السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهزيمة الإنتقالية .. بقلم: عبد الجبار محمود دوسه
نشر في سودانيل يوم 21 - 01 - 2010

في هذا المنعطف الحاسم الذي سيتحدد فيه مصير السودان كوطن واحد ليس فقط في جغرافيته ولكن في ديموغرافيته وموارده ومخزونه التراثي، وبعد انقضاء سبعه أعوام على الأزمة السودانية في دارفور دون أن يلوح في الأفق ما ينم عن حلٍ عادل وشامل ودائم، تأخذ المآلات تدحرجاً سريعاً إلى هاوية سحيقة القرار. هذا الوضع البالغ التعقيد والذي بدأت فيه الأزمة تفقد بريقها الإعلامي وتصدّرها لنشرات الأخبار على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي، لا بد له أن يضع أبناء دارفور في المقام الأول أمام تحديات جمّة لا سيما بعد أن فقدوا خيوط اللعبة وأصبحوا مقيّدين بخيوط يملكها غيرهم ويحركونهم كيفما شاءوا ومتى أرادوا كما يقيّد العنكبوت ضالته. لقد انتقلت القضية من أياديهم إلى أحضان أخرى تستخدمها وفق ما يتّفق مع مرئياتها وأجدندتها.
منذ بداية العام 2003 وحتى منتصف الجولة السابعة من المفاوضات التي كانت جارية في أبوجا، استطيع أن أقول بأن الثورة التي كانت تقودها الحركتان ثم صارتا ثلاثه حركات، والقضية التي تفاوضوا فيها نيابة عن أهل دارفور ما زالت خيوطها بأيديهم، وحينها كانوا يصنعون الأحداث فيتلقفها الآخرون ويعملون على تسكين أنفسهم في فجواتها، اي بمعنى أوضح كانت الحركات تملآ المساحات العسكرية والسياسية، وكانت دول الجوار والمجتمع الدولي بما في ذلك الوساطة يبحثون جميعاً عن فراغات داخل تلك المساحات، فالمتابع لمسيرة التفاوض كان يدرك مدى المأزق الذي أحسّت الحكومة بأنها واقعة فيه بالتماسك القوي للحركات بالقضية وبرؤيتهم التفاوضية التي لا مجال للتزحزح عنها رغم انهيار ذلك لاحقاً بفضّ التنسيق من فصيل ومن توقيع منفرد من فصيل آخر. نستطيع أن نقرأ انعكاس ذلك في ردود فعل ممثلي المجتمع الدولي اثناء المفاوضات ومحاولات إختراق التنسيق القوي الذي بنته الحركات الثلاثة المتفاوضة حينها لا سيما في الإجتماعات الإستثنائية التي جرت خصيصاً في قصر الرئيس النيجيري أوباسانجو وبحضور رئيس الإتحاد الإفريقي وممثلي المجتمع الدولي، نحن ندرك بأن المجتمع الدولي هو الراعى لاتفاقية نيفاشا باعتبارها اتفاقية معالجة للأزمة السودانية حسب مفهوم تلك الجهات لذلك أطلقت عليها مسمى الجنوب والشمال وهو في الحقيقة اختزال يعالج نصف أزمة الدولة السودانية التي يتواجد في ساحتها لاعبون آخرين. لم يكن المجتمع الدولي مدركاً لحقيقة أن ثمة خصوصيه تتفاعل في دارفور كنموذج لخصوصيات أخرى في أطراف السودان تحتاج هي الاخرى لمعالجات ملحّة في ظل تناميها تحت ممارسات الإنقاذ المعوجّة لمفهوم السلطة والثروة، وإذا كنا مخطئين في تصوير ذلك بعدم الإدراك منه وأنه كان في الحقيقة مدركاً نستطيع أن نقول أنه كان يُداري لضمان تمرير اتفاقية لا تؤثّر على التزاماته تجاه رعايته لاتفاقية نيفاشا ولضمان عدم انهيار التزام المؤتمر الوطني بها لحقيقة أن اي اتفاق منطقي وعادل لمعالجة أزمة دارفور سينهي أغلبية السلطة التي يتمتع بها المؤتمر الوطني في اتفاقية نيفاشا ويجعله خاضعاً لحسابات جديده في معادلة جديدة هي في الحقيقة ليس سوى تفكيك مبكّر لسلطته ونظامه ومشروعه. والحقيقة التي يدركها الجميع هي أن المؤتمر الوطني عندما وقّع على اتفاقية نيفاشا كان يدرك تماماً انه يفعل ذلك ليس قناعة ولكن لتخفيف الضغط الذي بدأ يستشعر خطورته مع تنامي الثورة المندلعة في دارفور وقدرة تلك الثورة فيما إذا استمرت بوتيرتها تلك على تهديد بقائه في السلطة أملاً في المراوغة أثناء مرحلة التنفيذ، لعل واقع الممارسة قد أثبت ذلك. ومن هنا فقد كانت الوساطة والمجتمع الدولي والحكومة والمسهلين جميعهم حريصين على الوصول إلى اتفاق يخمد لهب الوضع الأمني والإنساني ولا يؤثّر على قسمة نيفاشا.
