شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالفيديو.. بشريات عودة الحياة لطبيعتها في أم درمان.. افتتاح مسجد جديد بأحد أحياء أم در العريقة والمئات من المواطنين يصلون فيه صلاة الجمعة    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح: بدأت قواتكم المشتركة الباسلة لحركات الكفاح المسلح بجانب القوات المسلحة معركة حاسمة لتحرير مصفاة الجيلي    مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وزير الصحة: فرق التحصين استطاعت ايصال ادوية لدارفور تكفى لشهرين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فشل ياسر عرمان ..... (الحلقة الثالثة) .. بقلم: الدكتور قندول إبراهيم قندول
نشر في سودانيل يوم 24 - 11 - 2019

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
إنّ مصطلح تقرير المصير ليس حقاً ديمقراطيَّاً فقط كما اختزله ياسر عرمان اختزالاً، وابتذله ابتذالاً، فتعريفه اصطلاحاً كما جاء في ميثاق الأمم المتَّحدة هو "حق قانوني مشروع لأي مجتمع يقطن رقعة جغرافيَّة معينة، وله هُويَّة متميِّزة ليحدِّد طموحاته السياسيَّة، ويتبني النظام السياسي المفضَّل له إذا عجزت الدولة في المحافظة على وحماية حقوقه، وذلك من أجل تحقيق تلك الطموحات دون تدخل خارجي أو داخلي". هذا هو التعريف الذي تحاشاه ياسر والذي ينبغي أن يعرفه كل سوداني، لأنَّ فهم هذا التعريف سيقود حتماً إلى عقد حواراً إيجابيَّاً مثمراً بين الفرقاء السُّودانيين للوصول إلى وفاق وطني مستدام.
أما وصف ياسرعرمان طرح الحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان بالإثني فيعتبر هذا الوصف إفلاساً سياسيَّاً لأنَّ ليس له ما يقدِّمه كما رأينا في عملية "أقطع وألصق" لأهداف الحركة الشعبيَّة. العمليَّة التي عكست تمترسه وتقوقعه في نفسه لقصر رؤيته في محيطه فقط، وسقوطه نتيجة تخليه عن المبادىء. فالأقدار وغدرها هي التي جعلته يتبوأ مكاناً رفيعاً في الحركة الشعبيَّة لتحريرالسُّودان – شمال التي تعتبر حاضنة له منذ التحاقه بها لأسباب شخصيَّة يعلمها الكل، أو المقرَّبون من تأريخه منذ كان طالباً في جامعة القاهرة فرع الخرطوم. وإشارته إلى إطالة الحروب الإثنيَّة فمجروحة إذ لم، وسوف لن تقوم هناك حرب بين القبائل المختلفة في جبال النُّوبة بعد السلام. صحيح، هناك حرب أهليَّة ولكهنا بين الحق والباطل، أي بين الظالم والمظلوم، وللأسف وقف بعض المظلومين في خندق واحد مع الباطل والظالم بدافع الحفاظ على امتيازات ضعيفة، ورتبٍ وألقابٍ غير حقيقيَّة. وأما إذا كان ياسر يقصد "ما حدث" في النيل الأزرق بعد المفاصلة، فهو يعلم تماماً أنَّ الاقتتال القبلي الذي وقع هناك سبَّبه هو، ولولا أنَّ مالكاً تبعه لما "حدث ما حدث" من القتال ومن اغتيال القائد الشهيد علي البندر السيسي.
