تنادي بها "الجبهة السودانية للتغيير".
في هذا المنحى نجد كثيراً من الوطنيين يشاركوننا هذا الرأئ. مثلاً الأخ عثمان إدريس أبو راس، إذ يقول أن " مصطلح سوداني يعني الانتماء الي جنسية قانونية لكيان سياسي موحد يتساوي فيه المواطنون مساواة مطلقة وتتفاعل فيه نحو صياغة أكثر تبلوراْ للعلاقة القومية الجامعة"، ويواصل في القول " لقد كانت واحدة من أهم تحديات ما بعد الاستقلال تتمثل في التوافق على دستور دائم مستوعب لواقع الوحدة والتنوع. دستور ديمقراطي قائم على المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات دون تمييز على أساس العنصر أو الدين أو الإقليم مستوعباً لمعادلة الوحدة والتنوع. ... وألا يكون الانتماء الديني معياراً للتمييز بين المواطنين في الحقوق والواجبات. ... ثم إن أطروحة الدولة الدينية هي محل اختلاف بين اجتهادات المسلمين ولم يجمعوا عليها، وليس هناك ما يسند هذه الاطروحة في الكتاب أو السنة المؤكدة".
في الختام، نؤكد للجميع بأننا في "الجبهة السودانية للتغيير" سوف نناضل من أجل خلق سودان ديمقراطي موحد وحيوي، حيث المواطنة فيه هي القاعدة الوحيدة لنيل الحقوقِ وأداء الواجبات. لذا نوجه دعوتنا هذه لكل من يؤمن بمبادئ دولة المواطنة، لكي نوحد الجهود، ليس فقط لاسقاط النظام بل لإقامة دولة المواطنة. وفي هذا نرى أن خارطة الطريق للسلام المستدام في السودان تتمثل في (أ) توحيد جهود المعارضة، (ب) إسقاط النظام الحاكم، (ج) تكوين حكومة قومية لمهمة محدودة ولزمن محدد، (د) إقامة مؤتمر دستوري جامع – مائدة مستديرة، (ه) وضع دستور دائم للبلاد والإستفتاء عليه، (و) إجراء إنتخابات تشريعية عامة، (ز) تسليم السلطة للقوة السياسية المنتخبة إنتخاباً حراً ونزيهاً.
أبكر محمد أبو البشر
[email protected]
مسئول العلاقات الخارجية – الجبهة السودانية للتغيير
مانشستر، المملكة المتحدة
‏الثلاثاء‏، 13‏ سبتمير/أيلول‏، 2011م.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.