كامل ادريس يلتقي نائب الأمين العام للأمم المتحدة بنيويورك    شاهد بالفيديو.. شباب سودانيون ينقلون معهم عاداتهم في الأعراس إلى مصر.. عريس سوداني يقوم بجلد أصدقائه على أنغام أغنيات فنانة الحفل ميادة قمر الدين    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالفيديو.. جنود بالدعم السريع قاموا بقتل زوجة قائد ميداني يتبع لهم و"شفشفوا" أثاث منزله الذي قام بسرقته قبل أن يهلك    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    شاهد بالفيديو.. الطالب صاحب المقطع الضجة يقدم اعتذاره للشعب السوداني: (ما قمت به يحدث في الكثير من المدارس.. تجمعني علاقة صداقة بأستاذي ولم أقصد إهانته وإدارة المدرسة اتخذت القرار الصحيح بفصلي)    السودان يردّ على جامعة الدول العربية    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    البرهان يزور تركيا بدعوة من أردوغان    المريخ يحقق الرمونتادا أمام موسانزي ويتقدم في الترتيب    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    تقارير: الميليشيا تحشد مقاتلين في تخوم بلدتين    جنوب إفريقيا ومصر يحققان الفوز    مجلس التسيير يجتمع أمس ويصدر عددا من القرارات    شاهد بالصورة.. الناشط محمد "تروس" يعود لإثارة الجدل ويستعرض "لباسه" الذي ظهر به في الحفل الضجة    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة تسابيح خاطر تستعرض جمالها بالفستان الأحمر والجمهور يتغزل ويسخر: (أجمل جنجويدية)    سيدة الأعمال رانيا الخضر تجبر بخاطر المعلم الذي تعرض للإهانة من طالبه وتقدم له "عُمرة" هدية شاملة التكاليف (امتناناً لدورك المشهود واعتذارا نيابة عنا جميعا)    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة تسابيح خاطر تستعرض جمالها بالفستان الأحمر والجمهور يتغزل ويسخر: (أجمل جنجويدية)    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    مكافحة التهريب بكسلا تضبط 13 ألف حبة مخدرات وذخيرة وسلاح كلاشنكوف    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    ريال مدريد يزيد الضغط على برشلونة.. ومبابي يعادل رقم رونالدو    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    تونس.. سعيد يصدر عفوا رئاسيا عن 2014 سجينا    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اسماء لها ايقاع: السفير عصام حسن ود. خليل عثمان وعبد الكريم الكابلي والشريف حسين الهندي .. بقلم: د. عصام محجوب الماحي
نشر في سودانيل يوم 03 - 03 - 2018

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
يفرقنا انقلاب.. يجمعنا واتساب
د. عصام محجوب الماحي
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
في قروب (ضُل النيمة) بتطبيق (واتساب) للتواصل الاجتماعي، رفع الاستاذ محسن محمود تسجيلا صوتيا للفنان عبد الكريم الكابلي يغني "يا عصام جيناك" وارفق معه الرسالة التالية:
في منتصف الثمانينات، كان هنالك برنامج إذاعي يُسَمي محاكمات فنية يقدمه، على ما أذكر، علم الدين حامد وذو النُّون بُشرى، وكانت فكرتة غاية في الابتكار.
تتشكل في كل مرة محكمة لمحاكمة فنان، بحيثيات واتهامات ومرافعات ودفوعات، ويكون لها هيئة تحكيم.
كانت الحلقة الخاصة بمحاكمة الكابلي من أمتع الحلقات، إذ مَثَّل الاتهام فيها علم الدين حامد واخرون، وكان في الدفاع الفكي عبد الرحمن، وقد أخذ الاتهام على الكابلي في جزء من حيثياته أنه أهدر الكثير من طاقته الفنية فيما يُسَمَّي بالقَعْدَات، وساهم في تردي الذوق العام بترديده للأغاني الهابطة. والطريف ان معروضات الاتهام كانت أغاني رددها الكابلي نفسه في الحلقة.
