رغم ظروف الحرب…. بدر للطيران تضم طائرة جديدة لأسطولها    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    المتّهم الخطير اعترف..السلطات في السودان تكشف خيوط الجريمة الغامضة    أنباء عن اغتيال ناظر في السودان    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    إسرائيل تستهدف القدرات العسكرية لإيران بدقة شديدة    "خطوة برقو" تفجّر الأوضاع في دارفور    الصادق الرزيقي يكتب: الدعم السريع وشهية الحروب التي فُتحت في الإقليم    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    افتتاح المرحلة النهائية للدوري التأهيلي للممتاز عصر اليوم باستاد الدامر.    فيكم من يحفظ (السر)؟    الحلقة رقم (3) من سلسلة إتصالاتي مع اللواء الركن متمرد مهدي الأمين كبة    في السودان :كيف تتم حماية بلادنا من اختراق المخابرات الإسرائيلية للوسط الصحفي    من الجزيرة إلى كرب التوم..هل دخل الجنجويد مدينة أو قرية واستمرت فيها الحياة طبيعية؟    التقى بروفيسور مبارك محمد علي مجذوب.. كامل ادريس يثمن دور الخبراء الوطنيين في مختلف المجالات واسهاماتهم في القضايا الوطنية    هيمنة العليقي على ملفات الهلال    نشاط مكثف لرئيس الوزراء قبل تشكيل الحكومة المرتقبة    الحرب الايرانية – الاسرائيلية: بعيدا عن التكتيات العسكرية    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    شاهد بالصور والفيديو.. الفنان حسين الصادق ينزع "الطاقية" من رأس زميله "ود راوة" ويرتديها أثناء تقديم الأخير وصلة غنائية في حفل حاشد بالسعودية وساخرون: (إنصاف مدني النسخة الرجالية)    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    شاهد بالصورة والفيديو.. وسط ضحكات المتابعين.. ناشط سوداني يوثق فشل نقل تجربة "الشربوت" السوداني للمواطن المصري    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    على طريقة البليهي.. "مشادة قوية" بين ياسر إبراهيم وميسي    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    ضربة إيرانية مباشرة في ريشون ليتسيون تثير صدمة في إسرائيل    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    رئيس مجلس الوزراء يقدم تهاني عيد الاضحي المبارك لشرطة ولاية البحر الاحمر    وفاة حاجة من ولاية البحر الأحمر بمكة    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اَلْتَدْمِيْرُ اَلْإِسْلَاْمَوِيُّ لِلْتَعْلِيْمِ فِيْ اَلْسُّوْدَاْنْ ..! .. بقلم: د. فيصل عوض حسن
نشر في سودانيل يوم 29 - 03 - 2018

أحداثٌ كثيرةٌ شَهِدَها قطاعُ التعليمِ مُؤخَّراً، ليس أغربها الأسئلة (المُعقَّدة) وتسريب الامتحانات المُتلاحق، أو فشل (8400) مُعلِّم في اجتياز امتحانات رُخصة مُمارسة التعليم، ولا قيام مُعلِّمة باغتصاب طفلة عمرها أربع سنوات، أو وصول الأُمِّيَّة الولائيَّة ل70%، وغيرها من صور التَراجُع والانحدار، لأنَّ الخراب الإسْلَامَوِي للتعليم (مُتجَذِّر)، وأكبر بكثير من أيٍ من الأمثلة السابقة رغم جَسَامَتِها، فهو تدميرٌ مُمَنْهَجٌ بدأوه منذ سَطْوِهِم على السُلطة، لاستدامة سيطرتهم ب(تجهيل) وإفساد السُّودانيين، وإضعاف تَرابُطهم الوجداني والاجتماعي.
