الهلال يرفض السقوط.. والنصر يخدش كبرياء البطل    قصة أغرب من الخيال لجزائرية أخفت حملها عن زوجها عند الطلاق!    الجيش ينفذ عمليات إنزال جوي للإمدادات العسكرية بالفاشر    كيف دشن الطوفان نظاماً عالمياً بديلاً؟    محمد الشناوي: علي معلول لم يعد تونسياً .. والأهلي لا يخشى جمهور الترجي    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    تستفيد منها 50 دولة.. أبرز 5 معلومات عن الفيزا الخليجية الموحدة وموعد تطبيقها    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    حادث مروري بمنطقة الشواك يؤدي الي انقلاب عربة قائد كتيبة البراء المصباح أبوزيد    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالفيديو.. تاجر خشب سوداني يرمي أموال "طائلة" من النقطة على الفنانة مرورة الدولية وهو "متربع" على "كرسي" جوار المسرح وساخرون: (دا الكلام الجاب لينا الحرب والضرب وبيوت تنخرب)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    السودان.."عثمان عطا" يكشف خطوات لقواته تّجاه 3 مواقع    ناقشا تأهيل الملاعب وبرامج التطوير والمساعدات الإنسانية ودعم المنتخبات…وفد السودان ببانكوك برئاسة جعفر يلتقي رئيس المؤسسة الدولية    عصار تكرم عصام الدحيش بمهرجان كبير عصر الغد    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنتم وما تعبدون من أصنام (2) .. بقلم: عزالدين صغيرون
نشر في سودانيل يوم 30 - 05 - 2018

لا تثريب عليك أنت أيها المحكوم، المغلوب على أمره، فالحاكم/ الرئيس هو المستبد الظالم، وأما أنت فمستلب مقهور !.
أليس هذا ما تود سماعه، أو اعتدت سماعه دائماً من كُتَّاب الصحف اليومية والمحللين من كل نوع، وقد سمعته على نحو مؤكد من محترفي السياسة ومعارضي النظام؟.
ألا يرددون دائماً وفي كل مناسبة بأن الحاكم هو رمز الشر وانه وكيل الشيطان في أرض الله، يُفسد فيها ويسفك الدماء وينتهك الأعراض والحريات، وانك بريء مغلوب على أمره لا تبتغي غير ما يقيم أودك ويحفظ كرامتك؟.
نعم .
لا شيء مثل هذا يطمئنك‘ ويريح ضميرك، ويعفيك من مسؤولية ضعفك وشقاءك، بل علَّ هذا يساعدك على الانحناء الذي يجنبك المشاكل، لتتفرغ لمصارعة العيش في أمان، ويجنبك الخوض في تفاصيل حصار الخبز والحرية، ولتختار طواعية وبمحض "إرادتك" الانحياز لخيار "طابور الخبز"، أما الحرية ف"الله كريم"، وهو قادر على أن يمنحها لك وقتما شاء وأراد.
ولكني لست على استعداد لأنافقك وأربت على ظهرك وأهنئك على هذا الخيار، فللحق أنت مسؤول عن شقاءك وعذاب أولادك بقدر مسؤولية جلاديكم. وفي الواقع أنتما تتقاسمان مسؤولية اختلال معادلة العلاقة بينكما على هذا النحو الشاذ، وبينكما وسيط فوقكما معاً، هو الذي رتَّب العلاقة وهيأ أسبابها دون علمكما، أو قل، بدون وعي منكما.
إنه الثقافة التي شكَّلت وعيكما، ووضعت ورسَّخت المفاهيم الأساسية التي تقوم عليها هذه العلاقة.
إن الثقافة التي أرضعتك الطاعة والامتثال، فطمتك على "نَعَم" مطلقة، أبدية، أزلية.
"نَعمٌ" يتيمة، وحيدة، مات تؤامها "لا" في رحم أمك.
وال "نعم" العظمى هي تلك التي تمنحها للحاكم/ وليِّ أمرك، بلا قيد أو شرط.
"نعم" لا مشروطة .. لأنك لا تملك أمرها.
