كثيرة هي الدلالات التي تحملها نجاح الانتخابات النيابية التكميلية التي أجريت بممكلة البحرين يوم الرابع والعشرين من شهر سبتمبر الماضي، والتي اكتسبت أهمية خاصة بالنظر إلى الأسباب التي أدت إلى إجرائها والأجواء التي تمت فيها هذه الانتخابات والمحاولات التي جرت لإعاقتها وتعطيلها. فمن المعروف أن الانتخابات من أهم آليات إرساء الديمقراطية الحقة والتعبير عن إرادة الناخبين، إلا أن قيامها بهذا الدور المهم يتطلب توافر مجموعة من الضوابط والإجراءات والقواعد التي تكفل ممارسة انتخابية سليمة سواء من جانب الدولة وأجهزتها ومؤسساتها المنظمة والمشرفة على العملية الانتخابية أو من جانب المرشحين والناخبين في التزامهم بالضوابط والقواعد المنظمة لمشاركتهم في العملية الانتخابية. وهذا الإقبال الذي شهدته الانتخابات ترشيحًا وتصويتًا (نسبة المشاركة 51 % على الأقل ) - رغم سعي بعض الجهات التخريبية إلى إفشالها بغرض الإساءة إلى مملكة البحرين بصفة عامة- يبرهن على صحة الخطوات التي تتبعها الدولة في معالجة التداعيات السلبية التي أفرزتها أزمة 14 فبراير، ومن أبرزها حوار التوافق الوطني الذي نجح في الخروج بتوافقات وطنية سياسية واجتماعية واقتصادية وحقوقية، وتشكيل اللجنة الدولية لتقصي الحقائق في تلك الأحداث، علاوة على استجابة الحكومة وسعيها الحثيث في تنفيذ مرئيات حوار التوافق الوطني والاستجابة إلى المطالبات المجتمعية وفي مقدمتها حل مشكلة المفصولين والموقوفين عن العمل، فضلا عن الإسراع للفصل في القضايا المنظورة أمام القضاء سواء محاكم السلامة الوطنية أو المحاكم المدنية؛ من أجل تأكيد احترام القانون وإرساء العدالة الناجزة في المجتمع. لقد اتخذت الدولة بأجهزتها المختلفة خطوات جادة وحقيقية من أجل تهيئة الجو المناسب؛ لضمان حيادية ونزاهة العملية الانتخابية، تمثل أبرزها فيما يلي: 1- بذل المزيد من الجهود الرامية إلى نشر الوعي بين المواطنين والمقيمين بالمسائل المتعلقة بمفهوم الديمقراطية وحقوق الإنسان وتأكيد اللحمة الوطنية ونبذ الخلافات والمشاحنات بين المواطنين بعضهم بعضا وبين المواطنين والمقيمين. ويبرز في هذا الإطار، التغطية الإعلامية المتكاملة والمتميزة للانتخابات في جميع وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية والالكترونية، والتي هدفت إلى إطلاع الرأي العام على مجريات العملية الانتخابية ودلالاتها الديمقراطية ومستجداتها، فإلى جانب إنشاء “المركز الإعلامي” للانتخابات التكميلية في مركز عيسى الثقافي، امتلأت الصحف البحرينية بالتقارير والمقالات، إضافة إلى تنظيم لقاءات وبرامج إذاعية وتليفزيونية إخبارية وحوارية متخصصة مع خبراء سياسيين وحقوقيين وقانونيين، مع السماح للمرشحين والمرشحات بعرض برامجهم الانتخابية على شاشة التليفزيون البحريني في إطار من المساواة وتكافؤ الفرص بين الجميع، فضلاً عن التغطية الإخبارية عبر مواقع التواصل الاجتماعي. 