في هذا الإطار، وبُناءً على ما أسموه مُؤتمر سياسات التعليم عام 1990، نَفَّذَ المُتأسلمون جريمتهم/خيانتهم الوطنيَّة والإنسانيَّة والأخلاقيَّة، مُتدثِّرين بالدِّين لشَرْعَنَة وتجميل تخريبهم غير المسبوق. حيث ادَّعوا بأنَّهم وضعوا (إطاراً) لإصلاح التعليم، استناداً للطبيعة البشريَّة والقيم (الدِّينيَّة)، وأعدُّوا مناهج دراسيَّة ذات مَسَاقَيْنْ أوَّلهما، (إلزامي) يُطبَّق دون استثناء، وتُسْتَوْحَى جميع معارفه من القرآن وكُتُب الحديث، والمساقُ الثاني (اختياري) يسمح بانتقاء بعض التخصُّصات، واشاعوا بأنَّ تلك التعديلات تُقلِّل تكلفة التعليم و(تُطيل) العمر الإنتاجي للمُواطن! وأصْدَرُوا مرسوماً رئاسياً، مطلع عام 1991، بمُضاعفة أعداد طُلَّاب الجامعات، وجَعْلُوا اللُّغة العربيَّة لُغَةُ التدريس الرئيسيَّة بدلاً عن الإنجليزيَّة! ثُمَّ قاموا بتغيير السُلَّم التعليمي وقَسَّموه لثلاثةِ مُستويات، أوَّلها مرحلةُ التعليم قبل المدرسي (3-6 سنوات)، والثاني هو مرحلةُ الأساس للأعمار (6-7 سنوات) وحتَّى (13-14 سنة ورُبَّما أكثر)، والمُستوى الثالث/الثانويَّة (15-18 سنة).
بالنسبة لتغيير السُلَّم التعليمي، فهو الثاني بعد استقلال السُّودان، إذ قامت حكومة نميري بتغييره عام 1969، وحَقَّقت بعض النجاح لعدَّة اعتبارات، أبرزها رَصَانَة الخدمة المدنيَّة وقُوَّة الاقتصاد السُّوداني آنذاك، مما ساعد على تشييد/بناء الفصول الدراسيَّة المُضافة (الخامس والسادس) في وقتٍ قياسي، وتجهيز المناهج التعليميَّة والتربويَّة وتقييمها وتقويمها وفق الأُسُس العلميَّة المُتعارف عليها والمُعتمدة عالمياً، وتأهيل وتدريب المُعلَّمين عليها وعلى كيفيَّة تدريسها، وساعد في ذلك، أنَّ وزارة التربية والتعليم كانت زاخرة بالكوادر (المُؤهَّلة) والمُبدعة آنذاك، واستطاعت التعاطي مع التغييرات الجديدة بسلاسةٍ واحترافيَّةٍ عالية. أمَّا السُلَّم التعليمي للمُتأسلمين، فقد جاء كارثياً بمعنى الكلمة، ولعلَّ أكبر (كوارثه) التي ما زالت مُستمرَّة حتَّى الآن، هي (جَمْعُ) التلاميذِ بأعمارهم المُتفاوِتة دون رقابة/حِماية، مما ساهم في انتشار الشذوذ الجنسي، استناداً لعددٍ من الدراسات/الإحصاءات الميدانيَّة (المُوثَّقة)، وسأفرد مساحة لاحقة لهذا الموضوع بحول الله. كما أسفر السُلَّم التعليمي الإسْلَامَوي عن عدد من الظواهر الخطيرة، كتعاطي المُخدِّرات والتدخين وغيرها من الانحرافات السُّلوكيَّة. ورغم ذلك، أضافوا سنةً (تاسعة) لمرحلة الأساس عام 2014، أي (زَادُوا الطِّين بَلَّة)، ثُمَّ أعلنوا عن (إعادة) المرحلة المُتوسِّطة بدءاً بالعام الدراسي 2015-2016، ولم يُنفِّذوا ذلك حتَّى الآن! بما يُؤكد أنَّ إعلانهم عن إرجاع المُتوسطة، كان لامتصاص احتجاجات التربويين (الشرفاء) والشارع العام، بعدما (ثَبُتَ) للجميع عدم استيفاء مُتطلَّبات المرحلة المُتوسطة، أو حتَّى الفصل التاسع الذي استحدثوه. حيث لم يقُمْ المُتأسلمين بتهيئة المناهج وتقييمها وتقويمها، وتدريب المُعلِّمين على كيفيَّة تدريسها، وقياس استجابة التلاميذ لمضامينها وغيرها من المُتطلَّبات! فضلاً عن غياب المدارس المُتوسِّطة (المُنفصلة) عن مدارس الأساس، أو (فَصْلَ) التلاميذ وفقاً لأعمارهم، تمشياً مع القواعد التربويَّة والشرائع السماويَّة والقوانين الوضعيَّة، وتخفيفاً (للتَحَرُّشات/التعدِّيات) الجنسيَّة المُتزايدة، نتيجة لبقاء (الأطفال) مع الصِبْيَة (المُراهقين) بلا رقابة!
