تقع على عاتق محافظ بنك السودان المركزي مسؤولية كبيرة ومهام جسام، وآمال عريضة؛ بسبب التركة المثقلة من الفشل الاقتصادي والسياسي، والسياسات النقدية الفاشلة؛ وهى مهمة يكون النجاح فيها مستحيلاً في ظل عدم استقلالية البنك المركزي والتدهور الاقتصادي وتبعاته والحصار المالي والمصرفي، وتدهور الجهاز المصرفي وانهيار الثقة فيه. واذا نظرنا الى مهام البنك المركزي لم يتحقق نجاح فيها؛ فاذا أخذنا سعر الصرف نجد ان الجنيه في اضعف حالاته فهو لا يمثل قوة شرائية متأثراً بحجم الاقتصاد ومركزنا التجاري وحجم الاحتياطيات وهي عوامل تشكل مؤشراً في تحديد سعر صرف الجنيه والذى لم يترك للعرض والطلب بسبب ضعف اقتصادنا، وتخبطنا في النظم التي تدير اسعار الصرف ولم ننجح في أي واحد منها فأين الخلل ؟ في ظل وجود حصار مصرفي ومالي على مصارفنا. ان الفشل في ادارة سعر الصرف تعنى فشلاً في ربط اقتصادنا بالاقتصاد العالمي حيث يمثل سعر الصرف حلقة وصل مهمة باقتصاد العالم من خلال اسواق السلع والخدمات واسوق الاصول المالية واسواق العمل؛ فاذا انخفض الجنيه اصبحت السلع المستوردة اقل قدرة من المنافسة في اسواقنا وربنا تخرج من السوق، وتتأثر السلع المحلية وتصبح غير قادرة على المنافسة في الاسواق الخارجية؛ اما اسواق الاصول المالية سواءً المحلية والاجنبية يتجه فيها المستثمر الى الارباح الاعلى والمخاطر الاقل، واذا زادت هذه المخاطر بسبب سعر الصرف سوف يخرج المستثمر من السوق؛ اما في سوق العمل نجد اي انخفاض في قيمة الجنية سوف تنعكس سلباً على الاجور وعلى قدرة المواطن في الحصول على حاجياته الضرورية لذلك تتسع الهجرة خاصة هجرة الكفاءات وهذا يؤثر على مجالات عدة. ايضا هناك مشكلة التعثر المصرفي، لأسباب تتعلق بالسوق المحلي المحدود، وصعوبة الحصول على النقد الأجنبي أمام تزايد العجز في ميزان المدفوعات للدولة والانخفاض المستمر لقيمة الجنية أمام العملات الأجنبية، تراجع الطلب على السلع بسبب تراجع القوة الشرائية نتيجة الكساد وتراجع قيمة العملة المحلية. ووجود منافسين كثر في مجال معين، مما يجعل المنافسة شديدة وهذه نجدها غالبا المشروعات صغيرة الحجم، كذلك توسع البنوك في منح الائتمان عن طريق المرابحات، كما ان للفساد دور كبير في التعثر. لكن تقع على عاتق البنك المركزي من ناحية عدم الزامه للبنوك العاملة في السودان بتقييم حسابات التسهيلات الائتمانية وتصنيفها بشكل دوري، مثلا حسابات منتظمة بشأنها ملاحظات، حسابات غير منتظمة وهذه تصنف الى دون المستوى، مشكوك في تحصيلها، وديون رديئة وكل هذه التصنيفات ينبغي ان تكون على اساس فترة التخلف عن السداد؛ والزام البنوك بنسبة المخصص الواجب احتجازه من الأرباح لمقابلة كل تصنيف، أيضاً ضعف الرقابة المصرفية وعدم فعاليتها. يؤكد خبراء البنوك أن المعايير المصرفية التي تقرها لجنة "بازل" لها صدى كبير في تقليل المخاطر الائتمانية وإعادة الانضباط إلى السياسة الائتمانية التي شابها بعض العيوب خلال السنوات القليلة الأخيرة، والتي كان من نتيجتها ظاهرة التعثر المصرفي. ولا ننسى