شاهد بالفيديو.. (ما تمشي.. يشيلوا المدرسين كلهم ويخلوك انت بس) طلاب بمدرسة إبتدائية بالسودان يرفضون مغادرة معلمهم بعد أن قامت الوزارة بنقله ويتمسكون به في مشهد مؤثر    شاهد بالفيديو.. مطرب سوداني يرد على سخرية الجمهور بعد أن شبهه بقائد الدعم السريع: (بالنسبة للناس البتقول بشبه حميدتي.. ركزوا مع الفلجة قبل أعمل تقويم)    شاهد بالفيديو.. مطرب سوداني يرد على سخرية الجمهور بعد أن شبهه بقائد الدعم السريع: (بالنسبة للناس البتقول بشبه حميدتي.. ركزوا مع الفلجة قبل أعمل تقويم)    الخرطوم وأنقرة .. من ذاكرة التاريخ إلى الأمن والتنمية    السودان يعرب عن قلقه البالغ إزاء التطورات والإجراءات الاحادية التي قام بها المجلس الإنتقالي الجنوبي في محافظتي المهرة وحضرموت في اليمن    "صومالاند حضرموت الساحلية" ليست صدفة!    مدرب المنتخب السوداني : مباراة غينيا ستكون صعبة    لميس الحديدي في منشورها الأول بعد الطلاق من عمرو أديب    شاهد بالفيديو.. مشجعة المنتخب السوداني الحسناء التي اشتهرت بالبكاء في المدرجات تعود لأرض الوطن وتوثق لجمال الطبيعة بسنكات    تحولا لحالة يرثى لها.. شاهد أحدث صور لملاعب القمة السودانية الهلال والمريخ "الجوهرة" و "القلعة الحمراء"    الجيش في السودان يصدر بيانًا حول استهداف"حامية"    رقم تاريخي وآخر سلبي لياسين بونو في مباراة المغرب ومالي    شرطة ولاية القضارف تضع حدًا للنشاط الإجرامي لعصابة نهب بالمشروعات الزراعية    استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وراء تزايد تشتت انتباه المراهقين    بدء أعمال ورشة مساحة الإعلام في ظل الحكومة المدنية    ما بين (سبَاكة) فلوران و(خَرمجَة) ربجيكامب    ضربات سلاح الجو السعودي لتجمعات المليشيات الإماراتية بحضرموت أيقظت عدداً من رموز السياسة والمجتمع في العالم    قرارات لجنة الانضباط برئاسة مهدي البحر في أحداث مباراة الناصر الخرطوم والصفاء الابيض    مشروبات تخفف الإمساك وتسهل حركة الأمعاء    منى أبو زيد يكتب: جرائم الظل في السودان والسلاح الحاسم في المعركة    استقبال رسمي وشعبي لبعثة القوز بدنقلا    نيجيريا تعلّق على الغارات الجوية    شرطة محلية بحري تنجح في فك طلاسم إختطاف طالب جامعي وتوقف (4) متهمين متورطين في البلاغ خلال 72ساعة    «صقر» يقود رجلين إلى المحكمة    بالفيديو.. بعد هروب ومطاردة ليلاً.. شاهد لحظة قبض الشرطة السودانية على أكبر مروج لمخدر "الآيس" بأم درمان بعد كمين ناجح    منتخب مصر أول المتأهلين إلى ثمن النهائي بعد الفوز على جنوب أفريقيا    ناشط سوداني يحكي تفاصيل الحوار الذي دار بينه وبين شيخ الأمين بعد أن وصلت الخلافات بينهما إلى "بلاغات جنائية": (والله لم اجد ما اقوله له بعد كلامه سوى العفو والعافية)    كيف واجه القطاع المصرفي في السودان تحديات الحرب خلال 2025    إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    كامل إدريس في نيويورك ... عندما يتفوق الشكل ع المحتوى    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    قبور مرعبة وخطيرة!    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    البرهان يصل الرياض    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محاصصة أم قسمة سلطة؟ .. بقلم: السفير نصرالدين والي
نشر في سودانيل يوم 17 - 08 - 2019

هذه أيضاً رسالة مفتوحة ليست لأحد، ولكنها لمخاطبة الوطنية والعقل النير فينا جميعاً.