اللافت، أنَّ هذه (الجرائم) الإسْلَامَوِيَّة، وعلى رأسها تغيير السُلَّم التعليمي، أتت كتوصياتٍ لمُؤتمرهم المشئوم عام 1990، علماً بأنَّ توصيات المُؤتمرات (لا تُنَفَّذ)، إلا بعد دراستها تفصيليَّاً بواسطة مُتخصِّصين في المجال المعني، وتقييم نتائج الدراسات وفقاً لمعايير مُحدَّدة بدِقَّة، ثُمَّ تقويمها وتطبيقها ومُعالجة اختلالات التطبيق، وهذا ما لم يفعله المُتأسلمون، الذين دمَّروا كل ما له علاقة برصانة التعليم، وجهاته (المرجعيَّة) المَعْنِيَّة بوضع ومُراجعة المناهج، وتدريب وتأهيل وتقييم وتقويم المُعلِّمين. وما يُؤكِّد التخريب الإسْلَامَوِي (المُتعمَّد) للتعليم، تَجَاهُلَهُم الواضح لعددٍ من التوصيات الهامَّة بذات (مُؤتمرهم)، وهي التوصيات المُتعلِّقة بالتنوُّع المعرفي/الثقافي والدِّيني، وتعزيز الجوانب الإيجابيَّة (الداعمة) للوحدة الوطنيَّة، وزيادة الاهتمام بمناطق التداخُل اللُّغوي وترقية تعليم اللُّغات الأجنبيَّة. فكل ما فعلوه، هو تطبيق المنهج المحوري لمرحلة الأساس دون استيفاء معاييره، عدا أُسلوب الدَمْجْ، أو ما يُعرف بمَزْج المُقرَّرات التعليميَّة، دون مُراعاةٍ لاحتياجات التلميذ ومرحلته العُمريَّة، مع إغفال الجوانب المُهمَّة المُشار إليها أعلاه!