إنَّ أكبر تناقض لياسر عرمان هو إقراره بأنَّ "الغرض من تقرير المصير هو الوصول إلى سلام دائم" بعدما أنكره، ليبرهن أنَّه لا يثبت على مبدأ ولا رأي واحد، والمصيبة الكبيرة هي أنَّه لا يدري أنَّ الشعب قد سئم وملَّ، بل أحسَّ بالفتور من حديثه المكرَّر المتناقض والمضلِّل. فليس هناك أدلَّ من أنَّ سامريه ورفاقه أو على الأصح شركاءه بدأوا يتنصَّلون منه، وينفضون من حوله رويداً رويداً، كما ذكرنا سلفاً. فإذا كان ياسر يبحث عن الشهرة وعن المال فقد نالهما بما فيه الكفاية بامتهان السياسة والإتجار بقضية البسطاء. ففي الحقيقة لا أحد يعرف لياسر مهنة امتهنها، ولا وظيفة طُرد منها تعسفياً، ولا تظلُّم هو من أحد، بل الشعب السُّوداني متظلِّم منه. وإن كنتم في ريب مما نقول "فأسألوا جماهير الأراضي المحرَّرة في جبال النُّوبة والنيل الأزرق"! وياسر عرمان هو الذي رفض تسليم عهدة الحركة الشعبيَّة من المال والملفات الحساسة المتعلِّقة بمفاوضات السَّلام التي تخص قضية الشعب السُّوداني بعد أن سحبت الحركة الشعبيَّة الثقة منه.
فلشرعنة موقفه عمل ياسر بالتضامن مع عقار في وصف إجراءات تصحيح مسار الحركة الشعبيَّة بالانقلاب، وكتبا في ذلك ما لم يقله مالك في الخمر من التحريم القاطع! فما لبث ياسر وعقار يجولان بحرية وأمن وسلام وسط الانقلابيين (كما أخذا يزعمان) في عقر دارهم. ليس ذلك فقط، بل أطلقت نساء النُّوبة زغاريد الفرح بمقدمهما، دون أن تُراق قطرة دمٍ واحدة، فأي انقلاب في حركة ثوريَّة لم تسل فيه الدماء؟ وأي انقلاب يسمح منفذوه للرئيس المخلوع "مالك عقار" وسكرتير تنظيمه (ياسر عرمان) بممارسة عملهما بصورة طبيعيَّة؟ أيُّ نوع من الانقلابيين هؤلاء الذين أمسوا يدعون الرئيس المخلوع إلى إدارة الأزمة وتسيير شؤون الحركة الشعبيَّة إلى حين انعقاد المؤتمر العام الاستثنائي بعد 60 يوماً من الانقلاب إياه؟ في الحقيقة، بدلاً من أن يحدث لهما ما لا يُحمد عقباه، انطلقا إلى حيث جاءا أحراراً ولم يمسسهما قرح، وطفقا يرميان الحركة الشعبيَّة وجماهيرها بألسنٍ حدادٍ.
على أية حال، غضب ياسر غضباً شديداً وشمَّر ساعديه – تأسياً لما حدث - فقام بشق الحركة الشعبيَّة مستخدماً اسمها ومستغلاً أدبياتها، وفكرها السياسي مع الخروج عن مفاهيمها ومبادئها الجوهريَّة التي تدعوا لتحقيق السُّودان الجديد. فعل ذلك نكاية أو تشفياً في وإغضاباً لقيادة القائد عبد العزيز آدم الحلو، وجماهير الحركة الشعبيَّة المؤمنة بعدالة قضيتها، بدلاً من العودة إلى تنظيمه "الحركة الشعبيَّة للديمقراطية والمواطنة"، كما ذكرنا في الحلقة الماضية، أو أي اسم آخر. وفي خطوة ماكرة، ولا يحيق المكر السيىء إلا بأهله، نصَّب نفسه نائباً لرئيساً للجناح الجديد، وأسرع لضم إسماعيل خميس جلاَّب سكرتيراً عاماً له وبدون أعباء. عجباً، والعجب فزعٌ يأخذ الإنسان عند استعظام الشيء، لقد سبق أن أصدر مالك عقار قراراً قبيل المفاصلة إياها، يقضي بفصل خميس جلاَّب من الحركة الشعبيَّة وتجريده من كل الألقاب والمهام التي كان يقوم بها.
