الدعم السريع يعلن السيطرة على النهود    وزير التربية والتعليم بالشمالية يقدم التهنئة للطالبة اسراء اول الشهادة السودانية بمنطقة تنقاسي    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    عقار: بعض العاملين مع الوزراء في بورتسودان اشتروا شقق في القاهرة وتركيا    عقوبة في نواكشوط… وصفعات في الداخل!    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    سلسلة تقارير .. جامعة ابن سينا .. حينما يتحول التعليم إلى سلعة للسمسرة    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطبة الجمعة غرة ذي الحجة 1440ه - بمسجد الهجرة بودنوباوي .. تقديم الأمير: عبدالمحمود أبّو
نشر في سودانيل يوم 02 - 08 - 2019


أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين حمدا يوافي نعمه ويكافي إحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله جاء بالحق شاهدا ومبشرا ونذيرا، صلوات ربي وتسليماته عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد
قال تعالى:" الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ" صدق الله العظيم
أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز:
هذه الآية الكريمة بينت مقاصد الحج المتمثلة في تقوى الله وتهذيب النفس والتحلي بمكارم الأخلاق؛ فكل العبادات تترتب عليها مقاصد اجتماعية ومقاصد روحية؛ فشهادة التوحيد تَحَرُّرٌ من الشرك ومن كل أنواع الرق والعبودية لغير الله، والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، والزكاة تطهيرٌ للنفس من الشح والبخل وتحقيقٌ للتكافل الاجتماعي، والصوم كسرٌ لسلطان العادة وتدريبٌ على الصبر وإحساسٌ بألم الحرمان من الطعام والشراب تقوية للشعور بآلام المحرومين، والحج تجردٌ من زينة الفانية وإخلاصُ النية في جميع المناسك" لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ".
أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز
الإنسان مخلوق مكرم ومستخلف ومسئول عن أعماله لينال الجزاء المستحق، قال تعالى:" وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الجَزَاءَ الأَوْفَى وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ المُنتَهَى" إن أمانة التكليف التي حملها الإنسان تقتضي الوعي بثلاثة مفاهيم هي: الاستخلاف والتزكية والاستقامة، إنها مفاهيم تقوم عليها عمارة الكون.
فالاستخلاف: من المفاهيم المحورية في الإسلام لأنه يؤطر حركة الإنسان باعتباره خليفة في الحياة؛ فالمُسْتَخْلِف هو الله سبحانه وتعالى، والمستخلَف هو الإنسان وأخوه الإنسان، والمستخلَف عليه هو الأرض وما عليها ومن عليها؛ والإنسان في مفهوم الاستخلاف عابد مسؤول، مستحضر على الدوام لإرادة الله وقدرته، وهو سيد في الكون بعمارته، لا سيد عليه بالاستعلاء والتسلط والقهر. وخلافة الإنسان في الكون خلافة اقتدائية غايتها العبادة وفق مراد الله وحده في أمره ونهية قال تعالى: " أَلاَ لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ" ووفقا لمفهوم الاستخلاف فإن سعي الإنسان في الأرض سعيٌ حيٌّ يستعين بالتوفيق الإلهي والعون الرباني؛ والسعيُ الحيُّ حركة مسؤولة إما ثوابا وإما عقابا باتجاه الكون والإنسان والحيوان والحياة. قال تعالى: " مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"
والمفهوم الثاني: هو التزكية؛ إنه مفهوم يستجمع معاني النمو والخيرية معا؛ فالتزكية تخلية من الرذائل وتحلية بالفضائل،بما يستوجب للنفس الصلاح في الدنيا والفلاح في الآخرة، ويقابلها التَّدْسِية ومفهوم التدسية قائم على الخفاء والإغواء والإفساد للنفس قال تعالى:" وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا" إن مفهوم التزكية يؤدي إلى كمال التَّخَلُّق ومعناه تحسين الخلق مع الله بأن تعلم أن كل ما يأتي منك يوجب اعتذارا وكل ما يأتي منه سبحانه وتعالى يوجب شكرا؛ وتحسين الخُلْق مع الخَلْق،وذلك ببذل المعروف لهم وكف الأذى عنهم، وهذا يقتضي "أمن الخلق منك، ومحبة الخلق لك،ونجاة الخلق بك". عن ابن عمر رضي الله عنهما:أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد شهرا, ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام".
المفهوم الثالث: الاستقامة: وهو مفهوم يقصد به مراعاة البعد الإيماني في عمارة الكون؛ يقول الطاهر بن عاشور: "إن من أكبر مقاصد الشريعة الانتفاع بالثروة العامة بين أفراد الأمة على وجوه جامعة بين رعي المنفعة العامة ، ورعي الوجدان الخاص ، وذلك بمراعاة العدل مع الذي كد لجمع المال وكسبه، ومراعاة الإحسان للذي بطَّأ به جهده . وهذا المقصد من أشرف المقاصد التشريعية".