وقد انبري الفكي عبد الرحمن مُفَنِّدَاً الاتهامات، رافضا كلمة قَعْدَات وطالب باستبدالها بلقاءات خاصة، وقال انها كانت نواة لورش فنية يرتادها الشعراء والملحنون والمثقفون وقد رفدت الساحة بالكثير من الاغنيات الخالدة.. اما ما يسمي بالغناء "الدكاكيني" فقد ذكر الفكي أنه ضرب من الغناء ليس غريبا على مجتمعات المُدن بل كان مطلوبا وقد بُثَّ جزء منه في الإذاعة، واحتمى بأغنيات مثل "الليمون سقايتو عَلَيَّ" و"بيت الخياطة" وقال ان ذلك كان يُتَّخَذ وسيلة للارتقاء بالذوق العام بالتدريج، خاصة وأن ألحانه كانت محببة وإيقاعاته مقبولة. وكان الفكي عبد الرحمن يختار في كل مرة أغنية من الروائع كمِثَال، واختار من الاغاني الموسومة بالدكاكينية الأقل سفورا مثل "الموز روى" و"يا عصام جيناك" و"كلتوم ست اللبن" وتَجَنَّب مثل "بنات المدرسة" وأضرابها من شاكلة "ضرب الجرس كِلِيلِينق" و"يا استاذ بالقزاز في الدروس ما فيش ممتاز". وكان الكابلي يبدع في الأداء بطريقة تجعل هيئة الاتهام تتمايل طربا وتجعل القضاة يتخلون عن وقارهم كما وصفهم الفكي في اخر البرنامج، واستطاع ان يخرج موكله براءة في نهاية الحلقة.
* استمعت للأغنية أكثر من مرة، وقرأت "بوست" الرسالة مرات ومرات، ثم جلست وكتبت للقروب الرسالة الطويلة التالية:
اللقاءات الخاصة، التي يقال لها قعدات وهي الكلمة الخفيفة المحببة، كانت جزء من الفلكلور السوداني والموزاييك الذي ميز المجتمعات.. كانت جامعة تأخذ نكهتها من نكهة المدينة، امدرمان. عطبرة. مدني وضوحيها دردق وبركات ومارنجان. بورتسودان وضوحيها الكيلو وقرية عروس السياحية. الابيض. جوبا. نيالا. واو. بحري وضوحيها شمبات والحلفاية. الفاشر. كوستي. سنار المدينة والتقاطع. القضارف. الخرطوم وضواحيها سوبا والجريفات والعيلفون وجبل اولياء. كسلا. دنقلا. كريمة. شندي. الحصاحيصا. النهود. الجنينة. ملكال. توريت. رومببك. سنجة. الروصيرص. الدامر. رفاعة. مروي. الدلنج. بابنوسة. حلفا القديمة والجديدة. بربر. جبل مرة. حدائق البان جديد وبارا، وما نَسيْت مِن مُدن مررت بها وتذوقت نكهتها واستنشقت عطرها وعِطر اهلها فوسعني حضنهم ضيفا ومقيما. وقد نتج من اللقاءات الخاصة التي لا يقلل مصطلح القَعْدَات من وقعها ورونقها وما يجري فيها من جمال الكلم، نتج ادب وفن وابداع وعلاقات اثمرت في السياسة والاجتماع والاقتصاد.
وعصام، الفتى حينها، الذي تغنى كابلي بالشوق اليه ومجالسته ومحادثته هاتفيا وزيارته والرقص معه، كان هو الدبلوماسي الشاب عصام حسن الذي صار سفيرا ولا زالت في الذاكرة مذاق القَعْدَة معه في مقر اقامته سفيرا ببوخارست مطلع الثمانينات والطرب الذي احاطنا به الفنان هاشم ميرغني الذي زار رومانيا، وقد كنا نخبة من طلاب خريجين في ضيافة السفير.
كما ولا زلت اذكر الحفل الخاص الذي اصبح أكبر من قَعْدَة في النصف الثاني من السبعينات في الريف البريطاني بضواحي لندن بمقر اقامة د. خليل عثمان الذي أطلق على ارضه الواسعة الخضراء بغابتها اسم "النيل الابيض" وعلى القصر الذي بداخلها "الدويم" وقد أسعدنا يومها الفنان المبدع عبد الكريم الكابلي وحلق بنا في سماوات الطرب بغناء وإبداع غير مسبوق وما منظور مثيله.