ومهما يكن، وفي أبشع صورة من صور الانتهازية وكأول بادرة سيئة في تاريخ الثورات قام الثلاثي المرح بطباعة صورتين لأنبل مناضلين وثوريين اثنين أنجبتهما العبقريَّة السُّودانيَّة حتى الآن، الدكتور جون قرنق دي مبيور، والمعلِّم يوسف كوة مكي، ليس لتخليدهما وإنَّما لاستمالة عواطف وتأييد الذين لا يعرفون أهدافهم الحقيقيَّة. بيد أنَّنا نعي حق عقار وياسر في تأسيس تنظيمهم الخاص وليس استغلال اسم الحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان – شمال، ولا أدبياتها ومبادئها أو صور المناضلين المؤسسين لها. فبإلإضافة إلى سوء استغلال الصور، فإصرارهما على استخدام اسم الحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان – شمال، خلق ولا يزال يخلق ربكة شديدة وسط جماهير الحركة الشعبيَّة، والمجتمع الدولي والمهتمين بقضايا الهامش السُّوداني. بالطبع هذا ما يرمي إليه ويقصده ياسر عرمان. إلى هذا الحد لا يسعنا إلا مناشدة الشعب السُّوداني عامة، وجماهير الحركة الشعبيَّة بصفة خاصة، وأبناء جبال النُّوبة والنيل الأزرق على وجه الخصوص، وبمختلف إثنياتهم وتوجهاتهم، وأينما كانوا باستنكار هذا السلوك الاستغلالي، واللاأخلاقي الذي يُظهِر الروح العدوانيَّة والخصومة السافرة من ياسر تجاه رفقاء الأمس.
ومن نافلة القول، نضيف أنَّه لم يسمع أحد من جلاَّب شيئاً غير بيانات مقتضبة وفي أوقات متقطعة، ومهمورة باسمه، وكانت تشتم منها رائحة لغة وأسلوب ياسر عرمان المعهودين. بالإضافة إلى تلك البيانات كان جلاَّب يظهر وهو ضاحكاً أو مبتسماً فرحاً في صورٍ نادرة ومشبوهة مع ياسر وعقار، ولا شك في أنَّ غرضها يتمحوَّر في العلاقات العامة فقط. لنترك جلاَّب ونعود إلى ياسر عرمان الذي لا تقل تصرفاته عن كونه طابوراً خامساً أو "غوَّاصة" أمنيَّة، كما يصطلح النشطاء في السُّودان على تسمية رجال الأمن المخترقين للأحزاب السياسيَّة لخلق منهم أحزاب "الفكة"، والفكة كناية عن الامتيازات التي كانت تُدفع لرؤسائها.
لقد أجرى ياسر مقارنة غير واقعيَّة ولا منطقيَّة بين جبال النُّوبة وجنوب السُّودان وربط تلك المقارنة بمسألة مَنْ يحق له التصويت في جبال النُّوبة وفي النيل الأزرق. والمقارنة تلك أراد بها صاحبها – ياسر - فتنة قبليَّة بين القبائل التي تعيش في المنطقتين، وهذه هي عقليَّة فرِّق-تسد التي تسيطر عليه. الحركة الشعبيَّة تعي تماماً أنَّ التصويت لممارسة هذا الحق عملية ديمقراطيَّة وأنَّ نتائجها مرهونة بتحقيق المطالب المعروفة لأهالي المنطقتين وقد يكون التصويت لصالح نظام سياسي خاص بهم، أو البقاء تحت سلطة مركزيَّة تسوسهم بمزاجها هي. هنا يبرز السؤال الهام وهو: لماذا التخوُّف من ممارسة حق تقرير المصير إذا كان ياسر واثقاً من هزيمة الطرح؟ وإذا لم يكن فيه تهديد مباشر للامتيازات التاريخيَّة لنخب السُّودان في الشمال أو في جبال النُّوبة والنيل الأزرق، فلماذا إرهاب الناس وترغيبهم عنه؟ في الحقيقة إنَّ غالبية سكان المنطقتين، سواء مع تقرير المصير أو ضده، شركاء في المحنة. ومع ذلك، للأسف الشديد إنَّ بعضاً من أبناء المنطقة انخدعوا بخزعبلات سلاطين وأمراء المركز الإقصائي، وحوصروا بمتاريس أصحاب المآرب الضيقة الذين يعيشون عيشةً راضية ورغدة في بيوت من زجاج سواء أكانوا داخل المنطقتين أوخارجهما أو في دول المهجر.