أن الجهاز المصرفي تعرض الى ما يعرف بمخاطر السمعة وهي احتمالية انخفاض إيرادات البنك او قاعدة عملائه ولم يكن ذلك نتيجة لعدم تقيد البنك بالأنظمة والقوانين والمعايير الصادرة عن السلطات الرقابية فقط لكن ايضاً بسبب عدم وجود السيولة لتغطية مسحوبات العملاء وهي المشكلة التي لم يتدخل البنك المركزي لحلها ووضع البنوك في مأزق خطر السمعة؛ وهذا النوع من المخاطر يعرض البنك الى مخاطر كبيرة وبالتالي التأثير على نشاط الجهاز المصرفي بشكل خاص والاقتصاد بشكل عام. أيضاً تواجه البنك المركزي مشكلة اصدار الاوراق النقدية حالياً حيث إن أي اصدار نقدى له شروط وضوابط تحكمه حتى يمكن الاستفادة منه ويتحقق الجانب الموجب منه، فيجب ان تكون عوامل الانتاج في الاقتصاد ذات مرونة كبيرة، وان يكون هناك فائض في عناصر الانتاج؛ ومرونة الانتاج يقصد بها النسبة المئوية للتغير في الناتج المحلي الاجمالي مقسوماً على متوسط الناتج لعناصر الانتاج. ومعروف ومشاهد أن التضخم مستمر في الزيادة والتقارير تشير الى تصاعده وموازنة 2019م تعكس بطء النمو الاقتصادي وبالتالي مرونة الانتاج؛ اذاً لا يمكن الحديث عن النمو حالياً ناهيك عن المرونة المطلوبة لتحقيق شروط الاصدار النقدي الجديد. أيضاً من الناحية الاقتصادية يجب ان يكون الاصدار النقدي على دفعات قليلة حتى يمكن للحركة الاقتصادية عواملها أن تمتص هذه الزيادة، كما يجب أن توقف عمليات الاصدار في حالة اتجاه الاسعار الى الزيادة بصورة ملحوظة حتى يمكن مكافحة التضخم. تواجه البنك المركزي مشكلة الرقابة على الجهاز المصرفي والتي تتسم بالضعف ويدل على ذلك حجم المخالفات المالية كحالة بنك الخرطوم وغيره من البنوك، وحجم التعثر المصرفي الذى اشرنا اليه، وتدخل مجالس الادارات في القرارات، بالإضافة الى عدم التقيد بتعليمات المخاطر الادارية خاصة في جانب التوظيف في ظل سياسة التمكين التي كان لها تأثير خطير على الاداء الاداري والمالي في البنوك. هنام مهمات كبيرة اخرى تنتظر البنك المركزي منها ادارة الاحتياطيات وادارة اسواق النقد الاجنبي، والاشراف على نظام المدفوعات النقدي ومتابعة ديون السودان الخارجية؛ وكل هذه المهام تحتاج الي استقلالية البنك المركزي ودور هذه الاستقلالية في إرساء دعائم النمو والاستقرار الاقتصادي والنقدي. وتشير الدراسات الي أن بنوكاً مركزية أكثر استقلالية عن السلطة التنفيذية عموما والسلطة مالية بشكل خاص، سوف تكون قادرة على اصدار سياسة نقدية فاعلة واستقرار اقتصادي قوي ونمو اقتصادي متوازن طويل المدى. من خلال إبعادها نفوذ السياسيين عن الشؤون المتعلقة بالنقد، ومن خلال صياغة سياسة نقدية بأيدي مسؤولين بعيدين عن السياسة، وبالتالي سوف تؤدي سياساته الى خفض التضخم واستقرار مستويات الأسعار. والاستقلالية سوف تمكنه من الوقوف ضد طلبات الحكومة لتمويل عجز الموازنة العامة سواء عن طريق إصدار المزيد من النقود وهو اسلوب تضخمي، أو السحب من الاحتياطيات وهو اسلوب استنزافي. الانتباهة : 18/03/2019 عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.