في منتصف التسعينات والتجمع الوطني الديمقراطي في أوجه بعد الاتفاق على مواثيق أسمرا التي يجمع غالبية السودانيين على أنها تمثل حلاً لمشاكل السودان، خرج علينا السيد الصادق "بمسرحية تهتدون" حيث صل إلى أسمرا وفي معيته مجموعة من أنصاره المسلحين في ثماني عربات قاطعين الاف الأميال دون أن تكتشفهم أعين الأمن وآذانه المنتشرة في كل مكان كما حاول ايهامنا. اتصل بي وقتها مراسل صحيفة الفجر المعارضة التي كانت تصدر من لندن سائلاً رأيي ضمن استطلاع لرأي قيادات العمل المعارض وقد أجمع كل الإخوة المشاركين في الاستطلاع على أن خروج السيد الصادق سيعطي دفعةً قويةً للعمل المعارض. وكان رأيي استثناءً، فقد قلت وبكل صراحة ووضوح أن السيد الصادق إنما خرج من السودان لأنه تيقن من خطورة اتفاق القوى السياسية على مواثيق أسمرا التي تعني نهاية المشروع الإسلاموي في السودان وربما إلى الأبد، وأن خروجه تم بتنسيق تام مع النظام. وقلت بأن خروجه سيكون خصماً على العمل المعارض وربما يؤدي إلى شق صف المعارضة. وكما يقول الفرنجة The rest is history فسرعان ما شدَّ السيد الصادق الرحال إلى جنيف للقاء حسن الترابي من وراء ظهر التجمع، وعندما رجع إلى القاهرة رفض رفضاً قاطعاً الإدلاء بأي معلومات عما دار في الاجتماع، ثم شدَّ الرحال إلى جيبوتي حيث عقد اتفاقاً ثنائياٍ مع النظام قال عنه أنه جاء ليصطاد أرنباً فاصطاد أسداً وأخرج بموجبه حزب الأمة من التجمع محققاً للنظام ما كان يسعى إليه ورجع إلى السودان. وظل السيد الصادق يردد منذ مجيْ النظام وبإصرار بعد رجوعه من جيبوتي بأنه ضد فكرة إسقاط النظام، وأنه إنما يسعى إلى تغيير يحافظ على الدولة الدينية مع بعض التغييرات الشكلية. لم تكن هذه المرة الأولى التي يتسبب فيها السيد الصادق في شق العمل الجبهوي بخروجه على ما تجمع عليه غالبية القوى السياسية ونذكر كامثلة سنتعرض لتفاصيلها في مقال قادم: 1- وقوفه مع الترابي وافشالهم لمؤتمر المائدة المستديرة بالإصرار على فكرة الدستور الإسلامي. 2- خيانته لإخوانه في الجبهة الوطنية التي كانت تعارض ديكتاتورية نميرى وعقده لاجتماع بورتسودان مع النميري الذي لم يناقش فيه النقاط التي اتفق مع فصائل الجبهة الوطنية على مناقشتها، مكتفيا بالحديث عن رضاه بتوجهات النميري الإسلامية، ومطالباته بتعويضات عن الممتلكات التي صادرها نظام نميري، وعاد الى السودان تاركا شباب الأنصار في المعسكرات في ليبيا. 3- وقوفه ضد اتفاقية الميرغني - قرنق ثم ممارسته للتسويف والمماطلة بعد موافقته عليها وذلك رغم إجماع كل القوى السياسية والنقابات على ميثاق السلام وتشكيل الحكومة القومية التي وضعت مشروع قانون لإلغاء قوانين سبتمبر تمهيداً لإرسال وفد لعقد محادثات مع الحركة الشعبية في شهر سبتمبر لمناقشة عقد المؤتمر الدستوري. وكان من المفترض أن تعقد الجمعية التأسيسية اجتماعاً في 1 يوليو لإجازة مشروع القانون إلا أن الجبهة الإسلامية نفذت انقلابها فجر ذلك اليوم لقطع الطريق على عملية السلام التي انطلقت بموافقة كل القوى السياسية والجيش والشارع باستثناء الجبهة الإسلامية التي رفضت التوقيع على الاتفاق. 4- انضمامه للإجماع الوطني واشتراطه قبول الترابي في التحالف ثم إضاعة وقت التحالف في مناقشة المرجعية الإسلامية بدلاً من تعبئة الشارع وتفعيل العمل الجماهيري ثم خروجه هو والترابي. 5- انضمامه للجبهة الثورية وتشكيل ما يسمى بنداء السودان الذي تناسى الجماهير تماماً وركز على فكرة الهبوط الناعم للنظام وكان من نتائج ذلك تخلي بعض قيادات الحركة عن ما اتفقت عليه فصائل الجبهة الثورية "كاودا" و"الفجر الجديد" ثم عقدهم اتفاقاً مع النظام في أديس أبابا الأمر الذي رفضه عبد العزيز الحلو وإعلانه فصل تلك القيادات. لقد ظل السيد الصادق منذ اليوم الأول لانقلاب الجبهة الإسلامية رافضا لفكرة إسقاط النظام، ووقف حجرعثرة أمام كل المحاولات الساعية لإسقاط النظام، وفي بعض الأحيان كان أفضل سفير للنظام. وعند بداية الثورة صرح الصادق بأنها مثل "دخان المرقة" ولم يؤيدها ظاناً أنها حراك محدود وحدث سياسي عارض سيقوم زملاء ابنه في جهاز الأمن بإخماده كما فعلوا في سبتمبر 2013 بقتل 200-300 من الشباب ويتم إخمادها ليعود سيادته إلى باريس بعد ذلك لمواصلة الحوار لتحقيق الهبوط الناعم للنظام. ولكن عندما عمّت الاحتجاجات مدن وقرى السودان انضم اليها، وكالعادة بدأ الحديث عن ضرورة قيادته لها وأعلن عن الشروع في كتابة ميثاق جديد سماه "وثيقة الخلاص الوطني" وفي رأينا أن السيد الصادق إنما يسعى إلى استخدام الثورة كورقة ضغط في سعيه لتحقيق الهبوط الناعم. نحن لا ندعو لإقصاء السيد الصادق أو غيره ولكننا نضع أمام الإخوة في تجمع المهنيين بعض الأمثلة من تاريخ الرجل في خيانة العهود، وأتمنى أن يقوم الإخوة الذين شاركوا في العمل المعارض بالإدلاء بإفاداتهم عن القيادات التي نراها تلهث وتسعى للحاق بالثورة في محاولة ِ لاستثمارها في التسويات التي لن يقبل بها الشارع، فبعد تنامي المد الثوري واستشهاد العشرات لن يقبل الشعب السوداني بغير إسقاط النظام وإحداث تغيير حقيقي يعيد الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية ويحقق السلام في سودان جديد يتساوى فيه الجميع دون اعتبار للدين أو العرق أو الثقافة أو الجنس أو الموقع الجغرافي. أحد الظرفاء قال لي "لا مانع لدينا من ركوب الصادق المهدي بص الثورة ولكن بعيداً عن الدر كسون لأنه ما بشوف وما بعرف يسوق وجربناه مرتين قلب البص" في الختام أود أن أقول أننا لسنا أوصياء على الشباب في قيادة تجمع المهنين الذين فجروا الثورة ونجحوا فيما فشلت فيه كل القيادات السياسية بيمينها ويسارها وحركاتها المسلحة من تعبئة للجماهير وحثها على الخروج للشارع، لكنها كلمة حق أردنا أن نساهم بها لتذكير الآخرين، فالذكري تنفع المؤمنين. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.