خلال الأزمات السياسية الطاحنة التى تنشأ فى بعض المجتمعات السياسية التى تنتهج نهجا ديمقراطيا برلمانيا عادة ما يصدر قرار بحل الحكومة لأجل قيام إنتخابات برلمانية مبكرة ويتم اللجوء فيها حتى قيام الإنتخابات إلى تكوين ما يسمى بحكومة التكنوقراط .... يعنى حكومة طوارىء وتسيير أعمال بوزراء أكاديميين (غير منتمين إلى الأحزاب السياسية) لكنهم منتمين بتخصصاتهم إلى الحقائب المطلوب منهم إدارتها..... وقد تميزت معظم تجارب حكومات التكنوقراط بتحقيق نجاحات نسبية يعتقد المواطن البسيط أنها مقبولة لخلوها من وجع الرأس السياسى ولأن بوصلة هذه الحكومات عادة ما تكون موجهة نحو هموم المواطن المعاشية اليومية..... لا غير. وعلى النقيض من ذلك تماما درجت حكومات الولاء السياسى والطائفى فى أوقات الصفاء السياسى المؤقت على إختيارالمسئولين من وزراء وولاة من السياسيين حملة الماجستير والدكتوراة ويتم وضعهم فى الحقائب التى لا تمت لتخصصاتهم الأكاديمية بصلة فتصبح المعادلة هى وجه من أوجه الإستغلال السالب لقدرات التكنوقراط .... مثال ذلك أن يكون وزير النقل والمواصلات طبيبا لا يحمل فى جعبته شيئا عن النقل سوى القليل جدا من المعلومات التى ربما لا تزيد عن الكيفية التى يتم بها نقل المريض من غرفتة إلى غرفة العمليات وبالعكس ..... ولا عن المواصلات غير ذكريات البص الذى كان يستقله من البيت للوصول للجامعة خلال سنوات الدراسة ...... وهكذا يقوم السيد وكيل الوزارة مشكورا بقيادة العمل الفنى والإدارى بالوزارة ويتفرغ السيد الوزير كذلك مشكورا لقيادة العمل السياسى بالحزب ...... نموذج آخر يبدو نوعا ما منطقيا أكثر من غيره وهو أن يكون المسئول وزيرا أم واليا تكنوقراط سياسي يجمع بين السياسة والقدرات المهنية والإدارية العالية وينتمى فى تخصصه إلى الحقيبة التى يتولاها وتصبح النتيجة هى إتزان فى الأداء .... فهم لمتطلبات المسئولية يقابله فهم عميق للسياسة بأبعادها الثلاثية ...... هنا أرجوأن أعبر عن احترامى وتقديرى لكل من تم ترشيحه لمنصب والى ولاية الخرطوم .... وأرجو ألايعتبرهذا المقال بمثابة دعاية إنتخابية لأحد المتنافسين فيها بقدر ما هو كلمة حق فى شأن من أرى أنه استحق أن يكتب عنه ......وبما أننى قد قرأت مثل غيرى من الناس من خلال هذه الجريدة الإلكترونية الرائعة عن خبر ترشيح الدكتور محمد يعقوب شداد لولاية الخرطوم عن الحزب الوطنى الإتحادى لا أعلم فى هذه اللحظة إن كان قد أكمل مطلوبات ترشيحه وواصل السير فى هذا الإتجاه أم لا.....لكنى سوف أفترض أن ترشيحه قد تم وأواصل حديثى فى هذا السياق.... كلية الهندسة بجامعة الخرطوم ... تحديدا فى السبعينات من القرن الماضى .... كانت هى المضمار الذى اجتمعنا فيه ....كان شداد وقتها هو الشاب اليافع الذى تملأ دواخله ثورة عارمة لإنجاز كل ما هو جديد ....كان يميل إلى التميز فى كل عمل يقوم به ...صغيرا كان أم كبيرا .... حتى أننا ظننا حينها أن شداد بصفاته تلك سوف يدفعنا دفعا إلى مجاراته وربما نلهث وينقطع نفسنا دون أن ننجح فى ذلك ..... لكننا نجحنا فى مجاراته حتى توج كفاحنا وتخرجنا جميعا فى منتصف السبعينات وتم إختيار شداد وشخصى والباشمهندس حسين كنانى رمز كردفان الحب والعطاء معيدين فى كلية الهندسة والولوج إلى العالم الأكاديمى من أوسع أبوابه ...... وكعادة شداد فى المضى والإصرار لتحقيق أهدافه مهما كانت صعوبتها تجاوز كل الصعوبات وحصل على درجتى الماجستير والدكتوراة بينما اختار رفيق الدرب حسين كنانى واخترت أنا السباحة فى مجال الهندسة الرحيب برا وبحرا وجوا فى أرض الله الواسعة .....والآن فقط وبعد عمر مديد والحمد لله صرت أنا على مشارف ما وصل إليه الدكتور شداد فى شبابه من درجة علمية .... إنه العزم والإصرار المتوفران عند الدكتور شداد .... الدكتور شداد أخذ عهدا على نفسه منذ عقد من الزمان أن يبذل كل ما يملك من جهد لنقل شعبة الهندسة المعمارية التابعة لكلية الهندسة بجامعة الخرطوم آنذاك إلى كلية هندسة العمارة بجامعة الخرطوم اليوم .....