ماذا لو نظرنا الى تجارب دول كثيرة حولنا نجحت في خطوة الانقلاب الاولى وواصلت البناء ، لمجرد الاستلهام فلعل وعسى. في 2017 نجح إئتلاف احزاب المعارضة بجمهورية غامبيا الصغيرة بغرب افريقيا في الفوز بالانتخابات على الدكتاتور يحي جامع الذي رضخ بعد ممانعة ، والآن يحكم غامبيا أداما بارو كرئيس توافقي لأجل مسمى متفق عليه. ومعلوم أن دول غرب افريقيا لم تستقر إلا بعد صراعات دامية على السلطة حتى العقد الماضي : نيجريا وغانا وساحل العاج وليبريا وغيرها تشهد حالياً جميعها تقريباً تداول سلمي على السلطة عبر انتخابات منتظمة ، بل تكتلت في تجمع اقتصادي سياسي ناجح اسمه "إيكواس". وفي زمبابوي شهدنا روبرت موغابي الزعيم الوطني وقد أعمته السلطة فاستبد بها ولم يستفد من تجربة زميله في الكفاح نيلسون مانديلا . وقبل عام واحد تقريباً انقلب عليه جيش زمبابوى وازاحه من السلطة واُجريت فيها انتخابات ولديها الآن رئيس منتخب ، ويجدر ذكر أن الجيش الزمبابوي لم يبق في السلطة غير شهرين تقريباً لاجراء الانتخابات وعاد الى ثكناته. أما التجربة التي ينبغي أن نعيرها اهتمامنا فهي ما تمر به أثيوبيا الآن من مخاض نحو ترسيخ الديمقراطية والادارة المؤسسية. فقد اُبتليت اثيوبيا بالجهوية التي ظلت تهددها بالتمزق وانهكتها بالفساد. الآن يقود رئيس وزرائها ابي أحمد ثورة على الجهوية فتصالح مع جارته ارتريا في خطوة مفاجئة وسريعة ثم تصالح مع زعماء معارضة منبوذين داخل وخارج البلاد، والانباء تقول أنهم عادوا أو بدأوا يعودون لدعم الديمقراطية في بلادهم. كذلك تقود حكومة اثيوبيا حالياً معركة شرسة ضد الفساد فقد اكتشفت أن قيادات في الاجهزة الامنية والجيش ولغوا كثيرا في الفساد المالي واستغلال النفوذ بطرق شتى، منها إثارة نعرات جهوية استهدفت اغتيال رئيس الوزراء ابي احمد في يونيو الماضي. وبدأت الحكومة تكشف المفسدين في الاجهزة الامنية والجيش وتشن عليهم حالياً حملات مطاردة مكشوفة حتى أن بعضهم قبض عليه وهم يحاولون الفرار الى الخارج. خطوات هامة تخوضها اثيوبيا نحو الاصلاح ويجدر بنا في السودان أن نراقبها للافادة من نجاحاتها واخفاقاتها فقد تحتاجها بلادنا مستقبلاً. سأل الصحفيون رئيس الوزراء الاثيوبي عما يجري من ملاحقات للمتنفذين ، فجاء رده مقتضباً " أسألوا النائب العام" في إشارة الى المؤسسية التي تستهدفها اثيوبيا لمستقبلها. ولا بد من الاشارة الى تجربة تونس التي تحاول ترسيخ أسس تداول الحكم سلمياً ، ولكن حتى اليوم وبعد سبع سنوات من ثورتها واقتلاعها النظام الدكتاتوري توجد قوى خفية تعمل بشراسة لاجهاض محاولاتها ترسيخ الديمقراطية ، واصبح هذا معلوماً في الوعي الشعبي التونسي. وآخر الأحداث حولنا هو تقبل رئيس مدغشقر الهزيمة في الانتخابات الرئاسية الاسبوع الاول من ديسمبر الحالي حيث نال أقل من 9% من الاصوات وقال في بيانه معترفاً بهزيمته " يجب عليّ أن احترم رأي الشعب ، وإذا لم أفعل هذا فسوف لن تستقر الامور للشخص الذي يأتي من بعدي". يجري هذا حول السودان وفي دول سبقناها إلى التجربة الديمقراطية وتجاوزناها في السابق في كل مجال تقريباً بقيادة الطليعة السودانية المستنيرة المتعلمة التي كافحت بالرأي والكلمة والقلم ونجحت في سل بلادنا الى بر الاستقلال والى الممارسة الديمقراطية السليمة ، ولكننا لم نصبرعلى نضج التجربة. تلك التجربة التي افسدناها بايدينا وقد ثبت أنها ما تزال الحل الوحيد للتعايش السلمي والنهوض والتنمية والكرامة. ما يجري في السودان مؤسف ومخزي : أن نرى حزب المؤتمر الحاكم ما يزال يتآمرعلى الشعب السوداني بما يسمونه تعديل الدستور لكي يبقى عمر البشير رئيساً لدورات قادمة. فبدلا من التمادي في الاخطاء السياسية، من الافضل أن يعيد الحزب نمط تفكيره السياسي بعد 30 سنة من فشل تجربة حكمهم ، وهم يرون المواطنين يئنون ويستغيثون من هول ما يعيشون من بؤس وشقاء نتيجة لذلك. وعلي الحزب الحاكم أن يعيد نمط تفكيره الايديوجي بعد 30 سنة من الفشل فالانقلاب كان خطأ لا يمكن تبريره فقهياً مهما كانت الغاية. واصبح الولاء للتنظيم الحزبي عقيدة لا يحيدون عنه إفتراء على الدين وتكبراً على الوطن والمواطنين. وعلى الجماعة الاسلامية أن تعيد فتاواها بما يرضي الله ورسوله وليتقوا الله. السودان يذخر بقوى وطنية جديدة متطلعة للاسهام في حكم البلاد. هذه القوى تجدها داخل الاحزاب السودانية التقليدية : في حزب الامة وفي الحزب الوطني الاتحادي والرافضون في النظام الحاكم. وهذه القوى الجديدة تجدها أيضاً في الفصائل المعارضة المسلحة وغير المسلحة وكمستقلين مستنيرين. لذا يمكن القول ببساطة أن حزب المؤتمر الحاكم ببقائة في السلطة ثلاثة عقود عضودة ارتكب جريمة عظمى بحرمان السودان من الانتفاع بعناصر وطنية مؤثرة وفاعلة وجديرة بالانخراط في خدمة الوطن في أهم الميادين هو ميدان السياسة سواء في الحكم أو في المعارضة السلمية الفاعلة. ينبغي أن تكون تجربة الحكم التالية في السودان للكفاءات التقنية ، فهم الاقدر على صهر القوى الوطنية الجديدة في بوتقة الوطن بتوجيهم نحو الممارسة السياسية السليمة التي تضع مصلحة البلاد فوق كل اعتبار داخلياً وخارجياً ، مهما اختلف الفرقاء في توجهاتهم الثقافية. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.