أدَّت هذه الاختلالات لعدم تكامُل المواد الدراسيَّة، وإلغاء النَّواحى الإنفعاليَّة والحَرَكِيَّة للتلاميذ، وتَصَاعُد الأعباء الإداريَّة لمُديري المدارس خصماً على أدوارهم التربويَّة، وإسناد مُهمَّة التدريس (الحَسَّاسة) لمُجَنَّدي الخدمة الإلزاميَّة ولغير المُؤهَّلين تربوياً وأكاديمياً، ودونكم ما (وَثَّقَه) الإعلام الإسْلَاْمَوِي بشأن تَعَدِّي (بعض) المُعلِّمين (جنسياً) على الصغار! فضلاً عن غياب وسائل التعليم الحديثة، وعدم مُواءَمَة المناهج الدراسيَّة لأعمار التلاميذ، لغياب التقييم (القياس/التعيير) والتقويم. والأخطر من ذلك، ظهور فجوة تعليميَّة بين أبناء الأثرياء والفقراء، وذلك استناداً للتقرير المُفصَّل الذي أعدَّته مُنظَّمة الأُمم المُتَّحدة للطفولة (يونيسيف) عن الفجوة التعليميَّة في السُّودان (http://www.oosci-mena.org/uploads/1/wysiwyg/151119_Equity_educational_access_summary_AR_final.pdf). حيث شَكَّلَت الفجوة بين الخُمْس الأكثر غِنَىً والخُمْسْ الأكثر فقراً من السُّكان (20%)، ومن حيث الاستيعاب فى التعليم الابتدائي وصلت إلى 40%، وأنَّ 50% فقط من الأطفال الأكثر فقراً بالمدارس، مُقارنةً بخُمْسْ أطفال الأكثر ثراء. وبلغت الفجوة بين الخُمس الأكثر غِنىً والخُمس الأكثر فقراً، للذين لم يكملوا الثانوى حوالى 90%، منهم نحو 70% في الفئة العُمريَّة (15-19 عاماً)، هذا بخلاف التمايُز التعليمي الشَّاسع بين الأقاليم.
وبجانب تدمير المَسَاق التقني، مَارَسَ المُتأسلمون تدميراً آخَرَ للمرحلة الثانويَّة، شَمَلَ تذويب المدارس القوميَّة كَخُوْرْ طَقَّتْ وبورتسودان وحَنْتُوب وغيرها، والتي كانت (مَجَّانيَّة) وبمثابة (تكريم) للمُتفوِّقين و(تحفيز) للتَفَوُّق، حيث كان معيار القبول فيها (التفوُّق) وحده، بعيداً عن الاعتبارات الاجتماعيَّة/الطَبَقِيَّة والعقائديَّة والسياسيَّة والجَهَوِيَّة/القَبَلِيَّة، فشَكَّلت مراكزاً للإشعاع المعرفي واحتلَّت مكانةً مرموقة في تاريخنا المُعاصر. والأهمَّ من ذلك، مَثَّلَت المدارس القوميَّة عاملاً رئيسياً للتماسُك الداخليّ والترابُط الاجتماعي، لأنَّ طُلَّابها ينحدرون من كل أقاليم السُودان، وشَكَّلوا بعلاقاتهم الشخصيَّة جسراً للوحدة الوطنيَّة، وصَمَّام أمانٍ للسلام المُجتمعي والقبول المُتبادَلْ. فمدرسة حَنْتُوب، التي اعتبرها المُتأسلمون (إرثاً) استعمارياً (يُضعِف) العقيدة و(يَطْمِسُ) الهَوِيَّة، هي نفسها (حَنْتُوب)، التي احتَوَتْ حركتهم الإجراميَّة وعرَّابهم (الهَالِكْ) ورُفقائه، وانتقل تأثيرهم لبقيَّة المدارس القوميَّة الأُخرى، مُستفيدين من الرحلات الطُلَّابيَّة والمُنافسات المدرسيَّة (رياضيَّة/ثقافيَّة) التي كانت سائدة آنذاك. ولذلك، سَعَى المُتأسلمون لقَطْعِ التواصُلِ، وإضعاف الارتباط الوجداني بين أبناء الوطن، في واحدةٍ من أهمَّ المراحل العُمريَّة (نهاية الصبا وبداية المُراهقة)، و(ألزموا) الجميع بالدراسة في إقاليمهم بعيداً عن أقرانهم ببقيَّة السُّودان، بِحِجَّة نشر التعليم (جُغرافياً)، وهو هدفٌ يُمكن تحقيقه ولا يتعارض مع وجود المدارس القوميَّة، التي أدَّى (تذويبها) لتحجيم فوائد انتقال التلميذ من بيئته لبيئةٍ أُخرى، وعدم تجديد روحه وتفجير طاقاته ومواهبه وقدراته، وإكسابه معارف وخبرات جديدة، تمتزج بما تَعَلَّمه في بيئته التي وُلِدَ وترعرع فيها، لتُسفِر في المُحصلة عن شخصيَّة ناضجة وواعية، وهي (مِيْزَة) كانت مُلازِمَة لأجيالنا السابقة وافتقدتها أجيالنا الناشئة.
