Mahjoub Basha [[email protected]] شدت الانتخابات التي جرت في زمبابوي الأسبوع الماضي ، كما هو متوقع ، الأنظار على المستويين الدولي والإقليمي وقد تناولتها بالتعليق الكثير من كبريات الصحف العالمية مثل النيويورك تايمز والواشنطن بوست ومعظم الصحف البريطانية. ويعود هذا الاهتمام لأهمية زمبابوي الاستراتيجية في الجنوب الأفريقي ، والأحداث التي ظلت تشهدها منذ انتخابات 2002 حيث ظل الرئيس روبرت موغابي موقع اتهام دائم بتزوير إرادة الناخبين. ولعل أبلغ وصف لهذه الانتخابات هو ما أوردته صحيفة "زمبابوي أندبندنت" في عددها الصادر في الثاني من شهر أغسطس الحالي ، وهو الوصف الذي اخترناه عنواناً لمقالنا هذا. ومع أن الوصف يحمل شيئاً من التضارب في المعاني إلا أنه ينطبق على ما حدث في زمبابوي خلال الأيام التي جرت فيها الانتخابات العامة ، والأشهر التي سبقت قيامها. ويعود ذلك إلى أن الحكومات الافريقية ومن بينها بالطبع حكومة زمبابوي تمرست عبر تجربتها الطويلة في ابتداع الوسائل والأساليب التي تجعلها تتحكم في نتائج الانتخابات دون أن تخرق قواعد اللعبة ، لدرجة أن صحيفة مثل الواشنطن بوست تشير في مقال افتتاحي إلى أن الأنظمة المتسلطة في مختلف أنحاء العالم ربما وقعت على دليل لتزوير الانتخابات يمكنها من تحقيق أغراضها دون أن تلفت انتباه الرأي العام العالمي. ونجد أن التقارير التي تصدرها لجان المراقبة الافريقية وغيرها تؤكد عادة أن الحكومات قد اتبعت كل شكليات الانتخابات الديمقراطية مما يجعل من الصعب على المراقبين أن يصفوها بعدم الحرية ، غير أن بسط عدالة التنافس بين الأحزاب السياسية وتوفير الجو العام الذي يسمح للناخبين بالاختيار الحر أمر آخر يتطلب أن تكون الحريات وعدم التضييق على الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني ممارسة يومية في البلاد قبل وبعد الانتخابات. لم تكن الانتخابات الأخيرة في زمبابوي كسابقاتها فقد أثار تقدم الرئيس موغابي في السن (89 عاماً) الكثير من الشكوك حول مقدرته الذهنية والجسدية في إكمال فترته الرئاسية الخامسة بصورة مقنعة. حاول حزب المعارضة الرئيس المسمى بالحركة من أجل التحول الديمقراطي استغلال هذا العامل لإقناع الناخبين بالتصويت لرئيسه ورئيس الوزراء مورغان تشانغيراي الذي يعتبر أكثر شباباً وحيوية ، غير أن مشاركة تشانغيراي في حكومة الوحدة الوطنية منذ عام 2009 أثرت سلباً على موقفه بسبب فشله في تنفيذ البرامج الاصلاحية التي كان يبشر بها خلال الحملة الانتخابية في عام 2008 وقد اتهمه البعض بالانجراف وراء ملذات السلطة ناسياً قضايا المواطن الحقيقية. كان التنافس بين الرئيس ورئيس وزراءه والممتد على مدى أكثر من عقد من الزمان قد ساهم بصورة كبيرة في التركيز على شخصيتي الرجلين وساهم في طمس القضايا الحقيقية التي كان من الواجب أن تستأثر باهتمام الناخبين مثل الوضع الاقتصادي والحريات العامة. ومن الواضح أن شخصية الرئيس موغابي التي يبدو أنها لا زالت تحتفظ بجانب من الرونق الذي اكتسبته خلال سنوات النضال ضد حكم الأقلية البيضاء ، والاستراتيجية المحكمة التي اتبعها حزبه يعتبران سبباً إضافياً وراء هذا الفوز الكبير. جاءت التصريحات الأولية حول الانتخابات لتلقي بالكثير من ظلال الشك حول نزاهتها ، فقد أشار الرئيس النيجيري السابق أوليسغون أوباسانجو رئيس بعثة الاتحاد الأفريقي لمراقبة الانتخابات أنها كانت حرة ونزيهة في مرحلة الحملة الانتخابية ، إلا أن هناك الكثير من التجاوزات التي كان بالإمكان تفاديها خلال مرحلة