الحراك الذى دعا اليه و قاده " الحزب الشيوعى السودانى" فى منتصف الشهر الماضى وما لاقه هذا الحراك الاحتجاجى ضد غلاء الأسعار لمعظم السلع الأساسية نتيجة للسياسات الجديدة التى تبنتها الحكومة عبر اجارزة موازنة العام الجديد 2018، وما نتج من أستجابة ومشاركة من بعض القوى السياسية الاخرى وبعض فئات الشعب السودانى ومنظماته المدنية من نقابات واتحادات مهنية ، وحسب ما رصد كانت هذه المشاركة فى أحسن الاحوال "محدودة " من قبل السودانيين، على الأقل هذا ما رأيناه او كما نقل فى بعض وسائل الاعلام او على أقل تقدير " كما نقل لنا " ، وكذلك ما تركه هذا الحراك الاحتجاجى من أثر و صدى خافت بعضا الشئ فى الوسائط الحديثة وما تبعه من نقاشات وحورارت ومقالات فى الصحافة الورقية والألكترونية ، سرعان ما انزوى وغاب أثره ولم تنجح دعوات لاحقة فى تعزيز ادنى نوع من الحراك التراكمى واسع الانتشار ، كل ذلك ربما يشير الى ضعف تأثير هذه الدعوات وما نتج عنها من حراكات مشتتة تظهر بجلاء عمق العزلة الطويلة التى يعانيها الحزب عن القطاع الاكبر من الشعب السودانى واستمرار " سباته " العميق فى كهف أيدولوجيا غاب قوسين او أدنى ان تصبح منقرضة على المستوى العالمى ، وكذلك التمسك القوى بفكر متحجر لم يعد قادرا على تلبية طموحات وآمال معظم قطاعات الشعب السودانى حتى فى اوساط الطبقات العاملة والفئات الكادحة بالأضافة كذلك لتراجع الاطروحات الفكرية التى تأسس عليه الحزب من المشهد الفلسفى والنظرى والتى لم تعد تجد ادنى القبول فى معظم المجتمعات والبلدان على مستوى العالم كذلك وضح بجلاء شديد عدم أستيعاب رموزه وقيادته ، للتغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الكبيرة التى حدثت منذ انهيار الكتلة السوفيتية ونهاية حقبة الحرب الباردة وبروز الهيمنة الآحادية الامريكية على المستوى العالمى و أنعكاس ذلك وتأثيره العميق على الوضع السياسى الداخلى من النواحى الأقتصادية والاجتماعية وما افرزه من نظام اجتماعى و" طبقى" جديد يعجز التحليل " الماركسى" عن الاحاطة به وأستيعابه من الناحية النظرية ناهيك عن التفاعل الواقعى معها و التعاطى مع متغيراتها السريعة الخطى والتى لاتهدأ ابدا فيما يقابله جمود فكرى طويل عبر الأختباء خلف أطروحات العلمانية واليبرالية الغربية فى تناقض غريب ومذهل لكل متابع ومراقب يتفحص دقائق الامور ، ليس ذلك فحسب بل تعداه فى كثير من الاوقات الى هروب من مواجهة الواقع وحقائقه الماثلة لكل ذى بصيرة ضرب أركان الحزب رغما عن كل هذه التغييرات الكبيرة على المستويين الداخلى والخارجى دون ان تحرك ساكنا فى هذا المنحى الأساسى والجوهرى ، ولولا تفاقم الضائقة المعيشية والتردى الأقتصادى بفضل عدة عوامل من بينها أنفصال الجنوب وذهاب النصيب الاكبر من عائدات البترول ربما لم يبقى أثر يذكر لهذا الحزب العريق فى مسرح السياسة السودانية. على جميع الاحزاب السودانية ان تدرك جيدا ان اطروحات العلمانية بشكلها الغربى والتى ينشط الكثيرون للترويج لها باجتهاد كبير ومثابرة منقطعة النظير على انها الأرضية الوحيدة التى يمكن ان ينطلق منها السودان نحو تحقيق السلام والاستقرار وبانها الضامن الوحيد الذى يكمن جميع المكونات الاجتماعية و القوى السودانية المختلفة من المشاركة السياسية السلمية ونبذ الوسائل الوسائل العسكرية للمطالبة بالحقوق المختلفة ، امامها وقت طويل وطويل جدا ربما يمتد لعقود حتى تصبح مهضمومة ومقبولة فى اوساط جماهير المجتمع السودانى المتدين والمحافظ وليس فقط فى بعض القوى والاحزاب الأسلامية الصغيرة والعديمة التأثير كل هذا أذا غضضنا النظر عن عزلته الطبيعية والتأريخية والتى لاتزال تراوح مكانها بخصوص مكانة " الدين" فى أيدولوجيا هذا الحزب للتعاطى والتفاعل مع واقع التكوين والأرث الدينى المتجذر للمجتمع السودانى وأرتباطه العميق بالوقع الاجتماعى والحياتى اليومى ، فقد أثبتت التجربة والتاريخ أن اغفال هذا المكون او الجانب سيظل حاجزا قويا يحول دون توسيع قاعدة الحزب بل ربما