وان أنسى لا أنسى انني طلبت منه في لحظة ما، ولسبب ما، ان ينشد ويغني "هَبَّت الخرطوم" فطلب مني ان أقَدِمها وأقَدِمه بها في الفاصل الجديد. ومن ذاكرة أوراق وضعتها داخل "جورنالي"، إصْفَرَّت وشاخت وبعضها ضاع الحبر منها، استحضر ما قلته حينها حيث ظل الكابلي بعد ذلك كلما سَلَّمْت عليه في حفل يبتسم ذاكرا امامي ذات العبارة التي اكثرت من ترديدها ولا ادعي انها جاءت وليدة اللحظة والصُدْفَة، فقد قلت: نشكر الذي اتى بكابلي الى ما "امام البحار" وجعلنا نطرب ونرقص على أنغام اغنياته وابداعه وصوته الخلاب وننتقل بثقافة ما "وراء البحار" في الطرب والرقص لنعيشها فرحة ومتعة في بريطانيا نفسها التي جعلت تلك التصنيفات والتقسيمات واقعا وحقائق.
كان كابلي يدندن بأوتار العود مدخل لحن الاغنية النشيد، وكما بدأت تقديمي انطق كلمة واتفحص اوجه الحضور، أضِفت: ومن هنا، نخاطب بلادنا فيما "وراء البحار"، من مكان يقع "امام البحار" لم نكن نتصور ان ندخله في يوم ما، ونقول لا شيء يعدل الوطن الا هَبَّة الخرطوم.
وكررت ثلاث مرات "لا شيء يعدل الوطن إلا هَبَّة الخرطوم"، ثُمَّ وقد شجعتني ابتسامة كابلي التي اغرقني فيها ورَنَّة اوتار العود تزداد قوة ووضوحا ثانية بعد الأخرى، أضِفت: ونحن ننتظر هَبَّة الخرطوم، والامنيات ان نشارك في هَبَّة الخرطوم، اسمحوا لي باسمكم ان اشكر الذي أتى بكابلي الى ما "امام البحار" مما "وراء البحار"، لبريطانيا من السودان ليسعدنا.
توقفت بُرْهَة لأتأكد من حقيقة الصمت الذي عم المكان إلَّا من دندنة كابلي على العود، ثم واصلت: نشكر الشريف حسين الهندي....؛
وبعدها لم اقل كلمة. توقفت. لم أستطع، إذ لم يكن هنالك على ما يبدو من سيستمع إليَّ.. فقد انطلقت صفقة مدوية غير متقطعة لم تتوقف وكابلي يطلق صوتا بدأ رخيما حالما.... هبببببببت الخرطوم، فاختلط ذلك مع الصفقة التي أصبحت متقطعة كإيقاع، ووقفت متسمرا في مكاني بجانب كابلي لا اعرف كيف اتصرف في "المايكرفون" الذي بيدي، ولم تتبق له وظيفة عندي.
أحاط بي الاصدقاء الذين كانوا معي، مصطفي محي الدين عثمان وعادل حلفاوي وشقيقي عادل محجوب ودكتور السر عثمان، ثم بدأ الزحف نحونا.. النساء قبل الرجال، زرافات ووحدانا.. يحيطون بكابلي والريشة بين اصابعه تراقص اوتار العود، مرة العالي ومرة المنخفض ما بين "دو سي" وبقية الانغام، والفرقة الموسيقية أطلقت العنان لنغم ونصف نغم كمنجاتها ربما عبر "ري مي" ومن امتلك موهبة ملاعبة "فا سول لا".. حتى ظننا الفجر قد انبلج حقا عندما جاء المقطع:
هبت الخرطوم في جنح الدجى
ضَمدت بالعزم هاتيك الجراح
وقفت للفجر حتى طلعا
مشرق الجبهة مخضوب الجناح
يحمل الفكرة والوعد معا
والأماني في تباشير الصباح
ولحظتها اخضرت الأوجه المُخْضَّرة اصلا أو زادت اخضرارا، وكان بين الحضور العديد من العرسان في شهر العسل فميزوا الحفل بأياديهم المخضبة بالحناء. كنت سعيدا حينها لان الحضور أستقبل النشيد بأروع من تفاعلهم مع الاغاني العاطفية وتبسم لي كابلي وكأنه يشكرني على مبادرتي، فكهربتني ابتسامته، وأصبح خليل عثمان نجم الحلقة التي احاطت بكابلي عندما دخل في "كوبلييه":