على أية، حديث عرمان عن الحدود تعيد إلى الذاكرة الخلافات بين الشمال والجنوب وعدم إكمال ترسيم تلك الحدود حتى الآن. فبمنطقه المعوج ليست هناك حدود واضحة المعالم بين الجنوب والشمال. وكما تذكِّرني مسألة الحدود هذه ما أثاره حديثاً السُّوداني الفاضل حامد الجبوري المقيم بدولة قطر بالتسجيل الصوتي في وسائل الإعلام. هنا نستميح القارىء عذاراً للتعليق عليه بشيء من الاختصار لأنَّ الشيء بالشيء يُذكر. الفاضل الجبوري ينتمي إلى قبيلة عرب المسيريَّة التي تجاور قبائل النُّوبة وتشاركها السكن في جبال النُّوبة الغربيَّة، وذلك لحقب طويلة بتفاهمات وتحالفات حسن الجوار والمنفعة المتبادلة بين الفريقين، وكذلك أيضاً بفضل حكمة أعيان المجموعتين في فض النزاعات التي كانت تحدث بين الفينة والأخرى بسبب التنافس للحصول على الموارد. لقد جاء في التسجيل كثيرٌ من الصلف والتهديد والوعيد للنُّوبة، وفي أقبح صور العنصريَّة ضد القائد عبد العزيز آدم الحلو وبالضرورة ضد النُّوبة لأنَّه قائدهم وبعض من البقارة أنفسهم وغيرهم، والذين يحاربون في خندق واحد مع الحركة الشعبيَّة ليس فقط لانتزاع حقوق أهالي إقليمي جبال النُّوبة والنيل الأزرق، بل السُّودان كله فصار بطلاً قوميَّاً لمواقفه الثابتة تجاه السُّودانيين كافة. فلا نعلم ما إذا كان الفاضل الجبوري غافلاً عن أنَّ قطاعاً كبيراً من أفراد قبيلته التي يتحدَّث باسمها هم أيضاً ضحايا كالنُّوبة وغيرهم للسياسات الظالمة التي تتم في المركز، أم كان مدفوعاً بغريزة القبليَّة التي تبدو متجذِّرة فيه. فإذا كان هذا أو ذاك، فهما صنوان. لذا تكاد الأفئدة تخرج من مكامنها حينما نسمع بأنَّ أهلنا البقارة والنُّوبة وغيرهم يتعاركون وبعضنا يمد لسانه معنِّفاً الضحايا وليته يعنِّف الجناة. أياً كان الأمر فتعنيفهما بأية صورة أو أسلوب تحريضي يعتبر زيادة في العقاب أو الرِّبا فيه، كما قال شاعر العصر العباسي محمد بن داؤود الظاهري في قصيدته "رعى اللَه دهراً فات لم أقض حقه":
إذا عوقبَ الجاني على قدْرِ جرمهِ ... فتعنيفهُ بعدَ العقابِ من الرِّبا
حقاً لقد اندهشنا مما ورد في تسجيل الجبوري الذي آثر الجلوس في الغرف المظلَّلة، لا يرى فيها شمساً ولا زمهريراً، ويحصب الناس بالحجارة. ومهما قال وأطال في الكلام، فسوف لا نعير كلامه من بعد أي اهتمام ليس لعدم خطورته وتهديده للسلام والسلم المحلي، ولكن لمجافاته حقائق الواقع المحلي بين أبناء جبال النُّوبة بغض النظر عن إثنياتهم. فهؤلاء هم المعنيين بنتائج مفاوضات السلام، وأنَّ المزاج العام المحلي في منطقتهم، والدولي والإقليمي، ينادي وبصوت واحد إلى السلام، وينحو للأمن والاستقرار لكيما يتفرَّغ الجميع إلى التنمية، وهذا ما نتمناه ونأمل أن يتحقَّق.
