استطلاعات (كومون) منطلقة من واقع القياس ، وليست ممزوجة من خيال الكاتب !! يبني الدكتور علي الواهي شواهق من سراب ، لتنهار به ، وعليه !! عندما فرغت من قراءة عمود الدكتور عبد الله علي ابراهيم ، المنشور بصحيفة الاحداث ( الثلاثاء 23 فبراير 2010) ، والموسوم ( الانتباهة وفلان الفلاني ) ، تذكرت كتابا رائعا كنت قد طالعت بعضا منه قبل اسابيع ، ونحن نقطع الفيافي و( الخلا والصي ) ، لنراقب مع المراقبين سير عمليات تسجيل الناخبين بالولايات الشمالية والشرقية .. ذلك هو السفر الانيق ( غلطة الشاطر بألف .. عندما يكون الهوي شريك العمي ) للاستاذ مجدي كامل ، وهو سفر جدير بالمطالعة ، والاقتناء ، حيث تحكي صفحاته ، وتستعرض ، نماذجا من اخطاء الكبار ، التي اقدموا عليها في لحظات سقوط و انفلات ، أو انفعال وجنون ، أو طيش ومجون ، فتمخضت عنها ، لا محالة ، كارثة أو كوارث ، لا قبل لهم ، او لشعوبهم ، وربما شعوب العالم بها .. ولعله من الثابت والمعلوم ، ان الكبار ، عندما يخطئون ، تنسحب اخطاؤهم هذه علي الدوائر المحيطة بهم ، وعلي اتباعهم الذين يفترضون في اولئك الكبار الحكمة ، والحنكة ، والرشد . يرصد الاستاذ مجدي كامل اخطاء تاريخية ارتكبها قادة وزعماء شاعت قدراتهم ، وجهرت اصواتهم ، وسارت بأمجادهم الركبان.. امبراطور فرنسا نابليون بونابرت وزعيم المانيا النازية ادولف هتلر وامبراطور اليابان هيرو هيتو والرئيسان الامريكيان ليندون جونسون وريتشارد نيكسون ، وشاه ايران ، كل هؤلاء الرجال صنعوا وقادوا ، واسهموا في صناعة تحولات كبيرة في تاريخ الشعوب والأمم ، ولكنهم ، ومع كل ذلك اقترفوا بعض الحماقات ، تسببت في هلاكهم ، او قضت علي مكتسباتهم ، أو أفضت الي زوال ملكهم ، مثل أبو عبد الله الثاني عشر آخر ملوك غرناطة الملقب ب ( الغالب بالله ) ، الذي فرط في الاندلس وسلم مفاتيحها للصليبين بقيادة فرديناند وايزابيلا فاصبح لقبه ( عبد الله الصغير ) ! وكان اخر العهد به وقوفه باكيا علي اطراف الاندلس ، يستدعي من الذاكرة ، ربما ، فعلته التي فعل ! عندها قالت له أمه عائشة الحرة: ( ابك بكاء النساء ملكا لم تحافظ عليه مثل الرجال ) ! أجدني قد اسهبت في الحديث حول ذلك الكتاب الآسر ، وانصرفت عن تشريح ماخطه يراع الدكتور ، الكاتب ، والمسرحي عبد الله علي ابراهيم ، ولا أظنك – عزيزي القارئ – تجد في شأني هذا تزيدا ، فمن تمام جودة المقال ، توطئته بهوامش تقترب من المضامين ، وتُقرأ مفسرة ، أو مكملة لها .. كما لا أظن استاذنا الجليل عبد الله علي ابراهيم يستنكف عليَ مقدمتي هذه ، فهو مؤرخ وباحث في سير الرجال والشعوب .. وهو فوق هذا وذاك رجل ( شاطر ) ، والمقصود بالشاطر هنا هو من يحسن تقدير الأمور ، والتعامل معها دون عصبية ، أو مغالاة ، أو شطط .. ودون شك فان الدكتور عبد الله علي ابراهيم ( شاطرا ) يفصل تمام الفصل بين الصواب والخطأ ، والغث