صدر تصريحٌ صحفيٌّ من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني يوم الإثنين الموافق الثاني من شهر سبتمبر 2019، بعد اجتماعٍ استثنائيٍّ عُقِد ليومين، الثلاثين من أغسطس 2019 و الأول من سبتمبر 2019م. ومن خلال ذلك الإجتماع خرجت اللجنة المركزية بقراراتٍ ، وفقاً لتصريحها الصحفي، تمثلت في الآتي : 1. التأكيد على قرارها السابق بعدم المشاركة في كل مستويات الحكم خلال الفترة الإنتقالية (السيادي،الوزاري،التشريعي). 2. التأكيد المُسبب على رفض الوثيقة الدستورية. 3. مواصلة النضال الجماهيري في النقابات ولجان الأحياء. 4. قيام الندوات والليالي السياسية والتمسك بلجنة التحقيق المستقلة الدولية والتصدي لكوارث السيول والفيضانات ومواجهة ازمات تردي المعيشة والخدمات حتى تحقيق اهداف الثورة في الحكم المدني الديمقراطي، ورفض الفتنة القبلية والعنصرية التي تمت في مدينة بورتسودان والقضارف وكسلا، مع الدعوة إلى التعايش السلمي، وقطع الطريق أمام فلول النظام البائد لنسف السلام الاجتماعي، بهدف زعزعة الاستقرار والاستيلاء على الموانئ لمصلحة دوائر اقليمية. 5. عقد مؤتمرٍ صحفي يوم الأربعاء الموافق الرابع من شهر سبتمبر 2019م الساعة الواحدة ظهراً بالمركز العام للحزب الشيوعي لشرح موقفها التفصيلي من قراراتها. لاشك أن للحزب الشيوعي أدواراً نضالية تاريخية وآنية مُقدرة، وهو موضع احترامٍ وتقديرٍ من قِبل العدو قبل الصديق، وله في ثورة ديسمبر المجيدة إسهامات أقر بها الشعب ووافقه عليها، وسار معه على دربها، رغم وعورة الطريق، الذي انعدمت فيه المصابيح، وكانت الأعين والألباب هي الهادي. ولكن يبدو لي أن ثمة ضباب سيحول دون رؤية تلك الجماهير الثائرة لمقصد أصدقائنا في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي من التصريح الأخير وحقيقة مُخرجات ذلك الإجتماع الخاص باللجنة المركزية للحزب للأسباب الآتية : 1. إن رفض الوثيقة الدستورية إجمالاً، رغم تعديد مسببات الرفض داخل التصريح الصحفي، يعني عدم الإعتراف بما سينتج عن تلك الوثيقة ويترتب عليها ، وأولها هياكل السلطة الثلاثة، أي أن الرفض يشمل مجلسي السيادة والوزراء والمجلس التشريعي مستقبلاً، وكل ماحوته تلك الوثيقة من نصوصٍ. 2. إن كان المقصود هو ذلك الرفض المُجمل؛ فأراها مصيبةً وكارثةً سياسية ، ولو كان الغرض هو رفض ما أتت به الوثيقة من بعض نصوصٍ معيبة من شأنها تعويق مسار الفترة الإنتقالية، فهنا كان لابد من بيان ذلك بوضوحٍ في التصريح الصحفي، لا أن تُصاغ عبارات التصريح في هذهِ الجزئية بطريقةٍ توحي بشمولية وعمومية الرفض لا جزئيته. فرجل الشارع العادي من شأنه قراءة الرفض المجمل مع القرار المُبيّن في التصريح " بمواصلة النضال الجماهيري في النقابات ولجان الأحياء".. عندها يحق له التساؤل : مواصلة النضال ضد من، ولأيّ غرضٍ.. وبأيّة آلية ؟! 