فالتقينا في طريق الجامعه
مشهد يا موطني ما أروعه
وعندها أيقنت تماما أن الناس، كل الناس، وحتى أعضاء السفارة السودانية بمن فيهم ممثل جهاز الأمن كانوا على قلب رجل واحد حينها في تذكر رياح التغيير ومطلوبات التغيير، فقد أخذني خليل عثمان معه للمائدة التي كان ضمن جلوسها القنصل (.....) فصار ثالثنا وانضم إلينا آخرون نَهِز ونَبَشِّر ونَرَدِد مع كابلي:
وإذا الدرب شهيد ومنابر
وجراحات تغني ومصائر
ومواكب وقتال
وأتى من كل فج ثائر
هزه صوت ينادي
يا بلادي
للنضال للنضال
فاذا الشعب رجال ورجال
فعلت تلك الكلمات مبعثرة أو منظومة فعلها في الحضور.. النساء كن الاكثر تفاعلا وكان غناؤهن هتافا فصارت الحفلة تظاهرة كاملة الدسم وصوت كابلي يرتفع لمقام موسيقي عالي:
وهتاف ملأ الافق دويا
كان للركب حداء
كان بعثا قرشيا
كان جبارا قويا
وانتظم رقص الصبايا والشباب والنساء والرجال في صفوف كأنها نُظِمَت في القصيدة، ونُظِّمَت في "بروفة" مُسْبَقة.
وكأنه كان مهندس الاصطفاف، دخل كابلي في مقطع جديد من قصيد أحد أمراء الشعر السوداني وهو صَدَيقٌ لكابلي ومكمل لقّعْدَاتِه التي أنتجت كل ذلك الابداع، الشاعر الدبلوماسي عبد المجيد حاج الأمين صاحب "هَبَّت الخرطوم"، فارتفع صوت كابلي عاليا وهو ينشد المقطع الذي يقول:
والتقينا والتقينا
فاذا الميثاق نور في يدينا
فكرة في إثر فكرة
فجرت في الشعب ثورة
وانتصرنا يا بلادي
بالدماء
بجراحات الضحايا بالفداء
لم يستطع لا كابلي ولا الفرقة الموسيقية أن يضعا نهاية للأغنية النشيد.. وكان كابلي بإشارة من رأسه للعازفين يعود للمقطع الاخير ويعيده، لا كَلَّ ولا مَلَّ وقد ترك مقعده ووقف مع الواقفين حوله، الراقصين وكأنهم في مظاهرة فتذكرت حينها مظاهرات مواطني جنوب افريقيا المطالبة بالحرية وكيف أنها تتميز برقص المشاركين فيها.. كان يوما ثوريا راقصا.
كان كل الحضور يغني مع كابلي محيطا به حتى ضاقت المساحة امام حوض السباحة الداخلي حيث جرى تنظيم رائع للموائد والكراسي حوله.
كان مشهدا حقا ما اروعه، فقد كان الجو بديعا في الحديقة الخارجية حيث الشوءات بأنواع لحومها المختلفة من ضأن وشرائح لحم البقر والدجاج والحمام وبوفيه الاطعمة المصاحبة طيبة المذاق من كمونية وفول وطعمية بالسمسم وملاح نعيمية وعصيدة والسلطات المتنوعة فضلا عن موائد الشرااااااب بكل انواعه، لكل راغب.
كان يوما من أيام خليل عثمان في بريطانيا، قام بخدمتنا فيه جرسونات انجليز قُح بعيون زرقاء يرتدون ما يشبه جلابية مربوطة في الوسط بحزام عريض من قماش أخضر اللون، وهي لبْسَة من كان يطلق عليهم في ذلك الزمن "مرمطونات- أي جرسونات" الفندق الكبير ومصلحة المرطبات وعربات النوم والدرجة الأولى في قطارات سكك حديد السودان.