عوداً إلى ياسر عرمان، إنَّ تلويحه بعدم ظهور قضية جبال النُّوبة في المنابر الدوليَّة، نقول بثقة تامة إنَّه هو السبب المباشر، ولأنَّه كان اللاعب الأول والأخير، بل الفريق الوحيد بأكمله في الغرف المغلقة إذ كان يقصُّ القضية بغير حقيقتها، ويفصِّلها على مقاسه ويصطفي من اصطفى من الأصدقاء إذا أراد. أما الآن فقد ظهرت المسألة بحقيقتها فأصبحت قضية "النُّوبَة" و"الفونج" أو نقل قضايا الهامش واضحة في المنابر الدوليَّة بعد أن تولى أصحاب المصلحة الحقيقيُّون والمؤمنون بالمبادىء والأخلاق زمام أمرهم. فليس هناك الحديث ولا ضجيج عن المسارات الآمنة لتوصيل الإغاثة، بل أضحوا ينادون بضرورة الحل السياسي العادل ليس لأهالي تلك المناطق فحسب، بل للسُّودان كله، السلام المستدام كأولويَّة، والترتيبات الأمنيَّة كقضايا أوليَّة لتأتي تتويجاً لحل جذور المشكلة السُّودانيَّة.
لا غرو في إعلان الاعتراف الدولي الحالي بالقضية، والسند الداخلي المنقطع النظير للحركة الشعبيَّة لدورها الريادي، ومشاركتها الفاعلة في إضعاف النظام البائد عسكريَّاً مساهمة منها بالثبات في المسار العسكري كوجه من أوجه النضال؛ ومواقفها الثابتة والقوية في دعم الثوار وثورتهم بلا شروط. عكس ياسر عرمان تماماً الذي هرول إلى الخرطوم لكي يجد وظيفة قبل أن يتوقف قطار الثورة في محطته الأخيرة، "فحدث ما حدث" من نفيه وأصحابه المهرولين معه إلى جمهورية جنوب السُّودان. إضافة إلى ما أوردناه يرى ياسر عرمان أنَّ الحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان – شمال بقيادة الفريق عبد العزيز الحلو هي العدو اللدود والمنافس له وضد طموحاته، الأمر الذي لا موقع له في قاموس الحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان.
وفيما يختص ببناء الحركة الشعبيَّة على المستوى القومي، فذلك مشروع لم يتوقف بل يسير على قدمٍ وساق بعد الثورة التصحيحيَّة داخلها، وبعد أن تخلى ياسر عن رؤية السُّودان الجديد، أو قل بعد إقالته منها بسبب تخليه عن المبادىء والركون إلى جناح الهبوط الناعم الذي لا يؤمن كبير قادته بالسُّودان الجديد. ففي نهاية الحديث عن جبال النُّوبة امتدح ياسر النُّوبة واعترف بدورهم الوطني الموحِّد. هذا الحديث أشبه باعترافات قريبه المشير المخلوع عمر البشير في آخر أيامه عندما تذكَّر وعدَّد بطولات ونضالات أبناء النُّوبة ومساهماتهم تحديداً في الدفاع عن السُّودان ووحدته. لم يلجأ المخلوع البشير إلى الاعتراف بدلاً عن الاعتذار، إلا بعدما ضاقت عليه وعلى نظام حكمه الدوائر من كل الجهات.
اللهم لا شماتة، لقد كان المخلوع البشير يعلن دائماً ومراراً بأنَّه سيصلي إحدى صلوات يوم الجمعة بمدينة كاودا، عاصمة الصمود والرمز السياسي للنُّوبة ونضالهم المعاصر، ولكن انتهى به المصير أن يصلى الفرائض وبما فيها صلاة الجمعة، والنوافل بسجن كوبر، إلى حين ينظر "الله" في أمره. نكتفي بالحديث عن جبال النُّوبة، مع الاحتفاظ بحق العودة إليها إن عاد ياسر الذي يريد الانتقال بنا الآن إلى النيل الأزرق فإلى هناك في الحقلة القادمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.