عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. مقدمة : الأخطاء في حساب النتائج قد تدمر الإستراتيجية برمتها، اتخذت الجبهة الإسلامية ومنذ انقلاب يونيو 1989م إستراتيجية واضحة المعالم والأهداف وهي تقسيم الدولة السودانية القومية إلى دولة دينية عشائرية بكيانات جغرافية وقبلية صغيرة يسهل حكمها والسيطرة عليها بجانب ذلك حل وتدمير قوات الشعب المسلحة السودانية وجميع القوات النظامية ( شرطة وجهاز الأمن) وإحلال قوات بديلة لها ( بداية بالدفاع الشعبي، الشرطة الشعبية والأمن الشعبي ثم أخيرا قوات الدعم السريع)، صادرت الجبهة الإسلامية القومية كل مكتسبات الشعب السوداني ومؤسساته القومية والخدمية العريقة لصالح مؤسساتها الخاصة في فترة حكمها القهري الاستبدادي الذي امتد 30 عاما انتهي بثورة وانتفاضة شعبية قوية ومثابرة تتوجت باعتصام جماهيري غير مسبوق أمام القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة في ابريل 2019م. والشاهد أن النظام الحاكم اتخذ قرار فض الاعتصام (ابريل- يونيو) أمام القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة ومنذ اليوم الأول للاعتصام. ولكن لحسابات كثيرة و معقدة تم تأجيل فض الاعتصام إلي حين إشعار آخر او تم تأخير العملية لظروف مناسبة ومن ضمنها عندما يكون الاعتصام في اقل أوقات ضعفه من ناحية العدد والعدة ( العشر الأواخر من رمضان حسب تقديراتهم) للجبهة الإسلامية القومية علاقة غريبة في قتل السودانيين وإيلامهم في العشر الأواخر من شهر رمضان المعظم. ( مثال: مذبحة شهداء 27 رمضان 1990 من ضباط قوات الشعب المسلحة). تأثير الاعتصام وحسابات النتائج : ما هو الأثر الذي خلقه الاعتصام/المعتصمين علي الشعب السوداني وقوات الشعب المسلحة وخاصة في محيطه الجغرافي ( اعني أفراد قوات الشعب المسلحة والدعم السريع ) ؟؟ الفترة التي قضاها المعتصمون في تقديري خلقت نوع من ثقافة جديدة ليست ثقافة المقاومة والصمود والتحدي فقط بل ذهبت إلي ابعد وأعمق من ذلك بكثير وهو ما مثلته في الربط والاتصال والثقة كماً ونوعاً فيما بين المجموعات المعتصمة وفتح قنوات اتصال عريضة وواسعة ومنسجمة ومتناغمة مع الآخرين ( في الداخل ميدان الاعتصام والسودان والخارج المحيط الإقليمي والدولي ) كما انها ربطت بين المكونات السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية المختلفة لتحقيق أهداف مشتركة فهي بذلك مثلت نقطة تلاقي السودان كله من كل الولايات و بمختلف ألوان طيفه المتعددة في مكان وزمان واحد. كما أن الاعتصام في حد ذاته مثل رمز للوحدة الوطنية والانسجام بين مختلف مكونات الشعب السوداني. هذا المناخ الثقافي الوطني الفريد الذي ولد في ساحة الاعتصام يمثل في حد ذاته قيمة روحية ووطنية نبيلة تجاوزت كل الثورات السودانية في صمودها ووحدتها ونبلها. وجود أفراد وقيادات من الحركة الشعبية لتحرير السودان وقوات الشعب المسلحة بجانب انفتاح أركان للنقاش والحوار الحر و من مجموعات مختلفة وبصورة سلمية بين مجموعات ضخمة من الشباب اللا منتمي إلي أي جهة سياسية يتفاكرون بصورة متحضرة وسلمية في مختلف القضايا والمواضيع هذا الاتصال الجماهيري الراقي و الغير مسبوق كماً ونوعاً خلق درجة من التلاحم والحميمة بين الشباب بمختلف فئاتهم وطبقاتهم وجهاتهم وبين الجيش السوداني أمام القيادة العامة للجيش كل هذا الزخم الفريد خلق الذعر في كيان الجبهة الإسلامية وهو مثل وجسد عكس ما كانت يقوم به النظام الحاكم طيلة فترة حكمه للسودان ( زرع الكراهية والفتن بين مختلف أبناء السودان ابتدأ من استخدام الدين في التعامل مع قضايا جنوب السودان إلي استخدام القبيلة في التعامل مع قضايا إقليم دارفور). التركيز التام والتعامل مع جميع فئات الشعب السوداني علي ( سياسة فرق تسد). تنفيذ قرار فض الاعتصام كان الهدف الاستراتيجي له ( خلق الكراهية والفتنة بين الجيش والشعب). الهدف الاستراتيجي للجبهة الإسلامية القومية هو زرع الكراهية والفتنة بين الجيش والشعب عن طريق زراعها العسكري المتمثل في المجلس العسكري الانتقالي والإستراتيجية في أهدافها الكلية خلق هذه الفجوة وتوسيعها بين الجيش والشعب ولكنها في تقديري تأخرت في تنفيذ القرار فهي ( لم توأد الجنين في بطن أمه بل قتلت طفلا مكتمل النمو). ثم الخطأ الثاني درجة الضعف النسبية : الخوف والتردد في تنفيذ فض الاعتصام، ماذا لو تم فض الاعتصام صبيحة العيد وسحق المعتصمين بالأسلحة الرشاشة هل كان ذلك سيسارع في تحقيق الهدف الاسمي وهو ( خلق الهوة والكراهية بين الجيش والشعب)!!؟ ( العيار لم يصب هدفه ولم يدوش احد) عدم اتخاذ هذا القرار ليس من اجل الرحمة والرأفة بالمعتصمين بل لخيارات أخري في تقديري وهو عدم معرفة ما ستؤول إليه الأمور حالة استخدام العنف المفرط من قبل الجيش نفسه فهي لا تعرف بالتحديد كيف سيكون رد الفعل من بعض الضباط والجنود كما حصل أول أيام الاعتصام عندما انحازت مجموعة من صغار الضباط والجنود للمعتصمين وتصدت بقوة السلاح للمجوعات المهاجمة هذه المجموعات الغير مواليه للجبهة الإسلامية القومية وللنظام الحاكم غير معروفة ولا يمكن التكهن بأفعالها هذا ناهيك عن حالة الضباط وضباط الصف والجنود في الحاميات المنتشرة بطول وعرض البلاد هذا من ناحية ومن ناحية أخري هناك حاجة للجيش ولو بصورة ضعيفة ومنهكة فهناك حركات مسلحة متمرسة علي العمل العسكري. إن ما لا يقتلك يحيك ويقويك، في تقديري أن هذا القرار عمق الفجوة بين الجبهة الإسلامية القومية متمثلة في مجلسها العسكري الانتقالي وقوات الشعب المسلحة ( هناك أحاديث كثيرة من انه توجد اعتقالات كثيرة أواسط الضباط وخاصة زوي الرتب الصغيرة والمتوسطة ). تم عزل مئة ضباط من جهاز الأمن ( هذا المعترف به ) والشرطة في ظروف مريبة و بالغة الحساسية حيث يحتاج النظام الحاكم لجميع عنصره العسكرية المنظمة ( الرسمية والغير رسمية ) وهو الأمر الذي يشير بان الخلافات كبيرة جدا والهوة واسعة جدا ليست بين المجلس العسكري والجيش فقط بل ممتدة لتشمل جهاز الأمن والشرطة. انقلب السحر علي الساحر ولم تكن النتيجة هي المقصودة ( في خلق الفتنة وزرع الكراهية بين الجيش والشعب) بل حدث العكس تماما مما جعل الجبهة الإسلامية تعتمد أكثر وأكثر علي ( الجنجويد ) قوات الدعم السريع والأمن الشعبي والشرطة الشعبية والأمن الطلابي؟ وهو الأمر الذي يفسر ظهور قوات الدعم السريع وقائدها بصورة كثيفة و متزايدة و ملفتة للنظر وعلي جميع المستويات. والتي في تقديري ستعتمد علي هذه القوات أكثر في التعامل مع المتظاهرين في المرحلة القادمة والتي تبدأ ولا تنتهي من 30 يونيو2019م!؟؟ عدم الوعي والإلمام الدقيق بالنتائج قد يؤدي إلي نتائج غير مقصودة وغير مستهدفة وعلي هذا الأساس فان النظام الحاكم مهد المسرح لجماهير الشعب السوداني ممثلا في قوي الحرية والتغيير في البدء في انتفاضة أخري متجددة أكثر حيوية و ثورية وأكثر نضجا ووعياً تستمد تجاربها من منتجوها الخالص المتراكم عبر نضالها المستميت والمستمر منذ القرن المنصرم والي سبتمبر 2013 حتى 29 رمضان وما بعده. ليس التركيز علي الابتكار في وسائل جديد للنضال هو الأهم فقط بل الاستمرار والمثابرة هو أيضا عامل في غاية الأهمية، فالجبهة الإسلامية القومية راهنت و تراهن علي ( العفريتة وليس الصورة إن جاز الوصف ) في بث روح الانكسار و العجز والسأم واليأس والشعور باللاجدوي من الثورة وتصوير نتائجها علي انها الوبال و الرعب علي أهل السودان وخاصة نعمة الأمن والأمان التي يتمتع بها السودان وربط نتائج الثورة بحالة كل ليبيا وسوريا وان المجلس العسكري هو الضامن الوحيد للاستقرار والأمن والأمان. وهي عكس الصورة الزاهية الجميلة التي رسمها وعمل من اجلها المعتصمون واجتهدوا في البرنامج الثوري الانتقالي في تأكيد الفترة الأولي من الحكم المدني الانتقالي ترتكز علي برامج السلام والمصالحة بجانب برامج الإصلاح الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والعدلية واثبتوا صدق نواياهم بدمائهم وثبات مواقفهم في انه يوجد أمل كبير يمكن تحقيقه، وفي تقديري ان ثقة الثوار في قدراتهم وتحليهم بالشجاعة و الصبر والعزم والمثابرة جعلت المحيط الإقليمي والدولي ينحاز مع قضيتهم الإنسانية الوطنية العادلة وهو الأمر الذي سيجبر المجلس العسكري ومن يقف خلفه في ان ينكسر و يرضخ لمطالبهم الشريفة العادلة ( فما النصر إلا صبر ساعة). المجد والخلود لشهداء الشعب السوداني العظيم حرية ..سلام .. وعدالة... والثورة خيار الشعب.