فهي إذن رسالة مفتوحة إلي أؤلئك الذين في طرفي المائدة.
- وهي ليست رسالة إستجداء، أو إنكسار، ولا تخاذل، ولا يجب أن تفهم علي تلك الشاكلة، ولكنها تميمة لإفاقة الضمير قبل فوات الأوان.
-وليعلم الجميع أن الثورة ستظل طريقنا، وأرواح الشهداء ودماء الأبرياء في دارفور، وجبال النوبة، وجنوب النيل الأزرق، وأمام القيادة العامة أغلي من كنوز الدنيا، وشرف الحرائر في كل بلادنا لن يتمرّغ.
-وهي رسالة لا من بين بواعثها هوان أو ضعف، ولا تأتي إنتقاصاً لعزيمة الشباب أو لهيب الثورة المتقد.
-ولكنها رسالة تختلف في شكلها ومضمونها عن رسالتي للمجلس العسكري والقوات المسلحة.
-فهي رسالة ليست ككل الرسائل. فليقرأها من أراد علي هذه الشاكلة وذاك النحو.
أسئلة مشروعة لكل غيور علي الوطن:
ما أصل و طبيعة الصراع السياسي في السودان؟
ما الدافع للثورة علي النظام البائد؟
و ماالدافع لحمل البعض للسلاح؟
ألم تكن شعارات قسمة السلطة والثروة من بين شعارات أخري ومباديء أسست للثورة المسلحة ضد النظام البائد؟
و ألم تستبطن شعارات الثورة الثلاث: حرية، سلام وعدالة والثورة خيار الشعب هذا الحق للجميع؟
ألا تحمل كلمة المحاصصة بين طياتها معاني السعي لنيل نصيب من السلطة والثروة؟
ألا يحق لإخوتنا في الجبهة الثورية العريضة إقتسام السلطة مع الثوار؟
ألم يكن إضعاف النظام البائد قد جاء أيضاً بضغط هائل من الحركات المسلحة؟
ألم يستخدم النظام جزرة السلطة لشق تماسك الحركات المسلحة؟ أليس من بينكم من غره وهج السلطة وصولجان السلطان فأنشق عن رهطه وبايع النظام وأدي القسم واضعاً يده فوق ذاك المصحف الشهير؟
ألم تكن السلطة وراء التشرزم للأحزاب المنضوية في نداء السودان؟
ألم نر إنشقاقات عديدة داخل الحزب والكيان الواحد؟ فإنسل أهل المنفعه من الحزب الأصل أو القومي وجاؤوا بأسماء حرفوا فيها الإسم الأصل بالجديد والتجديد والإصلاح؛ فركبوا صهوة السلطة ردحاً من الزمن؟
إذن الفرق الوحيد الذي يفصل بين كل تلك المفاهييم هو الوطنية. وهي الحد الفاصل بين المحاصصة وقسمه السلطة المستحقة!!.
إن قلتم قسمة سلطة، فهذا حق حقيق، وهو قطاف الثورة نفسها، فالجميع من حقه تقاسم هذه الملكية الفكرية للثورة التي لم يضحي فيها من هم بالداخل فحسب، بل كل من ناضل وحمل سلاحاً فقاتل، أو أمسك قلماً فنافح، أو تبرع بماله في جميع بقاع العالم شيباً وشباباً، رجالاً أو نساءاً، أورفع عقيرته بالدعاء أو تغني بالأهازيج والأشعار الثورية، أو كل أم فقدت فلذة كبدها، وكل أب مكلوم، إحتسب إبن وقلبه فطر، أو كل أخ أو أخت باتوا وقلبهم حسر علي فقد عزيز.
وأنتم إخوتنا في الجبهة الثورية كافة، ففيكم من حمل السلاح يقيناً بقضية، ومبدأ، ومن أمسك الزناد بعزيمة، ومنكم من لم يسعي أو يقبل بالتشرذم أو التشطي أو الإنقسام من أجل وظيفة لمعت وبرقت لها أعينه وسال لها لعابه، ومنكم من له من الكفاءات والخبرات والمعارف ما يؤهله ليتبوأ منصباً يلائمه، فلا تأتونا بأشخاص كما فعل من إنشق وهو لا يحمل مؤهلاً سوي بندقية وضعها من أجل مقعد وزاري، وجلس علي مقعد الإستوزار ذاك، ولم يكن في مقدوره حتي فهم اللغة التي يتحدث بها أهل المهنة.
