شاهد بالفيديو.. كواليس حفل زواج الفنان عبد الله كنة.. إيمان الشريف تشعل الفرح بأغنية (الزول دا ما دايره) ورؤى نعيم سعد تظهر بأزياء مثيرة للجدل والمطربون الشباب يرقصون بشكل هستيري    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة شهد المهندس تشعل مواقع التواصل بعد ظهورها وهي تستعرض جمالها بأزياء مثيرة للجدل ومتابعون: (لمن كنتي بتقدمي منتصف الليل ما كنتي بتلبسي كدة)    شاهد بالفيديو.. كواليس حفل زواج الفنان عبد الله كنة.. إيمان الشريف تشعل الفرح بأغنية (الزول دا ما دايره) ورؤى نعيم سعد تظهر بأزياء مثيرة للجدل والمطربون الشباب يرقصون بشكل هستيري    هل فشل مشروع السوباط..!؟    بلومبيرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    سوق العبيد الرقمية!    مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية    أمس حبيت راسك!    راشد عبد الرحيم: وسقطت ورقة التوت    وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    معتصم اقرع: لو لم يوجد كيزان لاخترعوهم    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    مصادر: البرهان قد يزور مصر قريباً    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة الإسلام السياسى وضرورة بناء الدولة العلمانية (2-3) .. بقلم: عادل شالوكا
نشر في سودانيل يوم 26 - 05 - 2019

في المقال السابق تحدَّثنا عن جذور الصراع السياسي المُتلفِّح بالدين في السودان، وبداية الدعوة للدستور الإسلامي، والمحاولات المستمرة لصياغة دستور يرتكز على نصوص مُستنّبطة من الشريعة الإسلامية، كما تحدَّثنا عن أسس ومنابع الدولة الدينية أو (الثيوقراطية) بالتركيز على التاريخ الإسلامي، وتناولنا كذلك نموذج الدولة الإسلامية في عهد الخُلفاء وفي عهد الممالك الإسلامية، وأهم المرتكزات الفكرية للتيارات الإسلامية، بالإضافة إلى عوامل وأسباب قيام الدولة الدينية في العالم الثالث.
في هذا المقال نتناول بالنقد فكرة قيام الدولة الدينية بالتركيز على الدولة (الإسلامية) لإرتباطها بالواقع في السودان، بالإضافة إلى فشل الإسلاميين في حكم السودان وفشل دولتهم الدينية (الإفتراضية).
*مفهوم* " *الحاكمية* " – *عتبة* *مهزوزة* :
يعتبر مفهوم "الحاكمية" إحدى المفاهيم الرئيسية التي أفرد لها "أبو الأعلى المودودي" – وهو عرَّاب جماعات الإسلام السياسي ويُمثِّل "الأب الروحي" لها - رسالة مُستقلة، طُبِعت طبعات عديدة في الكثير من البلدان الإسلامية. كما أنها تُعد بمثابة "مانيفستو" بالنسبة لكثير من الجماعات الإسلامية ويُكاد "سيد قطب" أن يكون شارحاً لأفكار المودودي ومُفسراً لها. ويكفينا هنا الوقوف عند شرحه لمفهوم "الإلوهية" بوصفه المفهوم المركزي الذي تتمحوَّر عليه المفاهيم الأخرى. يُعتبر سيد قطب أن أهم خصائص الإلوهية، بل أولى هذه الخصائص، "الحاكمية" أو "حق الحاكمية المُطلَقة، الذي ينشأ عنه حق التشريع للعباد، وحق وضع المناهج لحياتهم، وحق وضع القيم التي تقوم عليها هذه الحياة، وهذا يتعارض مع العقل والاجتهاد ودور الإنسان فى وضع القواعد المناسبة لكيفية إدارة شئون المجتمع، وبالتالي يُغيِّب فرصة بناء مؤسسات ديمقراطية قادرة على إستيعاب تناقضات المجتمع وإشكالاته العديدة. كما أنه من المُتناقض أن نفترض أن الإنسان عاجز عن تدبُّر شؤون دنياه من دون توجيه إلهي في الوقت الذي نفترض عدم عجزه عن معرفة الله. وبالتالي لا يجوز تعطيل الدور الاجتهادي للعقل بأي نص ديني.
