شهدت العاصمة النمساوية فيينا فى يناير الماضى مظاهرة قبطية كبرى، إنطلقت من مبنى الأوبرا الشهير وإنتهت عند مبنى الإتحاد الأوروبى مروراً برئاسة الجمهورية والمستشارية النمساوية.تظاهر الأقباط ومناصروهم الحقوقيون تعبيراً عن الأسى والألم والحسرة التى ملأت قلوبهم نتيجة الإعتداء الإجرامى الذى حدث فى نجع حمادى فى ليلة عيد الميلاد وأمام الكنيسة. طالب المتظاهرون بالقصاص من القتلة والذين من خلفهم، خاصة وأنه فى غالب الأحداث الماضية فإن إثارة الكراهية ضد الأقباط من قبل الجماعات الإسلامية المتعصبة، كانت السبب المباشر وراء تلك الجرائم، وليس المس والجنون كما يزعم دائماً. وطالبوا بتعويض الضحايا القتلى والجرحى والمتضررين مادياً بسبب تدمير وحرق منازلهم ومتاجرهم،علاوة على تقديم مسئول الأمن فى نجع حمادى للمسائلة والمحاكمة،وأن تعتذر الحكومة عن تقصيرها وإقالة وزير الداخلية لفشل أجهزة الأمن فى حماية الأقباط.وأن يكشف حالاً عن كل الجرائم التى أرتكبت ضد الأقباط، ووقف الأكاذيب المضللة والإفتراءات الإعلامية الرسمية. كاتب المقال شارك من قبل فى مظاهرات عديدة هنا فى النمسا،وهى على سبيل المثال: مقتل أفارقة بواسطة الشرطة النمساوية، وضرب مصنع الشفاء فى السودان،ومأساة دارفور،وحرب العراق. وأشهد الله أننى ما رأيت غضباً وغبناً وحزناً كالذى كان يوم مظاهرة الأقباط.كانت درجة الحرارة تحت الصفر،تجمدت فيها أطرافى وجوارحى ولم ألحظ فى القوم ولا فى أطفالهم أثراً للبرد أو الزمهرير.وما يدريك لعل حرارة حزنهم وبكائهم نزلت عليهم دفئاً وسلاما بمشيئة الرب. مظاهرة كهذه لا يمكن أن تجد حظها من الظهور فى قاهرة المعز أو خرطوم النيلين،بل وعلمنا من مصادرنا الموثوقة بمحاولات السفارة المصرية المستميتة لدى السلطات النمساوية لإلغاء المظاهرة!!!، فكانت الإجابة هزاً للرأس ودعوة لهم لإستغلال المناخ الديمقراطى وحث شيعتهم ومن لف لفهم أن يخرجوا كذلك فى مظاهرة، فى نفس المكان وغير الزمان.هذا منطق لا يفهمه الظلاميون ولا يهضمه المتعصبون،أصحاب النظرة الأحادية وأنصار التكتيم والتعتيم.وفوق ذلك لأنهم جبلوا على سياسة( التطنيش) والترغيب والترهيب ودعنى أعيش. قبل حادث نجع حمادى بعشرة أيام، كنا جلوساً فى بيت السودان بفيينا إحتفالاً بعيد الميلاد المجيد.ذلكم عيد الميلاد الذى حذرنا من الإحتفال به بعض ممن يسمون بعلماء المسلمين وهم ممن إعتاد على حلب بقرة أهل الكتاب حلباً لا يترك بعده للعجل نصيباً.يضيقون ذرعاً بحريتهم وديموقراطيتهم وهم المهرولون والساكنون إليهم،ويبغضون إشتراكيتهم وشفافيتهم وهم وأطفالهم المتمتعون بغنائمهم وحدائقهم. جلسنا ببيت السودان فى أمسية جمعت بين مسيحيين ومسلمين، أقباط، سوريين،سودانيين من شتى بقاع السودان،ودار أنس جميل عن الذكريات الجميلة وإن كانت قليلة فى أوطاننا،والأمثلة الرائعة للتعايش الدينى والتسامح وتقبل الأخر.