إن وظيفة الاستخلاف التي كرم الله بها الإنسان تهدف إلى صلاح الدنيا وفلاح الآخرة وفق المنهج العادل والحكيم الذي شرعه الخالق سبحانه وتعالى، وهو منهج ملائم للفطرة ومستجيب لمطالبها، ومُوَفِّق بين الثنائيات التي شغلت العقل الإنساني منذ القدم. قال صلى الله عليه وسلم : " ليس بخيركم من ترك دنياه لآخرته ولا آخرته لدنياه ، حتى يصيب منهماجميعا؛ فإن الدنيا بلاغ إلى الآخرة،ولا تكونوا كلا على الناس" قال الإمام الزمخشري: "كل أي ثقل وعيال على من يلي أمره ويعوله" فلا ينبغي للمؤمن أن يترك عمارة الأرض فيصبح عالة على غيره، متكلا عليه عاجزا عن نفع نفسه ، متكاسلا في صنع حياته ومستقبله، منزويا منكفئا على نفسه، فيتغلب عليه الغير. فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك حيث قال" والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خيرٌ له من أن يأتي رجلا فيسأله أعطاه أو منعه".
أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز
إن مفهوم الاستخلاف في الإسلام يوجب على الإنسان أن يكون إيجابيا في حركة الحياة،يعمل للاصلاح ويمتنع عن الفساد والافساد، وكل عمل يقوم به المسلم إذا كان مشروعا يؤجر عليه ويتحول من العادة إلى العبادة بحسب النية والشرعية؛ بل ذكر الإمام محمد بن الحسن الشيباني أن عمر بن الخطاب كان يقدم درجة الكسب على درجة الجهاد، فيقول: لأن أموت بين شعبتي رحلي أضرب في الأرض أبتغي من فضل الله أحب إلي من أن أقتل مجاهدا في سبيل الله؛لأن الله قدم الذين يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله على المجاهدين بقوله تعالى: " وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ".
لقد حدث إنحر اف في مفاهيم المسلمين أدى إلى تعطيل السعي في الأرض وقصر العمل الصالح في الشعائر الدينية فكانت النتيجة حالة التخلف التي تعيشها أمتنا وعجزها عن القيام بدورها في الشهود الحضاري الذي به نالت الخيرية؛ مع أن التوجيه النبوي واضحا في قوله:" إذا قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليفعل، وفي رواية فليغرسها".
إن الفصل بين العمل الدنيوي والعمل الأخروي أدى إلى انحراف في المفاهيم وإنفصام بين الشعائر والسلوك فأورث كثيرا من المتدينين الانفصام وأوردهم موارد الإفلاس.
الحديث:
قال صلى الله عليه وسلم: " أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكا، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته' فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار" رواه مسلم أوكما قال يغفر الله لي ولكم وللمسلمين أجمعين.
الخطبة الثانية
الحمد لله الوالي الكريم والصلاة على سيدنا محمد وآله مع التسليم
وبعد
قال تعالى:" وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُم مِّنَ العِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الكَافِرُونَ" صدق الله العظيم
أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز
إن انتصار ثورة السودان في 11 أبريل فاجأ كثيرا من الناس منهم العدو ومنهم الصديق؛ وأول من فوجئ بذلك كانوا سدنة نظام الانقاذ، فدخلهم الرعب والخوف من المصير الذي ينتظرهم عقابا على جرائمهم في حق الوطن والمواطن، ولكن التأخير في تكوين الحكومة الانتقالية،- لأسباب معلومة - فتح الباب للثورة المضادة فقامت بتعكير المناخ السياسي والاجتماعي في السودان؛ إن فض الإعتصام بالطريقة البشعة، والاستقواء بعناصر لا علاقة لها بالثورة، والتصعيد المتبادل، وإعلان تقرير لجنة تقصي الحقائق من طرف واحد، وقتل التلاميذ الأبرياء في مدينة الأبيض؛ كل ذلك شوه المناخ السياسي السوداني، وأحدث إضطرابا مقلقا في نفوس المواطنين.
إن تقرير لجنة النائب العام جاء متسرعا ولم يلتزم بالمهنية في التحقيق وغض الطرف عن تحميل المسئولية لمن تشير قرائن الأحوال لارتكابهم هذه الجريمة البشعة التي هزت كل من كان له ضمير حي. ثم إن هنالك اتفاق بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير على تكوين لجنة مستقلة محايدة لتقوم بالتحقيق فما الداعي لهذا الاستباق وفي هذاالتوقيت بالذات؟
إن نعمة الأمن من أكبر الضرورات التي كفلها الله للإنسان؛ بل جعلها من النعم التي تستوجب العبادة له؛ قال تعالى:" فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا البَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ". إن استسهال قتل النفس بالصورة البشعة التي شاهدناها في فض الإعتصام وفي مظاهرات التلاميذ السلمية في الأبيض وتكرر بالأمس في التصدي للمسيرة السلمية في العاصمة؛ هذا الاستهتار بأرواح المواطنين يوجب المراجعة العاجلة لعقيدة القوات التي تحمل السلاح؛ فحمل السلاح يتم بموجب القانون الذي يحصره في جهة محددة، مهمتها حماية المواطن لا قتل النفس البريئة، إن إعادة النظر في عقيدة القوات التي تحمل السلاح واجب وطني ملح؛ وذلك لصياغة عقيدة تلتزم بصيانة كرامة الإنسان وحماية حرياته الأساسية ومنها حقه في التعبير السلمي.