فالحاكم/ الرئيس هو حاكم بأمر الله .. لا بأمرك حتى يكون لك الخيار أو الرأي في ملكه.
ليس الصحابي والخليفة الثالث عثمان بن عفان وحده من قال للمسلمين الذين ثاروا عليه يشتكون ظلم واستبداد وفساد ولصوصية رهطه من بني أمية وتسلطهم على الرقاب، حين خيروه بين أن يعزلهم، أو يعتزل الحكم (يستقيل بالتي هي أحسن يعنون) قال رداً على الثوار "لن أخلع ثوباً البسنيه الله"، أي أن الحُكم هو عبارة عن ثوب ألبسه له الله، فكيف يخلع ما ألبسه الله؟، ومن يجرؤ أصلاً على أن يخلع ثوبً ألبسه الله لمن يختار؟!.
ألم يقل الله في القرآن "قل اللهم مالك الملك، تؤتي الملك من تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء"؟. إذن فالحكم والملك وحتى الرئاسة (رئاسة الجمهورية) هي منحة من الله، لا من البشر/ المواطنين، وهو وحده تعالى من ينزعها.
ومن ينازع فيها، إنما ينازع الله في ملكه ..
ويا لها من "ورطة" مهلكة!.
لسان حال كل الحكام/ الرؤساء في العالم العربي الإسلامي يؤكد هذه القناعة. إلا أن الرئيس عمر حسن أحمد البشير، لم يكتفي بلسان حاله، وإنما صرَّح بها وقالها ب"عظمة لسانه" مردداً هذه الآية ليختمها قائلاً بأنه لن يتنازل عن "كرسي الرئاسة" لا لحزبه، ولا للحركة الإسلامية التي أجلسته عليه، ولا للجيش، ولا "لأي مخلوق" من مخلوقات الله، بما يشمل ويعني الملائكة والشياطين!. وقبله قال الرئيس المصري حسني مبارك إنه سيحكم "إلى آخر نَفَسْ"، ولكن هذا لم يتحقق. والغريب في الأمر أن هؤلاء الحكام / الرؤساء في دولنا العالمثالثية هذه إنهم يبدون في غاية الثقة وعلى يقين بأنهم في مأمن من مصير إخوانهم الذين أطيح بهم من قبلهم، ابتداءً من عثمان بن عفان وانتهاءً بمعمر القذافي وعلي عبد الله صالح (على الجميع الرحمة) ليتفاجأ الواحد منهم في الساعة الخامسة والعشرين بأن مصيره أسوأ من مصير سلفه، ورغم هذا يبدون في غاية الثقة والاطمئنان وهم على الكرسي!.
أتعرف ما الذي جعل سبحة الاستبداد بالحكم تكرُّ منذ عهد الخليفة الثالث وإلى بشار الأسد في يومنا هذا؟.
لقد تم تحالف بين السلطتين: السياسية والدينية، منذ الانقلاب الأموي على مبدأ ونظام الشورى، يقوم بموجبه الديني/ الشرعي بتقنين وشرعنة سلطة السياسي الملكية الوراثية المستبدة، مقابل أن يحظى بامتيازات سلطته الأيديولوجية. فقد جعل بني أمية الحكم/ الخلافة ملكاً وراثياً استبدادياً عضوضاً. وعندما أطاح بهم العباسيون تطور نظام الخلافة إلى نظام مماثل لنظام الفرس السياسي الذي كان يحكم به آل ساسان. وهو نظام يأخذ بنظرية الحق الملكي المقدس، وبذلك صار الخليفة العباسي يحكم بتفويض من الله، لا من الشعب. وقد عبر عنها الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور بقوله "إنما أنا سلطان الله في أرضه"، هادماً بذلك أساس خلافة الاختيار في عهد الخلفاء الراشدين، ومرسياً، بعد الأمويين، خلافة القهر والاستبداد. بل لقد صار الخليفة العباسي يلقب نفسه، توكيداً لسلطته الديني