وأنفض سامرنا على أن نتواصل ونتقابل ونتحاور،وألا نترك الساحة للمتطرفين والظلاميين الذين لا يقبلون بالرأى الأخر،ولا بالدين الأخر، ولا بالجنس الأخر،ولا باللون الأخر. فى الموعد الذى حددناه للقائنا الثانى فوجئنا بفاجعة نجع حمادى،فرأيت أنها مناسبة نعبر فيها عن تضامننا مع إخوتنا الأقباط حتى لا يذهب الإحباط واليأس بهم بعيداً عن الأمانى التى غرسنا بذرتها فى بيت السودان،فأقترحنا على الإخوة فى بيت السودان إقامة ندوة وإخترنا لها عنواناً: وللأقباط قضية!!!، ورشحنا لها مشاركين ثلاثة أحدهم قبطى وإثنين من المسلمين، فتمت الموافقة والإعلان عن الندوة فى نشرة بيت السودان. قبل موعد الندوة بخمسة أيام يتصل بى السيد سفير السودان بالنمسا(رجل نجله ونحترمه) طالباً مقابلتى فى أمر مستعجل، فتقابلنا فى مبنى الأممالمتحدة.فكانت رسالته المهذبة لى أن نلغى الندوة، لأن قيامها فى بيت السودان يسبب لهم حرجاً مع إخوانهم المصريين. شكرته على مسعاه ووعدته بالتفكير فى مقترحه والرد عليه.وبعد يومين كتبت له الرسالة التالية:- ((بسم الله الرحمن الرحيم الأخ الفاضل، السفير، أما بعد، فأرجو أن أكرر شكرى وإمتنانى لإهتمامك الكبير بما نقوم به من نشاط ثقافى وإجتماعى متواضع. وأؤكد لك أن ملاحظاتك وإقتراحاتك فيما يختص بالندوة وجدت وتجد منا كل التثمين والإحترام. لقد فكرت فى الأمر ملياً، وقلبته من كل جوانبه، وفاضلت بين النكوص والتراجع وبين المضى قدماً فيما أعلناه ونشرناه.فوجدت فى قيام الندوة خيراً أكثر من تغيير مسارها، بل رأيت أن من شأنها توثيق العلائق بين شعوب وادى النيل وإحياء شعيرة التضامن بين أعراقه ونحله. وأما إخوتنا فى شمال الوادى فمشاهد تاريخنا معهم حافلة بروائع المواقف والأحداث، وحوارنا معهم متواصل كجريان النيل صوب مستقره،والحساب ولد كما يقول أهلنا. نسأل الله أن يجعلنا وإياهم ممن يسمعون القول ويتبعون أحسنه، متخذين من الحوار والمنطق وقبول الرأى الأخر وسيلة للتعايش والمحبة والسلام. ولك مودتى، أخوك-عبد الله شريف فيينا- 27 يناير 2010)) ما لم أكن أعلمه تلك الإتصالات المكثفة من قبل السفارة السودانية برئيس بيت السودان وإقناعه بالحيلولة دون قيام النديوة،فأعلنت إدارة بيت السودان عن إلغاء الندوة قبل يوم من موعدها رغم عدم موافقتى أنا صاحب الفعالية.وأفتعلوا مناسبة ملأوا بها الدار بالأطفال والنساء فى نفس موعد الندوة.فما زدت عن قولى لرئيس البيت(وهو من الفاضلين):أرجو ألا أفسد عليك بهجة ليلتك فى بيت السودان، أما ندوتنا فقائمة قائمة بإذن الله. وبالفعل أقمنا ندوتنا فى إحدى مقاهى فيينا كأحسن ما يكون الحوار،وما لم أفهمه ولم يفهمه أصحابى: من المتضرر من إقامة ندوة كهذه؟ وما هو الضرر الذى يراه الأخرون ولا نراه؟لا سيما وقد علمنا من إخوتنا الأقباط أن السفارة المصرية ألغت لهم لقاءً قبل ساعات من موعده كان مقرراً له أن يكون بالملحقية الثقافية. نعم إنها الظلامية بعينها،والسياسة الأحادية،وعدم سماع الأخر.