إننا ندين بشدة قتل المدنيين الأبرياء ونحمل المجلس العسكري مسئولية حماية المواطنين لأنه يتولى السلطة الآن بحكم الأمر الواقع إلى حين تشكيل الحكومة الإنتقالية.
إن قتل المواطنين بهذه السهولة جريمة بشعة، والتعامل مع جرائم القتل باللامبالاة لا يقل بشاعة عن جريمة القتل؛ لقد غلظ الله سبحانه وتعالى عقوبة جريمة قتل النفس البريئة لعظم جرمها فقال تعالى:" وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً" فالإنسان بنيان الله ملعون من هدمه، وزوال الدنيا ومافيها أهون عند الله من قتل امرئ مسلم كما نطق الحديث، لقد وقف النبي صلى الله عليه وسلم عند الكعبة وقبلها وخاطبها قائلا "ما أطيبك وأطيب ريحك، وما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفسي بيده لحرمة المؤمن عند الله أشد حرمة منك".
على أصحاب المصلحة أن يدركوا أن خصوم الثورة لن يهدأ لهم بال حتى يُجهضوا كل المساعي الجارية للانتقال من حالة الفوضى الحالية لحالة الإستقرار، مما يوجب عليهم الإسراع في الاتفاق على الوثيقة الدستورية وبعدها تشكيل الحكومة الانتقالية لتتولى أمر البلاد وتعمل بجدية لتحقيق أهداف الثورة التي من أهمها في الوقت الحاضر الآتي:
أولا: تكوين لجنة مستقلة للتحقيق الشفاف في كل جرائم القتل منذ فض الاعتصام وإلى يومنا هذا وتقديم الجناة لمحاكمة عادلة وحاسمة لإنصاف الضحايا وإزلة الاحتقان الذي عم كل السودان قال تعالى:" وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ".
ثانيا: العمل الجاد على إيقاف الحرب وتحقيق السلام عبر الاتفاق مع الحركات التي تحمل السلاح.
ثالثا: وضع برنامج إسعافي عاجل لإنقاذ الاقتصاد وتحسين معايش الناس بتوفير الخدمات والسلع الضرورية اللازمة ليعيش المواطن بكرامة.
رابعا: إنصاف ضحايا الحروب والقهر باسترداد حقوقهم وإزالة الأضرار التي لحقت بهم وتهيئة الأوضاع الكريمة لهم لاستئناف حياتهم في وطن آمن يحترم كرامة المواطن وتكتسب فيه الحقوق والواجبات على أساس المواطنة.
خامسا:العمل على رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب واستئناف العلاقات الخارجية بما يخدم مصلحة السودان.
سادسا: تنقية الحياة السياسية من كل العوامل التي شوهت المناخ السياسي منذ الاستقلال وذلك بالتحقيق في كل الاتهامات لمعرفة الحقائق من الادعاءات الباطلة وإثبات التهمة على كل من تأكد إرتكابه لها ومحاسبة كل الذين ارتكبوا جرائم في حق الوطن بخرق الدستور وارتكاب جرائم الحرب وجرائم ضدالإنسانية ونهب للمال العام وإساءة إستخدام السلطة إلى غير ذلك، لندخل المستقبل بوطن معافى من كل ما يشل حركة تقدمه ونهضته.
سابعا: تهيئة المناخ الصحي لإجراء إنتخابات عامة حرة ونزيهة وشفافة ليختار الشعب من يتولى أمر الحكم بالبلاد بإرادة شعبية حرة.
إن التأخير في تكوين الحكومة الانتقالية المتوافق عليها يرشح البلاد للانزلاق نحو الهاوية ويفتح الباب لكل الاحتمالات التي لا تحمد عقباها؛ أمام المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير مسئولية تاريخية لإيقاف هذا العبث بأرواح المواطنين وتجنيب بلادنا مصير بلدان رأينا عاقبة أمرها خسرا.
إن هذا الشعب الذي بهر العالم بثورته السلمية يستحق الاحترام وهذا الجيل المقدام الذي حقق بصموده ووعيه ووطنيته ثورة ديسمبر لايستحق القتل وإنما يجب أن يكافأ بإقامة نظام حكم ديمقراطي يحقق تطلعاته والأهداف التي ثار من أجلها.
اللهم وفق أهل السودان للعبور الآمن ببلادنا لما مصلحة البلاد والعباد.
وسوف نصلي صلاة الغائب عقب الصلاة على شهداء مدينة الأبيض نسأل الله لهم الرحمة والمغفرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.