دُعاة الإسلام السياسي يعتقدون أن الإنسان قادر على معرفة الله عن طريق العقل، ولكنه غير قادر من دون توجيه إلهي على تدبُّر شؤون الدنيا ومعرفة كيفية تنظيم حياتِه السياسية، و في ذلك تناقضاً كبيراً، ويرى منتقدو الإسلام السياسي أمثال : نصر حامد أبو زيد، ومحمد أركون، والجابري، وغيرهم، إن الله حين خلق العقل الإنساني وضع على عاتقه مسؤولية الكشف عن الوقائع بذاته وتقرير قيمه وغاياته ووسائل تحقيقها بحرية مُميزاً له بذلك عن كل المخلوقات.
فإذا كان السبب من خلق العقل الإنساني هو جعل الإنسان صاحب المسؤولية الأخيرة في كل الشؤون التي تخُص تحصيل المعرفة النظرية والعملية، فلا يمكن - من المنظور الإلهي نفسه - أن يوجِد لاحقاً سبب مُبطِّل للسبب الأخير، بمعنى أن يُسوِّغ التراجع عن ترك هذه المسؤولية للإنسان وحده، ومعنى أن نجعل النص مثلاً مصدراً أخيرا لتقرير غاياتنا الدنيوية هو أن نُعطِّل عمل العقل وأن نُجرِّد الإنسان من المسؤولية التي أُنيطَت به، وهذا يتعارض مع السبب الذي من أجله خُلِق العقل.
*الإسلام* – *العقل* - *الديمقراطية* :
لا مجال للديمقراطية أساساً إلا إذا قامت على العقل، وبالتالي فليس هناك نظام إسلامي ديمقراطي، لأن المصدر غير العقلي لأي إعتقاد لا يتجاوز كونه مُجرد إعتقاد ولا يرقَى إلى مستوى المعرفة من دون سند عقلي، فإذا كان المصدر غير العقلي له سلطة ما، فإن هذه السلطة لا يمكن أن تكون نهائية، إذ لا يمكننا أن نستبعد قبلياً حصول تعارُض بينها وبين سلطة أخرى فتنشأ الحاجة إلى اللجوء إلى إعتبارات مُستقلة للحسم، وحتَّى في غياب تعارُض كهذا، فإنه يُشترط لأي سلطة نلجأ إليها أن تكون سلطة موثوقة وذات خبرة وعلم بالأمور التي نلجأ إليها بخصوصها، وشرط كهذا لا يتعلَّق بنظرتنا إلى هذه السلطة ومدَى إحترامنا لها، وثقة فيها مبنية على إعتبارات مُستقلة عن هذه السلطة، وما عساها تكون هذه الإعتبارات إن لم تكن إعتبارات عقلية. ويبقى العقل وحده هو الدليل لمن لديه ملكة إدراكية، ولا يمكن القبول بكل إدعاء بالحيازة على ملكة خاصة في الإدراك على علاته لأنه ليس كل من يدَّعي أن لديه ملكة كهذه، يحوز عليها فعلاً. كما أنه ولا يمكن إحراز تقدُّم في مجال المعرفة باللجوء إلى الطرق غير العقلية وحدها، فهي طرق غير مرنة ولا تسمِح بالإعتراف بإمكان تعرُّضها للخطأ وإعادة النظر في النتائج التي توصلنا إليها. ولأن اللجوء إلى الطرق النقلية يختلف جذرياً عن الطرق العقلية، فإحتمال الوقوع في الخطأ سمة جوهرية لأن هذا يعني إعتبار النتائج التي توصَّلنا إليها غير نهائية وقابلة للمراجعة والشك، وبالتالي :
إن إختيار النظام الديمقراطي أساساً لا يمكن أن يُستمَد من الإيمان بالله، بل هو إختيار وإجتهاد عقلي يخضع للمُراجعة والتغيير، وهذا يتعارض مع ثبات الإعتقاد الديني.
وبما أن الغرض الأساسي للإسلام السياسي هو إقامة دولة إسلامية - أي دولة دينية - إذن فلا أمل في أن تكون ديمقراطية.
لا يمكن لنظام سياسي ديمقراطي أن يجد تُربة صالحة له في الدولة الدينية غير العلمانية - مسيحية كانت أم إسلامية - لأن الدولة الدينية تميل بطبيعتها لأن تكون كُليانية (توتاليتارية شمولية) وهي تماماً عكس الديمقراطية.
وعليه فإن إقامة النظام الإسلامي في السودان يعني إننا قد أعطينا ظهرنا للديمقراطية، وبالتالي لا جدوى لثورة ديسمبر ما صاحبتها من تضحيات طالما لن تأتي بنظام ديمقراطي يتم تداول السلطة فيه سلمياً .. نظام يكفُل الحريات ويفتح الأبواب للإستقرار والتقدُّم، والتطوُّر، والإزدهار.