لا يستطيع أحد أن يجزم بأن التماسك الذي أبدته الحركات الثلاثة آنذاك في رؤيتها التفاوضية كان نتاجاً لنضوج مطلق لبنياتها الفكرية والسياسية، وإنما جاء ذلك متوّجاً لتمازج جملة عوامل تمثل البنيات الفكرية بواقعها جزءاً مصاهراً ومكمّلاً، كما لعبت الشخصيات التي تمثّل الحركات في اللجنة العليا أدواراً إيجابية لإنجاح تلك المرحلة. لا يغيب عن فطنة المتابع حجم الإختلاف البائن في المفاهيم الأيدلوجية والفكرية وربما اضطرابها لدى الحركات، بل يتجلى في كثير من الأحيان تباين مُناظر من ناحية، وداخلي وذاتي يحمل الكثير من أوجه القصور من ناحية أخرى، وعندما أتحدث عن البنيات الفكرية لا ينبغي أن يُفهم بأنني أتعامل مع مضمون واقعي وراسخ لبلاغة العبارة داخل هياكل وكوادر الحركات، ولكن لا يستقيم ايضاً أن أُسقط البعد الإفتراضي للقدر المتواجد في أدبيات كل حركة بغض النظر عن المواعين التي تستوعب تلك الأدبيات وفيما إذا كانت مدوّنة في مخطوطات أو كامنة داخل صدور أو واقرة في قلوب، لذا بالضرورة أن نأخذ ذلك بعين الإعتبار لترسيخ المعنى الذي نسعى له. لم يكن بعيداً من قناعاتنا بأن وحدة الهدف وتعدد الساعين لتحقيقه في ظل تباين الرؤى تستوجب قدراً مميزاً من الفهم الإستراتيجي وتفعيلاً وتنسيقاً أمثلاً للوسائل والآليات وإلا كانت النتيجة إطالة للأمد المنتظر خلاله للوصول للهدف أو بعثرة متواصلة للجهود دون تحقيق الهدف، أو ضعضة نهائية تصيب الساعين لتحقيقه. نحن نعلم تماماً أذا صمد التنسيق القائم بين الحركات الثلاثة وقتذاك كان كفيلاً بقلب الأمور راساً على عقب، وكان سيمضي إلى اتفاقية تتضمن كل الحقوق وبكامل الضمانات وبإذعان تام لمن رغب أو أبىَ وسيكون لتلك الإتفاقية دوراً معضداً لإتفاقية نيفاشا ومكمّلاً لها في تلجيم إفراط المؤتمر الوطني في استغلال السلطة وعاملاً للتغيير المأمول في التحول الحقيقي نحو الديموقراطية، ولعل ذلك ربما كان سيجعل الوحدة جاذبة بحقيقة ويقنع الجنوب بالبقاء، لذا لم يكن مستغرباً أن تصطف الحكومة والوساطة والمجتمع الدولي في الجانب المناظر وتسعى معاً إلى اختراق التنسيق، وهو ما تحقق لهم وكانت النتيجة اتفاقية أبوجا التي تخلت عنها الوساطة وتمرد عليها المجتمع الدولي من جهة، ومناوئين أصبحوا الآن هذا الكم الهائل من الحركات من جهة أخرى.