أمَّا المدارس الخاصَّة/النموذجيَّة (البديلة) للمدارس القوميَّة خصوصاً والحكوميَّة عموماً، فقد فَرَضَ المُتأسلمون أموالاً طائلةً وشروطاً مُتعسِّفة للالتحاق بها، واستقطبوا خِيْرَة/صَفْوَة المُعلِّمين، وأغروهم بشروط خِدْمة (استثنائيَّة) مُقارنةً بالمدارس الحُكُوميَّة العامَّة! وبعبارةٍ أُخرى، وَأَدَ المُتأسلمون (عدالة) التعليم التي كانت قائمة وتَمَتَّع (قادتهم) بها، وأضحى التعليمُ الثانويُّ (الرَّصين) بعد هذه الخطوات، حَصراً على أبناء ذوي الحُظوة السُلطَوِيَّة والماليَّة، وتَلَاشت معايير التفوُّق والمُثابرة، وهذه ضربةٌ إسْلَاْمَوِيَّةٌ (مُزدوجة/مُركَّبة) للسُّودان، استهدفت تفكيك وترابُط أبنائه من جهة، وتجهيلهم و(استعبادهم) كما يجري الآن من جهةٍ ثانية! فغالبيَّة طُلَّاب المدارس الحكوميَّة عَاجِزون، ويفتقدون المعارف الأكاديميَّة والمهارات الشخصيَّة الأساسيَّة، مُقارنةً بنُظرائهم بالمدارس النموذجيَّة/الخاصَّة، رغم (النِسَب) المِئَوِيَّة (المُدهشة) المُعلَن عنها سنوياً في نتائج الشهادة الثانويَّة، والتي لو كانت (نِسَبَاً) حقيقيَّة لتَغَيَّرَ واقعنا السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي، وما بلغنا القاع الذي نحياه الآن!
بالنسبة للتعليم العالي، تَظَاهرَ المُتأسلمون بزيادة أعداد طُلَّاب الجامعات التي ادَّعوا إنشاءها، مع تعريب المناهج بما في ذلك الكُلَّيَّات العِلْمِيَّة/التخصُّصيَّة، دون تهيئة مُتطلَّبات (التعريب) من كُتُبٍ ومراجعٍ ومُقرَّراتٍ دراسيَّة، وأعضاء تدريس قادرون على التعاطي والتفاعل مع هذه المُتغيَّرات والمُستجدَّات، ودراسة آثار ذلك كصعوبة تواصُل طلَّاب الدراسات العُليا (خارجياً)، وعدم مُواكبتهم للتطوُّرات المُتسارعة في مُختلف العلوم والمعارف، نتيجة لضعفهم في اللُّغة الإنجليزيَّة. ودَعَمَ المُتأسلمون تدميرهم، بسياساتٍ وظيفيَّةٍ (مُتعسِّفة/طَارِدَة)، أدَّت لاغتراب أعضاء التدريس (المُؤهَّلين) بصورةٍ أشبه بالنزيف، و(ضَيَّقوا) الخِنَاق على من تبقَّى منهم، وقاموا بتعيين مُنتسبي جماعتهم (غير المُؤهَّلين)، ليس فقط كأعضاء تدريس، وإنَّما كرُؤساء أقسام وعُمداء كليات في بعض الحالات! مع غياب البُنية التحتيَّة كافتقار المكتبات للمراجع الحديثة والرَّصينة، وتدهوُر معامل وحقول التجارب والأبحاث العمليَّة، لأن غالبيَّة الجامعات كانت مدارس/معاهد أو أُنْشِئَتْ (ارتجالاً)، وبصورة لا تَتَواءَم وطبيعة أنشطة/برامج التعليم العالي. بخلاف سلبيات