عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. رفعت لأحد الأصدقاء (بوست) وصلني من مولانا سيف الدولة حمدنالله بعنوان "الجيش والغزاة" كَتبَ فيه عَن أكثر مِن نصف قرن مَضَت على هزيمة الجيش المصري في حرب الايام الستة - يونيو 1967 - وقد درج البعض أن يؤرِّخ لها تحت اسم "النَكْسَة" ليخفي عار الهزيمة النكراء الذي تركته خلفها لا على الجيش فحسب وإنَّما على كلِ المُجتمعِ، ولا زال الشعب المصري الى اليوم يتجرع مرارتها ولم ينساها. وللمقارنة، كتب حمدنالله: ماذا سيكتب التاريخ عن جيش السودان الذي استطاعت مجموعة من الصعاليك والمجرمين الأجانب أن يحتلوا عاصمة البلاد وهم يحملون رشاشات وأسلحة خفيفة، ويبلغ بالجيش الهوان أن يتم حبس أفراده خلف سور من الأسلاك وهم يطالعون ما تقوم به القوة الغازية في أبناء شعبهم.. فقد كان الغزاة يربطون الشباب والصبايا على قوالب الأسمنت ويلقون بهم في النيل. وتساءل سيف الدولة: ترى كم يلزم جيشنا من سنوات حتى يسترد توازنه ويستعيد كرامته من وراء هذا العار؟ * كتب صديقي: كيفما نكون يُولي علينا!! الجيش ليس جسماً غريباً عنّا فهم أبناؤنا واخواننا وآباؤنا. السُنَن الاجتماعية تقول أن الشعب الميت يصنع جيشاً ميتاً!! - توقفت كثيراً عند تعليقه، فقد أجج في نفسي وعقلي وذاكرتي ما ظللت أكتب عنه منذ فترة طويلة تجاوزت خمسة سنوات أو أكثر، ويبدو أن ثورة الشباب تراكمت عليه وتركته في ركن قصي من الذاكرة وغَلَّفَته ببطولات وتضحيات الشباب، بَيْد أن تعليق صديقي استحضر ما كتبت وجعله من جديد شاخصاً أمامي، فكتبت له: أي نعم يا صديقي، حقاً إن الشعب الفاشل يصنع جيشاً فاشلاً. قبل ثورة الشباب كنت أقول ذلك عن الشعب، كل الشعب إلَّا مَن رَحَمَ رَبِّي مِن الذين استمروا قابضين على جَمْرِ القضية مُقَدِمين في سبيلها الغالي والنفيس، مستثنياً بالطبع أيضاً الأجيال الشابة الفتية التي لم تشارك في الفشل بحكم العمر، أي الجيلين "مِن عشرين سنة لتحت"، بدءً بمولود اللحظة وصولاً للشاب اليافع والصبية التي في عمر الزهور وهما يفتحان بخجل أبواب العشرين ربيعا ليطلا على دنيا المسؤولية ويرسما المستقبل، مستقبل جيلهما وما بعده من جيل وأجيال قادمة وكذا مستقبل أجيال سبقته لا زالت تعيش في هذا البلد ولم تعمل ما يكفي وبجدية لصُنْع حياة كريمة لها فيه. بعد 19 ديسمبر 2018 وإنطلاق الحراك للتغيير وإشعال ثورة الشباب، كان من الواجب أن أضم للإستثناء الجيل "من عشرين سنة لتلاتين"، عندما نهض وشارك الجيل الأصغر منه وقاما بدورهما الوطني الطليعي بكل الارادة القوية والشجاعة والتضحيات المطلوبة ولا زالوا مصممين على المضي قدماً لاستعادة البلد المختطف منذ 30 يونيو 1989. ومع ارهاصات نجاح الثورة وانتصارها بدأ على الفور كثير من الناس في نَسْبِ ما حدث لكل الشعب، والحديث عن شجاعة الشعب السوداني وروعته وقدرته على صنعِ التغيير، واستمر ذلك المنوال والنهج بعد أن حققت ثورة الشباب "من تلاتين