*الإسلام* *والسياسة* :
منذ أن أطلق حسن البنا شعار "الإسلام دين ودولة" تحوَّل هذا الشعار من كونه خاصاً بحركة الإخوان المسلمون، إلى شعار مُشترك بين الحركات الإسلامية، والمُفكِّرون الإسلاميون الذين يعتقدون أن العلاقة بين الإسلام من جهة، والدولة والسياسة والإقتصاد والإجتماع من جهة أخرى، هي أكثر من علاقة تاريخية، بل هي علاقة منطقية مفهومة، فالشروط الموضوعية التاريخية التي نشأ فيها الإسلام إقتضت إقامة دولة لتأسيس وترسيخ دعائم الإسلام، ولولا هذه الشروط الموضوعية التي أحاطت بنشأة الإسلام لما إتجه وجهة سياسية ولما كان ثمة ضرورة لإقامة دولة إسلامية، وبما أن هذه الأغراض أُستِنفدت منذ فترة طويلة، فقد إنتفت الحاجة إذن إلى إقامة دولة إسلامية. وهل لدى الإسلام السياسي جواب مُقنع لسؤال مثل : لماذا يُناط بالعقل العمل والتفكير لشفاء أمراض مُستعصية كالسرطان والإيدز، والسيطرة على الكوارث، وإعمار الأرض، وبناء المدارس والمستشفيات والطرق والجسور، وحل مشكلات الفقر والجوع، وهل يعجز هذا العقل عن معرفة كيف يُعاقِب السارق؟. وهل يكفِ النقل عن إرشادنا إلى المعرفة العلمية الضرورية لمعالجة قضايا الحياة، ويشغل فقط بتعليمنا تنظيم حياتنا السياسية والقانونية ؟.
*الدولة* *الدينية* – *مسرح* *للتطرُّف* *والإرهاب* :
ترتبط الدولة الدينية بالإرهاب الفكري وعدم إحترام الرأي الآخر، وسلب الآخرين الحق في حرية التعبير وحرية العقيدة، ويرتبط الإرهاب الفكري بالتطرُّف والتكفير. وبالتالي اللجوء إلى العُنف (بشكل فردي أو جماعي) من قبل الجهة المُتطرِّفة بهدف فرض قيمها ومعاييرها، أو بهدف إحداث تغيير في قيم ومعايير المجتمع الذي تنتمي إليه وفرض الرأي بالقوة، وهو أحد أشكال الإرهاب، والإرهاب المُنظَّم.
والتطرُّف وفقاً للتعريفات العلمية يرتبط بالكلمة الإنجليزية Dogmatism أي الجمود العقائدي والإنغلاق العقلي. والتطرُّف بهذا المعنى هو أسلوب مُغلق للتفكير يتَّسِم بعدم القُدرة على تقبُّل أية معتقدات تختلف عن مُعتقدات الشخص أو الجماعة، أو على التسامُح معها. ويتَّسِم هذا الأسلوب بنظرةٍ إلى المُعْتقَد، تقوم على الآتي :
أن المُعْتقَد صادق صدقاً مطلقاً أو أبدياً.
أن المُعْتقَد يصلح لكل زمان ومكان.
لا مجال لمناقشتهِ ولا للبحث عن أدلة تؤَكِّده أو تنفيه.
المعرفة كلها بمختلف قضايا الكون لا تُستمَد إلا من خلال هذا المُعْتقَد دون غيره.
إدانة كل ما يُخالف هذا المُعْتقَد.
الإستعداد لمواجهة الإختلاف في الرأي أو حتى التفسير بالعنف.
فرض المُعْتقَد على الآخرين ولو بالقوة.