أيضاً ، بلقب الإمام، وكان الشيعة يطلقون هذا اللقب على أفراد من البيت العلوي. ومن قبل كان لقب "إمام" مقصوراً في اللغة وفي المجتمع وفي العرف الديني على من يؤم الناس للصلاة، ولذلك حرص الخلفاء العباسيون، الذين يستندون إلى نظرية التفويض الإلهي على تقريب العلماء ورجال الدين الذين راحوا ينشرون بين الناس هذه النظرية، وسارت على خطوها بقية الأسر العربية وغير العربية التي تداولت الخلافة حتى مطالع القرن العشرين مع الخلافة العثمانية. وهذا ما نرى أنّه مكّن السلطة السياسيّة في مراحل مختلفة من تاريخنا العربي الإسلامي من الحصول على دعم العلماء الإيديولوجي من خلال تقنين مبدأ الطّاعة، وتنظيم الضرائب، وتحريض، أو تهدئة، الجموع من خلال الخُطب أو الكتابات أو الفتاوى، وغيرها، ومكّن العلماء، بالمقابل، إضافة إلى احتكارهم وظائف القيام على العبادات والتّعليم والقضاء، من النّفاذ إلى مختلف الوظائف العليا في الدّولة، فكانوا وزراء وسفراء ومستشارين وكتبة... إلخ. فالحاكم/ الرئيس المعاصر لنا الآن يستند إلى تراث عميق الجذور في المجتمعات العربية والإسلامية، ومتغلغل عميقاً في وجدان وفكر ونفسية الفرد. يعمق فيه الطاعة والانصياع للسلطة والخضوع اللامشروط لها، وما عليه إذا ما جاع وافتقر واختنق بتسلط وقهر الحاكم إلا أن يصبر ويحتسب، ويسأل الله أن "يولي من يُصلِح"، فالنبي قال موصياً، أو آمراً، "اطيعوا أولي الأمر منكم ولو وليَّ عليكم عبد حبشي"!!.
وغاية حلم المظلوم حسب هذا الإرث أن يسأل الله أن يمنَّ على المسلمين ب"مستبد عادل"!!.
نعم ..
يسأل الله أن يسلط عليه "نعمة الاستبداد"!!.
ثمة بابين أمامك للنجاة من هذه "الكماشة" التي تُطبق عليك بفكيها: المعارضة السياسية، والإسلام الأصولي الذي يبشرك بالعودة بك إلى الماضي، إلى العهد النبوي، أو إلى عصر الراشدين الأوائل حيث الشورى والعدالة والأمن والنجاة في الدنيا والآخرة.
عليك في الخيار الأول أن تنتمي إلى حزب من هذه الأحزاب السياسية القائمة.
ولكن هل هي أحزاباً سياسيةً بالفعل؟. قطعاً لا.
إن هذه الهياكل القائمة ليست أحزابا بالمعني الحقيقي للمفهوم ..
هي كيانات شبيهة، وتحمل الاسم نفسه، ولكنها ليست هي المعنية حين نقول أحزابا بالمعنى الحديث الذي ترسخ في العلوم السياسية.
وقد كتبت قبل أكثر من عقد وربع العقد تقريبا عن البنية الطائفية/العشائرية لأحزابنا السودانية، وأوضحت بأننا لو طرحنا جانبا غلالاتها الأيديولوجية التي تتبرقع بها كأقنعة، سنجدها مجرد طوائف، تحاول عبثا ،أن "تتعصرن"، ولا يمكنك أن تستثني الأحزاب العلمانية أو التقدمية – سمها ما شئت – من هذا.
فالحزب الشيوعي، على سبيل المثال، وهو الحزب العلماني الذي يعبر عن الحداثة السياسية والفكر التقدمي في السودان ظل منذ تأسيسه في عام 1939 كما تقول وثائق الحزب، وممارسته النشاط السياسي الفعلي في عام 1946 يخضع لسلطة الزعيم الفرد، ولأكثر من 67 عاما، هي تاريخه كله، لم يتوالى على رئاسته سوى زعيمين !!.
