إمام محمد إمام مما لا ريب فيه أن مشكلة دار فور توارت قليلاً من المشهد السياسي السوداني، وبالتالي لم تعد تتصدر أجندة وسائل الإعلام السوداني أو الخارجي خلال الأسابيع القليلة الماضية، حيث تدافعت بقوة إلى الظهور قضية الجنوب، ومن ثم قضية الانتخابات ومعضلة استفتاء تقرير المصير لجنوب السودان. وأن الانتخابات والاستفتاء ما زالتا تهيمنان على تضاريس الخارطة السياسية السودانية، لكن رغم ذلك تدافعت مشكلة دار فور لاحتلال موقع في المشهد السياسي السوداني خلال الأيام القليلة الماضية، وذلك من خلال جملة أحداث شقت طريقها لمزاحمة قضية الانتخابات والجدال المستعر حولها بين الأحزاب والقوى السياسية كافة. ومن أبرز هذه الأحداث الدار فورية إعلان قادة ست حركات مسلحة في منطقة دار فور اندماج حركاتهم في حركة واحدة أطلقوا عليها اسم جيش تحرير السودان – القوى الثورية، وذلك بهدف التفاوض مع الحكومة السودانية بصوت واحد. وهذه الحركات هي حركة تحرير جيش السودان - القيادة الميدانية، والجبهة الوطنية للديمقراطية والعدالة والتنمية، وحركة تحرير السودان – قيادة الوحدة، والحركة الوطنية للإصلاح والتنمية، وجبهة القوى الثورية المتحدة، وحركة تحرير السودان – قيادة خميس عبد الله أبكر. واللافت للانتباه أن اندماج هذه الحركات الست تم الإعلان عنه عقب اجتماع عقده قادتها في طرابلس بليبيا يوم الأحد الماضي، بحضور السيد موسى كوسا وزير الخارجية الليبي والمبعوث الفرنسي إلى منطقة دار فور وعدد من أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين لدى ليبيا. وجاء هذا الإعلان الاندماجي لهذه الحركات المسلحة بعد عدة محاولات فاشلة للتوحيد من قبل. ويهدف هذا التوحيد حسب بيان الإعلان إلى التفاوض مع الحكومة السودانية بصوت واحد. كما أنه جاء كاستحقاق حتمي يجب أن يقع بالضرورة لحل أزمة دار فور التي امتدت أبعادها داخلياً وإقليمياً ودولياً. وحرص قادة هذه الحركات المسلحة الست على التأكيد في أول بيان لهم على تمسكهم بالوحدة السياسية والعسكرية والاجتماعية في دار فور والسودان عامة، مؤكدين على خيار التفاوض السياسي، باعتباره خياراً استراتيجياً للوصول إلى سلام عادل ودائم في دار فور. أحسب أن مثل هذا الاتجاه بالنسبة للحركات المسلحة في دار فور مؤشر طيب في الإسهام الفاعل في معالجة قضايا الوطن بالتفاوض، والتأكيد على وحدة أراضيه وسلامة بنيه. والبحث الجاد والصادق في معالجة التظلمات لتحقيق السلام في منطقة دار فور، وعلى الحكومة السودانية العمل جاهدة ومخلصة في دفع استحقاقات السلام والاستقرار في دار فور والسودان كله. وأنه من الضروري تثمين مثل هذه المبادرات التوفيقية من الدول الشقيقة والصديقة. والمأمول أن تعمل هذه الحركات المسلحة على إنجاح هذه المبادرة الليبية في إطار مفاوضات الدوحة التي نأمل ان تشمل القوى الدار فورية كافة. وكذلك على هذه الحركات المسلحة الانخراط بإخلاص وتجرد في التفاوض مع الحكومة السودانية، وضرورة التزام الجميع المصداقية والمسؤولية من أجل الوصول إلى حل مُرضٍ لمشكلة دار فور، والمأمول من الحكومة السودانية الاستجابة الصادقة لمثل هذه المبادرات والعمل على إنجاحها ببذل قصارى الجهد عند التفاوض مع جميع الحركات الدار فورية في سبيل تحقيق السلام والاستقرار في دار فور، حتى يتحقق الأمل المنشود في انفاذ الاستحقاق الانتخابي لمنطقة دار فور كغيرها من مناطق السودان. والحدث الآخر الذي فرض نفسه في المشهد السياسي السوداني كان لقاء الدكتور غازي صلاح الدين العتباني مستشار رئيس الجمهورية ومسؤول ملف دار فور والدكتور خليل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة، وهذا اللقاء يعتبر أول لقاء بين الرجلين منذ أن تسلم الدكتور غازي مسؤولية ملف دار فور. وكان هذا اللقاء عقد في انجمينا بتنسيق من السيد موسى فكي وزير الخارجية التشادي والسيد جبريل باسولي الوسيط المشترك لسلام دار فور، حيث قدمت الحركة ورقة عن حل جذور مشكلة دار فور ، وحرصت في الوقت نفسه على نفي وجود اتفاق مشترك مع الخرطوم لحل ثنائي للمشكلة. بالإضافة إلى أحداث اقتتال بين القوات الحكومية والحركة الشعبية لتحرير السودان جناح عبد الواحد محمد نور بين الفينة والأخرى. أخلص إلى أن كل هذه الأحداث دفعت إلى إحداث حراك في ملف دار فور ليزاحم بحياء الملف الانتخابي الصاخب المسيطر على المشهد السياسي السوداني هذه الأيام. ونأمل أن تبذل الجهود المخلصة من الأطراف كافة خلال الأسابيع المقبلة ليتم إدراج منطقة دار فور كلها ضمن الدوائر الانتخابية ليتحقق انفاذ الاستحقاق الانتخابي في هذه المنطقة من الوطن، وحتى لا تكون الانتخابات إذا قامت ناقصة أو فيها دخل كما يقول جمهور الفقهاء. ولن تكون مشكلة دار فور مشكلة منسية في غمرة الانشغال بهم الاستحقاق الانتخابي، لأنها جزء مهم في المشكل الذي يواجه مفوضية الانتخابات، وبالتالي منغمسة في هموم الأحزاب والقوى السياسية المشاركة في هذه الانتخابات، لأنها تمثل مناطق ثقل لأحزاب بعينها، فلذلك لن تنكفئ مشكلة دار فور على نفسها في غمرة الاهتمام باستحقاقات الانتخابات، بل ستنداح في دوائر هموم المتعجلين بإنفاذ الاستحقاق الانتخابي أو المطالبين بتأجيله، فلذلك من الضروري البحث الجاد من كل الأطراف عن الحل العاجل للسلام العادل. جريدة "السوداني" - الخميس, 21 يناير 2010 Imam Imam [[email protected]]