اواصل الحوار مع نقد القراء لمقالاتي حول الانتخابات والالويات المقلوبة. وأنشر اليوم نقد الأستاذ عبد العزيز الصاوي لما طرحته من أراء. ثم أقدم حواري وملاحظاتي حول طرحه القيم. كتب لي الأستاذ الصاوي ما يلي (ووافق مشكورا على اقتراحي بنشره): أؤمن على صحة ما ورد في مفتتح الدراسة التلخيصي لمحتواها من أن مقترح المشاركة في الانتخابات يمكن استغلاله من قبل النظام لتحسين صورته، ولكن مع اختلاف حول كيفية إبطال هذا السلاح وذلك بناء على حجة تقول بأن السبب هو الفشل الصريح لاستراتيجية المعارضة الحالية في مهمتها. يصعب، في تقديري، إنكار صحة هذا الحكم إزاء حقيقة طول عمر النظام رغم سياساته الكفيلة بتقصير عمره وتوظيف المعارضة لكافة أساليب المقاومة وبأقصى طاقتها ضده ودفع اثمانها الغالية حربا وسلما، ورغم الحصار الدولي الدبلوماسي والاقتصادي الخانق. واقع الاخفاق الواضح لاستراتيجية المعارضة الحالية القائمة على هدف إسقاط النظام كأولويه، هو الذي دفع باتجاه التفكير في خوض الانتخابات كوسيلة، على الاقل غير مجربه من قبل، للصراع معه، ما جعل من الممكن القول باستفادة النظام من مثل هذا التوجه. هذا من ناحية ومن ناحية اخري هذا التكتيك التجميلي من قبل النظام ليس فعالا الى درجه تجعل منه حجة قوية لرفض فكرة الاشتراك في الانتخابات لان الاطراف الدولية والاقليمية التي تتعامل مع النظام لا تفعل ذلك متأثرة بفعالية تكتيكه حول الممارسة الديموقراطية بل لأنها لا تري بديلا له في الافق وهي تشاهد يوميا مظاهر عجز المعارضة مجسدة في تعدد مراكزها وتشتت مكونات الحياة الحزبية والسياسية، فضلا عن ان الداعين لدخول الانتخابات لن يقايضوا موافقتهم على الاشتراك بالسكوت عن ممارساته المناقضة لادعاءاته. إن نزع هذا السلاح الدعائي، على ضعفه، من يد النظام غير ممكن إلا بإزالة المسبب الحقيقي وراءه وذلك بإعادة النظر الجذرية في استراتيجية المعارضة، بما يؤدي الى إنجاز الهدف الكلي وهو تصفية النظام من جذوره بتأسيس ديموقراطية مستدامة لكونه، في الجوهر، تجسيد للاستبداد. هذا ما يفرض على الاختلاف مع النقطة الاساسية في الدراسة حول الاولويات ذاهبا الي ان الاولوية هي لهذه المهمة التي يكمن في التوجه الجدي نحوها إعادة بناء الحياة السياسية وغير السياسية. وفي هذا السبيل شرحت في حدود ما أتيح لي من مقدره أطروحة الديموستناره (الديموقراطية-الاستنارة) القائمة على استحالة تأسيس نظام ديموقراطي دون توفر قدر من انفتاح الذهن العام أنجز اوروبيا من خلال عصر التنوير ويتحتم علينا إنجازه بأبداع عصر تنويرنا الخاص من خلال التعليم والمجتمع المدني. تأخر إنجاز هذه المهمة حتى الان هو العامل الرئيسي وراء توالي الشموليات وعجز المعارضات عن إيقاف تكرارها مما أفضي الى انتاج نظام شمولية الشموليات ووجهه الاخر وهو أضعف المعارضات تأثيرا. الحديث الرائج عن ان الانظمة الدكتاتورية عجزت عن القضاء علي الاحزاب فيه إنكار لواقع انها جميعا اضعف كثيرا مما كانت عليه من قبل، والاهم من ذلك، فيه تركيز علي ( فشل) سياساتها القمعية المباشرة وتجاهل لأخطر ما ترتب علي تلك السياسات وهو الايل الى تراكم مصادر القوة الحقيقية لهذه النوعية من الانظمة : تشويه النظام التعليمي والمجتمع المدني ، المصدر الرئيسي للانفتاح العقلي والتنمية الديموقراطية، قفل مجال التفاعل الفكري والسياسي داخليا ومع الخارج، تعطيل نمو الطبقة الوسطي ، بعبارة أخري تدمير كافة الشروط اللازمة لنشوء قوي معارضة فعالة تغييريا كما كيفا. الدلائل على ذلك واضحة في توجه نخب الهامش الى شق طريقها الخاص للمعارضة وانصراف الثقل الاساسي لقطاع الشباب الى التدين السلفي و/أو السطحي ونقيضه اللامبالي. بناء على هذا أتجرأ على إبداء التناقض مع تحليك الضافي والتفصيلي، متسائلا: لماذا لم تتحقق اطروحة الالتقاء على الحد الأدنى بين المعارضين على بداهتها واهميتها طوال هذه المدة؟ النوايا والاستعداد والشعور بالأهمية متوفر بكثرة ولكن المفقود في رأيي هو عدم الاهتداء الي سر الهشاشة النوعية للمعارضة الذي يقود الي ضعفها الكمي. الشاهد ان الاختلافات مردها عدم معرفة السبب الحقيقي لفشل الجهود والتضحيات ومن ثم نسبته لأخطاء، وحتى نوايا، الاطراف المعارضة الأخرى مما يتعذر معه العمل المشترك بينها ويصرف الانتباه بعيدا عن إعادة تأسيس العمل المعارض بما يزيل مصدر الاخفاق المزمن ويحقق هدف الالتقاء على الحد الأدنى. صحة هذه الرؤية تعني إن كل ما يترتب على نقيضها في هذه الدراسة الهامة والثرية قابل لنقاش مختلف. اضرب المثال هنا بموضوع النقابات لأهميته بصورة عامة، كأهم أشكال المجتمع المدني فيما يتعلق بالانتفاضات ضد الدكتاتوريات. حتى لو صح ما ورد في الدراسة حول انتفاء علاقة نشوء النقابات بالأحزاب، وهو امر يحتمل النقاش في حد ذاته لان الحزب الشيوعي كان المبادر الاول إن لم يكن الوحيد بالنسبة للنقابات العمالية بالذات، فأن مما لا شك فيه ان صعود العمل النقابي تزامن مع صعود الحركات والتيارات الحديثة اليسارية وشبه اليسارية وهو الوجه الاخر لحقيقة حيوية القوي الاجتماعية الحديثة خلال منتصف اربعينات القرن الماضي وحتى منتصف السبعينيات تقريبا، التي اضحت معدومة الان. وكما هو الحال بالنسبة للمعارضة السياسية فأن اضمحلال وزن النقابات وسهولة وقوعها تحت سيطرة الحكومة، مع استمرار ذلك طوال هذه المدة رغم تصاعد سياساتها اللافقارية الشاملة للعمال وغير العمال، يعود الى اضمحلال وزن قوي التغيير الحقيقي ولا سبيل لاستعادة حيوية العمل النقابي إلا في سياق توجه حاسم نحو إعادة تأسيس استراتيجية المعارضة بما يحقق هذا الهدف. (24 أغسطس 2018) تعليقي على طرح الأستاذ عبد العزيز الصاوي: أبدأ وأشيد بالمستوي المتقدم لطرح الأستاذ الصاوي، فقد ارتفع بالنقاش لمستوي التنظير حول قضايا استراتيجية هامة، رغم انني كنت منشغل تماما بمستوي أقل من ذلك، ومرتبط بالمهام الآنية أمامنا. فشكرا له على تطوير مستوي النقاش واعطائه عمقا وابعادا جديدة. وهذه السمة تنطبق على كل اسهامات الصاوي، وخاصة اجتهاده النظري المتميز حول قضية الديمواستنارة. فمهما اتفقت أو اختلفت معه، ولكنك تحس بالجدية والتدقيق في كتاباته، وهو أمر يفتقده معظم مثقفينا المغرمين بالشفاهية وطق الحنك. أؤكد منذ البداية، جوهر طرحي، فأنا أؤمن بأي نشاط، مهما كان نوعه، يساهم في تصعيد صراع شعبنا مع السلطة الحالية. وهذا، بصريح العبارة وبلا لبس أو مساحيق، يعني كافة اشكال العصيان المدني، الانتفاضة، الانتخابات، المفاوضات السلمية، مناشدة المجتمع الدولي، النضال القانوني، الأنشطة الثقافية المتنوعة، نضال النساء ضد قهرهن، نضال جماهير الهامش، مناهضي السدود، وغيرها من عشرات الاشكال والأساليب النضالية. لا انظر لتلك الاشكال والأساليب في تجريد وإطلاق. انني انظر لها في إطار التحليل المحدد للواقع المحدد في الزمن المحدد. فاذا فرض توازن القوي مفاوضات في إطار مؤتمر دستوري جامع فالف مرحب بها. ونفس التحليل ينطبق على الانتخابات، التي أرى ان نحلل الظروف التي تنعقد فيها، وهل مطلوبات عملية انتخابية حقيقية متوفرة أم لا؟ دعا الاستاذ الصاوي، لإبطال استغلال النظام للمشاركة في الانتخابات لتجميل صورته، ان تغير المعارضة استراتيجيتها المبنية على اسقاط النظام، وان تتبنى استراتيجية بديلة ترتكز، في الوقت الحاضر، على المشاركة في الانتخابات، التي وصفها بالاستراتيجية غير المجربة. ويثير هذا الطرح من الأستاذ الصاوي عدة قضايا وملاحظات: أولها: النظام الحالي وطوال تاريخه لم يلتزم بأي اتفاق، فأهم اتفاق تم معه، وهو اتفاق السلام مع الحركة الشعبية، تعرض لمماحكات ومغالطات، وحتى وزراء الحركة الشعبية لم يملكوا سلطات الوزراء الكاملة في إدارة وزاراتهم، والتهرب من تنفيذ قضايا المنطقتين مما أدى لاندلاع الحرب فيهما. قارن مصير اتفاق السلام الذي تحرسه الحركة الشعبية بجيشها والمجتمع الدولي بضمانه للاتفاق مع انتخابات تشارك فيها أحزاب، متفرقة ومتناحرة، لا تملك جيشا وينظر لها المجتمع الدولي باستهانة، كما يميل توازن القوة لصالح النظام. ثانيها: الأحزاب (مجتمعة أو متفرقة) هي من يخوض الانتخابات. وقد قدم الصاوي شرحا موضوعيا لأسباب ضعف الأحزاب. فكيف بأحزاب ضعيفة ان تدير معركة ضد حزب يملك دولة كاملة، بقضها وقضيضها. وقضية الانتخابات لا تنحصر في التصويت فقط، وانتظار اعلان النتيجة. فقضية الانتخابات تتعلق بالقوانين المنظمة للانتخابات، والجهة المشرفة عليها، والقضاء المستقل الذي يقرر حول الطعون في الأساليب الفاسدة، والثروات التي نهبت وستستغل في الدعاية الانتخابية وكافة اشكال التأثير القانوني وغير القانوني. كما تتعلق بالإعلام ومن يسيطر عليه، ويتحكم في الرأي العام بنشر معلومات تهدف لتضليل الجماهير، وتغبيش وعيها. كما تتعلق بجهاز الدولة ومدى حياده في العملية الانتخابية. وعدة قضايا أخرى لا يسع المجال هنا للخوض فيها. ولكن القضية التي لم يتعرض لها الأستاذ الصاوي كيف نتحصل على انتخابات ديمقراطية من نظام كهذا. ثالثهما: نعم استراتيجية الانتخابات لم تجرب من قبل خلال عهد الإنقاذ، ولكنها جربت من قبل في عهد عبود، حيث شارك الحزب الشيوعي في انتخابات المجلس المركزي في عام 1963. وللحقيقة والتاريخ هو عهد اقل وحشية من الإنقاذ بما لا يقاس، ولم يتملك خلاله حزب كل مقدرات البلاد، ويعتقد ان هذا حق ألهى له، يجب ألا ينازعه فيه منازع. ورغم كل ذلك تم انتزاع المرشح فاروق ابوعيسى والمرشح عبد الله عبيد من منابر الخطابة ومزقت لافتاتهم، خلال حملتهما الانتخابية. وقد أصدر الحزب الشيوعي بيانا شهيرا حول مشاركته في الانتخابات، أوضح فيه استحالة تحول نظام دكتاتوري لنظام ديمقراطي، وأنه يخوض الانتخابات في إطار تعبئة وتنظيم الجماهير، تحضيرا للإضراب السياسي العام. وهذا يوضح فهم الحزب للانتخابات كوسيلة تعبئة وكخطوة في معركة اسقاط الدكتاتورية، وهو ما تم في أكتوبر 1964. رابعا: لقد صدق بروف الطيب زين العابدين حين وصف دعوته للمشاركة في انتخابات 2020: " ان السلطة لا تلتزم بدستور ولا تؤمن بالتداول السلمي للسلطة لكنها مخاطرة محدودة يمكن تحملها ". أعتقد أن هذا وصف صادق لمن يحكمونا، وأهل مكة أدرى بشعابها. نعم اتفق تماما مع الأستاذ الصاوي في ان النظام قد صمد في وجه كل حملات المقاومة وأمام عزلته العالمية. ويؤكد ذلك، حقيقة لا ريب فيها، هي قوة النظام النسبية وضعف المعارضة. القضية الأساسية هي لماذا صمد النظام؟ أعتقد ان النظام صمد منذ يومه الأول عندما تجاهل الشعب ميثاق الدفاع عن الديمقراطية، الذي ينص على الاضراب العام فور حدوث انقلاب. وسبب تجاهل الشعب لسخطه على التجربة الديمقراطية الثالثة، وما تم خلالها من صراعات وضعف وتردد وتراجع واضح عن شعارات الانتفاضة. وقيام الانقلاب بالحل الفوري لكل الأحزاب والنقابات ومصادرة ممتلكاتها مما حول توازن القوة لصالحه. وخلال الأيام الأولى مارس انقلاب الجبهة كل أساليب الخداع ليستمر في السلطة، ثم نظم ما سمي بمؤتمرات الحوار في أكبر عملية تضليل تشهدها بلادنا، وعندما استتب له الأمر، انقلب على أسلوب الخداع، واظهر وجهه الحقيقي، باستخدامه عنف مفرط ضد المعارضين. أما الحديث عن مقاطعة المجتمع الدولي، فليس دقيقا. فقد قاطعه الغرب فقط، ولكنه لجأ للصين وماليزيا الخ، مما يعني انه لم يكن معزولا تماما. (نواصل) عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.