وقد أوصلت الجبهة الإسلامية القومية البلاد طيلة الفترة التي حكمت فيها إلى أقصى درجات التطرُّف والإرهاب الفكري والتكفير، بل العنف المادي مثل أحداث ودمدني والجرَّافة وغيرها من الأحداث التي قُتِل فيها المصلين في المساجد، وحرق معرض الكتاب المُقدَّس بجامعة الخرطوم (فبراير - 1999) بتحريض من (عبد الحي يوسف) نفسه وبتنفيذ الطُلاب المهووسين من الحركة الإسلامية وأنصار السنة وغيرهم، بقيادة طالب فلسطيني يتبع لحركة حماس يُدعى (ماهر) وكان يدرس بكلية الهندسة، الأمر الذي كاد أن يقود إلى فتنة دينية لولا إحتوائنا للأمر بحكمة آنذاك حيث كُنا طلاباً بالجامعة. فضلاً عن إيواء الأصوليين والمتشدِّدين والإرهابيين مثل أسامة بن لادن وغيره، وقيام خلايا إرهابية يقودها عبد الحي يوسف وآخرين، الأمر الذي أبقَى السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب لسنوات طويلة مما أضَّر كثيراً بالإقتصاد الوطني نتيجة للحظر. وها هو عبد الحي يوسف يطلُّ علينا من جديد. وهذا هو نموذج الدولة التي يريد إقامتها في السودان.
*الدولة* *الدينية* - *تقسيم* *المجتمع* :
إن بناء دولة إسلامية دينية لها دين رسمي واحد، يتعارض مع الديمقراطية والمساواة والحرية الدينية، ويُعرِّض الأقليات الدينية للخطر وربما الإضطهاد. و الدول المؤسسة على الدين تُسبِّب ضعف المجتمع وعدم الإستقرار لأنها تعمل على ما يُفرِّق بين الناس، الأمر الذي يؤدِّي إلى الصراعات التي لا يمكن حلها بالتوافق، ومن ثم تفشِّي الحروب. والجمع بين الدين والسياسة يضعِف الدين نفسه إذ ينزِّله إلى حلبة الصراع السياسي ويُعرِّضه للتشويه ويُقلِّل من قدسيتهِ. والذين يدَّعون إمتلاك الحقيقة المُطلقة، فإنهم إذا وصلوا إلى السلطة السياسية، من الطبيعى أن يضطَّهدوا أو يبعدوا المُخالفين لهم حتى لو كانوا من نفس الدين.
ومنذ أن إستولت الجبهة الإسلامية القومية على السلطة في العام 1989 إتَّبعت الحكومة سياسات واضحة تستهدف المسيحيين في السودان، وأكثر ما يقف شاهداً على ذلك هو مصادرة النادي الكاثوليكي في شارع المطار بالخرطوم وتحويله ل(دار المؤتمر الوطني – المركز العام). وبعد إنفصال جنوب السودان 2011، زاد التضييق على المسيحيين فى السودان، وتحوَّل ملف الكنائس إلى ملف أمني بحت تقلَّصت معه حقوق المسيحيين. ويُقدَّر عدد المسيحيين في السودان بعد إنفصال الجنوب بنحو (1,4) مليون نسمة، أي ما يعادل (1.5 %) من عدد سكان السودان وفقاً لإحصائيات غير حكومية أصدرتها مراكز بحثية - وهى إحصائيات غير دقيقة - ومنذ ذلك الحين توالت الأحداث التى تُكرِّس الإنتهاكات والتمييز على أساس الدين خاصة الدين المسيحىي.
و القضية التى شغلت الرأي العام المحلي والعالمي، والتى إعتبرها المراقبون إنتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان فى السودان، هى قضية المواطنة (مريم يحىَ) وهى فتاة يبلغ عمرها (27) سنة آنذاك، ولدت بالقضارف، وتزوَّجت طبيباً مسيحياً من جنوب السودان، أدانتها محكمة جنايات الحاج يوسف برئاسة القاضى - عباس الخليفة يوم 15 مايو 2014 - بتهمتين :
1/ (الردة) تحت المادة (126) من القانون الجنائى السودانى، وهى مادة تتعلَّق بترك الدين الإسلامى وإعتناق ديانة أخرى.
2/ وبالزِنا تحت المادة (146) من نفس القانون.
وأخيراً أصدرت المحكمة فى مواجهتها حكماً بالإعدام والجلد (100) جلدة، بناءاً على نص المواد المذكورة سلفاً. ولكن تم الإفراج عنها، حيث ألغت محكمة الموضوع الأحكام الصادرة بحقها، وقد كان ذلك إستجابة للضغوط الدولية.
وهذه المادة الموجودة في القانون الجنائي السوداني - المادة (126) - تُعتبر تقنيناً لإنتهاك الحق الدستوري في حرية العقيدة، كما إنها تنطوي على تمييز ديني لأنها تُجرِّم إعتناق المسلم لأي دين آخر غير الإسلام، فيما لا يُجرِّم القانون خروج شخص من المسيحية أو أي دين آخر وإعتناقهِ للإسلام. وعليه يستحيل إستمرار الدولة مُستقرة ومُتماسكة، في غياب العدالة، والمساواة، والحريات الأساسية، بغض النظر عن الدين أو العرق.