ليس من الحكمة والمنطق بالطبع أن نُلقي بكل اللائمة على العوامل الأخرى لتبرير الفشل في إدارة الأزمة والقدرة على الحفاظ على خيوط القضية وتأمين الإستمرار في الإمساك بها حتى بلوغ النهاية المنشودة، فالفشل الحقيقي يجب أن نتحمله نحن في المقام الاول كحركات لأن الإستعداد للإستجابة لمخططات الأطراف الأخرى كان مُضغة تتنامى باطراد في دواخل قيادات الحركات في ظل أضطراب وضبابية قدرتها على الممايزة بين ما هو استراتيجي وما هو تكتيكي، وبين ما هو وسيلة وبين ما هو آلية، والخلط بين الهدف المرحلي والإستراتيجي، كما لم يكن لمفهوم ترتيب الاولويات نصيب ابداً، ولم تكن القراءة للمعطيات المحيطة قراءة دقيقة، وما كان التقدير لحجم مؤثّراتها متوافقاً مع واقع حالها لذلك تأتي المآلات الحالية للقضية والحركات حصيلة لتراكم متواصل لذلك الإخفاق.
لا ينكر أحد أن الثورة في دارفور تأسست على أرضية رخوة في بنياتها التنظيمية وشبه غياب للمضامين الفكرية الواضحة وتأرجح متواصل للرسالة السياسية وتخبّط ممزوج بالنوازع العاطفية في الخطاب التعبوي وضمور متراكم في القدرات المادية وجفاف متوالي للموارد التمويلية ومناخ طارد للكادر النخبوي وهيمنة جانحة للإرادة الحماسية، كما رافق كل ذلك ضعف في وضع تسكين وتأطير تصميمات الحِزم التخطيطية والإصرار على إدارة الأزمة التي أصلها سياسي باندفاعات ونوبات قتالية على ساحة تقتضي موازنة التقدير لدور كلٍ وفق ضرورات المراحل. وكانت الطامة الكبرى وما زالت سهولة ابتلاع الكثير من القيادات لكبسولات التفريق والمعازلة التي ظلّت الحكومة تصمم جرعاتها وتُلقي بها وقد غلّفتها بالقبلية كثيراً والنخبوية أحياناً وغير هذا وذاك مرات ومرات، وقد وجدت قبولاً عند البعض وإدماناً لدى الغالب. في ظل غياب سيادة الفكر وكوابح الرؤية السياسية وانعدام السياج التنظيمي، انزلقت الحركات بممارساتها بعيداً عن طموحات المواطن في دارفور، قد يكون ذلك استقصاداً عند البعض لطغيان الطموحات الذاتية على المصالح العامة، ولأن الإثنين لا يلتقيان إلا في ظل تحقيق الهدف، فقد كانت محاولات البعض لتجسيد ذلك قبل أوانه محاولات فطيرة ونيئة ومرّة، أما الجزء الآخر فقد جاء انزلاقه نتاجاً لضعف القدرات والجنوح إلى تحكيم العاطفة فيما ينبغي أن يحكّم فيه العقل.