كان د. خليل عثمان قد وجه الدعوة لكل السودانيين المقيمين حينها في لندن والزائرين لها لحضور الحفل الذي يقيمه بقصره على شرف الفنان عبد الكريم الكابلي الذي سيغني فيه أيضا، وأعلن عن ارقام هاتف تستطيع أن تتصل عليها من أي مكان تجد فيه "هاتف -كول بوكس- الأحمر الشهير" بعد أن تخرج من لندن في طريقك إلى الريف، فتأتي اليك سيارة "بولمان فولكسواجن" مَطْلِيَّة بذات لون عربات شركة الخليج العالمية التي كان يملكها خليل عثمان في السودان وتصطحبك من المكان الذي انت فيه لتصل بك إلى عزْبَتِه "النيل الابيض" وتسير في طريق داخلي حتى تضعك امام قصره "الدويم".
وكان يوما للفنان الموسيقار عبد الكريم الكابلي الذي أتى لندن بدعوة خاصة من اتحاد الطلاب والمبعوثين السودانيين ببريطانيا وقد سدد الشريف حسين الهندي تكلفة إحياء الحفل في "لوقان هول" وإقامة واستحقاق الفنان وفرقته الموسيقية، فكان وجود كابلي في لندن دافعا للدكتور خليل عثمان ليكْرِم تجمع السودانيين الذين حضروا الحفل، ولم يتأخر في دعوة الجميع من خلال متحدث في حفل "لوقان هول" لحفل ثاني في اليوم التالي في قصره. واذكر ان من قدم الدعوة قال ان د. خليل عثمان ينتهزها فرصة ليقيم معكم غدا صبحية للعرسان، وقد كانوا حضورا مميزا في حفل "لوقان هول" بوسط لندن.
سألني الشريف حسين الهندي بعد ايام عما فعلته في حفل خليل عثمان، وأضاف: هل تريد أن تزحف بالسودانيين من لندن للخرطوم؟
قلت له: أن عبد الكريم الكابلي......
قاطعني مختصرا الامر: حدثني كابلي بنفسه وقال لي أنها كانت لحظات جميلة ورائعة وأكد انه كان سعيدا بما جرى.
قلت للشريف: هل تجاوزت حدودي؟ هل سببت حرجا للكابلي او لك بحديثي؟
تركني الشريف في الهّمِ الذي أحاط بِيَ وانتقل لحديث عن موضوع مختلف تماما، فقد كانت همومه كثيرة. متنوعة. متشعبة وكان له حضور طاغ في أي منها.
تشكر اخي محسن محمود بان جعلت تلك الذكريات تنساب بالرسالة الرائعة التي رفعتها مع أغنية كابلي وهو يبْهِج اصدقاءه في "قَعْدَةٍ" محضورة، مموسقا شَوقه لصديقه السفير عصام حسن بطلاوة المفردة، عذوبتها، لطافتها وبساطتها في "يا عصام جيناكَ وجينا نَسّكْسِك معاكَ".
كم انت رائع يا كابلي، وكم انت مبدع.. طِبْتَ وطاب لك مقامك أينما كنت، وطاب يومك وغدك وكل العُمْرِ فقد منحته لنا وجعلت حياتنا يا حبيب العمر تتجدد مع اشعارك والكلمات التي غنيتها ومع أنغامك والحانك والاروع والذي أصبح محفورا عميقا في الروح والذاكرة، صوتك المتميز المميز فريد عصره وزمانه وكل الازمنة يا سليم الزوق والنفس ويا حَسن الطَوِيّة، وكما قال من قبل ايليا ابو ماضي "كن جميلا ترى الوجود جميلا"، فإنني اقول بألسنتنا على لسانك "كن سَوِيَّا ترى الناس أسْوِيَاء". ياااااه.. كم نحن جميعا نحتاج لإعادة قراءة لحياتنا والغوص فيها واستخلاص الجميل منها وجعله بطاقة تعريف وتعارف بيننا وسبيل تعايش وتعافي وتواصل وتداخل وبكلمة جامعة حُب، فما خُلِقْنا إلَّا للحب ومن حُب الرب للبشرية انه أبدع في خلقها وتنوعها، وفي حُبنا لبعضنا عبادة. فكُن عبدا مُحِبا كما أحب كابلي الناس وعاش لهم، فمن أحَبه الله منحه من قدرته موهبة للخلق والابداع وجعل الناس يحبونه. اي نعم كابلي، أحَبك الله فأحببتنا وحبيناك من قلوبنا يا حلو.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.