وقد شملت السياسات الأخرى التي إتَّبعها النظام ضد المسيحيين في السودان طيلة سنوات الإنقاذ :
التضييق ومصادرة حرية العبادة؛
مصادرة الحريات بقانون النظام العام؛ وجلد فتيات مسيحيات بحجة الزي الفاضح؛
مصادرة أراضي وعقارات وممتلكات الكنائس؛
إزالة المدارس التابعة للكنائس؛
إعتقالات وملاحقات لقادة الكنائس؛
هدم وحرق الكنائس؛
قتل وتصفية قادة الكنائس.
*الحرب* *الجهادية* .. *وحروب* *الإبادة* *والتطهير* *العرقي* :
منذ إنقلابها على السلطة شنَّت الجبهة الإسلامية القومية الحروب في كافة مناطق السودان خاصة في الجنوب، وذلك بعد إعلان الجهاد وإصدار قانون تم بموجبه إنشاء قوات الدفاع الشعبي بتاريخ 5 نوفمبر 1989، وبعدها فُتِحت معسكرات التجنيد والتدريب بالدفاع الشعبي، وتم تجييش وعسكرة المواطنين في مؤسسات الخدمة المدنية وحتى الطُلاب والزج بهم في أتون الحرب. ويُقدَّر ضحايا الحروب في جنوب السودان بحوالي (2 مليون) نسمة. وفي الحرب الثانية (2011 – 2019) في جبال النوبة والفونج ودارفو يُقدَّر عدد الضحايا بحوالي (400,000) نسمة بحسب المنظمات الإنسانية العاملة في مناطق النزاعات، وشهدت هذه الحروب إنتهاكات واسعة لحقوق الإنسان بإرتكاب جرائم الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية وصلت حد إتهام رأس النظام وعدد من رموزِه ومطالبتهم بالمثول لدى محكمة الجنايات الدولية.
وكانت قد صدرت فتوى ضد "المتمردين" النوبة – حسب وصف الفتوَى - بتاريخ 27 أبريل 1992 بمدينة الأبيض بتوقيع ستة من شيوخ المسلمين بعد مؤتمر عُقد لهذا الغرض. ومنذ ذلك التاريخ شنَّت الحكومة عمليات عسكرية واسعة النطاق ضد المواطنين في جبال النوبة وأرتكبت إنتهاكات جسيمة من قتل وتصفية خارج نطاق القانون، وحرق المساكن والمزارع، فقد كانت حرب إبادة مُكتمِلة الأركان. تم كل ذلك بإسم الدين والجهاد.
*سياسات* *الإفقار* .. *وتدمير* *الإقتصاد* :
عملت الجبهة الإسلامية القومية بكل ما تملُك على التشبُّث بالسلطة والإحتفاظ بها وتوطيد الحكم، فإنتهجت منذ بداية حكمها سياسة التمكين حيث أحالت مئات الآلاف من الموظفين المؤهَّلين إلى الصالح العام ووضعت مكانهم أشخاص موالين عديمي الكفاءة والقدرات، ودمَّرت مشروع الجزيرة وغيرها من المشروعات الإستراتيجية، ونفَّذت سياسة التحرير الإقتصادي التي ضاعفت نسبة الفقر وسط المواطنين، وبعد فشل النظام وتنامي رفضه وعدم قبوله قام النظام بإنتهاج سياسة الترضيات وتوسيع المناصب الدستورية، وكسب المُعارضين وإستنساخ أحزاب لل(توالي) وإستقطابهم للحكومة، والتوقيع على إتفاقيات وهمية مع حركات لا وزن لها بهدف تضليل الرأي العام المحلي والدولي بوجود الأمن والإستقرار. كل ذلك أدَّى إلى الترهُّل في المناصب، وزيادة الصرف والإنفاق على الحكومة، وهي سياسات كلَّفت الدولة أموالاً طائلة على حساب المواطنين.
