Paranoia, Eccentricity & Ethnocentricity musa elmekki [[email protected]] إن قيم التواضع والعقلانية والتسامح التي سادت المجتمع السوداني إلى وقت ليس ببعيد سرعان ما حل مكانها الضد عندما انكمشت مساحات التواصل بين الناس واسترجع كثير من أساري التاريخ و الواهمون ذكرياتهم المريضة وقفز بآخرين وخز مركبات النقص المدفونة في طفولتهم البائسة وسيطر على عقول بعضهم هذيان ليالي التراجع الفكري حيث انبرى للشعر من لم يجالس الشعراء ولا يقرأ لهم , و تصدى للفتوى الرويبضة والجامية وأباطرة النقل العاجزين عن استخدام العقل وجلس للقضاء من ليس بأهله وتسلم مفاتيح الخزائن من لم تسلم يده من راجعة داخليات الطلاب و أمّ الجماعة من يقصر صلاة المغرب ووقتئذ عجت وسائل الإعلام و دور العلم بكافة مستوياتها بمن أسعفته صلة القربى و أواصر الحزب إلى كرسي الأستاذية وكانت النتيجة إعلام باهت كثير الأخطاء و التقليد قليل الإبداع إلا من رحم ربي وخريجون لا يصلحون لسوق العمل الداخلي ناهيك عن الخارجي . ما ظنكم يا سادتي في من لا يرى إلا نفسه ولا يسمع إلا صوته , من يكتشف أخطاءه و يكابر في معالجتها . من يعطي نفسه أو غيره حقوقا" بالميلاد , من يقارن مساحات الحرية المتاحة بتلك التي في البلاد العربية و التي يعلم الجميع أن هذه المفردة قد سحلت في تلكم الديار على مذبح السلطة منذ ما بعد الخلافة الراشدة مباشرة" , من أبطأ به عمله و أسرع به نسبه , من يعلم أن النقاء العرقي هو فرية صهيونية و أن سيدنا إسماعيل عليه الصلاة والسلام من أب بابلي( نبط من كوثى ) و أم من وادي النيل الخالد وأم عياله من جرهم اليمانيين وفي ذات الوقت ينكر تنوع السودان العرقي تلكم الرقعة الجغرافية العجيبة والتي تشكلت في ظروف أعقد مما يبدو للعيان , من يرى كل الخطى عرجاء إلا خطوه من لا يثق إلا في شكوكه من يتوهم السير في الدروب الزلقة دون أن تسقط قوافله في آسن القيعان من يحاول أن يصنع جبيرة لبعير مكسور , ما ظنكم فيهم وفينا إن لم نستمع لصوت العقل ونداء الضمير ونعيد اللحمة لتلكم العظام المكشوفة . إن بلادنا مقبلة على استحقاقات غاية في التعقيد و عيون الدنيا مفتوحة تراقب تحركاتنا , تحاصرنا الأزمات الإنسانية الطاحنة في القبل الأربعة , حتى المركز الذي يبدو عليه التعافي لا تتعدى دائرة العافية فيه 0,05% من قاطنيه , وما بين الروحة والغدوة سنصبح في خبر كان وحينئذ لا تنفع الصيحات القائلة ( أماني ما مات راجل وقول الجود وقول الكرم ) و قديما" قيل ( الهامل يجهّز موية بروده) , فلا يظنن معتوه أننا نتفرج على بلادنا وهي تغيب في مجاهل الظلمة ولا يحسبن من في قلبه مرض أننا نبحث عن ثوب من أسمال تلكم اليتيمة المغتصبة النافقة بل هي صرخةٌ لكل من له قلب سليم ألا يستعجل الاسترزاق من دم أمته و أن يحس بآلام بني وطنه من حلفا إلى مريدي ومن قرورة إلى جبل ميدوب وأن الجلوس لجرد الحساب ما ضرنا يوما" نأكل أخوان ونتحاسب تجار في كل قضايانا سواء تقدم مشروع الجزيرة أولوياتنا هنا أم تصدرتها قضايا العدالة