من هي الشخصيات المناسبة لتشكيل المجلس السيادي المدني الذي تطالب به قوى الثورة، وكذلك الأطراف الخارجية بين سطور دعواتها المتكررة إلى الانتقال لسلطة مدنية، سؤال قد يثير الخلافات والانفعالات، لا سيما في خضم مشهد مليء بالغبن والظنون، بعد حقبة مظلمة حافلة بالتجريف السياسي لمجتمع هش يعاني مشكلات تنموية جوهرية. لا شك أن المعنييين بهذا المجلس بالدرجة الأولى هم قوى الثورة والتغيير الفاعلة في مسار الأحداث المتسارعة، أي شباب الثورة وتجمع المهنيين وتكتل الحرية والتغيير، وكذلك البرهان وحميدتي، فما كنا لنصل إلى المرحلة الحالية دون أدوار هؤلاء الفاعلين مجتمعة، والتي أسفرت في النهاية عن سقوط العميد الإنقلابي عمر البشير. إذا، من المنطقي، والضروري في حال الاتفاق على تشكيل مجلس مدني، من 10 شخصيات على سبيل المثال، تمثيل شباب الثورة بشخصية مستقلة او حتى حزبية يتم ترشيحها من الميدان أو الدوائر المؤثرة فيه، وتمثيل القوي الحزبية الجديدة ومن ضمنها حزب المؤتمر السوداني، باعتباره من أبرز الأحزاب الناهضة الفاعلة في تكتل الحرية والتغيير، ويتخذ مسارا وسطيا متزنا بين اليمين واليسار، وتجد زعاماته مثل الدقير وابراهيم الشيخ قبولا في ميدان الاعتصام، كما يتم تمثيل تجمع المهنيين، الذي حاز قبولا واسعا لدوره التاريخي في الإطاحة بالبشير. ولا يكتمل تمثيل قوى الثورة والتغيير في المجلس دون الجنرالين البرهان وحميدتي، فبغض النظر عن أدوارهما في العهد السابق، إلا أن مشاركتهما الحاسمة في الإطاحة برأس النظام دون انفراط عقد الدولة، تبقى علامة فارقة في تطور الأحداث، كما أن مواقفهما المعلنة تؤكد وقوفهما في صف التغيير والثورة، ناهيك عن أن الرجلين يمثلان مكونات فاعلة في المشهد، ويساهم حضورهما في تعزيز سلطة المجلس السيادي واستقرار الفترة الإنتقالية. بما أن الحركات المسلحة طرف في الساحة، فالأوفق من منظورنا منح مقعد للجبهة الثورية، يشغله من تفوضه الجبهة من الشخصيات، خاصة أن هذا الممثل، يمكن أن يلعب دورا فاعلا في قضية السلام وإنهاء الحرب، التي تعتبر من أبرز القضايا الشائكة التي تنتظر الحل خلال الفترة الانتقالية، وسنطرح لاحقا في هذا الباب رسالة مفصلة، نقترح فيها تمكين الأجنحة السياسية في الحركات المتمردة من مزاولة النشاط السياسي في البلاد، على أن تلتزم هذه الأجنحة بفك الإرتباط التنظيمي مع مكونات التمرد العسكرية، وتتفرغ للتعبير السياسي عن القضايا والمطالب التي يزعم المتمردون القتال لتحقيقها، لحين الوصول إلى سلام شامل يطوي حقبة الحروب الأهلية العبثية. إذا عدنا بالزمن إلى الوراء، للعام 1989، تبرز قوى حزبية كانت تتولى السلطة بشرعية انتخابية، وهي أحزاب تاريخية بقيت فاعلة لعقود، ما يبرر تخصيص ممثل في مجلس السيادة لحزب الأمة، وكذلك للحزب الإتحادي الديمقراطي، ولشخصية من التيار الإسلامي غير متورطة في جرائم العهد السابق، أما المقعد الأخير فيمكن أن يمنح لشخصية مستقلة، أو تكنوقراطي، أو منظمة مجتمع مدني نسائية، على أن تكون قرارات المجلس بالأغلبية. رغم محاولة بعض القوى الحزبية الكبرى النأي بنفسها عن تحمل مسؤولية الحكم المباشر خلال الفترة الإنتقالية، في انتظار قطف الثمار في موسم الانتخابات، إلا أننا نستبعد رفضها المشاركة في مجلس السيادة المطروح. غني عن القول، أن التشكيل المقترح أعلاه، إنما هو أطروحة مراقب، لا تلزم أحدا قبولها، بل هي بضاعة معروضة على الناس في خضم مشهد وطني يتشكل، من شاء أخذها، ومن شاء ردها. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.