2- خضوع العملية الانتخابية برمتها منذ إعداد كشوف الناخبين وحتى إعلان النتائج النهائية لإشراف قضائي كامل؛ لضمان الحيدة والنزاهة، فضلا عن خضوعها لرقابة أهلية سواء من جانب مؤسسات المجتمع المدني، علاوة على السماح لكافة أجهزة الإعلام العربية والعالمية بالتواجد والمشاركة في تغطية العملية الانتخابية وتسجيل كل أحداثها. 3- زيارة رئيس الوزراء إلى مجمع “سيتي سنتر” في أعقاب محاولة “فاشلة” من مجموعة تخريبية أرادت إحداث الفوضى في المجمع التجاري الحيوي ونشر التوتر في مملكة البحرين بصفة عامة، وترهيب الناخبين وتوجيه رسالة تحذيرية بما سيحدث لهم إذا ما شاركوا بالانتخابات. وقد جاءت زيارة رئيس الوزراء التطمينية للمواطنين والمقيمين بمثابة إعلان لفشل محاولات المخربين، وتأكيد ليقظة الدولة وقدرتها على حماية وأمن الناخبين والمرشحين، وتجسيد لتصميم الدولة على استمرار المسيرة الإصلاحية والديمقراطية في البلاد. يضاف إلى هذه العوامل الموضوعية الدافعة للمشاركة في الانتخابات عوامل أخرى نفسية تعود للمواطن “الناخب والمرشح” نفسه تتمثل في التزام الجميع بالواجب الوطني والأخلاقي الذي يحتم عليهم إنجاح المساعي الرامية إلى توفير المناخات المناسبة؛ لرفعة البحرين وتطورها في مختلف الميادين، وهو ما فرض عليه الاختيار وفق إرادته الحرة من يراه مناطاً لثقته ليتولى مسؤولية تمثيله وتحقيق آماله وطموحاته في إطار المصالح العليا للدولة، وفي إطار ما يتم التوافق عليه بين مختلف فعاليات المجتمع البحريني. إن ما مر من أحداث وتطورات إيجابية وسلبية، جعلت المواطن البحريني قادرًا على التمييز وواعيًا بأهمية المرحلة التي تمر بها المملكة، والتي تتطلب من الجميع الوقوف صفا واحدا، وتغليب المصلحة العليا للوطن على أية اعتبارات طائفية أو أيديولوجية، والتفاف الجميع حول قيادتهم من أجل استكمال مسيرة البناء والتنمية والحفاظ على المكتسبات الوطنية المحققة، خصوصا وأن هذه الانتخابات تمثل تدشينا لمرحلة جديد من مراحل تطور المملكة تستهدف الارتقاء بالوطن والمواطن. وعلى هذا، كان من الطبيعي رفض وفشل دعوة بعض الساعين إلى تأزيم وتوتير الأجواء إلى مقاطعة الانتخابات، والذين يجب مساءلتهم ومحاسبتهم خاصة أنهم لجأوا إلى ترهيب المواطنين؛ لثنيهم عن المشاركة، ووصل الأمر إلى حد ممارسة العنف والاعتداء على الناخبين وأجهزة الإعلام التي تقوم بواجبها ومسئوليتها كما حدث في الاعتداء على طاقم قناة العربية. خلاصة القول، إن إجراء الانتخابات وفقًا للموعد الزمني المحدد مسبقًا بمشاركة جميع المواطنين رجالاً ونساءً، وممارسة حقوقهم السياسية والدستورية في الانتخاب والترشح إنما يشكل دلالة حضارية أكيدة تكشف حرص الجميع على استمرارية التجربة البرلمانية من خلال تمثيل الإرادة الشعبية عبر انتخابات حرة ونزيهة، وتؤكد أن المجتمع البحريني ينبذ الطائفية السياسية، ولا يخضع لفتاوى سياسية ولا يلجأ إلى التسقيط والتخوين، وإنما ينظر إلى مصلحة بلده وحماية مكتسباته والارتقاء بمنجزاته عطا السيد الشعراوى خبير فى الشئون العربية