التباعُد الجُغرافي بين كُلِّيات الجامعة الواحدة، وصعوبة إدارتها ومُتابعتها بالموارد البشريَّة والماليَّة المحدودة، وهذا في المُحصِّلة، يُؤكِّد (زِيف) كارثتهم المُسمَّاة (ثورة تعليم عالي)، والتي فضحها انهيار المُستوى العام للخِرِّيجين وغياب البحوث العلميَّة الرَّصينة، واحتلالنا لمواقع مُتأخِّرة في تصنيفات الجامعات المُعتمدة، كتصنيف ويبوميتركس (Webometrics) وغيره. وأخيراً وليس آخراً، حَاصَرَ المُتأسلمون الأنشطة السياسيَّة والثقافيَّة والاجتماعيَّة، و(منعوها) في بعض الجامعات، وشَجَّعوا (الهَيَافَة) ونشروا المُخدَّرات، لتدمير وتشتيت الجهود الشبابيَّة التي كانت شرارات (فاعلة) للتغيير، ولاحقوا وقَمَعُوا العناصر الطُلَّابيَّة الواعية والمُثقَّفة والمهمومة بالوطن وقضاياه، وقتلوهم في بعض الجامعات كالخرطوم والجزيرة والنيلين والأهليَّة وغيرها.
رغم الاجتهاد في إبراز جرائم المُتأسلمين التعليميَّة و(توثيقها) للتاريخ، أُقرُّ بتقاصُري في هذه المُهمَّة، لأنَّ جرائمهم تحتاجُ كُتُباً ومَجَلَّدات، ومن الاستحالة (حَصرها) في مقالٍ واحد، وهي تحتاجُ لكُتُبٍ ومُجَلَّدات لبشاعتها وخباثتها. ويُمكن القول، بأنَّ حالة (اللامُبالاة) العامَّة الماثلة، والاستخفاف بالأخطار المُفزعة المُحيقة بالسُّودان وأهله، هي (نتائج حتميَّة) للجرائم الإسْلَامَوِيَّة (المُمَنْهَجَة) ضد النظام التعليمي والتربوي الذي كان سائداً في البلاد. فقد (حَرصُوا) على تجهيلنا وتخريج أجيال فاقدة للمعارف الأكاديميَّة والمهارات الحياتيَّة الأساسيَّة، وغير مُترابطة وجدانياً واجتماعياً، أو مُدركة لمضامين الوطنيَّة وأبعادها الحقيقيَّة، وأغرقوها في أزماتٍ مصنوعةٍ ومُتراكمة، لنُصاب بالإحباط ثُمَّ الاستسلام، في ما يَتَفرَّغون لاستكمال خِيانتهم وغدرهم بالسُّودان وأهله.
هذه هي (الحقائق) مُجرَّدة، وعلينا تَذَكُّرها وعدم نِسْيانِها، و(تعريف) أجيالنا الحديثة بها، والاتحاد والعمل (سَوِيَّةً) على إيقافها وحَسمها، بدءاً باقتلاع العصابة الإسْلَامَوِيَّة من الجذور، ومُحاسبتها ومُعاقبتها على جميع جرائمها المُتراكمة ضد السُّودان وأهله، ثُمَّ العمل على نهضة بلادنا عبر إعادة تأهيل قطاع التعليم، بشقَّيه التربوي/الأخلاقي والأكاديمي، بمُشاركة المُتخصِّصين لا سيما في علمي الاجتماع والنَّفس، ودعم ذلك بالقوانين والتشريعات المُساندة والضَّامنة للنجاح وبلوغ المرامي المرجوَّة.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.