المأمول ألا نتجاهل ما في تراثنا الغنائي من جواهر ولآلي.. فنهيل عليها تراب النسيان والإهمال! وعائشة الفلاتية )فنانة جبّارة( ورائدة جسورة، وهي من أعذب الأصوات التي يمكن أن تسمعها الأذن البشرية! وتغلب على شخصيتها قوة الشكيمة ومغالبة الظروف، أما إمتياحها من ينابيع الأنغام السودانية فذلك أمر عَجَبْ.. علاوة على مقدرتها الفريدة الفائقة في الأداء!.. ومن قوة شخصيتها أنها عندما ذهبت إلى مصر رفضت ما يراه دهاقنة الفن هناك أنه من باب المدح عندما قالوا لها أنتٍ (أم كلثوم السودان) فرأته مدحاً يشبه الذم وقالت لهم: هل تسمّون أم كلثوم (فلاتية مصر)! غنت وغنت وذهبت إلى جبهات القتال تغني، كما ذهب الفنانون الرجال مهما يكن هدف هذه الرحلات؛ فهي ليست ممن يضعون الإستراتيجيات السياسية! ومن جسارتها الفنية أنها اشتركت في نمط جديد من الأداء (الدويتو والأوبريت) وذلك في مرحلة مبكرة للمدرسة الوترية بعد الحقيبة؛ فاشتركت مع عبدالحميد يوسف في دويتو (آه يا حبيب) وانفردت بأوبريت (يا فتاة النيل) وهي أغنية ناهضة تتحدث عن مطالب الفتاة في الحياة العصرية! ولها الدويتو الشهير (الريدة الريدة الريدة) مع الفنان أحمد عبدالرازق! وهذا موسيقي وفنان ذو صوت قوي عذب، فيه (خطفة سباعية حلوة) إلتقطها من وجوده في مصر! وهي أغنية يجب ألأ تموت لما فيها من عذوبة لحن ووقفات موسيقية، ومن غنائية صادحة اشتهر بها حسين عثمان منصور! ولعبد الرازق بالإضافة إلى الريدة أغنيتان وطنيتان قمة في الروعة والنَفَس الأدائي هما: (بايدينا نبنيك يا بلدنا.. أقسمنا لازم نبنيك) والأخرى (إذا ردّد القوم نحن الفدا).. وكان الرجل من رواد أغاني الإعلانات التجارية؛ فقد سارت الركبان بمقطوعته لإحدى (المشروبات الغازية)، والأخرى الأشهر هي: (صابون صافي صافي..الحيّر أوصافي)! وكان هذا الصابون (المضغوط) يصمد للغسيل المتكرر ولا يذوب (بأخوي وأخوك) ومرجع ذلك للأمانة في الصناعة واحترام المستهلك؛ أو ربما تكون (الماكينات الكابسة) في ذلك الحين لا تستطيع أن تخرجه إلا مضغوطاً هكذا..(مُكره أخاك لا بطل)!! عائشة في القاهرة قوية وواثقة وشديدة الإعتداد بقيمة فنّها (رغم أميتها الأبجدية هي وأخوها الكاشف) وقد إلتقت بجبابرة الفن هناك، ليس أدناهم فريد الأطرش ورياض السنباطي، وقالت أمامهم رأيها في ألحانهم وألحاننا، وكانت في قامة منجزات زملائها الفنانين سرور وكرومة ولقاءاتهم بالنخبة الغنائية المصرية ومشاركاتهم في السينما إسماعيل عبد المعين ب(ماتقولش لحد) وسرور ب(هل تدري يا نعسان) وأحمد المصطفي الذي تقاسم مع صباح (رحماك يا ملاك) و(مامبو) سيد خليفة، وابراهيم عوض مع اسماعيل ياسين (أظهر وبان..عليك الأمان) ولم يهن عليه اللحن فأظهره لاحقاً بشحمه ولحمه في: (أعز مكان..عندي السودان)..! غنت الفلاتية الأغنيات الشعبية الفولكلورية الجميلة من صنف (الدار الما داري، وسمسم القضارف، والليمون سلامه بريه، وبلّال تزورني مره، ويا حنوني)؛ وغنّت الغناء الرومانسي الرصين: أنا بحبك يا مهذب، والحبايب، والتجني، وألحان الربيع؛ وغنت الطقاطيق مثل: "باقي لي يومين واسافر" وأخواتها؛ وغنت (بالهوسا) أغانٍ في غاية الجمال والشجن، بالإضافة إلى (يجو عايدين) التي حكمت فيها أن يكون إسم مقر الفرقة السودانية غرب النيل (ظباط مركز تعليم)! عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.