عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. إن أردنا إرضاء جماهير الهلال فالطبيعي والطريق الأقصر هو أن ننتقد ونسب ونلعن الحكام. لكن هذا فعل يرضي الجماهير، وفي ذات الوقت يساهم في تراجع أداء الحكام ويضاعف من حالة التردي الذي تشهده الكرة في البلد. أما إن رغبنا في إرضاء ضمائرنا والمساهمة ولو بالقليل في الجهود الرامية لتحسين أوضاع الكرة، فلابد من نقاش هاديء ورزين بعيداً عن الانفعالات اللحظية والعزف على وتر العاطفة. هل يخطيء حكامنا كثيراً؟ بالتأكيد نعم. وهل يترددون في بعض الأحيان في تنفيذ القانون؟ لا شك في ذلك. وهل ينقص بعضهم التدريب والتأهيل الجيد؟ نعم. أما أن الواحد منهم يدخل إلى ملعب أي مباراة وفي رأسه أن يساعد في فوز الفريق الذي يميل له بقلبه، فهذه يصعب تأكيدها. ليس بيننا من ينكر مشاكل الحكام في البلد. لكن الحكام بشر مثلنا وليسوا روبوتات كما يتخيل البعض. ومثلما يلعب الكثير جداً من لاعبينا بشكل سيء ويخطئون أهدافهم، يقع الحكام في أخطاء أيضاً. وكما يسيء الإداري والمدرب والصحفي والمشجع العادي في بعض الأحيان التقدير، كذلك يفعل الحكم. إلا أن بعض المنظرين وأصحاب المصلحة في تأجيج مشاعر مشجعي الناديين الكبيرين رأوا أن أفضل طريقة لكسب ود جماهيرهما هي أن يكتبوا صباح ومساء عن سوء أداء الحكام وانحيازهم لهذا النادي أو ذاك. أهل المريخ يبالغون كثيراً في الحديث عن ظلم وترصد الحكام لناديهم. والمتأمل جيداً لابد أنه سيصل إلى نتيجة مفادها أن تحريض الصحافة المريخية لجماهيرناديها لعبت دوراً كبيراً جداً في أن تعشعش الفكرة الغريبة في أذهان مشجعي الأحمر، بل وحتى في عقول لاعبيهم. وما الإعتداءات المتكررة على الحكام من بعض لاعبيهم ( خاصة بكري المدينة) إلا أبلغ دليل على أن تحريض مأمون أبوشيبة وشلته أتى بالثمار التي يشتهونها. في الهلال أيضاً ظهرت موضة الشكوى المستمرة من الحكام في الآونة الأخيرة. وهناك دائماً من يؤكد لك أن لجنة الحكام والحكام عموماً يترصدون الهلال ويريدون أن يخسرونه نقاطاً حتى يتصدر المريخ. هو طبعاً كلام عاطفي لا يمكن أن يكون مؤسس على حقائق ومعطيات لا تقبل النقاش كما يفترض أصحاب هذا الرأي الفطير. فليس منطقياً أن يكون جميع الحكام ضد الهلال، لأننا عرفنا تاريخياً انقسام جماهير الكرة في البلد بين الناديين الكبيرين، والحكام بالطبع جزءً من هذا الجمهور. جميع الأطراف المعنية بالأمر تلعب دوراً كبيراً في سوء حال التحكيم. إداريو الناديين الكبيرين يريدون دائماً حشد أكبر دعم ومساندة من جماهيرهم غض النظر عن الطريقة والأسلوب. فالمهم عندهم فقط أن تلتف الجماهير حولهم. والتصريحات المتفلتة التي أطلقها رئيس الهلال مؤخراً ضد الحكام وأعضاء اتحاد الكرة تؤكد على ما أقول. صحيح أن اتحاد الكرة فاسد وبدرجة ممتاز. لكن طالما أننا نعلم أنه فاسد، فعلام الاستنكار للأداء السيء للحكام! لا أريد أن أعود لحديث قديم لرئيس وأمين عام الهلال عن ضباط اتحاد( اللقيمات) لأفند تصريحاتهما، وسأكتفي فقط بسؤال استنكاري طرحه الصديق فيصل مكاوي بالأمس أثناء حديثنا عبر الهاتف. قلت له أن رئيس الهلال عاد ليزبد ويرغي حول فساد اتحاد الكرة وظلم الحكام، فقال: هو ما دام عارف الاتحاد فاسد ليه طرح مبادرة للم الشمل بين المجموعتين المتصارعتين في وقت سابق! وبالفعل ليس أمامنا سوى أن نعيد السؤال على الكاردينال: طالما أنك واثق إلى هذه الدرجة من فساد اتحاد الكرة، لماذا لم تتركهم