يتعالى الحديث خلال هذه الأيام عن العودة الطوعية للمغتربين السودانيين من بعض المهاجر ، نتيجة الأزمة المالية التي تعصف بكثير من دول العالم ، فضلا عن ظروف داخلية تتعلق بدول المهجر التي تسعى لتوطين الوظائف ، بإحلال مواطنيها بدلا عن الوافدين ، ويتجلى هذا الأمر في منطقة الخليج التي تكتظ بعمالة وافدة من كل قارات العالم . وفي إطار هذه العودة وصلت إلى البلاد أولى دفعات المغتربين السودانيين ، من الجماهيرية الليبية في إطار ماعُرف بأنه برنامج للعودة الطوعية الذي بموجبه سيعود أكثر من عشرة ألاف مغترب ، ويتم ذلك عبر تنسيق وتعاون بين السفارة السودانية في طرابلس واللجنة العليا المكلفة بهذه المهمة .. المهم ان عدد العشرة الاف الذين سيعودون من ليبيا يبدو ضئيلا إذا عرفنا بأن المملكة العربية السعودية وحدها تستضيف أكثر من 800 ألف سوداني ، بخلاف المتخلفين من الحج والعمرة .. وبعيدا عن ليبيا والسعودية ينتشر شباب وشيوخ السودان في كل أركان الدنيا ، لدرجة انه لاتوجد مساحة " يابسة" على خريطة العالم إلا وبها " بشر" من السودان ، وكل أولئك غادروا السودان في مواقيت مختلفة ولأسباب متعددة فمنهم من غادر نتيجة ظرف سياسي ، أو لتحسين وضع اقتصادي الخ.. ومعظم هولاء يحلمون بعودة كريمة إلى الديار التي بارحوها سنوات طويلة .. حتى ان بينهم من لم ير أبناءه السودان لأكثر من عشرين عاما ، ولكنه يفكر الآن جديا في العودة إلى الديار ، وكيف لايعود وهو الذي يعاني الأمرين الغربة الطويلة والظروف الاقتصادية التي لم ترحم كبيرا أو صغيرا عاملا أو موظفا .. ولكن كيف السبيل .. خاصة ان عودة هولاء ليست طوعية وإنما هي قسرية!. سؤال منطقي يطرح نفسه بقوة كيف يتم استيعاب هولاء العائدين طوعا أو كرها إلى الديار ، هل عملت الجهات المعنية على وضع برنامج يتم بموجبه استيعاب العائدين في تخصصات أتقنوها وبرعوا فيها لسنوات طويلة ، أم ان أمر استيعابهم يبدو أمراً عسيراً في ظل تصريحات وزير المالية د. عوض الجاز الذي يلمح جهرا بالاتجاه إلى خفض الوظائف الحكومية تناغما مع الأزمة العالمية ،، فيما نجد ان القطاع الخاص بدوره يشكو وقع الصدمة .. اذًا ماهو الحل ؟؟ .. الاتخشى الجهات الرسمية في الدولة ان يتحول عدد من العائدين إلى مهدد امني واجتماعي إذا لم تتوفر الوظيفة التي تكفل الحياة الكريمة . ومن بين العائدين من لهم أبناء يدرسون حاليا بالجامعات السودانية ومقابل ذلك يدفعون عشرات الاف من الدولارات سنويا .. وبعودتهم سالمين إلى الوطن وبطبيعة الحال غير " غانمين" باعتبار ان العودة لم تكن خيارا مرتبا ، وإنما نتيجة عوامل خارجة تماما عن الإرادة .. ألا يستحق هولاء ان تُكون لجنة خاصة لدراسة أمر استمرار دراسة أبناءهم مع إعفاءات معتبرة من الرسوم الدراسية . عموما يجب ان تدرك الجهات الرسمية بأن العودة الطوعية التي تتواصل الآن من ليبيا ، أو القسرية من جميع أنحاء العالم بعد ليالي الغربة الطويلة ، ستكون لها تبعات " مكلفة" مالم تدرك الجهات الرسمية مايجب ان يقدم للعائدين ، وذلك بدراسة ظروفهم ، فهم على اقل تقدير ظلوا يقدمون للوطن بسخاء ، حتى خذلتهم الظروف الاقتصادية العالمية . مصطفى محكر