ونحن على خط التماس الوطن في بقاع الدنيا العريضة ...فجعنا كما ملايين السودانيين الطيبين بأفول نجم طروب مبدع الفنان زيدان إبراهيم (محمد إبراهيم زيدان( رحل بعد أن مسح في ليل العشاق دمعة وترك لهم في ليل رحيله ألف دمعة ..لا نعرفه شخصيا ولم نره عن كثب مثل بقية قبيلة أهل الابداع نراهم بوجداننا صبح مساء وهم ينثرون علينا رذاذ عطورهم كل يوم بلون ونكهة ومزاج ونحن إمتلآنا حسنا وحسا ولا نراهم إلا على صفحات الصحف وشاشات القنوات والمسارح وكم رأينا( فلايرز وبروشورات ، ملصقات) حفلاته تشمخ على أعمدة كوبري أم درمان...شاهدته في قناة النيل الأزرق وفي قناة الشروق وشاهدته في لهاة كل سوداني فنان ترك الوظيفة والتعليم وأختار الفن فأجاده ورسالته أن يكتب للأجيال بطباشير المشاعر الملون كما الأزهار وكيف أن تكون صاحب قضية ورسالة وحسي بالراحل كان كذلك دوما وقبل أن يجف الدمع والمداد ،،، أحكي لكم طرفة حفظتها من يومها ... قام نادي الربيع بتكريم الراحل لا أتذكر عدد السنون و لكن اللقطة التي أتيح لي مشاهدتها عبر التلفاز كان مبتسماً كعادته في ثنايا طفل كما شاهد الجميع وبتلك الرقة والحس العالي فهو كان محبا للحياة ولا أدل على ذلك أكثر مما أعطي من نبض للشعب السوداني ودخل قلوب الملايين بطرقة خفيفة على جراح وألام وشجون فهي رسالة المبدع يشقى ليشنف مسامع الآخرين ويطفئ المواجع بترديد الفأل الأخضر الجميل وغدنا الأحلى بكل جماله وذلك بكمال قوة صوته وتنوعه وتفرده ، وبرغم تخطي سنوات عمره إلا أنه ظل فنانا للشباب في كل العقود التي أمضاها من عمره ..... وأنا أحست أن الناس حتى في المنافي البعيدة ذرفوا الدمع عليه... ليتكم تسمعونه في تقديم بصوت راحلة أخرى (ليلى المغربي) قبل أن يشدو بالغناء في أحد برامج الصباح الجميل في بلادي... وأبقى أسأل عن قلوبنا تلقى فيها كنوز محبة فهو ملك للشعب السوداني كلهم أهله...وقبل قليل كنت في دردشة مع صديقي في ركن قصي من الدنيا وقلت أبلغه بالخبر نظرا لفارق التوقيت الكبير..ولأن الخبر كان فجيعة مسائي برغم يوم العطلة وأبلغته ، ورأيت انحناءة بدمع وإيماءة مسح بيديه دمعة أسالها الراحل وقلت لنفسي ربما أسال دمعة شجن في نفس صديقي بأغنية في ذات يوم من ذات العين.... وأيقنت أنه عرف وحزن وشاهدته أمامي في الشاشة وقد قلت له بأن مسائي كان حزينا لغياب تواصله بسبب مشاغله وأضفى رحيل العندليب حزنا بلون المحاق.. في ذلك الحفل الذي أقامه نادي الربيع تكريما ..تقدم وجلس ليقول كلمة شكر يقلد بها جيد من احتفى به..وكان وهو يهم بالجلوس يرتدي جلبابا وعمامة..وهو رجل أنيق الدواخل والمظهر في كل الأوقات وليس أحلى ما فيه ربطات عنقه وقد تمازجت ألوانا في نسق يشبه روحه الأنيقة باسمة المحيا في كل وقت وتنافس الكوت والبنطال ولكن ابتسامته كثيرا ما أحس أنها تختار نفسها بعناية فائقة لكي تخرج من جوفه حتى لا يكون هناك نشاز وهو الفنان الذي عشق الفن وقد ورد على لسانه في تواشيح النهر الخالد بأنه لا يعرف إلا الغناء فقط وذلك ردا على حديث محاوره عن الوظيفة وذكر الراحل أنه عمل لفترة بشركة تأمين هندية ولكنه لم يجد نفسه في وظيفة كلها قيود ، لم أسمع من فناني السودان من قال أنه احترف الفن فقط لأنه لا يعرف إلا أن يغني حقا لقد كان الراحل كذلك ، نحس به لم نسمعه يلوك كلمة أو يهمل حرفا في نطقه وترداده للأغاني..(يا مناجاتي وسري). قال للحضور في نادي الربيع استهلالا لكلمته مبتسماً في مزحه اللطيف ( الحمد لله إني حضرت تكريمي) وعادة الشعب السوداني الاحتفاء بالمبدعين بعد رحليهم.. ليتك أيها الراحل عنا تدري كم دمعة انهمرت من عيون البلاد وكم احتفي بك المحبين وكم سمعت شهيق الواقفين على الرصيف يرقبون مرور الجثمان.. أرحل لسموات العلي القدير سوف نردد برجاء لا يخيب أن يتقبلك الله عنده في أفضل المنازل وأن يسكنك الجنان..وأن يجعل قبرك راحة وواحة بقدر ما رسمت من فرح جميل في عيون أهلك أيها النحيل العظيم والعزاء لكل الشعب السوداني فهم أهلك وجيرانك ومعجبي فنك الأصيل و عشاقك وملحنيك وشعراؤك وعازفي جوقتك.. ويحضرني الآن قول راحل أخر مبدع..في يوم رحيل فنانة في زمن مضى ( ووري الثرى في مكان سحيق بمقابر الحاج يوسف جثمان المغفور له محمد إبراهيم زيدان ..اللهم إن ذنوبه لا تضرك فخذها عنه ،، وأن حسناته لا تنقصك فزده منها) وحقا أوفاه أحدهم بتعليق بسقوط القمر الطبيعي من سماء الفن.. وحال الجميع في لسان الحال كما قال الشاعر اقتبس بتحريف لا يضر لكل مبدعي السودان الجميل كأن (أهل الفن) يوم وفاته نجوم سماء خر من بينها البدر وإنا لله وإنا إليه راجعون محي الدين بابكر محمد (العزازة) – الدمام – المملكة العربية السعودية