لشأنهم عندما اشتعلت المشاكل بينهم وبين مجموعة الفريق عبد الرحمن سر الختم؟! المصيبة أن إداريي الناديين الكبيرين يتاجرون بإطلاق مثل هذه التصريحات. وجلنا يفهم ذلك. لكن المشجع العادي المتحمس لفريقه يسعد بمثل هذه التصريحات. قد نفهم حماس المشجعين، سيما صغار السن والمراهقين، بحكم أن الحماس الزائد من أهم سمات هذه المرحلة العمرية. لكن ما لا يمكن فهمه اطلاقاً هو أن يحتفي الصحفيون بمثل هذه التصريحات المتفلتة ويصفونها بالمواقف القوية. الحال في المريخ أشد وأسوأ، حيث سمعت بعض إداريي النادي الأحمر بقيادة عصام الحاج يطلقون تصريحات في منتهى التهور. وقد انطوت تصريحاتهم على تحريض صريح لجماهير المريخ بالثورة في وجه الظلم المزعوم. وطبعاً لم تقصر جماهير المريخ في مناسبات عديدة، بل أصبحوا في أتم الجاهزية بحجارتهم دوماً للبدء في حصب الملاعب مع أول خطأ تحكيمي. وحتى بكري وبعض زملائه لم يقصروا في الكثير من المباريات ورأيناهم يعتدون على عدد من الحكام. وفي هذه الجزئية لابد من اشادة بلاعبي الهلال الذين كثيراً ما قبلوا بقرارات تحكيمية لم تكن في مصلحتهم دون أن يحتجوا مجرد احتجاج صارخ، دع عنك أن يلكم أحدهم حكماً أو يسبه بألفاظ قبيحة ونابية. إدارة الكرة عموماً في البلد والمهتمين يقصرون ويخطئون كثيراً أيضاً. ودونكم تلك اللجنة التي منحت جائزة آخر مباراة لهلال مريخ للاعب عمار الدمازين ( مناصفة)، رغم اعتدائه المتهور على لاعب مريخ ونيله لبطاقة صفراء كان يفترض أن تكون حمراء. فهل سمعتم بمثل هذا غير في سودان العجائب؟ وهل ضمت اللجنة التي منحت الجائزة حكام كرة حتى نرمي بكل الأخطاء على أصحاب الياقات السوداء؟! أخلص مما تقدم إلى أن الحكام عندنا يعملون في أجواء بالغة السوء لا يمكن أن تعينهم على تصحيح الأخطاء. بل على العكس معلوم أن مثل هذه الأجواء تدفعهم للمزيد من الأخطاء الكارثية. فلا يعقل أن يأتي حكم لأي ملعب وفي رأسه أن الصحافة تترصده، والإداري ضده، واللاعب ضده، والمشجع أيضاً يقف منه موقفاً عدوانياً، ورغم كل ما تقدم نتوقع منه، أي الحكم أن يبدع ويخرج المباراة لبر الأمان. إن تحدثنا بهذه الطريقة نصبح مجرد ( منظراتية) أو أننا نفترض أن هؤلاء الحكام ليس من البشر. قبل أن نطلق أحكامنا النهائية ضد الحكام علينا أن نسأل أنفسنا هل في البداية يتمتع لاعبونا بثقافة تحكيمية جيدة ويفهمون قوانين اللعبة بصورة معقولة حتى يكونوا عوناً للحكام داخل الملعب! أذكر أنني التقيت قبل سنوات بلاعب المريخ السابق أحمد سالم (بيجو) في عجمان برفقة الأصدقاء صلاح الدين الشريف وعبد الرحمن الحاج وبدر الدين عوض الكريم ( أبو سن) ودارت بيننا ( ونسة) نشرتها على هيئة حوار بعدد من المواقع وقتها، نظراً للكلام المفيد الذي قاله أحمد سالم كلاعب سابق. وقد سألناه عن مدربينا الوطنيين في زمنهم، فأسهب في الحديث عن المدرب القدير المرحوم منصور رمضان (أنزله المولى عز وجل منزلة الصديقين والشهداء). قال (بيجو) أن المرحوم منصور أفضل مدرب عمل معه، وحدثنا بإسهاب ونشوة عن المحاضرات القيمة التي كان يقدمها لهم حول تعاملهم مع حكم أي مباراة يقدمون عليها. فهل يفعل مدربو الناديين الكبيرين أو أجهزتهما الفنية أو الإداريون اليوم شيئاً من هذا؟! هل يثقفون لاعبيهم ويذكرونهم قبل كل مباراة بضرورة السعي لتحييد الحكم من خلال التعامل المحترم والهدوء داخل الملعب، كما كان يفعل منصور رمضان (رحمه الله)؟! بالطبع لا. بل المؤكد أن لاعبي