سنة لتحت" نصراً على النظام البائد ورأسه عمر البشير. ولذلك دعني أقول، حان الوقت بأن لا يبقى ذلك الحديث حديثا أجوفاً كالافيون نخدر به أنفسنا، لا يمت للحقيقة والواقع، فقد درجنا على وصف الشعب بعبارة "المعلم والبطل وصانع الثورات، وغيرها من الاوصاف"، وتاريخ بلادنا المعاصر لا يثبت ذلك، بل يدل على إدمان الفشل وإعادة إنتاجه وإجتراره في بلاهة منقطعة النظير. والآن، الآااان، ومن يوم الأحد 9 يونيو 2019، وإلى الأيام القادمات الحاسمة لمصير ومستقبل البلد، على الأجيال "من تلاتين سنة لفوق"، أكرر "مِن تلاتين سنة لفوق"، عليهم إنجاح الاضراب العام والعصيان المدني الذي أعلن عنه شباب الثورة وقيادتهم في تجمع المهنيين وقوى الحرية والتغيير، وعليهم أن يثبتوا حقيقة ما يقال عن الشعب، وعنهم بالأخص، وأن يكفروا عن تواصل فشلهم السابق الذي امتد لأكثر من ثلاثين سنة هي عمر النظام البائد بل لأكثر من ذلك، منذ أول انقلاب على الديمقراطية في نوفمبر 1958. أمام أجيال الفشل أن ينخرطوا فعلا في مسيرة التغيير التي عبد طريقها الشباب بإرادة وتضحيات وتصميم. عليهم أن يعملوا على إنجاح أقوى أسلحة الثورة السلمية، أي الاضراب العام المفتوح والعصيان المدني الشامل إلى أجلٍ غير مسمى، والذي سيجعل المجلس العسكري الانقلابي ومليشيا الجنجويد المجرمة القاتلة أن ينهاروا ويصعب عليهم حكم شعب لا يخرج إليهم ولا يقابلونه لا في مكاتب، لا في مصانع، لا في أسواق، لا في مواصلات ولا في شوارع أو طرقات. سيجدون أنهم في عزلة تامة عن الشعب. سيجدون أنفسهم مقطوعين قابضين على أسلحة فتاكة لا يجدون من يفتكون به بها.. وسيصبح سلاحهم "فَشَنْك" وسيهربون من الميدان وسيسقطون سقوطاً دوياً يشهد عليه كل العالم. الشباب خضبوا "الجميلة ومستحيلة" بدمائهم، وعلى الشيوخ أن يزفوها عروسا للوطن، فهل تفعلها تلك الأجيال التي تقع عليها مسؤولية تحقيق النصر في المعركة الأخيرة؟ شاءت أقدار الله بثورة الشباب المستمرة، أن تمنح أجيال الفشل العارم فرصة إستثنائية ليكفروا عن فشلهم السابق، لا عما فعلوه مِن أخطاء فحسب، وإنما عما لم يفعلوه أبداً للوطن، أي الدفاع عن الثورات التي صنعوها وعدم تركها لمختطفي الوطن وسارقي الانجازات الوطنية الممهورة بالتضحيات. أمامهم أن يرفعوا الرأس من جديد ليفتخروا بأنهم بالفعل كانوا أجيال البطولات التقت أجيال التضحيات فصنعوا للسودان ثورة مستمرة لن تنهزم ولن يسطو عليها أحد، حراسها هذه المَرَّة تصميم وإرادة قاعدة وقيادة تتبادل الإستجابة والثقة والمصداقية، فشعارها "حرية سلام وعدالة" و "الثورة خيار الشعب.. مدنية خيار الشعب"، وسلاحها "سلمية سلمية" بتواصل أجيال تحمل راية التغيير نحو غد أفضل والتي لن تسقط أبداً. إنتظموا في إضرابكم لتعزلوا الخونة من صفوفكم، وأبقوا في عصيانكم لتفرزوا الصفوف وبالتالي تنتصرون لتضحيات الشباب، وعندها يهنأ كل الوطن بحاضر كريم ومستقبل طيب، فإلى الغَد، إن الغد لناظره قريب جداً.