فأنتم من رحم الشعب السوداني، ومكوناته الأصيلة، نتشارك القضيه معاً، ونؤمن بها معاً، ولا فضل لأحد علي أحد، فالجميع متساوون في النضال، فمن لم يعرفكم بشكل شخصي، فقد رأي سيرة نضالكم، تدافعون علي أهلنا بالغالي والنفيس، أرواحكم، تقدمونها فداءاً له. فأنتم الان مطالبون لأن تقبلوا علي إعادة بناء الوطن، وترسيخ ما ناضلتم من أجله، مبدءاً، لا أجندة، فأرونا ما لديكم؟
ونعي أن دروب الحياة، وشعابها في دارفور، وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق، وفي المنابر السياسية والإعلامية قد عركتكم وعرفت معدنكم، وعزيمتكم، فاليوم هو يوم الوطن والوطنية، فأخلعوا عنكم كل عباءة إلا عباءة الوطن.
إن عمق القضية في دارفور، لا يقف علي معسكرات النزوح الداخلي في أبوشوك، وكلمه، والسلام، ودريج، وزمزم، ومهاجريه، (القديم والجديد) وشعيرية، (هذا غير المعسكرات الصغيرة الأخري)، بل تتعداها لمعاناة اللجؤ لدول الجوار، في تشاد وأفريقيا الوسطي، (وآلاف القتلي والجرحي، والمغتصبات من حرائر بلادي). والجروح الغائرات في النفس قبل الجسد.
يوماً ما في حياتي العملية بادرت بالسفر إلي بقاع دارفور وعلي مرات متعددة ومختلفه، فكنت في معية كل من رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ آنذاك John Kerry، والمبعوث الأمريكي الأسبق Scott Gration، وعضو مجلس النواب السابق Keith Ellison، وعضوي مجلس الشيوخ السيناتور Bob Crocker ، Johnny Isakson؛ والرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر؛ في زيارات إلي الفاشر، ونيالا، وكاس، وزالنجي في منطقه جبل مرة، للإلتقاء بشيوخ المعسكرات والنازحين في ربوع دارفور. وعندها رأيت جزءاً يسيراً من المعاناة والمشقة، والظلم وإمتهان الكرامه للمواطن في بلده وفوق أرضه وزرعه وضرعه. ولا أظن أن المرء بحاجة لشهادة أبلغ من تلك لمعرفه جزء من حجم المعاناة، والضيم والقهر الذي تحمله شعب مسالم في وطنه وبلده وترابه لا لجريرة إقترفها أو جرم إرتكبه، فوقع عليه قهر لا يُطاق وتهميش قاس عاناه، فرفضه ونبذه، فأعملوا فيه آلة الحرب والقتل والتشريد بلا هوادة وتحت بصر العالم.
الإستعلاء العرقي وتعميق المأساة.
زياراتي تلك رسخت في ذهني حجم وعمق النظرة العنصرية والإستعلاء العرقي الموجه نحو قبائل إقليم دارفور في عهد النظام البائد من جهة، والأثر البالغ للحرب والدمار والتشريد الذي وقع علي أهلنا في دارفور المسالمة.
النظرة المستقبحة والفكر المعوج قسم السودانيين إلي ما يسمي (بأولاد البحر وأولاد الغرب). ولمن لا يعرف القبائل في دارفور، فهي قبائل عديدة، تختلف أصولها، فمنها القبائل والسكان الأصليين لإقليم دارفور، والبعض الأخر تمثل قبائل تنحدر أصولهم من خليط من العرب الذين نزحوا إلي السودان من المكون العربي من أقصي شمال غرب إفريقيا بعد إنهيار الأندلس وبدء الهجرات العربية في طريق العودة إلي الجزيرة العربية عبر طريق الصحراء أو طريق الحج من نوق الشط (نواكشوط) مروراً ببلاد فاس(المغرب) وجبال أطلس الصغير وأطلس الكبير في المغرب، وتونس الخضراء كما كان تتغني القبائل الحامية من أهلنا من (التعائشة وأبناء عمومتهم (الجنيد والمجنود) والرزيقات والبني هلبه، والمسيريه والمعاليا وغيرها من القبائل العربية النازحة) ، ونواحي الجزائر وبلاد البربر، والشلوح في جنوب الجزائر وليبيا حتي تخوم الصحراء قبيل النيل)؛ وكان السكان الأصليون في دارفور يقطنون في كل المساحة في كل إقليم دارفور الشاسع.
