الدكتاتورية تحفر قبرها بيدها..! بقلم الدكتور نائل اليعقوبابي *(لا تسألي النيل أن يُعطي وأن يلدا لا تسألي أحدا إني لأفتح عيني... (حين أفتحها) على كثير... ولكن لا أرى أحدا) وعندئذ ستندفع الكلمات على لسانك، مثلما تندفع الآن على لساني: (من عادة النيل أن يُعطي وأن يلدا لا تيأسي أبداً إني لأفتح عيني... حين أفتحها على شباب أضاؤوا الحلم والبلدا..). - أمل دنقل - ..لأن الحزن كان يغطي مساحات القلب.. ولأن الشمس لم تكن تشرق كل صباح.. ولأن المرارة كانت تخترق جسد القصيدة دون سابق إنذار.. ولأن رغيف الخبز الطازج لم يكن يعجن برائحة التراب،أعلن الشعب الأبيُّ في تونس الخضراء ومصر الأهرامات بدء الغضب.. وبدء انطفاء المنارات وسط البحار... وبدء انكسار الفرح... لا لشيء إلا لأن الدكتاتورية أرادت لهم أن يكونوا كرماء وطيبين، لكي يصبحوا بين أيديها دمى تحركهم فوق مسرح الحياة بإسلوب هوليودي خارق للعادة وبعيد عن المألوف والدارج.. ولكي تصبح قاماتهم. آن تنظر إليهم. بحجم عقلة الإصبع.. وقلوبهم، كالكرة المطاطية، تتدحرج فوق اعشاب حقولها المحفوفة بالمخاطر.. وآن تنتهي مدة صلاحيتها ترميهم بكل بساطة فوق سلة المهملات. ولأنهم كرماء وطيبون.. اقتنعوا بصدق نياتها.. وصدق مزاعمها. وصدق ما تخططه لهم. قالت لهم: أريد أن أحرركم من الظلم والجور، فجارت عليهم آن دمرت بيوتهم الآمنة.. وقتلت أطفالهم ونساءهم وشيوخهم.. وانتزعت، بكل صفاقة.، ملامح صباحاتهم المشرقة من أفق القصيدة..واقتلعت جذور أحلامهم من أعين أمسياتهم المليئة بالمباهج. قالت لهم: أريد أن آخذكم إلى بر الأمان حيث الشمس.. والبحر.. والياسمين.. فأشعلت الحرائق.. وشوهت الضمائر.. وعاثت خراباً في النفوس.. وطاردت شرفاتهم المشرعة أبداً لقداسة الأغاني.. وأوغرت صدر الينابيع على ما تكتنزه الأناشيد في ضلوع الحلم من شفافية وصفاء. قالت لهم: أريد أن أمنحكم الديموقراطية! فقدمت لهم الهزائم.. والرذيلة.. والرشوة.. والحزن المعلب.. والدموع المغلفة بالمآسي، وحولت بآلتها العسكرية الجبارة القلب إلى كتلة من الرخام البارد، بعد أن أطلقت النار على حنينهم... وعشقهم..وريحانهم البري..وذاكرتهم.. وأحلامهم المؤجلة وتركتهم في العراء يجترون الأمل.. بكل ما يملكون من سذاجة.. وصفاء سريرة.. ونقاء. قالت لهم أشياء تقترب من الوهم قاب قوسين أو أدنى، وتبتعد عن الحلم قاب موتين أو أكثر، وتركتهم في العراء... بعد أن أزهقت روح الخصب والنماء فيهم.. وأجهزت على آخر أمنية اندلست. بصمت في قاع القلب المفعم بالضياء. وتركتهم في العراء... يغلسون العذاب.. ويلوكون آخر ما أبدعته قريحتها من صنوف الكوارث.. والخراب وتركتهم في العراء... يتذكرون قول أحمد شوقي: وللحرية الحمراء بابٍ بكل يد مضرجة يدقُّ وقول الشابي: إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر ولا بُدَّ لليل أن ينجلي ولابُدَّ للقَيدِ أن ينكسرْ ومن لا يحب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر وحين أشرقت الشمس... كان الشباب الأبي يحلم بالإصلاح والتغيير ويهتف (لا حياة بدون حرية.. ولا عيش بدون كرامة)! حينئذ اختبأت الدكتاتورية، وهي ترتعد من الخوف. خلف أوهامها، ومضت إلى حيث لا رجعة.