والثمين ، والمنقذ والمهلك ، بين مايحمل له ، وللناس ، طوق النجاة ، ومايهوي به ، وبهم ، الي أسفل القاع . قال استاذنا الجليل في عموده ذاك ان صحيفة الانتباهة نشرت علي صفحتها الأولي قياسا للرأي ، والصحيح هو نتيجة قياس رأي ، اجراه مركز كومون الاعلامي - الذي اتشرف بقيادته وادارته العامه – حول فرص فوز مرشحي الرئاسة ، والفائز ( وي ، وي ) – وهذه من عند الدكتور – الرئيس البشير ، تلاه عرمان ، ثم الامام الصادق ، فحاتم السر ، ونقد .. ومضي الدكتور ينثر اشواكه علي جيد الانتباهة ، بوصفها ناقلة لذلك النبأ ، وغيره من الانباء التي تكشف دعم وتأييد الناخبين للمؤتمر الوطني ، ورئيسه البشير .. ومن ثم اقبل الدكتور علينا في مركز كومون الاعلامي مابين التجريم و القدح والمباغتة ، غير انني تخيرت من جملة حديثه ، بضعة نقاط حول الجوانب العلمية ، والمهنية ، وجدت انه من لزوم مايلزم ان يسيل قلمي موضحا ، وشارحا لها ، لتنتفي بالضرورة الشبهات التي اثارها الرجل حول استطلاعات مركز كومون الاعلامي. يقول الدكتور ، أو بالأحري يزعم ، في عموده المقروء ( مع ذلك ) ان قياسات ( كومون ) لم يفصح من قام بها عن اجراءاته ، لنكون علي بينة من سلامة نتائجه ، وأقول : منذ اكثر من عام ، وتحديدا في السابع من يناير – 2009 ، ابتدرنا مشروع ( المنبر الجوال ) لاستطلاعات وقياسات الرأي العام ، وأوضحنا – عصرئذ – كافة اجراءاتها ، وكيفية المشاركة بها ، وطرائق التصويت .. تحدثنا عبر كافة المنابر ، الاذاعات ، التلفزيونات ، الصحف ، واردفنا تلك الخطوات باعلانات علي الصفحات الأولي من صحف الخرطوم .. فهل يكون لزاما علينا أن نبحث عن الدكتور عبد الله علي ابراهيم – وما أكثر أسفاره - لنحدثه بأمرنا هذا ، ونطمئن علي احاطته بكافة تفاصيله ؟! أم ياتري من واجباتنا أن ننتظر مباركته الكريمة حتي نشرع في قياساتنا ؟! ثم ، وان لم يتابع الرجل انطلاقة اعمال المنبر الجوال ، ألم يرصد اخباره ونتائجه بالصحف والفضائيات والمنابر الألكترونية ؟! أما بلغك ياحضرة الدكتور اننا قد استطلعنا الناس حول مختلف القضايا السياسية ، والاقتصادية ، والخدمية ، والثقافية ؟! سبحانك ربي ! هذا المنبر ، ياسيدي الدكتور ، ظل يستفتي الناس عن كل شيء ، عن مبادرة اهل السودان لمعالجة قضية دارفور ، عن قرار الجنائية ، وطرد المنظمات الأجنبية ، ومصالحات القادة العرب .. عن عدادات الدفع المقدم ، ومؤثرات التوظيف الحزبية والقبلية ، وزواج الايثار ، وجلد التلاميذ بالمدارس .. عن أوجه الصرف الحكومي ، وسد مروي ، ومشروعات التنمية .. عن معرفتهم باجراءات الانتخابات ، والسجل الانتخابي ، عن تأييدهم لترشح البشير لفترة أخري ، وتأييدهم لعرمان ، كل علي حدا ، ثم عن فرص فوز ابرز المرشحين ( البشير ، المهدي ، عرمان ، ، دينق ، نقد ، وحاتم السر ) ، هذه بعض قياساتنا التي طرحناها للناس ، وشاركونا