عبارة دارفور قد أصبحت في عهد النظام البائد تنطوي علي نظرة دونية، وكرست عبر ثقافة خبيثة، ورويدا رويداً بدأت تتسرب للتراث الثقافي الشفهي الدخيل، متمثلاً في الأغاني والأهازيج التي تشير وتكرس لتلك النظرة الدونية، فأصبحت الفتيات يتغنين (بود الغرب، وود فور، وبنيه نوبيه سموها زبونه؛ وغيرها من كلمات أغاني البنات في الحفلات) ومن ثم طفحت هذه النعرة المتخلفة والإستعلائية علي مجمل التعامل الإجتماعي حتي أصبحت ثقافة مقيته وبرزت معها إنتهاكات إنسانية جسيمة (وهناك تسريب منسوب للرئيس المخلوع مستقبح للغاية يتحدث فيه بتندر وبعبارات لا يمكننا إيرادها، ولكنها تحض علي تكريس الإستعلاء الشديد).
فالسودان بلد لم يكن في الأصل سوي بلد إفريقي، تقطنه منذ القدم قبائل إفريقيا لها حضارة ومجتمع له قيمه ومبادئه وأعرافه وموروثاته وعقده الإجتماعي. وتعتبر مملكة كوش أقدم الممالك الإفريقية. وإن كنّا لسنا نبحث الآن في أصل الحضارة في بلادنا وتاريخها لنثبت أن للسودان حضارة قديمة وعريقة، فقد أثبت علماء الأثار والحضارة قدم حضارة بلادنا، وصنف السودان كسابع دولة علي مستوي العالم من حيث الثراء الحضاري، وأن بالسودان ما يقارب 300 هرم بارز، ولنا في العالم الدولي شارل بونيه أسوة، فقد عكف علي دراسة الحضارة السودانية علي مدي أربعين عاماً ونيف، وأثبت أن الحضارة النوبية في بلادنا أقدم من وصيفتها في الجارة مصر، بل أن الحضارة النوبية السودانية تنحدر نحو الشمال كما النيل في مسيره وصيرورته التاريخية. ولكننا هنا بصدد الحديث عن أن بلادنا في الأصل لم تكن سوي دولة إِفريقية يسكنها خليط من السكان ذوي الأصل الإفريقي، ويمثل النوبيون المجتمعات الأكبر ويمتد تواجدهم علي طول النيل، وهم بناة الحضارة النوبية في السودان ومصر، وأن القبائل الأفريقية هم السكان الأصليين للبلاد. وهم قبائل مشهود لها بالشموخ والكبرياء والسماحة في الخلق، وهم شعوب مسالمه لا يعتدون علي جيرانهم ولم يعرف عنهم أنهم شنوا حرباً علي أي من الشعوب حولهم، بل ظلوا يعيشون في سلم وسلام اجتماعي، فتزاوجوا وتناسلوا فيما بينهم.
وعند بدء الفتوحات الإسلامية، وبفعل موقع السودان، أصبحت بلادنا معبراً من الشمال إلي العمق الأفريقي، ومن الغرب إلي الجزيرة العربية، وكانت تلك هي بداية دخول العرب والإسلام معاً، فكانت رحلات التجارة من عبر مصر وإلي السودان، ورحلات العودة للجزيرة العربية من جبل طارق وطليطلة والأندلس عندما إشتد الشوق علي العرب لديارهم، فعبروا الصحراء وفيافيها عبر ما عرف فيما بعد بطريق الحج الذي يمر تحديداً بمدينة بربر، فبدأت الثقافة العربية واللسان العربي في التسلل إلي الكيان النوبي والأفريقي في بلادنا، وبدأ الإختلاط والتزاوج بين السكان الأصليين والعابرين من العرب أو الأعراب، وبدأ المجتمع السوداني في التشكل كشعب مستعرب لا عربي، حتي أصبح فيما نحن فيه الأن من مزيج من كل ذلك الخليط الإنساني. وبالتالي فإن أي إدعاء بعروبة السودان الصرفة موضوع غير حقيقي. بيد أن نزوح العرب وعبورهم لأراضي السودان الشاسعة بخيولهم وجمالهم وماشيتهم قد كرس لدي البعض جهلاً؛ بأنهم كرعاة وملاك للثروة (للسعية) مقابل سكان أصليون يفلحون أرضهم ويعيشون في سلام، بأنهم هم الأعلون ، وهذه الثقافة الدخيلة لا تجدها في السودان فحسب، بل تجدها عند كل القبائل الرعوية علي إمتداد إفريقيا، كالبول في غرب إفريقيا (أو كما نسميهم القرعان في السودان) .