*تنامي* *العنصرية* :
العُنصرية في عهد الجبهة الإسلامية القومية صارت تمشي على أرجلها، وصارت تُمارس على مستوى قمة الهرم القيادي للدولة ورأس النظام، وصارت سياسة تتبعها مؤسسات الدولة، وظهرت العنصرية في التوظيف، والعُنصرية في تولِّى الوظائف العامة، والعُنصرية في توزيع الموارد على السكان، وحتى العُنصرية في التعداد السُكاني الذي يتم تزويره لتغليب مُكوِّنات سكانية محددة على مُكوِّنات أخرى وما يترتب على ذلك من تخصيص الموارد وتقسيم الدوائر الجغرافية، والأخطر من كل ذلك هو العُنصرية في إنشاء القوات وتسليحها، وشن الحروب العُنصرية القتل والإبادة على أساس عنصري. فقد مارست الدولة كافة أنواع العُنصرية المزدوجة القائمة على أساس الدين من جهة، والعرق واللون من جهة أخرى.
*التخريب* *الدستوري* *والقانوني* :
أكثر ما يُميز دولة المشروع الحضاري التي أقامها الإسلاميين في السودان – والتي من المُفترض أن تكون دولة عادلة لأنها تقوم على الدين - هو غياب العدالة. ودولة العدالة هي دولة ديمقراطية بالضرورة، وتتميَّز بالقضاء المُستقل، وتكون السلطات الثلاثة مُستقلة إستقلال تام، بمعنى أن لا يخضع القضاء للسلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، بل تخضع له السلطة التنفيذية والتشريعية، لأنه إذا كان هناك أي مواطن مظلوم فإنه يلجأ للقضاء، وإذا كان القضاء مستتبع للحكومة فهذا يعني إن القضية قد ضاعت. ففي الدولة الديمقراطية يكون القضاء سلطة مُستقلة من حيث : التعيين، والترقيات، والتمويل - وهذا يقطع الطريق أمام أي إغواء أو تخويف للجهاز القضائي - بالإضافة إلى عملية التأهيل إذ قام النظام بحشد الجهاز القضائي بأناس غير مؤهلين لا يحمون الدستور بل يعملون على تقويضهِ، ولا يؤمنون بحقوق الإنسان، بل إنهم ضدها في الأساس.
*الفساد* *الشامل* :
والفساد في عهد الإسلاميين، وفي ظل مشروعهم الحضاري لا يحتاج إلى برهان، ومنظومة الفساد في السودان لا تقف عند حد البشير وحَرمهِ وأخوانه، ولا كوادر المؤتمر الوطني فقط. ولكن الفساد ضرب كافة أركان الدولة وفي مُختلف المجالات، فقد وصل إلى المحليات والأحياء واللجان الشعبية، و كتير من المُنتفعين من هذه الأوضاع فإنهم لا يجدونها إلا في الأنظمة الديكتاتورية. وإذا أراد الناس مُراجعة ملفات الفساد فقد يستغرق ذلك عدة سنوات حتى يتم العثور على الملفات (الفساد في الدولة، الفساد في الأراضي، الفساد في الرسوم والجبايات، الواردات والصادرات، القروض البنكية، العطاءات، الإعفاءات الجُمركية، الشركات، الدهب ، البترول، ....إلخ). وهناك الفساد السياسي الذي تحدَّثنا عنه سلفاً، والفساد الأخلاقي : شقق مُمارسة الدعارة بواسطة المسئولين "عينك يا تاجر" حتَّى لو كان ذلك في شهر رمضان الذي "أُنزل فيه القرآن" ..! ومنهم من صدَّر الفتيات إلى دول الخليج لهذا الغرض في إذلال ما بعده إذلال لكرامة الإنسان السوداني ..!!. ودار المايقومة للأطفال مجهولي الأبوين تقف شاهداً قوياً على هذا النوع من الفساد. وقد شمل الفساد مسألة ترويج وبيع وتعاطي المُخدِّرات، وهذه المسألة بالتحديد تركوها وفتحوا لها أوسع الأبواب (ومنهم من شارك فيها، وبعضهم يُشارك فيها حتى الآن) بهدف تدمير وتخريب عقول الشباب وصرفهم عن قضايا البلاد المصيرية، حتى لا يقوموا بأي دور طليعي لتغيير الأوضاع في البلاد، ولكن هذا لم يثنيهم عن القيام بالثورة وإحداث التغيير.
هذه هي الدولة التي يريدها الإسلاميين ودُعَاة (الدولة الإسلامية) بعد أن أثبتت فشلها خلال الثلاثين سنة التي جثموا فيها على صدر الشعب السوداني. والآن يتباكَى عليها المُتشدِّدين من بقايا النظام والجماعات الأصولية السلفية، والمُتعطِّشين لسفك المزيد من الدماء وسرقة أموال الشعب، يريدون إعادة إنتاجها بعد أن تم إسقاطها.
*نواصل* ..
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
///////////////


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.