3. للحزب الشيوعي كامل الحق في رفض مشاركة أعضائه في الهياكل الثلاثة للسلطة الإنتقالية، وإن كنت أرى مجانبة التوفيق لقراره هذا فيما يخص المجلس التشريعي، فتلك ارادته ومشيئته اللتان لا حجر عليهما. ولكن إذا خرجنا من الصندوق، وقرأنا هذا الموقف من عَلٍ بالتزامن مع التصريح الصحفي وما حواه، سنصاب بهاء السكت! إذ سبق للحزب الشيوعي أن قال قولته المبدئية من قبل : ألا مشاركةً في هياكل السلطة الإنتقالية الثلاثة مع الاحتفاظ بموقعه داخل تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، والتي يتواجد فيها بحكم وجوده في إحدي الكتل المكونة لهذا التحالف، ألا وهي كتلة قوى الإجماع. بالتالي، فإن ذلك التصريح الصحفي الصادر من لجنته المركزية والقائل بإجمالية رفض الوثيقة الدستورية، ثمّ تصعيد النضال، سيقودنا إلي معناً أوحد لا ثانٍ له، وهو انسحاب الحزب الشيوعي غير المُعلنِ من تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير! وأبعد من ذلك، انسحابه أيضاً من كتلة الإجماع الوطني، التي من خلالها يتواجد داخل تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، خاصةً إذا استصحبنا بعض التصريحات السابقة لبعض قيادات ومنسوبي شريكه الأكبر داخل تلك الكتلة ومواقفه المناهضة لموقف الحزب الشيوعي، وأعني حزب البعث العربي الاشتراكي بزعامة محمد الريح السنهوري، وعدم معرفة حقيقة موقف الشريك الثالث، وهو الحزب الناصري! 4. على ضوء ذلك التصريح، وبعض ما سبقته من مواقفٍ، أجدني لا أملك إلا نُصحاً نبيلاً ومُخلصاً أسوقه للحزب الشيوعي، والذي تجمعني معه كديمقراطيٍّ، تحالفات دون إنتماء لعضويته، و صداقاتٍ مع عدد من قياداته السابقة والحالية، أنه إذا لم ينجلي هذا الغموض ببيانٍ توضيحي من الحزب الشيوعي لحقيقة مقصده من التصريح الصحفي ، فينبغي شرح الموقف الحقيقي داخل المؤتمر الصحفي المُعلنِ عنه، أما إذا سار ذلك المؤتمر الصحفي على نفس درب التصريح المشار إليه دون جلاءٍ لمواطن الغموض، أو كان موقف الحزب هو ذات ما جاء في التصريح؛ فينبغي أن لا يلازم اللجنة المركزية، ولا السكرتارية السياسية عشمٌ، أن الشارع الذي تملّك الحزب مفاتيحه منذ يناير 2018 وحتي يونيو 2019، سينصاع له هذهِ المرة، خاصةً فيما يخص نبيل المقاصد التي أشار إليها التصريح الصحفي، و المتعلقة بنجاح أي حملةٍ أو حشدٍ جماهيري للضغط على مجلسي السيادة والوزراء، فيما يخص المطالب المشروعة تحقيقاً لأهداف الثورة. وعِوضاً عن ذلك، أرى كإستكمالٍ لنُصحِ حادبٍ ، أنه يتوجب على الحزب الشيوعي أن يُضافر جهوده نحو طعن الفيل مباشرةً لا ظِله، بإصلاح مواطن الخلل التي تسببت في إضطراب الموقف السياسي، وأعني هنا الوثيقة الدستورية، غض النظر عن الأسباب والوقائع التي أدت لخروجها بذلك الشكل الشائه، وكما أسلفت في مقالٍ سابقٍ، أن إمكانية تعديل تلك الوثيقة، في ظل غياب وعدم تعيين أعضاء المجلس التشريعي، ليست بمُعضلةٍ شائكة، فالتعديل متواتٍ في اجتماعٍ مشتركٍ يضم أعضاء مجلسي السيادة والوزراء، بحيث يسهل التعديل بأصوات أغلبية ثُلثي أعضاء المجلسين، والأغلبية هنا ستكون للحرية والتغيير. وقبل وأثناء ذلك، لابد من العمل بجدية داخل مكونات الحرية والتغيير، لإصلاح مواطن العطب التي اعترتها، وجعلتها تتنكب الطريق، بحيث لا تتباين مواقف من رشحتهم للمجلسين، حتى يبدو كما الغرماء أو القادمين من أرحام مختلفة، ثمّ تقوية مواقف ورؤى رئيس الوزراء لا إضعافها، فتلك التقوية والمساعدة من قبل الحرية والتغيير - بعد إصلاحها وهدايتها- من شأنها تحقيق ما تصبو له الجماهير . للحزب الشيوعي مسؤلية تاريخية وقيادية في هذا المنحنى ، ولابد من التصدي لها في إطار عملٍ جماعيٍّ، أساسه المكاشفة والشفافية، فلا زال في الوقتِ مُتسعٌ لبداياتٍ جديدة. محمود،،، Mahmoud Elsheikh