فيها بالرأي والتصويت ، ثم نقلناها للرأي العام عبر كافة الوسائط ، بل وطورنا شأننا هذا حتي صار الناس يقترحون قضايا القياسات ، ثم نخضعها من بعد للفريق المختص بالتكييف العلمي للسؤال .. و ( مع ذلك ) يمضي الدكتور عبد الله علي ابراهيم مشككا : هذه المراكز لم تشفع نتائجها ببيان حجم العينة ، وتمثيلها للجهات والولايات .. وهذه ايضا من النقاط الضعيفة في حديث استاذنا عبد الله علي ابراهيم ، فحجم العينة مذكور وموثق في ذات الخبر الذي اوردته الانتباهة ، واخر لحظة ، والرأي العام ، والحرة ، والخرطوم ، والوفاق ، والمساء ، ووو، أما التمثيل الجغرافي ، فقد سبق وأشرنا اليه من قبل ، وهانحن نجدد الافصاح بان عضوية المنبر الجوال الآن تقترب من المائة وخمسون الف مشترك ، وان هذه العضوية متناثرة علي كل المدن والاصقاع والبيادر في هذه المليون ميل مربع ، الشمال ، والجنوب ، والشرق ، والغرب ، والوسط العريض .. هذه العضوية ياسيدي الفاضل ممثلة في المدن ومراكز الثقل الحضاري ، وفي الأرياف وأمتداداتها الخضراء ، في الولايات ، والاقاليم ، نقاط التجمع ، ومعسكرات النازحين ، وحتي في الارتكازات الحدودية ثمة من يشاركنا برأيه في قياساتنا هذه .. و ( لو مغالطنا ، ومامصدقنا ، ماتسأل العنبة ) ، أسأل شركة زين للاتصالات .. وقد درجنا علي توضيح كل هذه التفاصيل ، قبل تعميم نتائجها لوسائل الأعلام ، ولكن الدكتور علي مايبدو لايقرأ حتي النهاية ، أو ربما يقرأ بعض ماتقع عينه عليه ، ويراهن علي خياله لاكمال بواقيها ، الرجل كاتب ، وروائي ياصاح ! كان حريا بالدكتور عبد الله علي ابراهيم طالما هو لايقرأ ، أن يسأل ، قبل أن يبني علي الواهي شواهق من سراب ، لتنهار ، لا محالة ، به ، وعليه ! و ( مع ذلك ) فها نحن قد تصدقنا علي الدكتور بالتوضيحات الواجبة ، حتي يعلم ان استطلاعاتنا هذه منطلقة من واقع القياس ، وليست ممزوجة من خيال الكاتب ، وأن منظمات قياس الرأي ( القاشرة ) – علي حد قوله – ليست ضمن الأساليب الفاسدة في الانتخابات ، ولا ينبغي لها .. و ( مع ذلك ) ، فثمة سيناريو آخر ، فربما يكون الدكتور علي علم ودراية بكل هذا ، وذاك ، كيف لا وهو كاتب ومثقف يتصدر قوائم النخب ، وعلية القوم والكرام ، ولكنه كتب ماكتب ، متغافلا ، ومتجاهلا للمركز ، والمنبر ، وسيرته ، لشيء في نفسه لا أكثر ! شيء يقترب من ابتعاد النتيجة عن مزاجه ، وغاياته ! فالدكتور ، كما هو معلوم ، مرشح رئاسي سابق ، أو للدقة عاجز ، ذلك انه عجز عن جمع تزكية الخمسة عشر الف ناخب ، وهو علي ذلك ينطلق من انفعالات شخصية تجاه المرشحين ، والناخبين ، والمفوضية ، والعملية الانتخابية بأسرها !! وهذا بالضبط المسلك الذي سبقه اليه اولئك العظماء الذين اشرت اليهم في فاتحة هذه السطور ، حيث تبعوا أهواءهم ، وصدقوا زيف أوهامهم ، وانضموا الي اسلافهم من الزعامات التي كانت تظن أن النصر تصفيق !!