دعونا نسبح في بحر الإخفاق الذي شاركنا جميعاً فيه ونعدد بعضاً منه. إن التمترس خلف القبيلة إخفاق والتمسّك بالرأي رغم بيان الخطأ فيه إخفاق والمداهنة من أجل تحقيق مكاسب ذاتية إخفاق والزج بقضايا الاقاليم الأخرى في خطاب خصوصية قضية دارفور للإستقطاب إخفاق ومحاولات تجيير مجهودات الجميع التي بذلوها في القضية لصالح فريق واحد أو فرد إخفاق واختزال الحركة بكل مؤسساتها في فرد إخفاق وإلغاء الآخر مهما صغُرت مساهماته إخفاق وامتطاء حصان القضية لتحقيق مكاسب خاصة ثم التمتع بتلك المكاسب بدم بارد بينما يعاني الملايين هناك إخفاق وتقريب الاشخاص بمعيار القبيلة أو خشم البيت إخفاق والإعتقاد بحصرية تمثيل أهل دارفور إخفاق وترديد فرية الصراع في دارفور بأنه بسبب شح الموارد الطبيعية إخفاق والإعتماد على ميزان القوة العسكرية لوحدها إخفاق والزهو بحشود المؤيدين على نغم الإنتماء القبلي إخفاق ونقد المبادرين فقط دون المساهمة في إيجاد حلول معهم إخفاق والإعتقاد بأن حكومة الإنقاذ يمكن أن تكون وفية لأي عهد دون إجبارها أو قوة تخافها إخفاق وتقديم الخلافات البينية على الخلاف مع الحكومة الظالمة إخفاق والإعتقاد بأن المجتمع الدولي يمكن أن يكون صاحب عود اساسي في حل الأزمة إخفاق والإعتقاد بأن الحل لاختلاف الرأي هو في تأسيس حركة جديدة إخفاق والإعتقاد بأنك تزداد قوة من خلال إضعاف الحركة الأخرى بمهاجمتها عسكرياً أو إعلامياً إخفاق وأن تصف العرب جميعهم بأنهم جنجويد إخفاق وأن تعتقد بأن دارفور تحمل اسم قبيلتك وبالتالي يجب أن تكون قبيلتك هي المهيمنة إخفاق وأن تعتقد بأن قبيلتك هي القبيلة الأكثر تضحية والأكثر قدرة على القتال وبالتالي تستأثر بأكبر قدر من النتائج إخفاق وأن تعتقد بأنك يمكن أن تتحالف مع المؤتمر الوطني بمشروعه الحضاري بمفهومه تحت وهم بأنه يحترمك من قبيل بنو عمومه إخفاق والعمل عكس مضمون بيت الشعر القائل ... تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً... وإذا افترقن تكسّرت أحاداً إخفاق والإعتقاد في أن السفر إلى الدول والإلتقاء ببعض المسئولين فيها دون النظر إلى ماهية الرحلة وتوقيتها والهدف منها لتأكيد شرعية الحركة إخفاق والإستسلام بحجة العجز إخفاق والتقليل من شأن الأفراد عطفاً على انتماءاتهم القبلية إخفاق والربط بين المساهمات والإنتماءات القبلية إخفاق ونشر الغسيل القذر بين الحركات وبعضها أو بين أفرادها في الإعلام إخفاق والإحتفاظ وإطلاق مسميات حركة تحرير السودان أو حركة العدل والمساواة بعد الإنسلاخ وتأسيس فصائل إخفاق والإستجابة المفرطة لمتطلبات دول الجوار لمجرد أنها توفر لنا الضيافة والملاذات الدائمة أو المؤقّتة إخفاق وقياس النضال بحجم ما تقدمه كل قبيلة إخفاق وأن تنسب ما يفعله رؤساء الحركات من أخطاء لقبائلهم أو اسرهم إخفاق وأن تكون دارفورياً وتقف إلى جانب الظالم وتصفّق له إخفاق وأن تكون دارفورياً وتقف متفرجاً دون أن تقدم أي مساهمة للقضية إخفاق وأن تعتقد بأن حركتك يمكن أن تحسم الحركات الأخرى بالقوة العسكرية لتبقى وحيداً في الميدان في أمر عجزت عنه الحكومة وهي أكثر قوة إخفاق، وأن تعتقد بأن تواجد المثقفين في الحركة يعني أنهم يريدون الهيمنة على تضحياتك الميدانية إخفاق وأن تعتقد بأن الأزمة يمكن أن تُحسم عسكرياً في الميدان فقط إخفاق والنظر إلى الحل العادل للأزمة من منظار الموقع الذي ستحتله كفرد أو نصيب حركتك بعد اي اتفاقية إخفاق والإعتقاد بأن حركة واحدة يمكن أن توقع اتفاقاً يجلب السلام إخفاق والإصرار على اتفاقية نقضها الطرف الآخر وبقيت اسماً يستخدمها ضدك وضد دارفور إخفاق وأن تكون رئيساً أو قيادياً كبيراً في حركة أو فصيل وتردد عبارة (نحن مع وحدة الحركات) دون أن تفعل شيئاً قمة الإخفاق.