التصويت. أما بعثة مجموعة التنمية لجنوب أفريقيا "ساداك" التي حشدت أكثر من خمسمائة وخمسين مراقباً فقد أشارت في تقريرها الأولي أن الانتخابات كانت حرة وسلمية غير أنها استدركت بقولها أنه من المبكر الحكم بنزاهتها. وكما هو متوقع فقد أبدت الدول الغربية عن قلقها البالغ بشأن المخالفات العديدة التي رافقت الانتخابات في مراحلها المختلفة ، فقد صرح وزير الخارجية الأمريكي بان نتائج الانتخابات لا تعبر عن الرغبة الحقيقية للشعب في زمبابوي. أما وزير الخارجية البريطاني فقد أعرب عن قلقه البالغ بشأن نتائج الانتخابات وما رافق العملية من تجاوزات ، في حين أشارت المسئولة عن السياسة الخارجية في الاتحاد الأوربي للكثير من المخالفات مؤكدة أن الاتحاد سيظل في تشاور مع حلفائه لتحديده موقفه النهائي. ويكتسب موقف الاتحاد الاوربي أهمية خاصة إذ أنه يرتبط برفع العقوبات الاقتصادية التي يفرضها الاتحاد على حكومة زمبابوي أو الإبقاء عليها. تشير معظم التقارير الرسمية الصادرة عن اللجان الأجنبية والمحلية التي قامت بمراقبة الانتخابات إلى عدد من التجاوزات خلال الحملة الانتخابية وخلال عملية التصويت. فبالرغم من أن معظم هذه التقارير أشارت إلى الجو السلمي والحر الذي جرت فيه عملية التصويت مقارنة بما تم في الانتخابات العامة بالبلاد في عام 2008 ، فإن معظمها أشار لعدد من التجاوزات على النحو التالي: - عدم صدور قوائم الناخبين إلا قبل يومين فقط من بداية الاقتراع مما جعل من الصعب على الناخبين مراجعة أسمائهم والمعلومات الخاصة بهم. وقد نتج عن ذلك حرمان الكثيرين من الإدلاء بأصواتهم خاصة في المناطق الحضرية حيث تحظى المعارضة بدعم جماهيري واضح. وتقول مصادر المعارضة أن أكثر من مليون ناخب لم يتمكنوا من الإدلاء بأصواتهم وهو العدد الذي لم تؤكده حتى الآن تقارير المراقبين ، والذي إن صح كان سيعدل كثيراً في نتيجة الانتخابات. وقد اعترفت لجنة الانتخابات بأن ما يزيد قليلاً عن ثلاثمائة ألف ناخب لم يتمكنوا من الإدلاء بأصواتهم لأسباب فنية وكان معظمهم في المناطق الحضرية. - تكرار العديد من أسماء الناخبين وطباعة كميات تفوق المعدل المعمول به عالمياً من أوراق الاقتراع مما يثير الشكوك بشأن تصويت بعض الناخبين لأكثر من مرة أوحشو الصناديق باوراق الاقتراع الوهمية. لم تؤكد تقارير المراقبين وقوع حالات بعينها. - أوردت صحيفة "زمبابوي اندبندنت" أن الرئيس موغابي التقي قبل بداية الاقتراع بالسيد عمانويل عنتيبي مدير شركة نيكوف للمشاريع الدولية ومعاونيه ، وهي شركة إسرائيلية تعمل في مجال إدارة الانتخابات. وتقول الصحيفة ان الشركة سبق أن واجهت تهماً بتزوير الانتخابات في زامبيا وهي متخصصة في عدد من الأنشطة الانتخابية مثل إعداد قوائم الناخبين ، وتصميم استمارات الاقتراع ، وتحديد الدوائر الانتخابية. من جانبها ، أوردت إذاعة "راديو أفريقيا" من لندن نبأ عن استقالة أحد أعضاء مفوضية الانتخابات في زمبابوي احتجاجاُ على المخالفات الواسعة التي شهدتها العملية الانتخابية. يعتبر البيان الصادر عن حكومة بوتسوانا اقوى ردود الفعل حول نتائج الانتخابات في زمبابوي حتى الآن حيث اشار إلى أنه في الوقت الذي تميزت فيه عملية إدلاء الناخبين بأصواتهم بالهدوء والحرية ، فإن الكثير من الأحداث والملابسات التي وقعت خلال الحملة الانتخابية تلقي بظلالها على حقيقة حرية ونزاهة العملية الانتخابية برمتها. ودعا البيان إلى مراجعة العملية الانتخابية في زمبابوي بواسطة جهة محايدة للاطمئنان بأن موجهات مجموعة جنوب أفريقيا للتنمية "ساداك" حول حرية ونزاهة الانتخابات في الدول الأعضاء قد اتبعت في انتخابات زمبابوي الحالية ، ولضمان عدم تكرار عملية تزوير الانتخابات في أيٍ من دول المجموعة مستقبلاً. وذهبت حكومة بتسوانا لأبعد من ذلك عندما طالبت بطرح موضوع تزوير الانتخابات في زمبابوي على قمة للمجموعة من المتوقع أن تعقد في ملاوي خلال الشهر القادم. جاءت ردود الفعل الأولية على بيان حكومة بتسوانا من جانب الصحف الموالية للرئيس موغابي وحزبه ، وقد تميزت بعض المقالات التي حملتها هذه الصحف بالانتقاد الشديد والشخصي لرئيس بوتسوانا الذي اتهمته الصحف بالتدخل في شئون البلاد الداخلية وممالأة زعيم المعارضة مورغان شانغيراي وحزبه. ومع أن حكومة زمبابوي نفسها لم يصدر عنها أي رد فعل على بيان حكومة بوتسوانا في الوقت الحاضر ، فإن المتوقع هو أن تقود هذه التطورات لتوتر في العلاقات بين البلدين ، كما أن الاقتراح بطرح الأمر على القمة القادمة للمجموعة قد يثير بعض الخلاف بين الدول الأعضاء خاصة وأن دولة في حجم جنوب أفريقيا تبدي حتى الآن رضاءها عما جرى في زمبابوي كما تشير لذلك برقية التهنئة التي بعث بها الرئيس جيكوب زوما للرئيس موغابي والتي رأى فيها البعض داخل جنوب أفريقيا نفسها استعجالاً للنتائج وكانت سبباً في الهجوم على الرئيس زوما من جانب بعض الجهات في بلاده. لم يكتف الرئيس زوما بتهنئة موغابي بل طالب زعيم المعارضة بإبراز الأسانيد القانونية التي تؤيد دعواه بتزوير الانتخابات. من جهة اخرى ، شهدت حادثة لقاء الرئيس موغابي برئيس الشركة الاسرائيلية نيكوف للمشاريع الدولية تطورات مثيرة. كان الناطق باسم الرئيس موغابي نفى أي لقاء للرئيس بموظفي الشركة المذكورة ، قائلاً أن الرئيس قد التقى في الحقيقة بوفد من شركة "غروب فايڤ" التي تعمل في مجال الطرق السريعة وتتعاقد مع حكومة زمبابوي لإعادة تأهيل الطرق السريعة بالبلاد. غير أن الشركة نفت من مقر رئلستها بجنوب أفريقيا أي لقاء لموظفيها بالرئيس موغابي مما ألقى بظلال من الشك على تصريحات الناطق باسم الرئيس. وتقول صحيفة "زمبابوي اندبندنت" أن التضارب في المعلومات يؤكد الخبر الذي نشرته عن اللقاء وتواطؤ الشركة الاسرائيلية في تزوير الانتخابات في زمبابوي وترى الصحيفة أن دور الشركة قد يتضح بصورة جلية في الأيام أو الأسابيع القادمة. لا يتوقع المراقبون نجاح مساعي رئيس الوزراء شانغيراي من أجل استصدار حكم قضائي بإعادة الانتخابات ، وحتى في تلك الحالة فإن الكثيرين يرون أن الاستراتيجية التي اتبعتها الحركة من أجل التحول الديمقراطي ما كانت ستقود لنتائج أفضل من تلك التي أعلن عنها. من ناحية أخرى ، وبالنظر لتقدم الرئيس موغابي في السن فإن قليلين يرون أنه سيتمكن من إكمال فترة رئاسته الحالية ، ويقولون بأن الصراع من أجل خلافة الرئيس قد بدأ فعلاً داخل الحزب الحاكم مما يعني أن زمبابوي قد تكون مقدمة على فترة من عدم الاستقرار السياسي. وإذا ما أخذنا في الاعتبار العلاقات المتوترة مع الدول الغربية وانعكاس ذلك على الوضع الاقتصادي فإن تدهوراً في الأوضاع المعيشية قد يزيد من معاناة المواطنين. غير أن بعض المراقبين لا يتفقون مع هذه الصورة القاتمة لمستقبل زمبابوي ، ويرى بعضهم أنه في ظل التكالب الصيني نحو القارة الأفريقية فإن العلاقات الزمبابوية الغربية قد تشهد استقراراً. بل يذهبون للقول بأنهم يتوقعون انفراجاً في علاقات زمبابوي بالدول الغربية بحلول نهاية العام الحالي ، بالرغم من الانتقادات الواسعة للانتخابات على المستويين الرسمي والشعبي في هذه الدول.