آله القتل تلك حصدت أرواح العديدين من المواطنيين العزل المسالمين في كامل إقليم دارفور، وأطل شبح الإنتهاكات الجسيمة برأسها، وأعلن بعض رموز النظام إنتهاج سياسة الأرض المحروقة والتطهير العرقي، حدث ذلك في دارفور منذ عام 2003، مع تفجر الحرب الداخلية التي قادها النظام البائد في هذا الإقليم المسالم أهله ، وتوقفت مرة أخري عجلة الإنتاج في هذه المناطق الملتهبة بعد أن أضطر أبناءها لرفع السلاح بوجه النظام وآلته العسكرية التدميرية الضخمة للدفاع عن أنفسهم وعرضهم وأرضهم، وإنضمت مناطق الحرب في جنوب النيل الأزرق وجبال النوبة إلي صنوف أخري من الإنتهاكات والقتل وسياسة التطهير فيها، فبدأت الهجرة القسرية والنزوح الداخلي والخارجي أيضاً، وزادت معها أثارهما المدمرة والمؤلمة.
أتصطدم الثورة بحائط قسمة السلطة الآن؟
يوم واحد فقط، يفصل الشعب السوداني قاطبة من حلم كبير ظل يراوده لعقود، عقود واجه فيها إقصاء لا قبل لأي شعب به، عرف بيوتاً سميت ببيوت الأشباح، أشبع فيها ضرباً، وركلاً، وتعذيباً وتقتيلاً، وواجه سجوناً في كل بقاع بلاده، وواجه تشريداً من وظيفة مستحقه، وقيل له أذهب إلي الشارع من أجل (الصالح العام)، وأي صالح عام هذا؟، صالح ليحل مكانه شخص آخر، شخص جيء به لأنه من أهل ولاء لمن إغتصب السلطة ليلاً، وقيل (الولاء قبل الأداء)، وأي أداء؟ وحورب في عيشه، وواجه ظلماً وقهراً لا تتحمله الجبال، وواجه طرداً من بلاده وموطن أجداده، وأجبر قسراً علي هجرة في بلاد الله الواسعة، فخرج وبمآقيه دموع لم تجف حتي الآن، وقصه في حلق، وقلب مفطور، مسلماً بقدره مولياً وجهه شطر المشرق والمغرب، فولدت أجيال في الشتات لا تكاد تعرف لغتها أو أرثها أو تاريخها، أجيال لم تعرف بعانخي، أو تهراقا، شباباً لا يعرفون حتي وجوه جدودهم وجداتهم،أعمامهم وعماتهم، ويسمونهم جميعاً (These are family)، أجيال لا يعرفون التراث الثقافي السوداني الشفهي، بل لا يفرقون بين (ملاح التقلية أو ملاح الورق، أو السفروق فيسمونه (Brown or The Green Sauce ). والحمد لله علي نعمة ثورة ديسمبر أبريل التي أعادت عزة السودان وكرامته في نفوس هذه الأجيال، وها هي قد شمرت ساعد الجد لبناء وطنهم.
فهل لكم أن تتذكروا:
إن المحاصصة بمفهومها البائد ستكون الرصاصة التي ستقتل أحلام الثوار والسودان الجديد. فمن يلجأ لها وللواجهات السياسية لنيل مقعد فإنه يعرف في قرارة نفسه بأنه سيضيف بقلم الرصاص في آخر سيرته الذاتية (كلمة أعلن ولائي لكم؛ فأنتم من وقف وراء ترشيحي وتعييني في المنصب الوزاري). لأنه يعلم بأن ذلك هو الطريق الوحيد ليتمكن من قطف ثمرة من شجرة الثورة!!!.