هذا عن الحزب التقدمي الذي يعبر عن الحداثة السياسية ،ما يغنيك الحديث عن الأحزاب الطائفية التي تقوم على الولاء المطلق لمرشد روحي يتمتع بالقداسة ،وبالسلطة المطلقة مثل تلك التي يتمتع بها الصادق المهدي زعيم "طائفة الأنصار " المهدوية ورئيس "حزب الأمة السياسي"!.
ويدلك على طائفية وعشائرية البنى الحزبية إن قراراتها جميعا، تتنزل من البطريرك الأكبر إلى القاعدة، ولا تصعد من الاتجاه المعاكس، ولذا يستطيع رئيس الحزب أن ينحرف بالحزب كله مائة وثمانون درجة في مواقفه، متسببا بدوامات التفافاته ومناوراته البهلوانية هذي ، في إرباك قاعدته ، بل وبين قيادات حزبه العليا والوسيطة. وتستطيع قراءة عجلى في مواقف الحزبين الكبيرين (الأمة والاتحادي) من ديكتاتوريتي نميري والبشير، أن توضح بصورة جليّة هذه المهازل بوضوح، فالمسألة كلها ترتهن بطموحات رئيس الحزب الشخصية، وقراءته الخاصة لمسارات الأمور، فهو (الإمام) و(الشيخ) و(المرشد)، الذي ينفرد بالحكمة التي تجعله يتمتع بالإلهام ونفاذ الرؤية الذي يتيح له أن يرى ما لا يراه (القطيع!)، ثم انه الأدرى بمصلحة جماهير حزبه منها.
* فإذا كانت الأحزاب – بالمعنى الحقيقي لهذه الكلمة – تعبر عن مصالح الجماعات التي إليها تنتمي، فإنها (هنا) تعبر عن مصالح قيادة الحزب...
* وإذا كان الأفراد الذين ينتمون لهذه الأحزاب هم الذين يقررون سياسات الحزب هناك، فان السياسات هنا يقررها (الزعيم) وفق اجتهاداته، وربما تهبط عليه وحيا من سماواته...
* وإذا كان رئيس الحزب وقياداته هناك يتم اختيارهما بالتصويت عبر تنافس انتخابي داخل الحزب، ولدورات محددة مهما بلغت انجازاته، فان رئيس الحزب هنا إما أن يرث زعامة الحزب منذ الميلاد، وإما أن يأتي عبر اختيار دائرة ضيقة من أصدقائه أو أقربائه، ليبقى، لا يغادر إلا إلى القبر .
* وبالمقابل فان جماهير هذه الأحزاب – ونعني بهذا الأغلبية العظمى – لا يرتكز انتماؤها الحزبي على أي أسس عقلانية، فهي لا تنتمي للحزب ولا تختاره دون الحزب الآخر لأنه يتبنى طموحاتها ويحقق مصالحها، و هي لا تؤثره على الحزب المنافس بعد قراءة برامجه السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومطابقتها بما تحمله من تصورات وأفكار وآراء وأحلام لمعرفة مدى انسجامه مع كل أولئك، فهي تنتمي لأسباب عاطفية لاعقلانية، إما بحكم الوراثة أو التأثير الأسري، وإما إتباعا لرأي الأغلبية أو لمجرد مخالفتها، وإما امتثالا لتصور عقائدي متصلب أو تمردا وخروجا عليه. ويتساوى في هذا الشكل، الانتماء للأحزاب التي تسمى تجاوزا بالعلمانية وتلك التي يطلق عليها ليبرالية، كما للأحزاب الدينية.
لذا: بقدر ما بنية الأحزاب الفوقية تسلطية، بقدر ما قاعدتها الجماهيرية هي خاضعة وامتثالية، الأمر الذي يؤدي إلى تجريد هذه الجماهير من قدرتها على المبادرة والتعبير عن نفسها واستثمار رصيدها النضالي، ويحرمها من استثمار ما هو كامن فيها بالقوة من إمكانات، لتغرق في مستنقع اليأس والإحباط .
وبالتالي فإن بحثك عن الخلاص عبر هذه الأحزاب بشكلها الحالي، لن يفيدك في كثير أو قليل.