القمة اليوم يأتون إلى الملعب في أقصى درجات الشحن ضد حكم المباراة. وكيف نتوقع أن يدخل لاعبونا للملعب هادئين وصحافة الناديين لم تقصر في التحريض قبل المباراة! الكلام الممجوج عن أن الاتحاد ولجانه يسعون لتعطيل الهلال ظللنا نسمعه منذ سنوات، وفي كل مرة كان الموسم ينتهي بفوز الهلال بلقب الممتاز. وفي الجانب الآخر ما كتبه عدد من صحفيي المريخ خلال السنوات الماضية عن انحياز الاتحاد وحكامه للهلال مجرد كلام عاطفي معلوم المرامي والأهداف، لكنه للأسف يفوت على الكثير من جماهير الأحمر، فيصدقون هذه الترهات ويتعاملون معها كحقائق لا تقبل النقاش. غير منطقي ولا مقبول أن يفترض كل نادِ أن الحكام يقفون ضده. مثل هذه اللغة العاطفية تتعارض مع مفاهيم وروح الرياضة تماماً. ولا أدري لماذا لا نقارن حالنا بالآخرين حتى نتعلم المزيد في كل مجال. ففي الدوري الأسباني مثلاً هناك أخطاء تحكيمية جسيمة رغم الفارق الكبير في الإمكانيات بيننا وبينهم. وقد رأيتم جميعاً كيف أن رونالدو طُرد خطأً، لكنه عوقب بعد ذلك بالإيقاف لعدد من المباريات لأنه أساء التصرف مع الحكم. وذات الشيء تكرر مع مهاجم أتلتيكو مدريد جريزمان، حيث طرد أيضاً دون خطأ يستحق البطاقة الحمراء. وأيضاً بسبب إساة لفظية للحكم على القرار الجائر أوقف جريزمان لعدد من المباريات. لم تقم الدنيا ولا تقعد بعد هاتين الحادثتين. ولم نر الجماهير تحصب الملعب بالحجارة بسبب الخطأين التحكيميين. ولا شاهدنا بقية اللاعبين يهددون أو يعتدوا على أي من الحكمين، بل استمر اللعب وكأن شيئاً لم يكن. كما لا أظن أن الصحافة الرياضية في ذلك البلد فرغت نفسها لأيام بعد المباراتين للتباري حول مواقف الحكام وتأليف المقالات حول ترصدهم للريال أو أتلتيكو. ما يحدث عندنا مخجل جداً. تابعت بالأمس الفقرة التي استضاف فيها حاتم التاج رئيس لجنة الحكام عامر، وبدأ لي الرجل منطقياً فيما طرحه من آراء. وقد تداخل معه أحد الزملاء مؤكداً على الأخطاء التحكيمية ورافضاً وصفها (ب) الاستهداف. لكن الزميل تساءل عما يجعل بعض حكامنا يؤدون بشكل رائع جداً خارجياً، بينما يفشلون في تقديم أداء شبيه عندما يُحِمكون داخل البلد، مبدياً استغرابه من ذلك. وظني أن الأمر واضح جداً، فهذا تأكيد جديد على أن المشكلة تتعلق بالجميع وليس الحكام وحدهم. وطالما أن حكماً سودانياً يمكن أن يؤدي جيداً في أي بطولة خارجية، بينما يفشل في العمل جيداً داخل البلد، فهذا يؤكد على طرحه رئيس اللجنة عامر منذ بداية الحلقة بأن الأجواء عندنا غير صحية. فلماذا لا يحاسب الجميع أنفسهم، بدلاً من تعليق كل هذه الأخطاء على الحكام لتزيد من أخطائهم (غير القليلة أصلاً) وبذلك تسوء الأوضاع وتتدهورالكرة أكثر! ليس دقيقاً أن الكرة عندنا في هذه الأوقات متطورة وأن اللاعبين موهوبون وأنه لا ينقصنا سوى تحكيم جيد. فالكرة في أسوأ حالاتها. والمهارات انحسرت بشكل ملحوظ، لدرجة أنك عندما تشاهد لاعباَ مثل الثعلب أو السماني الصاوي ( تشهق) وتتساءل ( ده طلع من وين). فكيف إذاً نتحدث عن مواهب كثيرة ومستويات جيدة، والمواهب الحقيقة لا تتعدى أصابع اليد الواحدة! قبل أن نتوقع تحكيماً جيداً علينا أن نتطلع لإداريين جيدين ونسأل أنفسنا:هل يتمتع رئيس نادِ مثل الكاردينال بما كان يتمتع به الطيب عبد الله وحسن أبو العائلة رحمهما الله؟! العملية المتكاملة وينقصها الكثير والعيب ليس في الحكام وحدهم فأرحموهم يرحمكم الله، وكفوا عن تصديق بعض تجار الكلمة.