ظل يصارع ويصارع حتى تحقق ذلك الأمل ... بل صار أول عميد لكلية هندسة العمارة فى تأريخ جامعة الخرطوم ..... إنه العزم .... إنه الإصرار وهما بلا شك متوفران عند الدكتور شداد ... سادتى ..... إن كان الإنتخاب لإختيار والى ولاية الخرطوم أساسه الولاء الحزبى فقط دون أى حسابات أخرى فمن المؤكد أن الوالى القادم ليس هو الدكتور شداد ... أما إن كان الإنتخاب مبنيا على الكفاءة والقدرة على الإنجاز يعنى تكنوقراط مع نسبة محسوبة من السياسة فهو قطعا محمد يعقوب شداد ...... لن أكون مبالغا فى حديثى لو قلت أننى أرى فى خرطوم الدكتور شداد نيويورك السودان القادمة .... أرى فيها المبانى الشاهقة المدروسة بعناية ........... أرى فيها المناطق الخضراء الممتدة بحصافة ...... أرى فيها الشوارع المخططة بعناية .... أرى فيها البعد الإستراتيجى لمائة عام قادمة .... أرى فيها التوزيع المتقن والتصميم السليم لمرور السيارات العامة والخاصة وكل ما يتعلق بها من أحدث النظريات فى مجال تخطيط المدن .... قد يسأل سائل ... ولم هذا كله ...... فالأمر لا يحتاج إلى أكثر من وال يحمل فى طياته الولاء الحزبى والانتماء السياسى ويكمل ما تبقى من مسئوليات مستشارون فى الهندسة والصحة والتعليم وعلى أعلى المستويات ...... السؤال مشروع وأنا لا أملك له من إجابة سوى أن المسنشارين بمختلف تخصصاتهم سوف لن يبخلوا على واليهم بالغالى والنفيس من الرأى السديد والعلم الوفير ....لكنهم لا يملكون أن يمدوه بالإبداع الذى لا تحده حدود ........ لا يملكون أن يمدوه بالفكر الذى يسلب الخيال .... ولا يملكون أولا وأخيراالأدوات التى تمكنهم من الإبحار معه فى فضاءات الإنطلاق الرحيبة..... أنا أقول وبكل ثقة أن واليا يحمل تلك المواصفات والقدرات المتميزة ..... واليا لا يستغنى عن آراء مستشاريه بل يضع عليها بصمته المتميزة ..... يستطيع أن يصنع نيويورك السودان دون أدنى شك .... فى الإتجاه الآخر .....علينا أن ندرك جيدا أن المؤتمر الوطنى لم يأت بالدكتور عبدالرحمن الخضر إعتباطا ....فالرجل يحمل قدرات يصعب علينا التقليل من شأنها .... الرجل قد جيىء به فى مرحلة بالغة الحساسية للمؤتمر الوطنى وفى توقيت أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه بالغ الدقة ..... جيىء به عندما بدأ الناس فى الحديث عن أمور لو استفحلت لوصل الحال إلى مآلات يصعب التنبؤ بها .... إستطاع الخضر باستجابته العالية .... وإحساسه العالى بنبض الجماهير أن يحتوى معظم إن لم يكن كل المشاكل التى طرأت وكانت تمثل هاجسا يوميا للجماهير .... إنقطاعات مستمرة فى إمدادات المياه والكهرباء ..... تردى فى مستوى البيئة .... مشاكل جمة فى الصحة والتعليم .... واستطاع بحصافته إحتواءها والتخطيط لإقتلاعها من جذورها ..... أنا بصريح القول أعتبره رجل إطفاء الحرائق دون منازع ......... ويبقى السؤال الأول قائما .... إلى متى سوف يظل محمد أحمد فى انتظار من يطفىء له حرائقه ....؟؟؟ ألم يحن الوقت كى نحلم بما هو أكثر من إطفاء الحرائق .......ألم يحن الوقت كى نحقق نيويورك السودان وهو حلم مشروع خال من الحرائق .... نعم قد يكون ذلك صعب المنال .... لكنه ليس مستحيلا ..... أما السؤال الثانى فهو هل حلم نيويورك السودان هو حلمى أنا فقط أم هو حلم غالبية أهل السودان .... ربما يخالفنى البعض تماما ..... ربما يرى البعض أن حلم غالبية اهل السودان ليس هو نيويورك .... بل هو الخرطوم .... حاضرة السودان الفاضلة....عمارة متميزة بارتفاعات موزونة تناسب ذوق محمد أحمد ... بيئة صحيحة يبقى فيها محمد أحمد أكثر قدرة على الصمود أمام الأوبئة والمشاكل الصحية القادمة إليه من الخارج ... خدمات مياه وكهرباء يتم احتواء قطوعاتها خلال الساعة .... وتعليم يستطيع من خلاله ابناء محمد أحمد من استعادة جزء يسير من أيام التعليم الناصعة التى كان يضرب فيها المثل بالتعليم فى السودان ومستوى اللغة الإنجليزية المتميز لدى ابنائه .... نيويورك السودان سادتى ...... هى فكرة الطموح الذى لا تحده حدود ..... والخرطوم الفاضلة هى فكرة الرضا والقبول بعاصمة القيم والموروث الفخيم والخدمات الموزونة ..... فأى خرطوم نريد .... نيويورك السودان أم حاضرة السودان الفاضلة .... سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك ...... اللهم الهمنا الصواب.