واللجوء والخراب في دار فور أو النفايات القاتلة في صحارينا الشمالية أو التردي المعيشي السائد في الشرق أو الفساد في الخرطوم وجوبا أو النسيان الكارثي في كردفان و التراتر السبعة والنيل الأبيض أو غير ذلك من المنغصات هنا وهناك بالأمس أو الآن غدا" أو بعده . فمن يتجاهل الناس و قضاياهم إلا من هم في دائرة مصلحته ثم يأتي قبيل الاستحقاق الانتخابي ليعرض بضاعته البائرة وسلعته الكاسدة ويستعرض أحلامه المريضة مغررا" بالسذج والبسطاء ممنيا" الناس بالفردوس وهو يعلم أنه لن يؤتي ملك سليمان ولا مال قارون ولا حكمة لقمان بل هي فرصة لخدمة الناس لا مصدر رزق له وهي أمانة قبل أن تكون مكسبا" رخيصا" . إن الإنابة عن الشعب هي واحدة من الوسائل المتعددة للتغيير إلى الأفضل ليست غاية في حد ذاتها والديمقراطية تكون بلا معنى إن لم تتدخل لتمنح العوام العدالة و مساحات الحرية و الإبداع و لقمة العيش النظيفة والكريمة والصحّية وتصبح الديمقراطية عبثا" وغمّا" ثقيلا" إذا لم تكن تعني صحة الُأم والطفل وحقوق الإنسان كاملة دون نقص والفرص المتكافئة للجميع دون اعتبارات عرقية أو جهوية أو جنسية أو ثقافية تعني الديمقراطية لشعبنا المدرسة والمستشفى واليد الممدودة للإخوان والجيران والبندقية التي تحمي الحدود في حلايب والفشقة والجنينة ونمولي وليست البندقية الموجهة إلى بعضنا البعض و الديمقراطية تعني ألا تتضرع القبعات الزرقاء في حوارينا بالآلاف وحكمة عقلائنا محبوسة في جب يوسف الصديق فهي يا سادتي وقبل كل شئ أن يذهب الناخب ليدلي بصوته دون خوف ودون عيون تراقبه بالدس ودون وصاية أو إرهاب لا يختار لصا" قديما" ولا قاتلا" مأجورا" ولا لمجرد القرابة والجوار بل لمن يقبل الإنابة عن الشعب لخدمتهم وكمان يقبل المحاسبة على كل كبيرة وصغيرة وليعلم الجميع أن المناخ الذي نتنفسه الآن لا يمكن أن يفرز مرشحين بنفس المواصفات أعلاه وبالتالي لن نعقد آمالا" عريضة على الديمقراطية الرابعة إلا بعد العثور على إجابات مقنعة للأسئلة البريئة التالية :- * هل ستشرف على الانتخابات حكومة ليس من بين أعضائها مرشح لأي منصب ؟ *هل ستحل قضية دار فور قبل الاستحقاق أم ستكون الانتخابات ناقصة كما حدث عام 1986 م ؟ *هل ستكون المدة بين الترشيح والطعون والتصويت كافية بحيث يتمكن كلٌ من المرشحين التواصل مع الشعب ؟ * هل ستكون هناك مناظرات في وسائل الإعلام القومي والدولي بين من ترشحوا للاستحقاق الرئاسي والولائي؟ *هل القضاء مستقل بحيث أنه يستطيع التحقيق في أية مخالفات جنائية أو انتخابية أو حتى مخالفات الوزراء والمسئولين سواء طلب منه ذلك أم دفعت هيبته المسئولين بطلب التحقيق؟ * هل يتمكن المتنافسون من الحصول على فرص متساوية في أجهزة الإعلام القومية؟ * هل يسمح للأطراف الأجنبية محل الإجماع الوطني بمراقبة ذالكم الاستحقاق؟ *هل ستجاز كافة القضايا الخلافية بين القوى السياسية السودانية قبل الانتخابات؟ * هل ستسمح الأيام القادمة بالمزيد من الأسئلة البريئة ؟ موسى المكي الأمين المكي 9/2/2010 م