أن وزارة الإنتقال ستكون وزارة طارئة، وتكليف صعب، تكتنفه تحديات لا قبل للمحاصص من تلك الشاكلة بها، فإن أمامه واجبات زهقت فيها أرواح الشهداء الطاهرة، وسالت فيها دماء الجرحي الزكية، غايتها وهدفها الرئيس الإنقلاب علي الواقع المريض، وإقتلاح جذور الفشل وتواتره، وإرساء الأسس الإسعافية الشاملة الجديدة لإعادة الإعمار، والإصلاح الهيكلي، ومعالجة الواقع المريض، فهي إذن تستدعي الجراحة الضرورية والعاجلة؛ فهي مناصب ليست ككل المناصب، فهي مناصب يحرسها الشارع الملتهب، وثوار يأكلون الجمر لا يقبضونه. يعرفون بأن عهد الجلوس علي الرصيف وضرب الكف بالكف تعجباً، لمن غلبه الأمر وقلة الحيلة كما فعل الشعب السوداني علي مدي ثلاثين عام قد إنتهي وإلي الأبد ودون رجعة. والثورة غدت ملكية فكرية وثقافيه للشعب السوداني قاطبة.
و أن مناصب الإنتقال دونها مهج أخري تشتهي الموت، ودماء ساخنة ستطفر في أي وقت، ومتارييس، وشارع مل الجلوس والتسليم بإتفاقات الترضيات. تخيلوا أن تفتحوا أعينكم صباح إتمام الإتفاق لتفاجؤون بشخص يتأبط ملف وزارة بدعوي الكفأة والمهنية (تكنوقراط) فيبدأ مهمته بما يسمي (conflict of interest) وريقه صغيرة حشرت بين أوراق ملفه. (تقول له تذكر: نحن من جعلناك وزيراً)، هذه الوريقة تجعل ضرورات الإنتقال وأجندة الجهة التي ساندت ووقفت خلفه حتي نال المنصب في تضاد؟؟.
هناك وزارات لا تقبل هذا الوضع البته. فوزارات السيادة، كالخارجية والداخلية والمالية كمثال، سيكون من يتقلدها بهذه الكيفية كقناص يعي في قراره نفسه أن التناقض بين ما يتوجب عمله وما يري أنه يرضي به من لجأ إليه من الواجهات لإقتطاف ثمار حلم يدغدغ مشاعره. لكن يسكره المعقد الذي سعي له، فلا يأبه، فحذاري، وحذاري من ذلك القناص فهو كما القناص الذي تسلل وإقتنص أرواح الشهداء من سطوح مباني الخرطوم في رمضان.
وزارة الإنتقال، تحتاج إلي مهني بكفاءة عالية وثيقة العلاقة بالمنصب، شخص يعرف ويعي دوره وتكليفه، ويقوم بالإضطلاع بما يتوجب عليه منذ اليوم الأول لتقلده المنصب، لا شخص برباطه عنق زاهية يتقمص دور المصلح، وإن كان ذَا كفاءة، وعندما يجلس علي كرسي الوزارة يتلفت يمنة ويسري، ولا يعرف من أين يبدأ!!. وأنتم لا تعدمون الأكفاء، فهم من بينكم، ومن شرد علي مدي أعوام خلت ، وهم كثر، ويمشون بينكم الان.
وأن النظام البائد الذي تعلم الحلاقة في رؤوسنا نحن اليتامي؛ جموع الشعب السوداني؛ قد كان يحمل رصاصات الرحمة لوجوده في جيبه؛ فرأينا العجب العجاب في التعيينات؛ فمنها ما كان لكل من حمل السلاح في وجهه ، و هو ذات من رفع شعار وسلاحه لمحاربة النظام، ومنهم من جاء ليظفر بمنصب رفيع متمثلاً لا ممثلاً لفرع أميبي صغير (قافزاً علي ظهره للوصول للمنصب)، منسلاً من حزب كبير جاهر بالعداء فتشظيه يخدم مصلحة النظام وليس الحزب الأم، حتي أصطلح علي تسميتها (أحزاب الفكة)، فلم نري يوماً قامه علمية أو كفاءة تبوأت أي منصب.
فهل لكم أن تتذكروا؟؟؟.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.