يشكل مهددا حقيقيا لوجود أدنى القبول فى اى وقت متى ما تحسنت الظروف الاقتصادية والاحوال المعيشية لشرائح طبقات ذوى الدخول المحدودة وفئات العمال متى ما تغيرت الى الاحسن عن سابقها . أذن هنالك أسئلة كثيرة يجب ان تتصدى لها قيادة الحزب لتبحث عن اجابات مقنعة وواقعية أن كانت ما تزال تؤمن بأنها تتمتع بوجود قوى وفاعل فى اوساط جماهير الشعب السودانى بمختلف فئاته وشرائحه ، خصوصا فى اوساط الفئات المسحوقة ومحدودى الدخل فى اوساط المزارعين والعمال والفئات الكادحة التى لا تهتم كثيرا للمحتوى الفلسفى والتنظيرى بقدر ما ما تريده من تأثير ملموس وأيجابى فى واقع معيشتها الاقتصادى والاجتماعى غنى عن القول أن حدوث التغيير الكبير والملموس فى الواقع السياسى السودانى الراهن بالطرق السلمية بعيدا عن تهديد كيان الدولة او تفككها او الانزلاق فى فوضى سياسية لا تبقى ولا تذر ، ربما يبقى مطلبا بعيد المنال وأشبه ما يكون بالحلم طالما بقيت ممارسات الاحزاب العريقة والتاريخية سواءا الحديثة او التقليدية الكبيرة سواءا الحالكمة منها أوالمتحالفة من النظام الحالكم او التى أصطفت فى ثبات فى صفوف المعارضة، طالما بقيت فى وضعها الحالى المتضعضع وتواصلت فيها الانقسامات والتناحر الداخلى فى ظل غياب المؤسسية وعدم التجاوب لدعوات الأصلاح المنهجى واعادة البناء الهيكلى والتنظيمى على أسس وطنية سليمة ومتينة تستند الى الوطنية والنزاهة والشفافية وضمان مشاركة القواعد بكل الفاعلية فى ذلك دون أقصاء ، ربما لن يحدث أى تغيير منتظر فى القريب العاجل كما نامل ، وستبقى حالة الفراغ والغليان السياسى سيدة المشهد الى امد قد يطول او يقصر علمه عند الله . أذن يمكن القول بأنه ستبقى وضعية الحزب الشيوعى السودانى كأحد الأحزاب الكبرى ذات الثقل الوازن فى المشهد السودانى و فق حالته الراهنة دون تغيير يذكر من حيث ضعف التاثير على سير الاحداث بل ربما يعد من اكثرها غيابا وعزلة وضعفا فى التأثير و المشاركة فى احداث التغيير ناهيك عن القول بامكان قيادته لعملية التغيير على الرغم من انه يضم شريحة لا يستهان بها من القوى والفئات فى قطاعات مختلفة ينتظر منها ذلك ، ولكن تكمن المشكلة فى التصادم الفكرى والمنهجى الكبير مع شريحة واسعة وقطاعات كبيرة من الفئات المتعلمة والمستنيرة من الخريجين والطلاب والتى تشكل عماد القوى الحديثة مع الأساس الفكرى لهذا الحزب وتقف على خلاف منهجى وفكرى عميق مع اطروحات الحزب الأيدلوجية يصعب تجاوزها فى مراحل ما بعد التغيير بغية الوصول لحالة الاستقرار السياسى المنشود ويظل مهددا خطيرا لأستمرار أى تحالف أقتضته ظروف المراحل النضالية ، على الرغم من بقائها بدون انتماء حزبى فهى بالطبع لا تجذبها اطروحات الاحزاب التقليدية الاخرى مما يتسبب فى غياب كبير و شبه كامل لمعظم فئات القوى الحديثة بخلاف تلك المنضوية مع الاحزاب الأسلامية وبعض الاحزاب الليبرالية الصغيرة والتى تفتقر للسند الجماهيرى . ختاما هذه دعوة للمراجعة الشاملة فى الفكر والمنهج وكذلك فى الوسائل والممارسة السياسية من اجل عودة دور موثر وفعال لجميع الاحزاب السودانية بما فيها الحزب الشيوعى السودانى بعد تبنيه رؤوى ومنهج جديد يتواءم مع الأرث الاجتماعى السودانى وقادر على التعايش مع المعتقد السائد للسوداد الاعظم من الشعب وكذلك الأرث الثقافى والتأريخى والعادات والتقاليد الاعراف المتوائمة مع روح العصر حتى تتهيأ بيئه سياسية صالحة تمكن لممارسة سياسية راشدة وفعالة تستجيب لآمال وتطلعات فى حياة كريمة وسلام مستدام واستقرار يفتح الطريق للمشاركة السياسية و التنمية والتقسيم العادل للموارد لكل جهات السودان دون تمييز ، أذن الحاجة الآن ماسة لعودة دور الاحزاب المؤثر لوضع حد وأيقاف هذا التدهور المريع فى كافة المجالات والتى باتت تهدد سلامة الوطن ووحدة أراضيه ووحدة وتماسك البناء الاجتماعى لمختلف مكوناته باختلاف تنوعها العرقى والجهوى والثقافى والدينى . 17فبراير2018. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.