تعلمون اليوم أن السودان يمر بمرحلة إعادة تشكيل من جديد، لا سيما بعد أن تبادل المؤتمر الوطني والحركة الشعبية القناعة بأن اتفاقية نيفاشا قد أتت أكلها لكل طرف، الأول من خلال ضمان قيام الإنتخابات في موعدها وعلى مراده الذي يحقق له شرعية الاحادية في الحكم، والثاني قد ضمن قيام استفتاء تقرير المصير في الموعد المحدد وبالقوانين التي يريد والتي تؤمّن للجنوب الإنفصال. الطرفان ادارا أزماتهما إلى حد كبير باعتماد مبدأ الغاية تبرر الوسيلة وبالطريقة التي اعتقدا دائماً بأنها ستحقق لهما أهدافهما، ولم تكن القوى السياسية الشمالية والحركات الدارفورية بمعزل عن كونها أدوات ضمن اللعبة في كثير من مراحلها، ولما بلغت اللعبة محطة الإنتخابات قررت القوى السياسية باستثناء حزب البعث العربي الإشتراكي خوض الإنتخابات رغم إدراكها بكل التجاوزات ونتائجها المتوقعة، لقد انحازت إلى خيار إضفاء الشرعية للإنقاذ مسقطة بذلك كل اللاءآت ودعتنا جميعاً لنقول مبروك للإنقاذ، رُب سائل يسأل ما هي الدوافع التي جعلت تلك القوى تقرر تقديم هذا التنازل الكبير للمؤتمر الوطني، ما هو الثمن ؟ ظاهرياً ليس بائناً لكن إذا بحثتم في العمق حتماً ستجدون. لكن أين موقع دارفور وحركاتها من التي ما زالت تتباكى بجوار شاهد مقبرة اتفاقية أبوجا وتلك التي ما زالت تتباهى بأنها ترفضها وتضربها وهي ميّتة؟ لعلكم تجدون دارفور وحركاتها فيما يلي.
هناك العديد من الإخفاقات التي يمكن لكل منكم أن يعدّدها، ولا يختلف إثنان في حقيقتها ودورها في فشل إدارة الأزمة وأدى كل ذلك إلى أن تتحول خيوط القضية برمتها من أيادي الحركات وأهل دارفور إلى أيادي تود أن تحركها وفق ما يتواءم مع مخططاتها لتبقى الحركات كيانات عاجزة تستجيب صاغرة لما تقول. ما معنى أن تتحول الحركات إلى منظمات مثلها ومثل منظمات المجتمع المدني، هذا يعني أن تلك الحركات إما أنها افتقدت أذرعها العسكرية تماماً وتحولت إلى مجموعة أفراد يتجولون من مكان إلى آخر وعاجزون عن أن يعلنوا ذلك ويسعون من خلال تصريحات وبيانات ملتهبة إلى إيهام الرأي العام بأنهم في الساحة، أو أن تلك الأذرع العسكرية قد تقلّصت وتقوقعت في ركن قصي عاجزة عن الحركة لافتقادها لأبسط مقومات الحركة وخوفاً على خسائر قد تتكبدها تفضي إلى تلاشيها، أو أن أفراد تلك الأذرع العسكرية قد تفرّقوا كأفراد إلى معسكرات النازحين واللاجئين والقرى ولم يبقى لها سوى أرقام الهواتف التي تربطهم ببعض الإعلام الخارجي من أجل ذر الرماد على العيون من حين لآخر. لهذا باتت الحكومة مستجمّة وباسطة نفسها وقوتها على كامل دارفور ومستريحة ومتمددة. إذاً نحن اليوم نعيش مرحلة اكتملت فيها عوامل ما يصلح