يا لها من سياسة شرزمت البلاد وأهلكت العباد.أوليس الأقباط أهل لنا فى السودان وما يحدث فى مصر يهمهم ويهمنا .ثم ماذا أنتم فاعلون إن قلنا أن لأهل حلايب قضية! وأن للنوبيين قضية. فى زيارته للنمسا قبل خمسة عشرة سنة خاطب الرئيس عمر البشير السودانيين ناعتاً الحكومة المصرية بإضطهاد النوبيين والصعايدة،وأنهم أى حكام مصر ينظرون لكل من بعد عنهم جنوباً نظرةً دونية.أحد الإخوة المصريين وصف حديثه بالخرف، وذكر بأن الذى بيته من زجاج عليه ألا يرمى الأخرين بالحجارة. قبل عشرة أعوام أرسينا القواعد لبيت السودان،وقلنا أنه بيت لكل السودانيين على إختلاف دياناتهم وأعراقهم وسحناتهم،وقلنا أنه يستقبل الفقير قبل الغنى،والخفير قبل الوزير،واللاجىء و المقيم،و البشير والنذير، وجون قرنق !!! ووقتها لم يتقبل البعض ذكر جون قرنق!!! وتمر السنون وثبت بعد نظرنا وسعة أفقنا،فاستقبل بيت السودان تلامذة قرنق بجانب أبناء الإنقاذ،وتكلم فيه سفراء عرب وسياسيون نمساويون ومفكرون مصريون.وصار من نافلة القول دائماً تذكير الناس أن منبر بيت السودان للكل، ولكن بيت السودان لا يتبنى بالضرورة أراء من إعتلى منبره.وتلك بداهة لا أدرى كيف غابت عن ذوى الألباب. ومأساة أخرى أبتلينا بها نحن السودانيون،فكل من هب ودب له الحق فى أن يستمع الى مشاكلنا وصراعاتنا وأحياناً يكون تدخلاً سافراً يحمل تهديداً ووعيداً.ورسخ فى فهم بعض من إخوتنا العرب أن من حق كل شعوب العالم أن تستمع الى مشاكلهم، فقط أنت يا سودانى أبتعد وأرعى بقيدك!ومحاولة تدخل الوزير مصطفى إسماعيل فى المسالة البيروتية خير دليل.الله يرحمك يالمحجوب، يا من جمعت فيصل وعبد الناصر فى بيتك وأنجحت مؤتمر اللااَت الثلاثة فى الخرطوم(تفصيل أكثر فى الحلقات التالية).والأن وصل بنا الحال الى عصر الإنبطاح بلغة خال الريس، الطيب مصطفى. تعالوا وشوفوا واحدة مصرية تدعى فاطمة حنفى-مدرسة عربى ودين- مقيمة فى فيينا، ماذا كتبت فى الصحافة الإلكترونية بعد مباراة مصر والجزائر فى أنقولا؟كتبت تقول:( الله عز وجل عوض الفريق المصرى عن الإهانات والمؤامرات التى لحقت بهم فى السودان.لو كان لنا فى رشوة الحكام أو غيرهم كنا فعلنا فى السودان، لأن السودان فى جيبنا الصغير)،ليس لدى تعليق. عندما أوشى صديق البطل الصنديد عثمان دقنه-أمير الشرق فى المهدية- به، ودل الأنجليز على مخبئه،قال الأمير عثمان دقنه لصديقه: إن شاء الله ما بعتنى رخيص!!! وأنا أقول لمن إجتهد ولم ينم الليالى من إخوتنا السودانيين، فقط لمنع سودانيين يقدرون مصر، من أن يستمعوا الى أقباط ومسلمين فى نديوة،إرضاءً لجهات مصرية غير معروفة،أقول لهم أنى لا أتوقع منهم أن تصير حلايب حبايب ولكن أرجو ألا تكون البيعة رخيصة وبثمن بخس.أخبرونى بالثمن يرحمكم الله لكى يطمئن قلبى إلى أنكم تجار شطار مثل تجار الشام. abdalla sharief [[email protected]]