فزعيم حزبك هو صنم أيضاً ستقضي عمرك عاكفاً على عبادته، و(حزب/ه) هو الآخر معبد سلطوي مغلق، مثل المعبد الذي هربت منه، أو ثرت عليه، أو تريد أن تثور عليه، وتهدمه على رأس كهنته.
أما محاولتك الهروب إلى من يعدونك بجنة الدنيا ونعيم الآخرة بإعادة عقارب ساعة وجودك إلى الوراء، لأكثر من ألف واربعمائة سنة. فإن معبدهم هنا عبارة عن قبو مظلم، تقسم فيه على المصحف والمسدس بأن تكون حرباً على الحياة والحاضر والمستقبل، وقبل هذا وذاك أن تشن حرباً عدمية على نفسك.
ولا يغرنك ما بين الأصولي والمستبد من عداوة وحرب، فهما وجهان لعملة واحدة، وما يتنازعان إذ يتنازعان إلا على الشرعية. "فإن نزاع "الأصوليّ" مع "المستبدّ" في أغلب البلاد العربية هو بالأصل نزاعٌ حول الشرعيّة، التي ينظر كلٌّ منهما إليها بمنظاره الخاص. لكن بنفس الوقت، لم تشكل حالة "انعدام الشرعية" التي يتمتعان بها مصدرَ قلق لاستقرار أيّ منهما، بقدر ما مثّلت مصدراً لتغذية دماء الآخر، لإدامة سيطرتهما على الفضاء السياسي والديني والاجتماعي. لقد أثبتت تجارب الأصوليات مع الديكتاتوريات العربية أنه لطالما كان كلُّ طرفٍ منهما بحاجة لدعم الآخر في وجوده؛ أي، بحاجة ل "لا شرعية" الآخر لكي يبرهن على شرعيته. ومعظم الأصوليات والأنظمة العربية تدور في هذا الفلك. ولكنهما في النهاية يلتقيان.
ذلك أن كلاً من الأصوليّ والمستبدّ يعتمدان في آلية عملهما إلى "ذهنية توتاليتاريّة"، إطلاقيّة عدميّة واحدة، وأحادية، من حيث أنّ كلاً منهما يشمئز من فكرة التعدد والديمقراطية، هذا فضلاً أن هذه الذهنية هي المسئولة عن احتكار كلّ منهما لفضائه الخاص: الأصولي باحتكاره الفضاء الديني، والمستبد باحتكاره الفضاء السياسي. كما يقول الكاتب السوري حموّد حمود في" إشكالية الشرعية بين المستبد والأصولي".
إذن ما الحل، أو امكانيات الحل المتاح أماك؟.
أعود بك إلى البداية، بداية حديثنا هذا، وأسألك:
كيف يصنع الناس الفرعون، وكيف يغيرون الشخص العادي البسيط الى شخص أخر مخيف بما يفعلونه من نفاق وتزلف وادعاء ومبالغة وتضخيم؟
كل أحداث التاريخ تؤكد أن وراء كل فرعون ثلة من الناس قرروا الركوع الاختياري وعشقوا السجود الارادي من تلقاء أنفسهم وارتضوا التبعية والذلة ليصنعوه فرعونا يتجبر عليهم ويؤذيهم، واتبعهم بقية الناس لضعفهم وعدم ثقتهم في أنفسهم.
هكذا يصنع الناس الآلهة بأيديهم، ومن ثم يركعون لها.
وتبقى الحقيقة الخالدة التي تجسدها العبارة:
لا تلوموا الفرعون على كونه فرعونا، بل لوموا من جعلوه كذلك.
مرة أخرى.. ما الحل؟.
لم يبق أمامك سوى إرادتك، وحقك في الحياة الكريمة التي تليق بإنسانيتك، وإلا فإن ركونك للاستقرار المُذل، ووقوفك في صف الواقفين على جمر الاستعباد انتظاراً لخبز الإهانة والانكسار، سيجعلك شريكاً وحليفاً لهؤلاء الأرباب الصغار.
قوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.