أن نطلق عليها الهزيمة الإنتقالية، ولعل هذه الهزيمة من المرارة والعلقمية بحيث لا يمكن لابناء دارفور ابتلاعها بدم بارد وكأن شيئاً لم يكن، فالتأريخ يوثّق الأدوار بكل تفاصيلها، والقارئون له يمكنهم تحديد سالبها قبل موجبها، لذا تظل المسئولية أن يتقدم القائمون على أمر الحركات الآن وبكل شجاعة للإعتراف بالفشل في إدارة الأزمة كأولى خطوات البحث عن نجاح، لا يتأتى الإبداع في البحث عن مداخل نوعية وجديدة لإدارة الازمة بينما عوامل الإخفاق الماضية ما زالت تشكّل متاريساً بائنة لكل رائي. انتزاع الحقوق في المرحلة المقبلة سيكون أكثر ضراوة مما مضى، لا سيما بعد أن شعرت الإنقاذ بأنها قد تعافت من ضرباتها التي تلقتها في الأعوام السابقة، والقوة العسكرية للحركات كانت أداة لم يتم استخدامها بشكل أمثل وبدونها لا تمثل الحركات في ظل مفهوم الإنقاذ لرد الحقوق إلى اصحابها شيئاً ولا رقماً مهماً في المعادلة، ولن تتمكن دارفور من انتزاع حقوقها لتستوي في مقاعد مناظرة مع غيرها للنضال الأكبر من أجل معالجة القضايا المصيرية للوطن الكبير. المرحلة تستوجب على هؤلاء القادة أن يعترفوا بأنهم يشكّلون العامل الأساسي في الإخفاق، ولا يتأتى هذا الإعتراف إلا عبر لقاءآت حوارية عاجلة يتنادون لها بينهم متجاوزين كل سياج كان يمنعهم أو من خلال وسطاء خير كما هو الحال للظروف المماثلة، يتحاورون ويتبادلون الإعتراف بينهم وليس لتوجيه اللوم فلا مكان لذلك وإلا استنسخوا أخطاءهم، وسيكون الباديء بالدعوة العاجلة لهذه اللقاءآت أنبل، لا أحد منكم يمكن أن يفعل شيئاً منفرداً، الجميع في حاجة إلى المصالحة مع بعضهم البعض من أجل القضية وحتى من أجل طموحاتكم الشخصية ايضاً. الأولوية الآن ليست لأي شيء سوى القضية ومن منظار واحد هو التنازل عن كل شيء وتأجيل أي خلاف لأجلها بما في ذلك التباينات الايدلوجية، دون ذلك سيكون حال الحركات كحال القصة الشهيرة التي كانت تُحكى لتلاميذ الإبتدائية والتي تقول أن رجلاً له زجاجة سمن فوضعها أمامه وبدأ يحلم عبر بيعها، ثم تسلسل في الأحلام إلى أن وصل إلى أنه تزوج وأنجب طفلاً شبّ وقال إذا لم يسمع الولد كلامي سأضربه بهذا العصى هكذا، فضرب زجاجة السمن وكسرها واندلق السمن وضاع كل شيء. لا يجب أن تأخذكم العزة بالنفس ولا تتكابروا وتدفنوا رؤسكم في الرمال، لأن ذلك لا يقودكم سوى إلى الموت البطيء والتلاشيء في الظلام، ويرسل القضية ودارفور وأهلها إلى سبات شتوي هو في الواقع حتى حين، ولكن العكس يعني استعادة خيوط القضية وحسن إدارة الأزمة لتحقيق الأهداف.
عبد الجبار محمود دوسه
21/1/2010
Abdul Jabbar Dosa [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.