فتاة صغيرة السن (كبيرة العقل) من الجيل الجديد الذي نهض ليغيّر حال وطنه ويحمل تباشير (الجديد) كما قال الشاعر الراحل الوسيم علي عبد القيوم (أي الأناشيد السماويات لم نشدد لأعراس (الجديد) بشاشة أوتارها؟).. قالت لابد بعد إعادة الوطن إلى الحرية والرشد والانطلاق نحو إعادة تأسيسه على طريق الرفعة والتقدم أن نلتف جميعاً حول (مشروع قومي) من أجل نماء الوطن وخير المجموع، وضربت مثالاً بإعادة الحياة للسكة حديد..وقد أصابت..! فأنت حين تنظر إلى السودان البلد الشاسع بموارده الغنية وتنوّع أقاليمه وبيئاته وسبل كسب العيش فيه، واختلاف ثرواته وثمراته، تجد أن السكة حديد هي المشروع الذي يعيد الحياة للسودان وينتشله من وهدة الركود والجمود والخمود والهمود.. فجانب الضرورة و(الجدوى الاقتصادية) الناشئة من تباعد مناطق الإنتاج عن مواطن الاستهلاك ومنافذ التصدير، والحاجة لتبادل خيرات الوطن بين أهله.. تظل السكة حديد أيضاً (مصهر الوحدة الوطنية) وبوتقة التفاعل والتلاقح القومي في وطن شاسع يتميّز بتنوعه البيئي والجغرافي الفريد.! لقد كانت السكة حديد تنهض بدور عظيم.. وعلاوة على وظيفتها الاقتصادية والمعيشية كان هناك (بركاتها المُصاحبة) المتمثلة في أنها الشريان الواشج بين المجموعات السكانية والوريد الحيوي الذي يماثل (حبل الوتين)..كما تختص بميزة (النقل الرخيص) الذي تتكفّل الدولة بضبط تسعيرته للفقير والعاني، حتى لا يكون النقل والانتقال وقفاً على القادرين.. وهي فوق ذلك لها مزيّة (المؤسسة التشغيلية الكبرى) التي تستوعب عشرات ومئات الآلاف من العاملين ليس في الوظائف المتصلة بالقطارات وحدها..من عطشجية ومحولجية ومهندسين وسائقين ومفتشين ومسيّرين و(تذكرجية) ومحاسبين وعمال دريسة وخدمات تغذية..الخ ولكن أيضاً بالقوة العاملة في الورش ومجالات الصيانة والإبداع والابتكار المهني من أجيال الصنايعية من ميكانيكيين وبرادين وحدادين ولحّامين وسمكرجية وصانعي فلنكات وقضبان وروابط وبواكم..وهلمجرا السكة حديد هي الناقل الأكبر والأضخم والأسرع والأرخص والأكثر أماناً واستمراراً من النقل البري محدود السعة والأغلى والأكثر عُرضة للتعويق والحوادث والكوارث.. كما أنها الجسر الرابط والعابر بين المحافظات والمحليات والحواجز اللامركزية باعتبار إن القطار هو الجسم القومي والرمز الوطني الذي يتسامى على كل الحواجز والسدود المصطنعة والطبيعية.. هو قطار السودان لا قطار (زعيط ومعيط) فيما نسمع ونرى..! التدمير المُمنهج (والناجح) الذي حدث للسكة حديد لم يكن من (باب الصدفة)! بل كان ضربة البداية لتمزيق نسيج السودان وتقطيع أوصاله.. والمؤسف أن تدمير السكة حديد (فوق هذه القصد الخبيث) كان أيضاً بسبب التمكين ولمنفعة أفراد يرون أن مصلحتهم في تسيير أساطيلهم البرية المسروقة أولى من السودان وأهله... لا بارك الله في قروشهم و(كروشهم)..! السكة حديد هي إحدى الجبهات والمشروعات التي ينبغي الالتفات إليها (من قولة تيت)..بعد الخلاص من الغيلان والسعالي.. فعندما تدور القطارات بين كل أنحاء السودان، تدور عجلة الإنتاج تلقائياً وبالدفع الذاتي.. فالسكة حديد هي روح السودان الكبير الواسع الذي تكسد وتتلف بعض سلعه وثمراته ومحاصيله في مكان وجودها في حين تحتاجها أمكنة أخرى.. والعكس صحيح ..وهي التي تستطيع تجاوز معادلة (الندرة والوفرة) وإعادة الجدوى للمنتجات بتقليل التكلفة ومعالجة الصادر والوارد ...مرحى بهذه الالتفاتة الشبابية.. والله على المُفتري! عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.